الجزء ٢٧

771 15 1
                                    

.
توقفت أقدام تميم في مُنتصف جناحه بجمود وهو ينظر إلى خُروج ودخول إرم من وإلى غُرفة الملابس وحقيبة السفر التي ترفعها بأعلى الكُرسي
مزاجها مُعكر منذ أن أحضرها من المُستشفى ، ولا يعلم حتى الآن ما بها فهي لم تفصح !
تقدم حتى وقف أمامها ولا يفصل بينهم إلا الكُرسي والحقيبة
عازمًا على معرفة سبب ما تقوم به الآن
نظر لها بحدة أبت أن تُحبس بداخله لوجهها المعرّق من غضبها اللامفهوم:
وبعدين معاك يا إرم ؟
رفعت إصبعها السبابة في وجهه بغضب وتنفسّها يزداد كل ثانية:
إذا وقفت في طريقي ، ما يحصل لك خير
رفع حاجبه بسخرية من هذا التهديد الصريح ، أيعقل أنت يكون هو هذا الوجه الثاني لها ؟ والذي قد يظهر بعد الزواج
لكن لا ، إرم مُختلفة عن غيرها
هي مُتفردة ، لا مثيل لها !
ليس لها أربعين .. هي تختزل أربعينها في روحها
مهما حاول البحث أو إيجاد نُقطة واحد مُشتركة بها أو غيرها
فلن يجد.
أخذ نفسًا عميقًا وهو يُهمس بهدوء عالي:
متضايقة وتبين تأخذين كم يوم بيت أهلك ؟
ابشري أنا أوديك وين ما تبين .. بس فهميني اللي فيك
لا تخليني كذا على عماي وعقلي ياكلني من التفكير
إن شفتي منّي شيء علميني ، يمكن إني ناسي
ارتدت عبائتها على عجل غير مُراعية بألم رقبتها الذي ما زال طريًا
لتحمل حقيبتها الصغيرة وهي تقول بحدة باكية:
ما أبغى أشوف وجهك ! لا تجيني ولا تلحقني
اتركني خلاص
فتح عينه على وسعها وهو يتبعها نزولًا للأسفل ! مُندهش
بل مُنصعق من فكرة رحيلها الأبدي
أردف بغضب عندما استقر في أرضية الصالة :
خير إن شاء الله يا بنت جابر ، وش اللي مابي أشوف وجهك
إرم لا تحديني على ما أكره .. وانتظري
خلينا نتفاهم !
خرجت وهي تلتقط مفتاح سيارته كون سيارتها غير موجودة
ليقف أمامها فجأة وهو يقول بحدة:
وتبين تسوقين فهالليل ؟ هاتي أنا أوصلك
هطل دمعها وهو يصرّ على التصرّف معها ، لا تُريد شيء فقط الابتعاد عنه:
أنت من وين تفهم ، اتركني ياولد الحلال
اعتقني لوجه الله!
تنّفس بشكل أعمق من ذي قبل مُحاولًا كبت جماح غضبه أمامها
لم يكن يومًا بالعصبي في مُجابهة هذه الأمور ، ولا يُريد أن يفقد السيطرة على أعصابه عند استفزازها
سحب المُفتاح من يدها والحقيبة باليد الآخرى ليمشي إلى سيارته ذات الدفع الرُباعي وهو يقول بحدة جارحة:
امشي أوصلك ، وإذا طخ اللي برأسك كلميني زين!
تنّهدت وشعورها بالإختناق يزداد ، لتركب في الخلف وتُغلق الباب بقوة بعد أن أرسل لها نظراته الساخرة
بعد دقائق قليلة وصل تميم إلى منزل جابر ، نزلت إرم بسُرعة دون أن تأخذ حقيبتها حتى لتدخل إلى الداخل
توسطت الصالة التي كان يجلس فيها والدتها ، وخيّال المُرتدي لبيجامة نومه !
رفع حاجبه بدهشة من وجودها:
إرم ، خير إن شاء الله ؟ وش جابك بهالوقت؟
تنفست الصعداء وهي ترمي عبائتها لتقترب من والدتها دون أن تُجيبه
جلست بجانبها وهي تحتضنها لتُبادلها سالمة الإحتضان بخوف:
يا أمي بسم الله عليك ، وش فيك صاير شيء بينك وبين تميم؟
غصّت في دمعها وهي تقول بصوتٍ مبحوح:
يمه ما أبيه ، ماني طايقه شوفته
تكفين خليني عندك ما أبي أرجع بيته
وقف خيّال بقوة وهو ينظر إليها بغضب ، ليردف بجدية:
وش هو تميم مسوي حتى تكرهين شوفته؟
دّست وجهها في كتف والدها وهي تقول بصوت مكتوم:
لا تطري لي إياه خيّال تكفى !
خلاص مابيه الحياة معه مو غصب مو غصب
أبعدتها والدتها وهي تُمسك كتفيها بيديها لتقول بإستفسار:
بين يوم وليلة كذا ؟
أول أمس تكلميني وأسألك وش هي أحوالك أنتِ وهو
تقولين تميم شايلني على كفوف الراحة
بكت وهي تبتعد عن وجه والدتها لتقوم بسرعة وصوتها يتعالى:
يممه لا تطرين اسمه ، أكرهه هو وأكره اسمه
وأكره شوفته وكله كله!
ركضت من مكانها وخيّال ينظر إليها بصدمة ، ما الذي تغيّر منذ الأمس وحتى اليوم
فقدو كانوا كالسمن على العسل ، خائفٌ عليها ومُتعلقةٌ به!
خرج للخارج على رُجوع إرم من دورة المياة
حتى جلست بجانب والدتها التي ابتسمت بخفوت:
متى آخر مرة حللتي؟
عقدت حاجبيها وهي تُهمس بإستغراب:
أحلل ايش يمه ؟
اقتربت منها وهي تُربت على فخذها بحنّو:
تحليل الحمل ، ترا هالحالة مو غريبة عليّ وأنا أمك
أنا يوم إني حملت بفيّاض كرهت أبوك الله يطول لنا بعمره
-ابتسمت بعُمق- بس أبوك ما سوا لي سالفة مثل تميم
كلمتين وقفّت شعر جسمي وخلتني أنا بجناح وهو بجناح
نظرت للكلمات التي تُخرج من فاه والدتها ويدها تلقائيًا ذهبت إلى بطنها
طفل ؟ أيُعقل بعد أن فقدت الأمل بإحتضان قطعة منها لصدرها أن تحيا به الآن؟
بعد أن فقدت طفلها الأول بأبشع الطُرق وأقساه ، تُعاد تجربتها
هذه المرة ليس من صالح ، وياللعجب أن صفحة صالح انطوت من حياتها واصبح ذكراها يمر كالدغدغة على رُوحها
وصفحة تميم بدأت بالامتلاء ، حتى ظنّت أنها قد تحتاج لكُتبٍ عدة
خرجت من بين شفتيها ضحكة صغيرة ، وعيناها مُمتلئة بالدموع وهي تُهمس بين الفينة والآخرى " حامل ؟ أنا حامل ؟"
دخل خيّال من الخارج وهو يحمل حقيبة إرم والضيق باديٍ على وجهه :
الرجال ما لقيته ، ما لقيت إلا هالشنطة بالحوش
-أردف بقهر - ايه ياعزتي لي من يعلم وش من قهر في قلبه على سواتك
ابتسمت سالمة ابتسامة عريضة وهي تنقل نظراتها بين خيّال وإرم:
يا خيّال علّم تميم إن بنتي بتقعد عندي هالشهر على الأقل
وإن كانه يبي ولده ومرته ، يصبر على بُعدهم
فتح عيناه على وسعها لتُفلت منه صرخة مُندهشة ، ليقترب من إرم وهو يُمسك يداها ويجرّها حول الصالة:
حامل يا حيوانة حامل ؟ احلفي بالله لا أهفّك كف أحلفي
تعالت ضحكات إرم على جنون هذا الرجل اللامُتناهي ، لتصرخ باسمه عندما شعرت بدوارها
أفلتها بسرعة وسط توبيخ والدته ليُخرج هاتفه من جيب بنطاله وهو يقول بحماس:
والله محد يبشرّ تميم غيري ، أجل بيصير أب هالنتيفه
هزولت والله
رنّ له لمرتين متتاليتين دون أن يردّ عليه ، ليترك هاتفه وهو يُميل بشفاته:
ما يردّ ، الرجال مغبون اليوم ! خلّي يبرد قلبه وبتصلّ فيه بكرة
.
.
.

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن