الجزء ١٠

1K 19 1
                                    

.
يجلسون في الصالة بصمت ، ينظر راشد إلى جهازه المحمول الذي يعمل عليه إياد
بينما يسترق إياد النظر إليه بين الفينة والآخرى
ليُردف بهدوء عميق:
وين وصلت؟
انتبه له ليتنّهد بابتسامة ضيّقة:
يوم بغينا نوصل للسماء ، اكتشفنا إن السماء مالها حدّ
نظر إليه إياد بتركيز ليقول:
وش تبي من السماء ؟
نظر إلى أصابعه يده النحيلة ليُردف بهدوء:
الحُرية.
عُمرك شفت طير حُر يرتجي الحُرية؟
سكت إياد قليلًا ليقول بسُخرية موجعة وهو يتذكر الأحرار ممن عاشرهم :
شفتهم وياكثرهم !
منهم اللي انقطعت إيده ورجله عشان يعيش حرّ معزز!
وش عندكم هِنا يا راشد ؟ ليش شايف شباب
في أول حياتهم بلا هدف ؟
ما تعرف خطورة الإنسان لمّا يعيش بدون هَدف ؟
أردف راشد بنبرة جادة:
عايشين على أمل اللقاء ، على أمل ينتهي العناء ونرجع
ماتعرف شو اللي عشناه يا دكتور فما لك حق تُحكم علينا
تراجع للخلف ليعقد يديه لصدره
ويُردف بسُخرية:
بني آدم ، دائمًا يهوّل المصايب!
بينما لو التفت حوله بيشوف إن كل شخص في حياته مصيبة تشيّب الرأس
على هُونك بس يا راشد ؛ وبتعيش
كان راشد سيواجه إيادً بمُعاناتهم / ومأساتهم ليعلم معنى كلمة " مُصيبة "
لكنّ الباب طُرق ؛ ليقف راشد ويتّجه نحوه
فتحه بخفة ليندهش وهو يرى كادي تقف خلفه بشكل مُرتجف
تحمل في يدها كيس بلاستيك بداخله علبة حليب
ليُردف بصوت عالٍ نسبيًا :
كادي شو يابج ؟ فيج شيء؟
لتُهمس بصوت مُرتجف هامس:
جاي وراي ، بيذبحني
نظر راشد لعينيها المُمتلئة بالدمع الندي والذي يُصارع على النزول
رجفة يدها وخوفها الذي بدا واضحًا عليها
لتسترق أذنه السمع لصوت المصعد وهو يُوشك على الوصول
مسك يدها ليسحبها للداخل بقوة وعجلة!
أسند ظهرها على الجِدار بجانب الباب!
وهو ينظر لعينيها ويُهمس:
أوش ، لا ترمسيّن!
أستند بجانبها ليترك الباب مفتوح قليلًا بشكلّ متعمد
وهو يمدّ يده ليُطفيء إضاءة الشقة بضغطة زرّ واحدة!
شهقت كادي بخوف من الظلام الذي أحاط بهم!
ليُأشر لها راشد بالسكوت وهو يدعي الله في داخله
أن لا يتحرك إياد من مكانه ويُفسد خُطته التي أحكمها في ثواني قليلة
تراءى لمسمعهم خطوات أقدام تقترب رويدًا رويدا من باب الشقة
أخذت كادي شهيقًا لم تُزفره وهي ترى الباب يُفتح قاصدًا إياهم !
لم يكن جسدًا ، بل يدًا تحملّ السلاح بشكل متأني!
أخذ راشد وضعية الإستعداد الهجومي للإنقضاض عليه
إلا أن عيناه توسعت بصدمة عارمة وهو يرى وقوف إياد المُستغرب أمام هذا الشخص
ووجه إياد يتجمّد في لحظة أمام السلاح الموجّه عند رأسه
بلع ريقه ليتراجع للخلف خطوة وهو يرى تِلك الابتسامة الكريهة على وجهه!
ارتعبّ راشد من أن يقوم بقتل إياد حالًا لذا لم يدع لعقله مجال للتفكير
وهو ينقضّ من خلفه بشكل مُفاجيء ويُمسك بيده
التي تحمل السلاح ليرفعها إلى الأعلى
صرخ راشد بحدة :
ابعـــد!
ولكنّ إياد ما زال يقف فيه مكانه دون حركة حتى وهو يرى المعركة التي تحدث أمامه!
بين راشد والمجهول الذي لم يلمح ملامحه حتى الآن
ينظر بشبه برود بلا تدّخل أو مُبالاة!
ولن يتدخل ، المرّة الأخيرة التي تدّخل فيها عُوقب وحُبس وأُهان
ولا يُريد أن يُعيد مأساته
فجأه أُضيئت الشقة بضوء الُرصاصة الخارجة من المُسدس المكتوم
لترتجف كادي من سقوط الاثنين على الأرض دون حِراك
اقتربت من زرّ الإنارة لتنُيرها وهي تنظر إلى راشد والشخص الآخر
تقدّمت لتهمس بصوتٍ مُرتجف باكي:
راشـ ـد !
بادلت نظراتها لإياد الصامت الذي لم يتزعزع من مكانه حتى الآن
اقتربت أكثر لُتهمس بنفس النبرة:
يـ ـارب لا ، راشـ ـد؟
لتُزفرّ بإرتياح وهي ترى راشد ينقلب على ظهره ليُصبح مُستلقيًا على الأرض ويتنفسّ بصعوبة بالغة
جثت بالقُرب منه لتضع يدها على كتفه وتقول:
أنت بخير ؟ صارلك شيء؟
هزّ رأسه بإيجاب وهو يرى إستلقاء الشخص بجانبه مغمىً عليه
وقد اخترقت الرُصاصة كتفه الدامي
استقام في جلسته ليلتفتت له وهو يسحبه من وجهه ليراه بوضوح علّه يتعّرف عليه
صرّ عينه لينظر إلى ملامح وجهه وهو يهمس:
شرق آسيوي !
رفع عينه لإياد ليقول:
وش جنسية اللي تهّجم عليك بمانشستر ؟
آخذ نفسًا عميقًا ليُزفره ويُردف:
مادري !
أغمض راشد عينه ليفتحها بقلة صبر:
إياد تذّكر معيّ
شكله ؟ ملامحه ؟ صوته أي شيء يدّل على جنسيته؟
مسح على عينه وهو يُحاول الرجوع لأسبوعين إلى وراء
حتى أردف بتذّكر:
لمّا كان يبي يقتلني نطق اسمي مسبوق بكلمة أديو
كررّ راشد الكلمة بشكل هامس وهو ينظر للمجهول:
أديو أديو أديو
تابعة لأي جنسية تذّكر يا راشد ؟
صوت كادي جاء لراشد وهي تقول بهدوء:
أديو معناها الوداع باللغة الفرنسية
قفز من مكانه قفزة عالية وهو يقول بصوتٍ غاضب:
يعني مو المقصود إياد - ليلتفت لكادي - المقصود أنتِ
وين رحتي كادي وين؟
تراجعت كادي للخلف عندما رأت اقترابه لتقول بإستغراب خائف:
نزلت السوبرماركت بس.
لينفجر في هذه اللحظة بغضب:
أنا جم مره قلت لج لا تتطلعين بروحج ؟ جمّ مرة نبهتج وحذرتج
أن الليل بالذات لا تنزلين لمكان ؟ شو من لغة أرمّس فيها أنا؟
اغمضت عينيها بوجع لتُهمس:
لا تصرخ !
تراجع ليضرب برجله على الأرض بحدة:
ياي لج يبي يذبحج ، ومن حُسن حظج وسوء حظه يبتيه لشقتي
ولا هو كان قاصدج !
فرضًا قدر يمسكج وأنتِ راجعة من السوبرماركت
ذبحج ورماج بدون ما نعرف عنج شيء - ليصرخ - ما فكرتي شو راح يصير فيني ؟
لتُردف كادي بصوت عالٍ دامع:
لا تصرخ فينيّ!
اقترب ليقول بحدة:
حاضر عمتيّ ، بطبطب عليج وبقولج بالطقاق
طلعي وردّي وقت ما تبي وخليّج سبيل للقتلة هذيل
ما تفهمين أنتِ ؟ طلعة بروحج ممنــوع
مدّت راحتيّ يدها لوجهها وهي تُجهش في البكاء بصمت من صُراخه
هي تعلم أنها مُخطئة عند خروجها من شقّتها
ولكنّ رأت أن الليل للتوّ هبط على سماء للندن والطُرق ما زالت مُزدحمة
لن يستطيعوا الترصد لها
شعر راشد بإياد وهو يسحبه للخلف ويُواجهه
ليقول بصوتٍ حاد هامس:
الرخمة هو اللي يرفع صوته على بنت ويبكيّها
اصطلب لا تخليني أعلّمك علوم المرجلة
تنّهد ليُبعد يده التي كانت تُمسك بقميصه دون أن يردّ عليه
وبُكاءها يُشطر قلبه لنصفين ويُدميه بوحشية
يخاف عليها حدّ الوجع ، يخاف من أن يفقدها
يعلم أن حِرصه يخنُقها ولكن لتخاف
يجب أن تخاف لكي لا تستهين بحياتها يومًا
اقترب منها بخفوت ليُنزل يديها عن وجهها ويُنزع نظّارتها
ويمدّ لها المناديل ليقول:
خلاص حق شو تصيحين ؟
يا كادي أنتِ لازم تحطين حياتج بعين الإعتبار
مب معقول كل مره أيلس أقول
ضربت يده بخفّة لتأخذ نظارتها وترتديها لتتراجع خطوة وتقول بصوتٍ مبحوح:
ما يحق لك ترفع صوتك عليّ !
عندي أذنين بدل وحدة أقدر أسمع فيهم بهدوء
ابتسم فجأة ليُردف:
ابشري ، أنا آسف !
خليني الحين أشوف صرفة للخبل هذا
التفت للأرض وهو يجثو على ركبتيه ليبدأ بنبش جيوبه
مُتنقلًا من قميصه لبنطاله علّه يجد شيئًا
وهو يبتسم لتحوقل إياد وكلامه الساخر :
ذبح ومذابح ياخوفي تطلعون من ضمن عِصابة مخدرات
أو تصيرون من أصحاب الفكر المُتطرف
بكرة ألاقيكم تذبحون ناس ببرود وبتفوح ريحتي معكم
شعر بشيء صلب يضرب يده ليُخرجه وهو يرى هاتفه
ليقول بابتسامة:
تطمن يا دكتور ، حنا حتى السلاح ما نستخدمه
وبكرة على قولتك راح تِشكرنا على سواتنا فيك
-رفع رأسه له ليُكمل- والحين مُمكن تساعدني أرفع هذا؟
اقترب منه ليُساعده وهم يضعونه على كُرسي خشبي ويُقيدونه بحبل غليظ
ليُردف إياد بعد أن وضع عصابة على عينه:
ما شيّكت عليه لا يكون مات؟
تراجع راشد وهو يُخرج هاتفه ليتصلّ بالباقي ويقول:
هذيل مثل الينانوه ما يصير لهم شيء
جلست كادي بإرتجاف توترها حتى الآن على الكنبة
ويُعاود إياد الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر
بينما جلس راشد على الأرض مُحاولًا فتح الهاتف الذي وجده بصُحبته
ليسمعوا جميعهم فتح باب الشقة وظهور دانة ويُوسف
اقترب يوسف المُرتعب ليقول:
يا إن مُكالمات الليل ذي تخوفنيّ ، وش صاير رويشد؟
تجمدّت نظرات دانة على الدم المنثور في الأرضية
ليقول راشد بعد أن أشر للمُقيّد :
عندنا صُحبة ، والظاهر صُحبة راح تتكفخّ اليوم
اقترب دانة من كادي وهي تحضنها بخفة لتقول:
كدو ، صارلج شيء ؟ شفيج ترجفين!
تنّهد راشد ليقف من على الأرض وينظر لهنّ:
ما صار شيء ، الچلب هذا كان يُمشي وراها ويابته للشقة
خوش فكرة صراحة!
زفّرت بضيق دون أن تُردف كلمة واحدة
ليدخلوا في هذه اللحظة ماريّا ومُهند المُبتسم ابتسامة عريضة جدًا
ليُفاجئها راشد فورًا بمدّه للهاتف :
عندج خمس دقائق تحاولين تفتحينه ولا بكسّره في رأسج
فتح مُهند عيناه ليقول بإندهاش:
هييييه ريلاكس ريلاكس ! موه فيك معصّب؟
ضحك إياد بسخرية خافتة ليشدّ إليه إنتباههم جميعًا
ليتكتّف براحة وابتسامته الساخرة تموج على وجهه دون ردّ
صدّ راشد ليُهمس بضيق:
وايد مستانس ما شاء الله - وجّه كلامه لماريّا -
حاولي تفتحينه تكفين سوي أي شيء حتى لو تخترقينه
بالكاد أكمل كلامه ليرنّ الهاتف في يدّ ماريّا
ومن توترها ضغطت على الزرّ الأخضر لتستمع إلى صوت ليس بغريبٍ عليها أبدًا
وضعته على مكبّر الصوت لينتشر صوته الغليظ في أرجاء الصالة بنبرة ضاحكة:
إلهي إلهي ، لم أكن أعلم أنني وظفتّ قاتل أبلة
هل أستطعم الإمساك به بسهولة يا أطفال؟
نظروا إلى بعضهم البعض دون همس أو صوت
ليُكمل هو بنفس النبرة:
سقط القاتل الأول بقضبتكم ولكنّ تأكدوا أن القاتل الثاني بالطريق إليكم
خيار واحد أنتم مُجبرون على تنفيذه
سلّموا الدكتور إياد
أو سأضطر إلى إرسال قُنبلة الموت لأوطانكم!
-ضحكة طويلة أردفها بآمر حاد-
لديكم ساعتين فقط ، اختبروا حظّكم
لتتجمدّ وجوههم ونظراتهم في بعضهم من المُصطلح القاتل - قُنبلة الموت -

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن