الجزء ٣٧

1K 16 2
                                    

بعد أسبوع – في منزل راجح:
ارتجف الهاتف بين يديها وهي تنظر إلى الكلام الذي خُطّ أمامها . كلام لا تفقه به كثيرًا
ولكن عينها قد سقطت على النتيجة . والنتيجة فقط
جلست من إرتجافها على السرير . وهي ترفع يدها بتردد لفمها المملؤ بأحمر الشفاة
شعرت بإرتعاشة كهربائية مرت على صدرها وقلبها . وامتلأت عيناها بالدموع الوفيرة
لتُهمس بينها وبين نفسها:
كيف يعني ؟ ياربي مهوب وقته .
مسحت على وجهها وهي تُغلق هاتفها وتٌعيده على الطاولة عندما شعرت بدقات الباب
لتقف وهي تنظر للمرآة أمامها وترتبّ لبسها الذي كان عبارة عن فستان صيفي قصير نسبيًا
بأكمام وياقة طويلة . وهُناك شريطة مربوطة على ياقتها
ترفع شعر لأعلى على شكل ذيل حصان . واضعة بعضًا من مساحيق التجميل الخفيفة
تنتحت لتقول بهدوء:
تفضّل
دخلت أسيل من خلف الباب بإبتسامتها المشرقة وعيناها تروي سعادتها:
خلصتي ؟ شفتك ما نزلت وقلت أجي أتطمن عليك
أمك وصلت من شوي
رسمت ديّار إبتسامة خفيفة على وجهها الطفولي الجميل:
ايه خلصت بس قعدت أرتب الغُرفة شوي . هذاني نازل
خرجا مع بعضهما البعض . كتفًا بكتف وقلبًا بقلب
جاء تعارفهنّ صدفة لا غير . ساق القدر لديّار فتاة رائعة
أصبحت مثل أختها وأكثر . وبسببها . حُظيت بنعمة عظيمة لا تقدر بثمن
وكذلك أسيل . بعد أن عاشت سنواتٍ ليست بالقصيرة في منزل ذا طابقين وحيدة
حين كان يخرج أخيها صباحًا ويعود ليلًا . حين انكفأت على تربية فهد
حين ضاقت بها الأرض بوداع والديها وزوجة أخيها السابقة
أصبحت وحدتها اليوم . مؤنسة . أصبحت حياتها . مشرقة
التفت لديّار وهي تقول بشعور ممتن:
وش شعورك ؟
تنهدّت ديّار وهي ترسم ابتسامة شاكرة وحامدة . لو سألتها هذا السؤال قبل 10 ساعات من الآن
لقالت إنها خائفة . مرتبكة . مترقبّة .. لكنّ شعورها اليوم مختلف كليّا
تُمم عقد قرآن أختها الكادي . عادا راجح وفهد من السفر . وعاد فهد يمشي على رجليه
وذاك الخبر . الذي رأته قبلًا . لو أنها رأته بالأمس أو قبله . لقالت لا وألف لا
اتسعت إبتسامتها لتقول بهمس:
النِعم صغيرة كانت أو كبيرة تحفّني حوف يا أسيل . كلنا بأمان
بصحة وعافية . وسعادة وشجى . اللهم لك الحمد والشكر
غيره ما أتمنى
ابتسمت أسيل وهي تُحاوط عضدها بكلتا يديها لتُغمز لها:
وأبو الشباب في الطريق . لا بالله مالك حق تتمنين غيره
هيّا خلينا ننزل بس . اسمع صوت السيارة
شهقت ديَار عندما تراءى لها فعلًا صوت بوق السيارة يتعالى في فناء المنزل
لتٌبعد يدا أسيل وتنزل بسرعة قصوى . توقفت للحظة في الصالة . ونظراتها نحو بابه
لوهلة جُبنت . خافت من المُقبل عليها . خافت أن يكون كلّ ما قاله راجح غير صحيح
لكنّها حين التفتت بنظراتها . وجدت إبتسامة والدتها الحنونة . وجدتها تنظر إليه بعينين مملؤه بالتشجيع
والمُساندة الرقيق . كأن تقول لها لا ترددي فسعادتكِ على بُعد مترين لا أكثر
ابتسمت ديّار لتخرج غير مُبالية بمن حولها وبمن يكون مع راجح
فتحت الباب وشوقها يُعري قلبها ويفضح ملامح وجهها الخجولة . لتشهق بقوة
ما كانت إلا شهقة مُرتجفة وراجية وهي تنظر إلى فهد الذي يقف على الأرض بقدميه
ومن خلفه يسنده راجح المُبتسم الذي يُمسك بكتفي فهد ونظراته موجه نحو وجه ديّار البهيّ
جثت على ركبتيها وهي تفتح يداها بإتساعها الكامل . فتحتها راجية من قدميه أن تأخذه لحضنه
راجية من الهواء الذي يُحيطهم أن يسحب إليها فهد ويزرعها في أعماقها
شجّع راجح ابنه على التقدّم . الذي بدأ يتقدم خطوة بخطوة وهُناك ابتسامة صغيرة على ثُغره
تقدّم حتى آرتمى فيها حضنها وهو يُهمس لها:
ماما !
لفّت يديها بسرعة وهي تلتقطه حولها وحول روحها . بكت على كلمته
وبكت على شفاءه وعودته مثلما كان . همست له وهي تستنشق رائحته:
ياعيون ماما وروحها . ياعيونها يافهودي
ابتعد فهد وهو يضحك بطفولته على القُبلات التي نثرتها ديّار حول وجهه ورقبته
مسك وجهها الممتليء بالدموع بين يديه ويضربه بخفّة
اقترب منهم راجح حينها . لتقوم ديّار وهي تحمل فهد لولا شعورها بوجع طفيف أسفل بطنها
أحاط يده حول كتفها ليقبّل رأسها:
مافي الحمدلله على السلامة لهالفقير؟
ضحكت بخفة وهي تمسح دمعها لتتكيء برأسها على صدره وتُهمس:
توها ما رديت الروح يا راجح . توها ما تبارك عُمري
الحمدلله على سلامتكم . والله يخليكم لي
ابتسم راجح وهو يُعاود تقبيل رأسها ويُهمس بآمين خافتة . ليلتفت نحو أخته الصغرى والوحيدة
وهو يحتضنها بقوة شديدة . همست في إذنها بكلّ عبارات الترحيب التي عرفتها
لفت نظره ذلك الطيف المختبئ خلف الباب ليتقدم إليها وهو ينحني على رأسها
لتُهمس حينها سالمة بخفوت:
الحمدلله على السلامة يا ولدي . قرة عينك بسلامة ولدك
هزّ رأسه بإيجاب وهو يقول بهدوء باسم:
بوجه نبيك ياعمتي . الله يطول لي بعُمرك
-
تجلس منذ عشر دقائق ويدها بيد راجح . الذي طاله القلق من سكوتها
ليردف بخوف ومحاتاة:
ديّار حبيبتي وش فيك ؟ من جيت وأنتِ ماسكه يدي
جنبك . والله جنبك مب رايح لمكان
تنهّدت ديار وهي ترفع عيناها الدامعة لعيناه القلقة لتُهمس بشرود:
راجح . أنا حامل !
أعتدل راجح في جلسته ويشدّ من قبضة يده حول يدها . ظنّ أنه سمع بشكل خاطيء
وصل له همسها بشكل متذبذب لم تُترجمه إذنها . ليهمس بعقدة حاجبيه:
وش قلتي ؟
عضّت على شفتها وهي تشدّ يده لتسحبها وتعضها حول بطنها:
أنا حامل –مدت له هاتفها حيث وصلها الإيميل قبل قليل- سويت فحص قبل يومين
لأن الدوار والغثيان تفاقم . وخفت يكون عندي فقر دم
والنتيجة اليوم طلعت . أنا حامل راجح
نظر إلى صفحة التقرير بهاتفها وعينه على النتيجة التي تخبره أن هذه المرأة تحمل بداخلها جزء بسيط منه
خارت قواه وانتكست أكتافه . وكأنه كان ممتلي . ففاض .
كيف يُترجم شعوره وهو الأمي الجاهل بالإفصاح . لطالما رغب بطفلٍ يجمعه بديّار
بل بطفلة تشابهها في كلّ شيء . في بياضها . نقاءها . في شعرها الذي يعشق
في عيناها التي تفيض حًبًا و شوقًا ودلالا .
تجرع ريقه مرتين متتاليتن , لم يجد طريقة مناسبة ليقول بها ما يشعر به
شتّم التحجّر الذي يُلفي قلبه . شتم هويته الشرقيّه التي لا تعلم إلا كلماتٍ معدودة
بشكل مفاجيء وقف وهو يسحبها من يدها ليقول بجدية:
قومي نروح المستشفى نتأكد أن كل شيء سليم
تفاجأت به ديّار . لتُمسك يده بيديه الأثنتين وتوقفه:
لحظة راجح – اقتربت منه وسط ابتسامتها الدامعة – كل شيء سليم
التقرير عندك هذا هو . والله العظيم كل شيء بخير . أنا وهو
حلفت أمامه . حلفت لأن خوفه رأته في عينه بهذه اللحظة
عاد له خوفه من حمل رُبى ليتجسّد بصورة وحش قاتل أمامه
اتسعت ابتسامتها عندما سحبها بقوة من يدها ليزرعها في حضنه
وهو يُهمس في أذنها بعُمق العمق :
تبشّرين ؟
لا بالله تنعشين وتروين وتمطرين بمزونك عليّ
ما هو خبر عادي يا ديّار . والله ماهو خبر عادي
هذا خبر الجبر بعد الكسر – تراجع وهو يقبّلها بعمق ليُهمس -
يوم نزلتي على صدري كنتي بمقام الضيف . وشلون الحين صرت الراعي والوليّ؟
اللي قدامك كان خايف من أيامه . كان خايف منك وعليك . وكان يدعي ياربّ طمنه
ما دريت إنك جيتني مثل الطمأنينة بعد العُسر . أطلبي روحي يا ديّار
وما أقول إلا لبيه وحاضر جعلها فدا
ابتسمت وبابتسامتها فاضت دموعها لتُهمس له:
عرفت قدرك وأثاري قدرك بقلبي عالي . تعبت بنص الطريق
ولما بغيت أستريح مالقيت إلا واحتك
ضميتني في صحراءك يا راجح
صرت لي الظل والنبع . صرت لي غيمة وسط لهيب الشمس
ياكبر قدرك كبراه في صدري اليوم . وكل يوم
اقترب من وجهها وهو يهمس بنبرة حزينة مصطنعة:
وش صرت الليلة؟
ضحكت بخفة وهو تعاود إحتضانه ولملمة خجلها:
يا عرق من عروقي وقرة عيوني
.
.
.

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن