الجزء ٣٨ والأخير

1.8K 42 15
                                    

-

-
بعد شهـر :
دخل إياد إلى جناحه بعد يوم طويل قضاه في الجامعة الذي استأنف دوامه فيها منذ أسبوع فقط .
رمى مفاتيحه على الطاولة الصغيرة على المدخل وهو ينزع شماغه ويدلك جبينه بتعب
صوّت بصوتٍ خافت بإسم كادي . واستغرب عدم ردها لأنه لم يجدها بالأسفل مع والدته
دخل لغرفة النوم الرئيسية بشكل سريع . ليُلفت إنتباهه رأسها فقط من الجهة الآخرى من السرير
إلا أن ما أخافه هو إهتزاز رأسها بشكل متتالي . ركض نحوها والخوف ملأه
ليجلس بجانبها وهو ينظر إليها مكتفةً يداها أعلى ركبتيها ويقول بخوف:
كادي . بسم الله عليك الرحمن الرحيم . وش فيك ؟
إرتجافتها كانت تتعالى في كل دقيقة تمرّ عليها . ليتضّح لإياد أن نوبة صرع قادمة في طريق
وضع غطاء السرير الخفيف على الأرض بسرعة . ليُعاود وضعها على الأرض بجانبها الأيسر
كانت دموعها تهطل في صمتٍ مُخيف . وشفتاها ترتجفان بحدة كأنها وُضعت في ثلاجة متجمدة
وضع يده خلف ظهرها وهو يمسح عليه بين فينة والآخرى . ويسمّي بالله عليها
حتى مرت دقائق ليست بالطويلة عليه . وعندما سكنت حركتها فجأة . خرجت شهقة آلمت فؤاد إياد
ساعدها على الجلوس بشكل مُعتدل ليُهمس لها بعُتب:
ليش ماخذيتي دواك ؟
رفعت عيناها الدامعة له لتُهمس وسط شهقاتها:
تعبت . تعبت ما أبي أكل هالحبوب . تتعبني أكثر مما تشفيني
مسح دمعها بطرف سبابته ليتنهدّ وهو يجلس بجانبها:
أنتِ في تحسن مستمر ياروحي . وسمعتي الدكتور وش قال ؟
هي مسألة وقت وبتخفّ عنك نوبات الصرع بشكل كبير . بس اصبري
أراحت رأسها على ركبتيها لتُهمس بذات الوجع:
والله يا إياد تهلكني . طول اليوم أحسني تعبانة . وإذا رجعت لي النوبة تفقدني قدرتي على التصرف
تكفى خلينا نغير العلاج على الأقل
انحنى وهو يقبّل رأسها بعُمق . كيف يواسيها ؟ لم يظن يومًا أن غيرتها على وطنها وخوفها عليه
سيكون نتيجته مرضٌ قد لن تستطيع التخلّص منه ما دامت حيّة:
العلاج اللي تاخذيه يناسب حالتك يا كادي – ابتسم بخفوت –
قومي خلينا نطلع نتغدى برا . ما دام بكرة إجازة
نظرت له وهي تُحاول الإبتسام بعيدًا عن مآسيه التي لو صرّحت بها لظلّ مكروبًا طوال يومه من قلة حيلته
ابتسمت وهي تراه يُحاول إخراجها من ضيقها وتعبها في كل مرة تمر عليها النوبة
همست بحنان لا مُتناهي:
توكّ راجع من الدوام ارتاح . مب لازم نطلع
وقف وهو يُحاول أن يبعث فيها الحماس وأن يُبعد عنها التفكير بمرضها ليقول بمرح:
قومي بس . عيب ترفضين عزيمة تجيك لقدامك
ضحكت وهي تعتدل بوقفتها بمُساعدته لترتدي عباءتها ويُعيد هو إرتداء شماغه
حتى نزلا معًا إلى الأسفل حيث كانت تجلس زُهى . وبرفقة ليث الذي وصل حديثه لآذانهم
-
تراجع ليث وهو يضحك بإندهاش من الخبر الذي نقلته له والدته:
يخليلي إياك يا يمه . زواج لا وألف لا . يا زين العزوبية وشوله أرمي نفسي للغثى
عقدت حاجبيها بإمتعاض من ردّه الذي أعاده لها مئة مرة لتردف بإصرار:
الغثى والله هاللي تلاحق وراه ولا ينتهي . بتتزوج ياليث والبنية جاهزة
اقترب منها ليث وهو يُحيط عضدها بيديه ليقول بأسى مصطنع:
زوز يا حياتي أنتِ فكيني من هالسيرة لا تبلشين بنت الناس معي . وبعدين ياعيوني أنا أغار عليك من مرتي
بكرة تآخذني عنك وتشغلني وأموت بليّاك
رفعت حاجبيها بدهشة من هذا الطاري البغيض لتقول:
تف من فمك . تعوذ من الشيطان –لتُكمل بحنان- ياولدي العُمر يمضي بك
هذا أخوانك تزوجوا واستقروا . خويّك اللي أنت وياه رأس برأس تزوج ولا بهو فاضي لك بعدها
أشر لها برأسه وهو يقترب من دلّة القهوة ليقول بضحكة:
أبركها من ساعة يمه . خليه يفكّ مني شوي . من بديت أمشي وأنطق وهو مناشبني
وصل لهم صوت إياد النازل من السلّم وهو يقول بابتسامة واحدة:
خليّه منك يمه هالمطفوق . ما عدلته العزوبية بيعدّله الزواج ؟
نظر له ليث بنظرة سريعة ليقول بمرح:
بمشي وراء نهجك يا دكتور إياد . لا للزواج حتى سنّ الأربعين
ابتسم إياد وهو يقف بجانب كادي ليقول بغمزة:
عزّ الله بتفوتك أيام وأيام ياليث
قبّل رأسه والدته وهو يستأذن منها حتى خرج بصحبة كادي ليركبا سيارته وانطلقا للمكان المنشود
رنّ هاتفه قبل وصوله للشارع العام ليأخذه وهو ينظر بدهشة . حتى وصله صوت الطرف الثاني المملوء بالقلق
ليردف بجدية مخففًا عليه:
طيب طيب إن شاء الله
.
.
تراجع تميم بكرسي مكتبه وهو يمدد يديه للأعلى بعد جلسة طويلة استمرت لساعتين متتاليتين
سقطت عيناه على الساعة في جهازه المحمول ليرفع رأسه نحو الباب مستغربًا:
تأخرت . كلها هذه قهوة وتمر ؟
وقف من مكان وقلبه المنتبه دغدغه بخوف من أن مكروهًا أصابها وهي في الأسفل . بينما هو ينتظرها بالأعلى
ليخرج بخطواته أولًا للمطبخ التحضيري دون أن يجد لها أثرًا . حتى نزل للأسفل بذات السرعة وهو يناديها:
إرم . يا إرم !
تراءى له صوت أنين وبُكاء خافت قادم من المطبخ . ليمشي بخطوات وسعة نحوه . تفاجأ . بل أندهش
وهو يرى جلوس إرم على الأرض مُستندةً على دولاب المطبخ وتُمسك بطنها بألم تشبعّ حتى وصل لملامح وجهها
اقترب منها وهو يصرخ بخوف من هيئتها المُربكة:
إرم ؟
رفعت وجهها الأحمر له لتقول بذات النبرة المُوجعة والصارخة:
بولد تميم. بولد بولد ألحق عليّ
جلس بالقُرب منها وهو مشتت . وخائف . بل يشعر أنه سيموت من خوفه عليها:
وش تولدين إرم . توك دخلتي الثامن يمكن أنه طلق وهمي؟
مدت قدامها على وسعها وهي تشعر بإنقباضات فظيعة أسفل بطنها , شعور آخر يفتت عظامها
وتنفسها شيئًا فشيئًا يضيق . صرخت فيه بخوف:
ألحق عليّ لا تموت بنتي وأموت وراها , ألحق
انتفض خوفًا عند طاري الموت الذي بات يخافه وتخافه هي كثيرًا بعد فقدها لجنينها الأول أمام أعينها .
ليركض بأسرع ما يُمكن للغُرفة القريبة وهو يُحضر لها عباءتها . رماها عليها ليحملها بين يديه متناسيًا قدمه التي بدأت تؤلمه
بلع ريقه بصعوبة عندما شعر بالبلل أسفلها . وزاد الرُعب الذي استوطن قلبه
وضعها على الكُرسي الخلفي لحذر واسع لتُمسك يده قبل أن يتراجع
وهي تقول بصوتٍ مملوء بالألم والضيق:
لا تتصل بأمي . كلّم كادي خلي إياد يجيبها
هزّ رأسه وهو يُغلق الباب ليركب مكان السائق ويخرج خارج فناء منزله . ساق بأسرع ما أمكنه وهاتفه بإذنه
يرّن لإياد الذي بمجرد ما قبل إتصاله صرخ له تميم بجدية:
إياد تعال أنت ومرتك لمستشفى النساء التخصصي , بسرعة
.
.
يمشي ذهابًا وإيابًا بالقُرب من غرفة العمليات مرتديًا لبيجامة نوم دون أن يغيّرها
والقلق ينهشه من أقصها وحتى أدناه . يزداد عرق جبينه في كلّ دقيقة تمرّ عليها وهي بالداخل
يشعر كما لو أن هُنا نمرًا ينقضّ على قلبه بكل لحظة . وتنفسه يضطرب خوفًا وتجهما .
شعر بيد إياد تُمسك به للمرة المئة في هذه الساعات الثلاث ليصله صوته الجاد:
اقعد ياولد الحلال اقعد . أحولت عيني وأنت رايح جاي . أقعد وعيّن من الله خير
التفت له تميم وهو يُزفر بقوة:
تأخروا إياد . مرة تأخروا داخل . كلّم مرتك تطلع لنا
أجلسه بجانبه غصبًا عنه هذه المرة ليقول بذات الجدية:
ليش تحسب الولادة لعبة . تاخذ ساعات وساعات . ارتاح وهوّن عليك . إن شاء الله بيطلعون يبشروك بسلامتهم
مسح على وجهه وهو يضع طرف أكواعه على رُكبتيه , وللتو ينتبه أن مرتديًا لشبشب البيت
ابتسم محاولًا تخفيف التوتر عنه ليقول:
لو أحد شافني بهالشكل وصّورني راحت مسيرتي المهنية
أنزل إياد نظراته حيث ينظر تميم . ليضحك بخفة عندما لمح شبشبه المنزلي الأسود دون أن يُعلق عليه . فما به يكفيه حتى الآن
دقائق آخر قضوها في إنتظار خروج أي مخلوق من خلف الباب المشوؤم . حتى جاء الفرج على قلب تميم
حين خرجت الممرضة من خلف الباب ليقف تميم فور رؤيته لها . تقدمت منه بإبتسامة عينياها:
الحمدلله أنتهت الولادة . مبروك عليكم البنوتة .
نظر لها تميم وهو يقول بعجلة:
إرم . إرم كيفها ؟
هزّت رأسها وهي تستعد لتُعاود الدخول للداخل:
الأم بخير الحمدلله . والبنت بعد , بننقلها حالًا للحاضنة
وضع إياد يده فوق كتف تميم ليُردف بإبتسامة بعد أن لمح فرحته وراحته البادية على وجهه:
مبروك ما جاك يالغالي . جعلها تتربى بعزّك
التفت له تميم وهو يضحك بملء فمه من سعادته في هذه اللحظة . ليست هُناك كلمة تصف الشعور الذي يشعر به الآباء عندما تحمل لهم البُشرى بقدوم أطفالهم للدنيا . منذ زواجه بإرم وهو في نعيم لا يُبلى . يتمنى العائلة الصغيرة والدافئة . يتمنى فتاة تُصبح حبيبته وتُصبح غُصنه إذا مالت به سنين الدهر . وها هي تلك الفتاة أتت وجلبت معها سعادته اللامُتناهية
همس بإمتنان لأخيه وهو يقول بخفوت فرِح:
يبارك فيك يابو ماجد . والعُقبى لك يارب
-
دخل بخطوات متوترة للغُرفة وعيناه على تلك المُغمضة أجفانها بتعب وعجز . اقترب منها بخفوت لينحني من أعلاه ويُقبل جبينها الدافيء . وعلى إثر قُبلته الباردة فتحت عيناها اللامعة لتُهمس له ببكاء:
تميم !
ابتسم تميم وهو يسحب الكُرسي بقدمه ليجلس عليه ويمسك بيدها بين يديه :
ياروح تميم
نظرت له وكل شعور بتعب في هذه اللحظة تبدد . منذ أن لمحت ابتسامته الصادقة وعيناه التي تشعّان بالغبطة والبهجة . وصلها شعوره النابع من قلبه حتى ارتدّ على قلبها وملأه بالطمأنينة
همست له بخفوت:
كيفها بنتنا ؟ شفتها ؟
هز رأسه بذات الإبتسامة الواسعة :
أشوفها قبلك ؟ لا والله .
بس أنها بخير الحمدلله تطمني !
أغمضت عيناها ودمعة وحيدة سقطت منها . ليست دموع خوف أو جزع مما عاشته . وليست دموع الفقد التي تذوقت ملوحتها قبل ولادتها الأولى . بل دمعة فرح وإستبشار
وقف تميم ليمسح وجهها بإبهامه . ليقول بهمس باسم:
تدمعين وتميم موجود ؟ ما عشت ولا عاش الدمع
مالك له عازة أتركيه وأفردي جناحينك بعد اليوم يا بنت جابر
نذرٍ عليّ لأملي أيامك كلها فرح يا أم فرح .
ضحكت بخفة حين كنّاها بأم فرح . لتضع يدها على خده المملوء بشعيراته وتُهمس:
سميتها فرح ؟ طيب شاورني على الأقل.
ابتسم تميم لا ضحكتها المُتعبة وعتابها المُبطن . ليردف بُحب خالص:
سميتها فرح لأني من يوم لقيتك وأنا في فرح , سميتها عشان بكرة واللي بعد ولآخر أيامي أناديها يا فرح عُمري
وكيف ما تكون فرح وهي قطعة منك ؟ -انحنى وهو يُقبل خدها بخفوت- تدرين كيف الواحد يغرق في الحُب ؟
كيف يتخبط بألف قرار في الحُب ؟ كيف تنجيه كلمة وكيف تحميه بسمة ؟
يشهد ما عرفت هالشيء إلا معك يا إرم
بلعت ريقها بتعب لدرجة أن الثمانية والعشرين حرفًا لا تكفي لتسطير جملة واحدة قد تساوي قدر هذا الرجل العظيم الذي أغدقها بحُبه بعيدًا عن ماضيها الأليم . همست لها بشجن:
أنت تستحق يا تميم . تستحق أن الواحد يفرش لك دم قلبه وماي عينه . شفتك حاضر ومستقبل . شفتك ونسيتني الماضي بكل أوجاعه
تقبلتني مثل ما أنا . وأنا اللي كنت مليانة خيبة وحزن وخذلان . لاعدمتك ولا عدمت حُبك إللي رجع لي النور
أراح جبينه على جبينه وصوت انفاسهم في هذه اللحظة هو المتحدثّ بكل ما يجول بخواطرهم . جملتين كانت كفيلة أن تُشحن لهم كماليات الحياة لينطلقوا بصٌحبتها نحو المركب الباقي من عُمرهم
زفّرت إرم وهُناك أمرٌ يجول في خاطرها منذ فترة طويلة جدًا . ولكن في كل مرة تُحاول الإدلاء به تُجبن . تراجعت وهي تنظر إلى عيناه حتى تستشفّ الصدق منها لتقول:
بخاطري أسألك هالسؤال من زمن . لكن خوفي كان يمنعني . خوفي أني أشوف صدّك وزعلك
-أكملت عندما رأت نظراته المستفسرة- صالح . من بعد ذيك الليلة . وش سويت فيه ؟
تراجع تميم بصدود لم يخفى على إرم التي بلعت ريقها من رّده ورّدة فعله . ليقول بعد دقيقتين بإبتسامة خافتة وهو ينظر إليها:
لا يكون تحسبيني ذبحته صدق ومن يومها عايشه برعب ؟ مهما كان الإنسان سيء
إلا أنه ما يستحق الموت . يستحق فرصة جديدة حتى يشوف حياته من جهة سليمة
-سكت قليلًا ليُكمل- صحيح كفخته شوية وطيّحت منه كم سن . بس بعدها اتصلت بأشخاص أعرفهم يشتغلون في مجمع الصحة النفسية
عشان يشوفون علاج لحالته ويتعافى منها
نظرت له بعُمق . لدواخل عينيه . يالعذوبته البالغة . هذا الرجل الذي نافسه فيها من قبل . الذي أذاها وجعله يعيش في لحظات سوداء كريهة . إلا أنه تصرف بما يُملي عليه دينه وأخلاقه
همست وهي تقبلّه ورقة لتبتسم على إثر ضحكته السعيدة:
ياحظ إللي عنده قلب مثلك يا تميم . وياكبر حظ إرم بك
.
.
.
سلطنة عُمـان – ليـلًا:
يقف إياد بالقُرب من ماريّا على العُشب الأخضر البارد , وعيناه على راشد واليزن الذي يقفون أمام آلة الشوي المليئة بالجمر , وعلى الجهة الآخرى يوسف ودانة يتناوبون في حمل إياد الصغير . وعلى يمينه كادي ترّتب الطاولة الذين سيتناولون العشاء عليها
التفت بإبتسامته الخلابة نحو ماريّا المتكتفة ليقول بإستفسار:
وعلى وش عزمتي ؟
ابتسم له ماريّا بهدوء :
أكمل دراستي وأدور على وظيفة وأربي ولدي أحسن تربية . حاليًا مافي أحد غيره قدام عيني
أبي أهتم بتربيته مثل ماكان يقول لي مُهند . أبيه يشابه بالأطباع أبوه وأعمامه , وأبيه يشابه بالقوة لخواله
إللي رغم الكلام اللي طلع عني وعنه . ما تركوا يديني
هزّ إياد رأسه مُساندًا ومعززًا لها ليردف :
خطوة ممتازة . دام ولدك بصحة وعافية . وأعمامه وأخواله وحنا معه ومعك لا يهمك كلام الناس
أبد . أمشي ودوري على مُستقبلك
ابتسمت ماريّا ابتسامة واسعة وهي تعتدل في وقفتها :
أفا عليك يا أبو مُهند . مالي شغل ترا بتسمّي ولدك مُهند مثل ما كان يناديك المرحوم
ضحك إياد وهو يركز بنظراته على كادي المنشغلة:
من دون ما تقولين . تخلّيت عن أبو ماجد لعيون أبو مُهند
غمزت له وهي تنظر لنظراته الموجهة لكادي لتقول بمرح:
عيل يالله عجلّوا علينا . أبي ولدي يلعب مع سمّي أبوه ويكفخه
– التفتت بسرعة عندما سمعت صوت بُكاء طفلها لتُردف بغضب وسط ضحكات إياد – وجع يوجعكم يالمهابيل
اتركوا ولدي لا أكسر يدينكم
تراجعو يوسف ودانة بسرعة بعد غضبها المتعالي على طفلها , ليقول يوسف بغيض مصطنع وهو يتجّه حيث اليزن وراشد:
وعوه من زين ولدج عاد . صيَاح
ضحك راشد وهو يقلّب اللحم الذي بين يديه:
والله إنك أبو العيارة . الحين عاد لما شبعت منه
عضّ يوسف على شفتيه وهو يرى ماريّا تحمله عاليًا:
كله من دوين الزفت . بس أنتو لازم تدبوسونها فيني –نظر لليزن وهو يقول بإستفسار- شو تسوي بو الشباب؟
ابتسم اليزن على إستفساره ليقول:
مشاكيك طال عُمرك أبصم ما راح تذوق مثلها في حياتك . تتبيلتنا الخاصة والحصرية في سلطنة عُمان
تقدّم منه يوسف بحماس ليردف:
أخس بس . ورشود شو يسوي هناك ؟
نظر اليزن لراشد نظرة سريعة ليبتسم بخفة:
يغمسهم في صبار – أكمل بسرعة عندما رأى إندهاشه – صبار يعني تمر هندي مخلوط معه بهارات
لذيذ حامض ويحرق
تراجع راشد وهي يصفق بيديه الإثنتين ليقول بصوتٍ عالي:
يالله يا شباب وشابات .  هلّموا الى الطاولة
اجتمعوا حول الطاولة التي قامت كادي بترتيبها مُسبقًا . مثل أيامهم الماضية حين كانوا يجتمعون في شقة واحدة وطعامٍ واحد . شبّان جمعتهم الوحدة الشرقيّة قبل سنين . واليوم عادوا إلى ما كانوا عليه . رغُم بُعد الدول . رغم الحدود التي تفصل بينهم . إلا أنهم هذه المرة أقتصّوا من الهجر الجبري . اقتصّوا لأحزانهم التي تشمتت بفُراقهم . ليقفون في المُنتصف وهم يبتسمون لها ردًّا على شماتتها
ينقل إياد نظراته بينهم وفاهه مُبتسمة برقّة لضحكاتهم وكلامهم ومرحهم المُعتاد وسط حُزنّ لفّهم من نُقصان فردًا واحد بات نائمًا في قُبور لندن الباردة . يغبط نفسه على معرفته بهم . على الصدفة الغريبة التي جمعتهم به . يشعرونه دومًا بالفتوة والشباب . يشعرونه أنه أبًا وأخًا وصديقًا مخلصًا لهم . تنبَه على صوت يوسف المرح:
يا دكتور . الاكل بيخلص وين راح عقلك ؟
ابتسم إياد عندما شعر بنظراتهم عليه ليُأشر بعيونه عليهم ويقول بفخر وإمتنان:
هذه الجمعة . اللي ما نبيها تنتهي أبدًا . أخوان . عيال عمّ . أهل ونسب . وكل العلاقات الوطيدة اللي نعرفها تجمعنا كلنا دايم
على طاولة وحدة . وعلى قلب واحد . حنا مثل ما قال فينا الرسول صلّ الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد . إذا اشتكى منه عضوُ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى )
لا فتن ولا سياسيات ولا حتى صغار العقول ممكن تفرق عضو من غيره عن جسدنا
بكرة إذا لقينا عيالنا جنبنا . بنحكي لهم حكايتنا العجيبة اللي جمعت أبطال فدائيين لأوطانهم في لندن وحاربوا أقدارهم بحُب الوطن وولاءهم له
حنا دايم عيال هالصحراء . حنا بهويتنا وهوانا شرقيين ما يفرقنا هواء الغرب

تمت بحمد الله ❤️❤️❤️❤️
Instagram: @kadiswi

🎉 لقد انتهيت من قراءة ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوى 🎉
ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن