.
يقف خيّال أمام هذا المنزل الذي زاره مرة واحدة فقط ، والذي يشكّ أنه سيزوره مراتٍ عدة
مُحاولًا كبح جماح ذاته الغاضبة ، وأن لا يرتكب اليوم جريمة قد يُعاقب عليها بالسجن مدى الحياة
ودقائقه التي تمرّ ، ظلّ يستعيذ فيها بالله من الشيطان الرجيم نُزولًا عند قول الرسول صل الله عليه وسلّم الذي قال:
"إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه"
لكنّه يشكّ اليوم أنه سيهدأ ، ويسكن غضبه الذي تعالى بُمجرد أن حصل علو عُنوان الرقم
لم يستغرب ، بل حتى لم يصل إستغرابه للإندهاش
فقد كان يعلّم أن سُليمان يخبيء أمرًا ما عنه ، واليوم ؟
لن يخرج من هذه البُقعة حتى يسرد سُليمان ما يقبع في جُعبته
اتسعت ابتسامته الساخرة عندما لمحه سُليمان الذي عاد وهو يحمل بعض الأكياس البلاستيكية المملؤة بالأغراض المنزلية
أحنى رأسه للأرض وهو يمرّ من جانبه
لكنّ توقف عندما سمع صوت خيّال:
عندك دقيقة وحدة ، لا تخليني بعد هالدقيقة أدخل داخل البيت متجاهل حرمته
زفّر سليمان وهو الذي كان ينتظر وجود خيّال مُنذ يومين ، ترك الأكياس بجانب الباب ليواجهه في وقفته
ساحبًا كمية هائلة من الهواء الذي شعر أنه لوّثه لا أراحه
وقف خيّال بحدة وهو يقول:
انتظر تفسير ، ولا تّلف وتدور لأن قسمًا بالله ماسك نفسي بالزور لا أدفنك هِنا
صدّ سُليمان عن عيناه المُتقدة بالغضب الناري ليقول:
أختك حية ، ما وصلت الرسالة لأبوك؟
عضّ شفته ليقول بنفس حدته:
قلت انتظر تفسير ، ما قلت كرر وش مكتوب بالرسالة؟
أختي وش عرّفك فيها ؟ تكلّم لا تفقدني أعصابي
تراجع للخلف وهو يقول بقلة حيلة:
والله العظيم أنا مغشوش ، حالي من حالك ما كنت أدري عن شيء
لما جيتني آخر وأول مرة وقلت لي أخوك حي!
أكلني التفكير ، وصل فيني جنون التفكير إني أروح وأنبش قبر أخوي اللي أنت تقول عنه حيّ
بس كيف يكون قبر بدون جسد؟
صرّ على أسنانه بغضب:
اختصر ، لا تسرد لي قصة أخوك الخايب!
تراجع أكثر وهو يمسك شعره بقهر :
وهذا اللي قاهرني ، هذا اللي قاهرني فأخوي اللي كنت أشوف القدوة والفخر!
أخوي أنا ، أبوي وصديقي الوحيد يطلع حقير وخاين لأرضه
اقترب منه خيّال وهو يسحبه من ياقة قميصه ليقول بغضبٍ عارم:
أخوك وش علاقته ؟ غرّد اللي ببطنك مرة وحدة يا سليمان أعصابي ما تتحمل هالدراما!
أبعده سُليمان بكلتا يديه ليقول بصوتٍ واحد :
أبوك حبس أخوي بتهمة الخيانة لبلده ، وأخوي - سكت بسخرية - مستخسر هالكلمة عليه والله العظيم ، مستخسرها
-رفع نظراته لخيّال - بس ماهو أخوي اللي يغدر فيني وفي أرضه
ماهو أخوي اللي يطلع بفرصة جديدة ، وآخر شيء يضيّعها ويضيّعني من يديه ويهرب بدراية أمي
متخّيل -صرخ بقهر - متخّيل قهري وأنا أعرف إني أمي خشّت عني اللي من لحمي ودمي
متخيّل إني أمي ، اللي سُلطان ولدها البِكر تلّفق موته عشان ينفد بجلده !
ووش تكتشف المسكينة بعد هذا كله ؟ إن ولدها انظم لقائمة الإرهابيين
أنا خايف أعقّ بأمي والسبب سُلطان ، خايف اسكت وأصير شيطان أخرس بسبب سُلطان
خايف أدافع عن بلدي ، وأموت مغدور بسبب سُلطان
كان صوته يعلو وينخفض، في صورة واضحة تجسّدت لمعنى القهر
ما معنى أن يُقهر الرجال ؟ إنهم يتألمون أضعافًا مُضعافه
يتألمون من القهر ، ومن السُكوت ، ومن المواساة الداخلية
التي ما تكتفي أن تجرحهم بسكاكين حادة مُريبة
تلك المواساة ، التي من المُفترض أن تكون مواساة حقيقية
لكنّها الموت ، الموت الذي تطفح رائحته على مسامات أجسادهم حتى تُبلى وتُزيف
جلس على الأرض لعدم مقدرته على الوقوف بعد أن احتضنت مسامعه هذا الحقائق الموجعة:
أنا متبرئ من أخوي ، من اللي يبيع وطنه لجل المال
متبرئ من سُلطان لأنه ما احترم العِشرة اللي بينه وبين أبوك
سُلطان ما صار يشكّل الحين إلا خطر أمني على بلدتا
تخيّل إن واحد مثله اشتغل في السِلك العسكري لسنين وكان قريب من معظم الأسرار
وبعدها يهرب للطُغاة ، يُهرب للي مستعدين ينكسون علمنا الأخضر
مستعدين يستبدلون كلمة التوحيد المزروعة فيه لكلمة الإرهاب والفساد !
-رفع رأسه له بأسى اتضحّ عليه- سُلطان سبب حادث أبوك وأختك
وهو سبب اختطافها وترحيلها من البلاد تحت جواز مزّور
وين وداها وبأي بُقعة ؟ ما أدري
كلّ اللي أعرفه إن أختك ما زالت حيّة ، وضحايا كثيرة معها حيّة
نظر له خيّال بجمود وشرود ، يُحاول إستيعاب آخر كلامه وآخر ما سرده على مسامعه
لو أنه في فلمٍ درامي ، لضحك ضُحكًا عميقًا حتى تنتفخ أوداجه !
لكنّ كل شيء يدعوه إلى تصديق سُليمان !
صُوته المغدور ،
عيناه المملؤة بالخيبة ،
إرتجافة جسده الذي فاض من قهره!
كلّ هذه الدلائل كانت كالمِيثاق الصادق لحكايته التي سردها
نظر له بنظره ودّ فيها أن يحرقه ، لكنّه تراجع وهو مكتفي أن يجعل سُليمان يعيش عُمره خائبًا محسورًا
ركب سيارته التي كانت بالقُرب منه ، ليضغط بيديه على المقود
ضغطًا كبيرًا شعر فيها أن يديه ستتهشمان!
تنّفس بصوتٍ عالٍ( يالله ! لا تجعلني أجنّ
لا أصدق أن ست سنين مضت من أعمارنا ونحن في وهمٍ قاسي ، لا أستطيع حتى التخيّل
أن أختي التي أرثيتها كثيرًا ما زالت حيّة ، وأن رثائي المُضحك قد انتثر في مهبّ الريّح)
أراح رأسه على المقود ، وبغير عمدٍ سقطت دمعته التي ما سقطت يومًا
تلك الدمعة التي لم تسقط على موت واختفاء أخته ، أتسقط وأخته الآن حية ؟ ولعلّها قريبة منهم وهُم لا يعلمون
رفع رأسه وهو يُشغل السيارة ليتحرك من مكانه:
كلّ إحساس حسيتي فيه يا يمّه صادق ، آخ يا كم فاح قلبك من الحسرة وداريتي الدمّعة عنّا وأنتِ صادقة؟
.
.
أنت تقرأ
ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوى
Mystery / Thrillerتُختطف كادي من أرض السعودية بحادث مدبّر وقبلها اُختطف ٥ آخرون من دول الخليج الخمسة يلتقون في لندن مدينة الضباب .. ليصبح هدفهم واحد ( حماية الخليج من كيد المتربصيّن ) - بالإضافة إلى الدكتور إياد .. الذي يهرب من السعودية إلى مانشستر ، طمعًا في نسيان ا...