وقف راجح على حافة السلالم من الأسفل وهو يُنادي ديّار التي تأخرت في الأعلى بصوته العالي . لتخرج ديّار بهذه اللحظة من الغُرفة . مُرتديةً لعباءتها وحجابها على رقبتها
أردفت وهي تُدخل جوالها بحقيبتها بعقدة حاجبيها:
أعوذ بك من عجلة إبليس ياربي
عضّ شفته السُفلية ليقول بحنق:
وشو يعني أنا إبليس ؟
وقفت أمامه مُباشرةً وهي ترتدي حجابها:
شيء واحد أبي أعرفه . وش هالعجلة كلها ؟
بعدين مين قالك إني أبي أشوف أهلي . ترا أمس العصر كنت عندهم إذا ناسي .
وليش ما خليتني أخذ فهد وشوله يقعد لحاله؟
رفع حاجبه بدهشة ليُردف وهو يسحبها من يدها:
الحين صارت ثلاث أشياء . على أي سؤال تبيني أجاوبك؟
اسكتي وأمشي وراي . فهد مهب طاير
وبعدين أخوك خيّال راجع من السفر ما تبين تشوفينه؟
فتحت باب السيارة لتركب وهي تقول بحنو:
يابعد عُمري يا أخوي . راح ورجع وأنا ما لقيته ولا سلّمت عليه
هو متى وصل ؟
فتح هو الآخر بابه ليركب ليقوم بتقليد صوتها الناعم:
يابعد عُمري يا أخوي .. الحين إذا أخوك بعد عُمرك . أنا وش أكون ؟
أردفت بإستفزاز واضح له:
راجح أبو فهد بعد وش تكون ؟
عضّ على لسانه ليلتفت إليها وهو يرمقها بنظرات حانقة من إصرارها على مُناداته بأبو فهد . دون أن تغدق عليه بعضًا من الكلمات الحلوة
ارتدى نظارته ليقول بوعيد هامس:
خلّي الليل ينزل . أوريك وش أكون غير أبو فهد
أشاحت بوجهها المحمّر جانبًا من وقاحته العلنية ، لتبدأ بدعك اصابعها النحيلة!
التفت لها راجح بابتسامة بعد أن رأى إرتباكها اللذيذ ليُهمس:
تقبلين منّي عزيمة سريعة في كافية جديد توّه مفتوح؟
أبي أجربه وأبيك معي.
نظرت إليه على إستحياء من طلبه الرقيق . فهي على الرُغم من مرور شهور طويلة على زواجها . إلا أنها لم تخرج مرة واحدة برفقة راجح على إنفراد!
ابتسمت ابتسامة رقيقة صغيرة:
ودّي . بس فهد ما أقدر أخليه . إلا إذا ناخذه معنا
نظر أمامه وهو يقول بغضب مُصطنع:
أوهووووه علينا . فهد فهد فهد فهد . ما تملّين من فهد أنتِ ؟
ترا والله برميك من هالدريشة هاه.
تنّفسي شوي وخلي الولد يتنفس منك
رفعت حاجبها بإندهاش من تغيّر اسلوبه في لحظة:
تغار من فهد ؟
نظر إليه بطرف عينه بإزدراء:
أغار من ولدي . مريضة أنتِ ؟ لا طبعًا
بس عطيني شوي من هالإهتمام . لا تخليني أشكيك عند عمتي وأقولها بنتك مقصرة معي
التفتت له وهي تقرص عضده القريب منه لتقول بغضب:
تبي تشكيني ظلم وبُهتان عند أمي ؟ ياويلك من ربي يا راجح
يعني عشان ما قبلت عزيمتك صرت مقصرة؟
وقف أمام منزلهم ليلتفت لها وهو يقول بتعالي:
أصلًا مب قاعد أطلب منك . أنا أأمرك وغصب عنك تسمعين كلامي . خلّك جاهزة بالليل بس
واسمعي - مسك يدها ليقول بحنو - قوّي قلبك يا ديّار وخلك مثل ما عهدتك . شامخة بنت شامخ
وإن احتجتيني . ترا بكون في مجلس بيتكم . رُغم إنك بهذا الوقت ما تحتاجين إلا أهلك
عقدت حاجبيها وهي تنظر له بإستغراب:
خير إن شاء الله وش صاير ؟ لا يكون بينتخبون ولي العهد لسُلالة آل جابر مثلًا ؟
فتح بابه ليخرج وتخرج هي خلفه:
ها ها يا محلى ظرافتك بس . روحي وأنا أنتظرك بالمشب
أشوف الشيخ جابر قاعد هِناك دام الباب مفتوح
هزّت رأسها لتمشي وهو يتبع خطواتها المعتدلة وعيناه تُراقب كل شبرٍ فيها رغم أنها مخُتبئة خلف عباءتها الواسعة
ليتنّهد وهو يدعو الله بداخله أن لا يُصيبها مكروه . تقدم بخطواته حتى دخل إلى المشب ليرى جابر جالسًا حيث كان
ابتسم راجح فور رؤيته لوجهه . فلأول مرة مُنذ أن تزوج ابنته يراه مُبتسمًا
اقترب منه لينحني ويقبّل رأسه :
الوجه اليوم منّور بزيادة . قرة عينك برجعة بنتك يابو فيّاض
ابتسم جابر ذات الابتسامة الرجولية الخالصة التي تخصّه وحده:
بوجه نبيّك ياولدي . حيّاك اقرب
جلس بجوار وهو يأخذ له فنجانًا من القهوة العربية:
لحالك يا عمّ . أجل وين الشباب؟
أردف جابر وهو يتكئ بظهره على المخدة المزركشة:
خيّال طلع للسفارة يخلّص أموره . وفيّاض أخبره على وصول
-
خلال مشيها نحو مدخل الصالة . نزعت حجابها لتُعاود وضعه على رقبتها ثم تفتح شعرها الطويل وتضعه خلف ظهرها
لتقف على المدخل وهي تقول بصوتٍ عالٍ:
السلام عليكم ياعرب . ديّار جت
المحسوب عليّ باسم أخ وينه فيه . ترا جيت عشان وجهه هالمرة
توقفت أقدامها وهي ترى ٣ نساء يجلسن أمامها على الكنبة القريبة . وجهان تعرفهما جيدًا جدًا . ولكنّ وجه الثالثة
وجهٌ ليس بغريبٍ عليها . وجه طوته الصور . واحتّله الغُبار . وتكدّست على بروازه الذكريات لا غير
وقفت كادي بابتسامة واسعة جدًا عند رؤيتها لديّار . ابتسامة مصحوبة بعينين ملؤها الدموع . أختها الصغيرة
الناعمة . والرقيقة . وذات القلب الطيّب . أمامها اليوم وقد أصبحت امرأة ناضجة . مسؤولة عن بيت وعائلة
تقدّمت خطوة واحدة . وعلى حين غرّة اعتلت شهقاتهن فجأة عندما سقطت ديّار على الأرض مُغشى عليها
اقتربن بسرعة فائقة منها وهُن يجتمعن حولها
لتُردف إرم بصوتها العالي:
سيليا . يا سيليا تعالي بسُرعة - ربتت على خدها بخفوت -
ديّار حبيبتي اصحي . فتّحي عيونك أدري إنك معي
مسكت سالمة يدها الساقطة على الأرض لتُردف بقلق:
بسم الله على بنتي . بسم الله على روحها استودعتك إياها
يا ديّار احنا هِنا جنبك . افتحي عيونك لا تخوفينا عليك
لطمت كادي خدها ببُكاء مُرهق:
ياويلي كلّه مني . كله مني روعتها . يمه كان لازم نمهد لها
ديّار من متى تستحمل هالمفاجأت اللي تخوّف!
بلعت إرم ريقها من عدم إستجابة ديّار لها . لتردف بقلق:
كادي افتحي درج طاولة المدخل بتلقين كولونيا هاتيها
وقفت كادي مُستجيبة لأمر أختها . لكنّها تفاجأت بالصوت الحاد من على طرف المدخل . ولا يظهر منه إلا ثوبه:
ياعرب . عسى ما شر صوتكم طالع ؟
أشرت سالمة بيدها لإرم وكادي حتى يدخلان لصالة النساء . لتُردف بعد أن أغلقتا الباب خلفهما:
راجح ألحق وأنا أمك . الدرب عندك
دخل راجح بذات العجلة بعد أن تفاجأ بأصواتهن قد وصلت إلى المشب ، ليقوم من مكانه بعجلة وجابر يأمره بالإطمئنان
اندهش فور رؤيته لديّار مسجاة على الأرض وشعرها منثور حولها . ليقترب منها بسرعة:
لا حول ولا قوة إلا بالله . يمه وش فيها ؟
وقفت سالمة وهي تقول بقلق:
ارفعها يمه . هاتها على الكنبة . الله لا يفجعنا بغالي
شافت أختها الميتة ردّت للحياة وأُغمى عليها . سدّحها ياولدي
تنّهد راجح وهو يتعوّذ من الشيطان . ليست المرة الأولى التي يُغمى عليها . بل هي الثانية
وبات خائفًا من أنها تُعاني من فقر الدم . أو ما شابهه من أمراض أخرى
تناول العِطر الذي مدّته سالمة له . والقريب منها في تلك اللحظة ليبّخ بعضًا منه على ورقة منديل
مررها على أنفها وفمها . وهو يُهمس لها بين الفينة والأخرى:
يا أم فهد ؟ يا ديّار . تسمعيني!
عاود الطبطبة على أنفها ووجهها بالماء والعُطر لدقيقة أخرى كاملة دون إستجابة . الأمر الذي جعله يقلق وبشدة
كان سيقف من مكانه عازمًا على أخذها للمُستشفى . على دخول فيّاض في هذه اللحظة:
السلام عليكـ.. - اقترب بخطواته حيث ديّار ليقول بجدية-
بسم الله عليها وش صاير فيها ؟
ربتت سالمة على فخذها ودموعها بدأت بالهطول:
أغمى عليها . ما هي راضية تصحى . عزتي لبنتي لا تروح من بين يديني
جثى فيّاض على رُكبتيه أمامها ليقول بحدة:
راجح أنت وراه قاعد مبلم فيها ؟ كان خذتها للمُستشفى.
-لفّ حجابها حول رأسها عازمًا أخذها- ساعدني استرها
إرم وينها ؟ ما كشفت على أختها ؟
أكمل فيّاض كلامه ليتراجع بنصف خطوة عندما سمعوها تعطس بخفّة . وهي تفتح عينيها رويدا رويدا
توّجهت جميع الأنظار إليها . حتى توسعت عيناها بصدمة مما رأته قبل إغماءتها لتقفز من مكانها بحدة أفزعتهم
التفتت لوالدتها وهي تُجهش في البُكاء المؤلم :
يمه وينها ؟ أختي وينها ؟ أنا ما كنت أحلم صح
شفتها بعيوني ما كنت أحلم .
وقف فيّاض بعقدة حاجبيه وهو لا يفهم شيئًا مما تقول . ليرى والدته وهي تُأشر بيدها لصالة النساء المُغلق بابها
ومرور ديّار من أمامه بسرعة . ثم إستئذان راجح بعد ذلك
فتحت ديّار الباب بسرعة قصوى أفزعت كلّ من إرم وكادي . لتقترب منهن وعينها على أختها المحببة . عينها على عين كادي التي من المُستحيل أن تغفو بُقعة بيضاء بغير وجهها
اقتربت حتى وقفت أمامها تمامًا . وما كانت إلا ثانية واحدة . لترمي نفسها بحضن أُختها
أفرغت كمد سنين وقساها . أفرغت شوقها وعتابها . أفرغت دموعها بعدد المرات التي تنّصلت فيها لغُرفتها آملة أن تجد بقايا طِيبها
احتضنتها كادي بذات القوة لتُهمس بابتسامة ناعمة:
أنتِ الظاهر مخزنة هالدموع عشان إذا شفتيني تطلعيها .
منهو ينقذنا الاثنين إذن غرقنا ؟
تعالى صوتها الباكي لتردف بأسى:
لأني ما بكيت عليك . ما بين الكل كان يبكي فيه عليك
أنا كنت اكبت كل شيء في جوفي لين حسيته يفيض من شدة الكبت
كبتت دموعي عشان هاللحظة . عشان تشوفي غلاك عند أختك الصغيرة
وحشتيني ياكادي . وحشتيني قد حُبي لك وأكثر
مشكت على شعرها الطويل لتُردف بوجع وقلبها ينبض حُبًا:
يا غلا أختك وعيونها الثنتين . جيت يا ديّار
جيت يا وجهتنا الصحيحة وديارنا الحنونة . جيت يا قعدتنا والدلوعة.
رفعت عينها عند إنتهاءها وهي ترى أخيها فيّاض مستندًا على الباب . يغطي فمه وأنفه بشماغه وعيناه قد احمّرت وحالت للجمر المُتمرد . لم تُحبّذ إبعاد ديّار . لم تحبذّ الإنشطار عن روحها
لذلك مدّت يدها لأخيها داعيةً إياها لمشاركتها الحُضن الأخوي
.
.
أنت تقرأ
ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوى
Mystery / Thrillerتُختطف كادي من أرض السعودية بحادث مدبّر وقبلها اُختطف ٥ آخرون من دول الخليج الخمسة يلتقون في لندن مدينة الضباب .. ليصبح هدفهم واحد ( حماية الخليج من كيد المتربصيّن ) - بالإضافة إلى الدكتور إياد .. الذي يهرب من السعودية إلى مانشستر ، طمعًا في نسيان ا...