.
بعد اسبوع ونصف:
دخل بخفّة السارق وهو يضع آخر حقيبة من حقائبه التي حزمها جميعًا للعودة النهائية . ليُزفر نفسه ويرفع يده للساعة القابعة في رُسغه
الساعة السادسة فجرًا . للتو بدأ الظلام بالإنبلاج . وبدأت الشمس تُغازل خيوط الفجر مُعلنةً عن يوم استثنائي لنجليّ ماجد وجابر !
تقدّم إياد بخطواته الخفيفة وهو يسحب حقيبتهم الأساسية . وقف في مُنتصف الصالة ما إن لمح شادن ليس غيرها
فهي التي تستيقظ مُبكرًا . لكنّ يبدو اليوم مُستيقظه أبكر من عادتها .
مُنكفئة على رُكبتيها . تتمعن في بُخار قهوتها السوداء التي على وشك أن تبرد بسبب سرحانها .
اقترب منها إياد وهو يسمّى بداخله عليها كي لا تجزع . لكنّه تفاجأ عندما سمع شهقتها التي ضربت مُنتصف صدره العريض
آلمه قلبه أنها تبكي دون أن ترمي بُكاءها على أحد . آلمه أن تختبئ خوفًا من أن يلمح دموعها أحد
وضع يده على كتفها وهو يقول بحنّان مُتعاظم:
ياجعلها بصدري يا شادن .
قفزت من مكانها بخوف من هذا الصوت الذي اشتاقت له كثيرًا . هذا الصوت الذي حُرمت منه بالآونة الأخيرة بلا سبب واضح
التفتت له لتتعالى شهقاتها أكثر وأكثر . حتى استوعبت أنها أمامها حقيقةً لا خيال !
وفي ثانية واحدة كانت تقبع في صدره ببُكاءها الدامي . الأمر الذي جعل إياد يرتاب منها . ليقول بجزع:
الشادن وش فيك ؟ أحد صاير له شيء ؟
أمي . أبوي ؟
هزّت رأسها بالنفي وهي ما زالت بحضنه لتُردف بوجع:
العلة فيني ياخوي . فيني أنا !
اشتقت اشتقت لك . لي اسبوع اتصلّ فيك وما تردّ
يا إياد ليش تسوي فيني كذا ؟ ليش تقهر قلبي عليك وتخوفني
تنّهد براحة ما إن لبثت حتى تسربل الوجع إليه:
أنا آسف ياروحي . والله العظيم خارج عن إرادتي
كنت مشغول مع الجامعة ودوامها . ظلّيت أصفّي حساباتي معهم حتى أرجع نهائي
بلعت ريقها وهي تتراجع بسرعة قُصوى لتنظر له ببلاهة:
وش قلت ؟
ابتسم وهو يُمسح دمعها النقيّ:
قلت أرجع نهائي . يعني خلاص مانشستر بح !
من اليوم ورايح إياد هنا . معكم وعندكم يا عيال ماجد
وضعت يدها بفمة من صدمتها العارمة . يالله كمّ تمنّت هذه اللحظة . كم انتظرت اثني عشر عامًا حتى تقيم عُرسًا مدى الأيام عند عودته
ولكنّها عاجزة حتى عن الإتيان بكلمة واحدة تصف فرحتها العظيمة . سوا دمعة هطلت لتُشارك أخواتها
استندت على صدره بذات البُكاء:
ياربي لك الحمد والشكر . ردّيت لي روحي يا إياد بهالخبر
مسح على شعرها الناعم ليُردف بخفوت:
أمي وين ؟
تراجعت شادن لتنظر إليه بشجن:
أمي نايمة . تبيني أصحيها لك ؟
هزّ رأسه بالنفيّ ليقول بهدوء باسم:
لا تصحينها خليها
وأنتِ روحي نامي اليوم وراك يوم طويل يا عروسة
بطلع غُرفتي أنام . وقبل موعدك صحيّني
حلفت يا شادن ما يوديك غيري . واليوم بوفيّ بوعدي
ابتسمت شادن لهذا العظيم الرقيق . لهذا الأخ المتلّبس بثياب الأب والأم لتقول بحنو:
اطلع نام بغُرفتي . غُرفتك لك عليها
عشان ما علمتنا إنك جاي ما نظّفناها
هزّ رأسه بابتسامة حنونه ليُقبل رأسها وينحني وهو يأخذ إحدى حقائبه لتتكفلّ شادن بباقي الحقائب الذي وصل عددها للسبعة
وعينا شادن تتبعه . وكلّ ما فيها ينطق بالحُب والإمتنان . تنظر لظهره الشاهق ومشيته المُتعبة
وهي تحمد الله مرارًا على عودته وعلى عودة ضياء منزلهم .
استلقت على الكنبة وهي تضع يديها خلف خدها الأيسر وابتسامتها ما زالت مرسومة على شفتها الناعمة . وما كانت إلا ثواني معدودة حتّى غطّت في نوم عميق.
وكأنها للتو ترتاح فقط . كأن قلبها للتو هدأ من دقاته العنيفة وإنقباضاته المُرعبة . كأن روحها سكنت عند عودة أخيها وأبيها الروحي
.
.
أنت تقرأ
ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوى
Misterio / Suspensoتُختطف كادي من أرض السعودية بحادث مدبّر وقبلها اُختطف ٥ آخرون من دول الخليج الخمسة يلتقون في لندن مدينة الضباب .. ليصبح هدفهم واحد ( حماية الخليج من كيد المتربصيّن ) - بالإضافة إلى الدكتور إياد .. الذي يهرب من السعودية إلى مانشستر ، طمعًا في نسيان ا...