.
مُلتصقة بزُجاج الغُرفة ودمعها ما فتر مُنذ أن خرجت من المنزل بصُحبة راجح ، شعورها بهذا الزُجاج العتي
الذي يفصل بينها وبين فهد ، كشعور الأم التي خضعت لعملية قيصرية وما زال جُرحها طري مؤلم لأبعد حد
التفتت لراجح الواقف بجانبها وعيناه على ابنه التعِب لتُهمس بخوف:
أبي ادخل ، خلهم يدخلوني عنده .. لنا ساعتين واقفين
كرهت هالزجاج وكرهت هالمكان!
تنّهد راجح وهو يلتفت لها ليقول بهدوء:
يا ديّار صبرتي شهر منتي قادرة تصبري ساعة زيادة؟
اصبري .. خلهم يخلصون فحوصاته ويكشفون عليه
بعدها ينقلونه لغُرفة ثانية
شدت على قبضة يدها بقوة وشعورها بوجع قلبها يتزايد:
صبرت وردّيت الشوق وأنا خاطري مكسور
بس ما عاد بي صبر ، كل اللي بي علّة ومرض من فراقه
زدتها علي أنت بحرماني منه لشهر .. لا تجي الحين وتكمّل الناقص
زفّر وهو يستغفر بداخله ليمدّ يده ويُحيط بها كتفها القريب منه ، يؤلمه أنها اليوم تضربه بسياط التأنيب
أن ترفع في وجهه أوراقه التي خطّها بالهجر والتمردّ ، بعد أن انسلخ من روحه السوداء التي كانت تُحيط به
همس بهدوء مُطمئن باسم:
والله العظيم ما بيمرّ اليوم إلا وأنتِ شايفته ، بس هدّي حالك
شوفي نفسك كيف ترجفين!
احتضنت نفسها بيديها في صورة واضحة لشتاتها وتعبها وسقم رُوحها
لا أحد يفهم خوفها على فهد ، ولم يُحاول أحدًا إكتشافها والخوض في غُمرات ذكرياتها التي تُعيد لها أقصى اللحظات التي عاشتها في طفولتها
فهي عندما تُغمض عينيها لا تجد صورة فهد فقط ، بل صورة ابنة خالتها المُفضلة التي كانت يومًا في موضع فهد بإختلاف الزمان والمكان
ابنة خالتها التي شاهدتها وهي تموت أمامها عندما كانتا ابنتا الـ٣ سنوات
خوفها اليوم ناتج عن الخوف من الماضي ، موت نصفها الثاني أعاد إحياء نفس الألم المزروع في ذاتها والذي اختفى تحت أطنان مشاعر المراهقة والبلوغ
نظرت إلى حركة راجح المتوترة ، فرقعة اصابعه ، عضّه لشفاته السُفلية ، رمشات عينيه المُتتالية
حزنت من أنها تُحاول الوصول مع راجح إلى نُقاط التفاهم ، لكنّه يصرّ على مُعاملتها كطفلة لا تحتمل الأخبار السيئة
همست بخفوت ساخر:
متى ناوي تعلمنّي ؟ ولا مفكرّ تخبي علي وتمشّي الموضوع كأنه عادي؟
عقد حاجبيه وهو يلتفت لها ببطء:
وش أعلمك ؟
ابتعدت عنه وهي تنظر له بنظرة مُزدرية على وشك الإنهيار:
عن فهد ، عن إنه ما راح يمشي مرة ثانية ! عن تعبه النفسي وتأخره في الكلام والنطق
رفع حاجبها بدهشة من معرفتها المسبقة
لتنها على الكُرسي الحديدي وهي تبكي بشدة ، ذلك البُكاء الذي صمّ آذان راجح وقلبه الذي تأوه عذابه
ظلّ يستقبل كلامها الجارح بحقه وكأنها اتفقت هي وأسيل حتى ينقضان عليه كفريسة سهلة الصيد
اقترب منها هذه المرة بجدية نازعًا مشاعره السيئة وراميها خلف ظهره ليجلس على أطراف اصابعه مُقابلًا لها
مسك يديها ليُهمس بقوة:
ومن قالك إنه ما راح يمشي مرة الثانية ؟ من قالك هالكلام ؟
اسمعيني ديّار - شد على يدها بقوة ليكمل بحدة - اسمعيني
أنا كلمت الدكتورة المسؤولة عن حالة فهد .. الشلل اللي فيه مؤقت له ألف علاج ودواء
وعلى طول أخذت تقاريره وأرسلتها للأردن ولألمانيا اليوم الصبح قبل لا أجيك ، وفي غضون أيام راح يردون علي
رفعت عينيها الباكية له دون رد ليُكمل وهو يبتسم بعُمق:
وتأخره في النطق طبيعي جدًا ولا هو مُشكلة
توه ولد سنتين تبينه يتكلم بطلاقة يا أمه ؟
مسحت دمعها الذي كان يهطل دون توقف لتقول بصوتٍ مبحوح:
ما أسامحك طول عُمري لو تكذب علي بكلامك هذا عشان تسكتني
بطلّ تعاملني كأني طفلة يا راجح ، ترا اللي شفته وعشته أكبر منك ومن وجعك
اعتدل في وقفته وهو يجلس بجانبها ليُميل فمه بإمتعاض:
الظاهر بعد كل جملة وجملة لازم أحلفلك بالله إني صادق
وبعدين معاك يا ديّار ؟ هذا كلام الدكتورة
إذا كنتي راح تتطمنين لما تسمعينه منها ابشري راح أوديك عندها!
بس قومي الحين خلينا نشوف فهد
.
.
أنت تقرأ
ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوى
Mystery / Thrillerتُختطف كادي من أرض السعودية بحادث مدبّر وقبلها اُختطف ٥ آخرون من دول الخليج الخمسة يلتقون في لندن مدينة الضباب .. ليصبح هدفهم واحد ( حماية الخليج من كيد المتربصيّن ) - بالإضافة إلى الدكتور إياد .. الذي يهرب من السعودية إلى مانشستر ، طمعًا في نسيان ا...