الجزء ٩

947 20 2
                                    

.
منذ نصف ساعة وخيّال يُغلق على نفسه في هذا القبو المُرعب دون إنارة سقفية حتى
بعد مُحاولات استمرت لرُبع ساعة ليفتح الخزنة الذي وبكل عباطة يظن أن خلفها كنز
وها هو جالسٌ على الأرض المُغبرة بيده ملفات كثيرة كثيرة وجدًا
يُمسك فيه فمه مصباح صغير أسود اللون وهو يقلبّ بالملف
لم يكن يعلم ماهية في البداية ! ولكنّ بعد أن رأى بكلّ صفحة
صورة شخصية ، مع بيانات الصورة كاملة من الألف إلى الياء
بالإضافة اللي السجلات الإجرامية
اكتشف أنهن ملفات خريجيّ السجون طوال الـ٣٠ سنة التي قضاها والده في الخدمة
انتقل لآخر صفحة وهو يمسح العرق عن جبينه
لتتوسع عيناه بصدمة عارمة ويسقط المصباح من فمه
وهو يرى صورة أخته "كادي" وجميع بياناتها مثل الملفات السابقة
أخذ خيّال يقلّب الملف ويُخرج من خلفه الأوراق المتكدسّة
أدق وأدق المعلومات عن كادي احتواها الملف
تاريخ ولادتها باليوم والساعة / فصيلة دمها / أول خطواتها وأول سنّ خرج لها
صورها من أول ساعة ولادة وحتى عُمر الخامسة عشر
شهاداتها المدرسية / أسماء المدارس التي انتقلت لها
وما أدهش خيّال فعلًا هو اختبار الذكاء المرفق ضمن الملف
والسؤال الذي يُراوده:
ما الغاية من وضع هذا الملف ضمن ملفات السُجناء؟
مسح العرق عن جبينه ليأخذ الملف ويضعه بجيبه ليخرج من المكان!
عازمًا معرفة ما وراءه وما السرّ حوله!
دخل إلى المنزل وهو يرى وقوف ديّار بعباءتها ليتجاهلها
وقفّت ديّار في مُنتصف الصالة لتقول بعجلة:
خيّال أبيك توديـ... ياهوووه خيّال
رأت صعوده الدرج وملابسه المغبّرة دون أنت ينبس ببنت شفة لتُردف بصوت عالٍ :
آلووو ! في بني آدمية قاعدة تحاكيك
ضربت على الأرض برجلها عندما اختفى عن أنظارها لتتأفف بضيق وتخرج للخارج !
طلبت من السائق أن يحضّر السيارة ! لتركب بالخلف وهي تُمسد جبينه
متجهه إلى أقرب مكتبة من منزلهم
لا تُحب الخُروج بمُفردها ، ووالدها يشدد عليها كثيرًا في هذه النقطة
خصوصًا بعد موت أختها كادي
وصلت إلى المكتبة لتنزل ، من حُسن حظها أنها شبه خالية من المتبضعيّن
بعد مرور عشر دقائق بالتمام خرجت من المكتبة بعد أن حاسبت عن غرضها لتقفّ بالواجهة
تنُقل نظراتها لسيارة السائق لتكشف موقعها
صرّت عيناها وهي تنظر لطيف صغير جدًا
يمشي بغير هَدى ، وكأنه مُتجهه إلى الشارع
سقط قلبها إلى بطنها ، بل إلى أدنى نُقطة من جسمها
سقط حتى بات يستنجد ليخرج قبل أن ينفجر
وهي ترى السيّارة القادمة بإتجاة الطفل الصغير الذي يمشيّ بترنح مُتجاهل أصوات السيارات العالية
صرخت بصوت عالٍ وهي ترمي جميع أغراضها حيث تقف
لتركض بأقصى سُرعة ركضت بها يومًا ! وهي التي دومًا ما تشكي من لياقتها
ركضت حتى شعرت بإنقطاع أنفاسها وهي تدعو الله أن لا يفوتها الوقت
وبآخر لحظة ، ليس بينها وبين الطفل والسيّارة إلا شعره
مسكته من قميصه الثقيل لتجترّه إلى الخلف بقوة فظيعة
صرخت وسقطت هي وهو في آنٍ واحد
ولكنّ ! سُقوطها نتج عنه ضربة في رأس الطفل الصغير بسبب سحبتها القوية
اعتدلت على مهلها ، ودمعها شارف على السقوط والجريان
تركت الطفل على الأرض وتنفسها يتصاعد بعنفوان خائف
لا تستطيع لمسه خوفًا من إذاءه
سمعت صرخة أنثوية عالية أصمّت بإذنها لترى إقتراب فتاة في مُقتبل العشرينات تركض نحوها
أنثنت على ركبتها وهي تضرب خدها بيدها لتصرخ بخوف:
ياويــلي فهـد ياويلـي ايش صـار
ايش سويتـي فيه ايــش؟؟
رفعت ديّار رأسها ودمعها يهطل على وجهها لتُردف بخوف ورُعب:
اتـ تـصلي على الإسعاف بسُرعة
ولكن الفتاة لم تكن في حال يسمح لها بالتصرف بشكل سليم في ذاك الوقت
وهي تنّكب على الجسد الغضّ وتُبكيه وتُرثيه كأنه ميّت لا مُحالة
وقفّت ديّار بألم وهي ترى خلّوا المكان من المارّة ولكنّ هُناك الكثير من السيارات التي لم تقف أحداها
توجهت لحقيبتها المرمية لتتصل بعجلة وخوف :
سيّد علـي تعال قـدام المكتبــة بسـرعة
لتُغلق الهاتـف وتعود إلى الفتاة التي ما زالت تبكي !
جلست على ركبتها أمامها لتقول ببُحة وهمس:
كان راح يدخل الشارع وتصدمّه السيارة ! بس لـ لحقت عليه
رفعت الفتاة رأسها لتقول بصوتٍ عالٍ:
ما أمداه يمشـي من جنبـي ! طفـل أبو سنـة ونـص مشيتـه مو عـدله
بلعت ديّار ريقها وهي تشمّ ريحة الشكّ في كلامها لتقول بدموع:
والله العظيم كان راح يدخـل الشارع بس سحبـته بقوة وطـاح
لتُردف الفتاة بخوف باكي:
ياويـلي من أخوي بيذبحـني بيذبحنـي ولده بأمانتي أنـا
استجمعت ديّار شجاعتها لتقول بجدية عندما رأت السائق يقف :
قومي هذا السايق وصل خلينا ناخـذه المستشفى تكفيـن
رفعت الفتاة عينها لتُعيد إنزالها إلى ولد أخيها المغشي عليه
وهي تحمله بأحضانهـا دون أن يتحرك
لو كانـت غير ديّـار كان من غير الممكن أن تقبل بُمساعدتها
لأنها هي بنفسها جاءت إلى هُنا بالأجرة ! أي لوحدها
فهي الآن في أمسّ الحاجة للمُساعدة والأطمئنان لإبن أخيها
ركبتا إلى السيارة وتقول ديّار بجدية:
سيد علي بسرعة أقرب مُستشفى
.

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن