الجزء ١٥

1K 21 4
                                    

.
يمشيان بجانب تميم المتعكزّ داخل فناء منزل ماجد عائدون من الشرقية بعد أن استطاع تميم إيقاظ جميع حواسه
وإتخاذ قرار العودة سريعًا من أجل والدته .. وأخته المدلله
تأفف للمرة العاشرة من نصائح ليث المملة:
ويومها شادن تقول لك افحص وافحص وأنت تماطل
هذا آخرتها وش طلع عندك؟ مرض السكري
كيك ما كيك اللي تآكله وما تشبع منه أنساه أنت ماعدت تميم الصغير!
وقف في هذه اللحظة ليلتفت له بغضب:
بلااابلااا بلاا خلااص خلاص بالع راديو أنت ؟
طقت روحي من النصائح ، قلتها " ماعدت تميم الصغير "
يعني بلاش تنصح فيني وكأني صغير!
:خليني أدخل أبي اشوف أمي وشادن.
وقف أمامه ليقول بجدية عارمة وسط ابتسامة خيّال:
اسمعني ، خلّك قوي ترا شادن من يوم كلمتها وهي منهارة
أمي مره قوية وتستحمل بس شويدن قلبها رهيّف
أخاف تخورها قدامنا وما ينتشلنا إلا الدفاع المدني وفرق الإنقاذ
بالكاد أنهي ليث جملته ليلتفتوا جميعًا لشادن التي خرجت من باب الصالة بعجلة
وصوت بُكاءها يسمعه القاصي والداني!
لم يكن بُكاءً عاديًا ، بل كان بكاء كنداء الموت!
تبكي بنواح شديد وكأن روحها من اُقتعلت بل تشعر وأن قلبها من اُقتطف وبُتر منه
تشعر أنها خضعت لعملية جراحية وقد فشلت هذه العملية
لتبقى جراحها مكشوفة للعالم
لم تحملها قدماها لتجلس على الأرض ويداها على فمها تنظر مُباشرة للمكان الفارغ في قدم تميم
تنظر للعكازات التي يستند عليها وهو قد خرج قبل أيام من أمامها بقدمين سليمتين
صدّ خيّال في هذه اللحظة بعيدًا عن منظرها المؤلم ليُعطيهم ظهره
ليُسرعا ليث وتميم إليها مندهشين بل مصدومين من إنهيارها
اقترب منها تميم ليرمى إحدى العكازيين على الأرض ويجلس بجانبها
حتى لفّ يده حولها واحتضنها بقوة شعر أنها أكبر وأعمق من الجاذبية الأرضية
حضنها ليُقبل رأسها عشرات المرات وبين قُبلة وقبلة يهمس لها:
يانور عيني والله إني بخير ..
اهدي ياروحي وتعوذي من ابليس
شدت باحتضانه عليه وهي تُريد أن تخبيه وتحميه بداخلها
لو كان الأمر بيدها لمنعت ذهابه وبكت أمامه حتى يخضع لدلالها
لو كان الأمر عائدًا إليها لوهبته قدمها وروحها فداءً له:
يابري حالي عليك ياخوي يابري حالي عليك
ليتك ما رحت ، ليتني تعللت لك بميّة عله حتى ما تخطي شبر من الرياض
ابتعدت لتمسك وجهه بين كفيّها وببُكاء:
أنت بخير ؟ يعورك شيء أو حاس بشيء ؟
تكفى ما تخبّي علي ياخوي!
ابتسم وهو يقبّل جبينها :
والله إني بخير وأصح منك ومن اللي وراك بعد!
ولو تبين أسوي لك فرّه بهالعكاز في الحوش سويته لك عشان تصدقيني
-ليقول بمرح - الحمدلله يوم إنها رجل
أروح كلّي ولا تروح رجلي؟
تعالى بُكاءها بعد كلمته لتحضنه بشدة أقوى:
إلا والله إن روحك أغلى من كل شيء ياروحي أنت
تكفى ما تضايق بنفسك!
سحب ليث شادن من يدها ليُوقفها بعد هذا المشهد المُبكي
لتخرج والدته الباكية هي الآخرى على كلامه:
تبكين عليه وهو من طلعنا ينكّت ويضحك؟
وفري دموعك تكفين الدفاع المدني متحلّف فينا المرة الجاية
يقول يا الماجد لو اتصلتوا فينا بدل ما ننقذكم غرقناكم
ماهي حالة مجاري الرياض امتلت بسبب الشادن
همس حنون يصل لمسامعهم
حنون بحنية الرحم الذي حملهم فيه جميعًا دون إستثناء:
يمه تميم!
وقف تميم في هذه اللحظة بابتسامة مطمئنة ليقترب وهو يحضن والدته بقوة حانية ويهمس بإذنها:
طالبك لا تبكين يا يّمه ، الا دموعك اللي تنحرني من وريدي لوريدي
اعتبري اللي صار لي كفّارة يمّه لا تبخلين علي برياحة ذنوبي
لا تبخلين عليّ بالحسنات اللي وهبها لي ربي
شدت على هذا الرجل الرائع الذي مهما يكبر في عُمره
يظل هو الطفل المدلل وأقربهم معزّة ورحمةً لها:
بسلامة رأسك يانظر عينك ، لا والله يوم إنك بخير وعافية
وتتنفس هذا الهواء اللي أنا أتنفسه فهذا يكفيني
ربي يقطع ناحية ويوصل من ناحية ثانية !
ودامها روحك هي هي ، وابتسامتك هي هي
فما أغانني يا تميم
ما أغناني وأغنى قلبي بوجودك حولي!
قبّل رأسها بتأثر أبى أن يُحبس بداخله:
الله لا يحرمني منك يا يمه!
تراجع ليث بعد هذا اللقاء المؤثر ليخرج الى الخارج وهو يرى وقوف خيّال أمام سيارته التي جاؤوا بها
مكتفًا يديها وشاردًا أمامه في الأفق:
بو جابر ، خذ مفتاح سيارتي وتوكل على بيتكم
تعبّناك معنا الأيام الفايتة وقطعنا أشغالك امسحها بوجهي
عقد حاجبيه بغضب ليعتدل في وقفته:
اقطع بس يا ليث ، لو إني مكان تميم كان سويتوا معي أكثر من هذا
-أعاد وضع مفتاح سيارته في يده- وجعلك تسلم
انا بأخذ تاكسي وبرجع البيت لأن وراي مشوار مهم
وضع المفتاح في يده وهو عاقدًا حاجبيه:
حشى لله ما تآخذ تاكسي وسيارتي قدامك!
خذها يا رجال ماهي بطايرة علي ، بيتنا وتدّله إن كانك بتردها
وإن عجبتك تراني بيّاع لها
ابتسم خيّال ليضحك بخفة وهو يأخذ مفتاحه:
أنا أشتري هذه الخردة؟ هزولت!
لكمه على كتفه بخفّة ليتراجع داخلًا إلى منزله بصوت عالٍ مرح:
على تبن يا شيخ ، ما الخردة إلا سيارتك أبو نص باب
هذا موديل السنة طال عُمرك
يالله يالله أشوفك على خير ، ولا أقولك لا توريني وجهك يومين
فوداعة الله!
ليدخل وهو يغلق الباب من خلفه ! وسط ضحكات خيّال
الذي ركب سيارة ليث بعد أن أشغلها!
متّجه إلى المكان الذي تأجل من بعد إصابة تميم.
-
-

ما علموك إني ابن هالصحراء ، وإني شرقي الهوية والهوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن