00.35

703 54 17
                                    

٣٥.



غُرفة المعيشة كانت خانقةٌ، هادِئةٌ بغرابةٍ.. لم يكن الجَوُّ مُريحًا بل موتِرًا استنزفت أعصاب المتواجدين فيها.. خاصةً مع صمتهم الّذي استمرَّ لربع ساعةٍ متواصلةٍ، لا تسمعُ سوى أنفاسهم المتداخلةِ مع رؤية حركة صدورهم التي ترتفع وتهبط برتابةٍ مَملة.. تايهيونغ كان جالسًا بجانبِ والدتهِ على الأريكةِ المزدوجةِ، يتجنب النّظرَ كُليًا إلى الألفا الّذي يجلس على الكنبة الفردية المحاذية للكنبة الفردية الأخرى التي تجلسُ عليها خالتهِ الصامتة بربكةٍ، الألفا لا ينظرُ هو الآخر برأس منتكسة وعيون ملاصقة بأصابعه التي يعبثُ بهما باستمرار في حضنهِ - ربما لأخفاء احمرار عينيهِ وأنيابه البارزين -.. ويقفُ بعيدًا عنهم جيسونغ مستندًا على الحائط القريب من الدّرج المؤدي للطابق العُلوي.. تمامًا خلف الكنبة المزدوجة التي يجلسان عليها كلًا من الأم وابنِها..

وها هو جين يدخل الغُرفة بيديه اللتين تحملان صينية صغيرة تحوي فناجين القهوةِ السّاخنة حيث رائحتها الزّكية سبقته في الدخول لتدغدِغ أنوف الحاضرين، توقظهُم من شرودُهم وصمتهم المُربكِ وتبعد جوّهم المشحونِ.. يسلمّ لكل واحد فنجانًا عدا جونغكوك الّذي رفضها بنبرة منخفضة داكنةٍ: « شُكرًا، لا أُحبُّ القهوةَ. » سوكجين ابتلع عند رؤيته لتلك العيون الزاهية احمرارًا رغم ذبولها، وتلك الأنياب البارزةِ، وشحوب وجهه الشديد.. كان من الواضح أنه مريضٌ.. ليس بخير، وبنفس الوقت يبعثُ الرّهبةِ، من النادر أن ترى شيئًا مثل ذلك، لم يرهُ سوكجين في حياتهِ أبدًا، ظنّ أنه أمر خيالي، نامجون رغم أنه ألفا لم يُظهر شيئًا مثل هذا، ربما يُظهر أنيابهُ لكن العيون الحمراء لم يحصل لهُ أنه قد رآها فيما سبق..

أعطى سوكجين ابتسامة مُتكلفة صغيرة: « يُمكنني أن أُعدَّ لكَ شيئًا آخر.. هل هناك ما تُفضلهُ؟ » البيتا أحسّ بالقشعريرةِ من برودِ الفتى وجمودِه، حيث أجابهُ بهزّة رأس طفيفةٍ للجنبين دلالة على النّفي، ثم عاد لطأطأة رأسه مُجددًا.. فيضعُ سوكجين الصّينية على الطاولةِ.. أخذ له فنجانًا ثَمّ جلسَ على الكنبة الفردية الأخرى المُقابلة لهايون خالة جونغكوك التي نبست بابتسامة باهتة: « أعتذرُ عن ذلك، هو لم يأكل منذُ يومين.. يتجنبُ الطعام وحتى الشُرب.. » نظرت إلى تايهيونغ الّذي يخفي وجهه عنها بانتكاسة رأسهِ، تبدو قلقة وخائفة جدًا من حدقتيها المرتعشين اللامعينِ: « لا أعلم ما الّذي حصل لهُ فجأة.. تغيّر كُليًا.. أصبح مريضًا بشدّة ويشكي من الألم----- » وضعت فنجان قهوتها الذي بيدها على الطّاولةِ، خنقتها العَبرةِ كما لو أنها على وشكِ البُكاءِ.. فتواسيها هيجين القريبة منها بالربت على فخذها محاولةً لتهدِئة روعها، فتزفرُ الأخيرة أنفاسها المكتومة في صدرها، ثُمَّ أعطت البيتا ابتسامة شاكرة..

« لا يُهمني ما الّذي يحصلُ بينكما.. لكن تايهيونغ أنتَ وعدتنِي أن تهتمَ بجونغكوك، لذا أرجوك أنت شريكُه المُقدّر.. انت تعرف ما الّذي يعني ذلك، يعني أنّ رفضك لشريكك هو أمر خاطِئ! » تايهيونغ شدّ القبض على ركبتهِ اليُمنى، صكّ أسنانه ببعضها من شدّة الحنق، كلمات هايون أغبضتهُ إلى هذا الحدِّ ممّا جعلهُ ينظر إليها بعيون صارمة: « أنا آسف، أنا لستُ الشخص المنشود.. لستُ شريكَهُ المقدّر، عليكم أن تفهموا جميعًا هذا الأمر! » رغم ذلك نبرة صوته لم تكن بهذا العُلو، كانت شبه هادِئة وثابتة.. هيجين زفرت، لم تدرِ ما الّذي عليه قولهُ.. أحست بالعجزِ.

هَـانا: شَغف مُحتّمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن