00.33

1K 87 19
                                    

٣٣.



شِقتُه تغشاهَا الكآبةِ، بارِدة.. ومُعتمةٌ.. صاحبُ المنزل في حالٍ يُرثى لها، يعيشُ أيامه بصعوبةٍ بالغة، بروحٍ مُزهقةٍ.. مَنطَفِئ النّور، بلا ألوانٍ.. ضجيج الهُدوء في أرجاء المكانِ مُخيف، الشّعور المُريب بأنّ شيئًا ما مفقودٌ يُهلِكُه.. تضجّهُ الذّكريات الّتي تُصيبهُ بالحُزنِ وتشدّه بالألم من فرطِ الحنين------- لم يكُن قادِرًا على الحياةِ، أحسّ أن كُلّ دقيقةٍ تمُّر كأنّها دهرٌ ثقيلٌ مُتعبٌ تجاوزَهُ..

يحسُّ أنّه ما بين الحياةِ والموتِ، بلا حيلةٍ ولا قوّة، بلا رغبةٍ ولا شغفٍ.. كأنّه نسيَّ كيف يعيش، كيف يتنفس.. كأن قلبه نسيَّ كيف ينبُض.. في داخِله دوامةٌ من العذابِ الشديد الّذي يؤلِمهُ، يعذِّبه هذا الفراغ، يُعذِبُه الشّوق الكبير.. يؤلمُه أنه بلغَ من الحُبِّ حدّ المرضِ بهذا الشكل المُثير للشفقةِ..

سوكجين كان يُلوِّن حياتُه، كان هو الوحيد الّذي يُعطيه دافعًا للمضِي قُدُمًا.. للاستمرارِ، للعيشِ كل دقيقةٍ كُل يومٍ وليلةٍ.. ولا يمكنُ لومَهُ، الحُبّ الّذي يكنهُ لمحبوبِه ليسَ هينًا، ليسَ كبيرًا وحسب.. ليسَ ضخمًا، وليس شيئًا لا يمكنُ تصوُّرُهُ، بل حبُّه حياةٌ، وصل بعمقٍ إلى روحهِ.. إذ انفصل عنهُ أو رحلَ فقد السّبيل للعيشِ، وتاه في ظُلمةٍ السَّواد والكآبة، يجرّ نفسَهُ بلا وعيٍّ إلى حُفرة الموتِ..

كم مضى على غيابِ سوكجين عنهُ؟
أسبوع.. رُبما أسبوع؛ لأنَّ نامجون لا بعرف كم من الوقتِ قد مضى مُذ أنّهَ يحبِسُ نفسه في غرفته الخانِقة بالوَحشةِ والوَحدة... لكن مجرد أسبوع واحد وهو غائبٌ عنهُ ويحسّ أنه على مشارفِ الإنهيارِ، الله وحده أعلم ماذا سيحصل لهُ إذا مرّ إسبوعٌ آخر.. من الصّعب التّخيل.. جدًا.

كان يمضي أيامُه بلا سوكجين بصعوبةٍ بالِغة، من شدّة ضجيج الفراغ والوحدة - لديه خوفٌ عظيم من الوحدة والفراغ - يلجأ للنومِ، وحينما تُداهمه الكوابيس القاسية يستيقظُ رغمًا عنهُ - على الأغلب في وقتٍ مُبكرٍ من الصّباح - ثمّ يجرّ جسدُه المريض إلى دورة المياه.. وعن طريق الصُدفة يتأمل انعكاس وجهه المُصفر، الذّابل.. عيونهُ الخاملة الفاقدة للمعان المُميز، يرى شعرهُ الأشعث الفوضوي، شعرات ذقنِه وشواربه التي أهمل تشذيبها منذُ أسبوع، بجامتِه القطنية الداكنة التي لم يغيرّها منذ أسبوعٍ إلى الآن، باستطاعتهِ أن يشمَّ رائِحتهُ الكريهةِ.. ومن ذلك يُدرك كم أنّه ضعيفٌ جدًا بلا سوكجين، كيف أنه مهدودَ الحيلةِ، منهارٌ ومريضٌ بشدّة من دونهِ..

فينهار على الأرضية الباردة، ويغرقُ بالبُكاء الصّامت، يلومُ نفسهُ وقلبَهُ مِرارًا، يُسائِلُ ذاتَه بكيف أخذه الحبّ إلى هذا الحدِّ البعيد من الألم.. كيف وقع بشدّة؟ لمَ غمر نفسَهُ كاملًا في روح سوكجين، لم أعطاه جُزءًا منهُ.. هذا الجُزء الذي يريد استعادتُه الآن.. يريدُ الحياة، يريدُ الوقوف، والمُضيّ قُدمًا.. يريد العيش ومحاولة العيش بدون هذا الألم--- بدون سوكجين.

هَـانا: شَغف مُحتّمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن