البارت ﴿38﴾

148 17 15
                                    

قرأتم فيما سبق.......

ضحكت جيني برقة وقالت " أنت مجنون "
بادلها تاي بالضحك وهو يقول " ليست معلومة جديدة "
صمتت جيني لثوانٍ ثم قالت بنبرة جدية بعض الشيء " أخبرني تاي لماذا أحببتني "
قال تاي ببطء وببعض الشرود " هذا هو السؤال الوحيد الذي لم أعرف إجابته بالتحديد... لا أدري إن كنت أحببتك بسبب رقتك... أم طفولتك... أم لطفك... أم سذاجتك... كل ما أعرفه هو أنني أحبك.. ولن أتخلى عن هذا الحب حتى لو صار البعد بيننا كبعد الشرق عن الغرب "
صمتت جيني ولم تستطع النطق أمام تلك الكلمات الجميلة... إذن هو لا يحبها لأجل جمالها... إنه فقط يحبها لصفاتها... ليتها فقط توقن...ليتها.........

                               ((((الحدود ))))


أحس تاي بقدوم شخص ما خلفه فقال بصوت عالٍ نسبياً " ما الأمر إيما؟؟ "
ابتسمت إيما الواقفة خلفه ثم قالت " السيد كيم طلب مني استدعاءكما للعشاء "
أبعد تاي جيني عنه قليلاً ثم وقف وأوقفها معه ليصطحبهالغرفة الطعام حيث يجلس على رأسها السيد كيم الذي ابتسم ما إن رآهما وقال " كيف حالك يا ابنتي؟؟ "
علمت جيني بأنه يقصدها فابتسمت ابتسامة شاحبة وقالت " بخير... شكراً لك سيدي "
اتجه تاي إلى الكرسي الواقع على اليسار ليسحبه لجيني وهو يقول " تفضلي هنا " فجلست بينما قال السيد كيم " يمكنك مناداتي بعمي كما اعتدتِ "
ابتسمت جيني باصطناع ثم قالت " لكنني أفضل كلمة سيدي... سيدي "
جلس تاي على الكرسي الواقع على اليمين وهو يقول في نفسه ( عنيدة )
بدأت الخادمات بوضع الطعام في صحني تاي و جيني ليبدآ بالأكل لكن في الواقع جيني لم تأكل شيئاً بل ظلت تقلب طعامها إلى أن أصابها الملل فقالت " عن إذنكما " بعدها وقفت لتخرج من غرفة الطعام وتتجه للسلالم ومنها إلى غرفتها وهذا ما أثار استغرابها فكيف لها بأن تدل الطريق جيداً مع أنها عمياء وقد وصلت إلى المكان للتو.... هل هذا يعني بأنها بدأت تستعيد ذاكرتها؟؟.... طردت جيني الأفكار من ذهنها لتتجه لدورة المياه وتغتسل ثم تنام على سريرها بهدوء.
مر أسبوع كامل على بقاء جيني في منزل السيد كيم.... كان كل من جيني و تاي يتحاشى لقاء الآخر فقد كان وجود تاي بجوار جيني يربكها كما أنها تخاف منه إلى حد ما أما تاي فقد كان يتحاشاها خوفاً من أن يخيفها أو يشعرها بعدم الراحة كما أنه كان خائفاً على نفسه من أن يجرح ويتألم من كلامها القاسي... وكانت الكوابيس تراود جيني كل ليلة ومعظمها عن كاي وعما فعل فيها لكنها إلى ذلك اليوم لم تكن تصدق أن ما فعله فيها حقيقة وتعتمد على أمل كاذب بأنها ستصحو يوماً وتجد بأن كل ما جرى حولها كان كابوساً تبخر واختفى.


قبضات تعتصر جسدها... دفء... بل حرارة لا مثيل لها.. ذراع تلتف حول خصرها... بالكاد تتنفس... بعدها همساً.... أنفاساً ملتهبة تهمس في أذنها اليسر " جيني "
فتحت عيناها ليختفي كل شيء فتساءلت في نفسها ( ما هذا الحلم الغريب؟؟... لقد كان جميلاً إلى حد كبير... لكن ما المقصود فيه يا ترى؟؟... ولمن كان ذلك الصوت الدافئ؟؟ )
زفرت بحدة ثم نهضت وهي تقول " لن أحتمل الجلوس في هذا المنزل دقيقة واحدة أخرى... هذه هي حدودي "
كان الجو عاصف ومثلج... الثلج يغطي الأرض لأكثر من نصف متر تقريباً والرياح لم تكن تهمس وتهمهم كعادتها بل كانت تصرخ صرخاتها المرعبة الممزوجة بجفاف الشتاء وبرودته ومع هذا كله لم تأبه جيني فوقفت لتتوجه لباب غرفتها وتفتحه ببطء شديد لتخرج وتسير بحذر واختلاس كاللصة ولما وصلت للدرج بدأت بالنزول بعدها مشت إلى أن وصلت لباب المدخل وقد كان باب المدخل يقع قريباً من صالة المنزل المظلمة المعتمة فلما فتحت الباب ببطء سمعت صوتاً يقول بقوة وحزم جعلاه جزءاً من الظلام القاسي " أين تظنين نفسك ذاهبة جيني؟؟ "
ارتجف جسد جيني من نبرة ذلك الصوت فهي تعرفه جيداً... بالطبع هو تاي فلم تجبه لكنها علمت بأنه سيوقفها لهذا ركضت للخارج بسرعة كبيرة والجو كان بارداً جداً والرياح جافة مجمدة.
رمى تاي الكتاب الذي كان بيده ليركض للخارج خلف جيني... لقد كان صوت الرياح عالياً لهذا كان من الصعب جداً على تاي بأن يحدد مسارها فاتبع حاسته السادسة على أمل بأن يكون سيره صحيحاً.... فراح يركض ويركض ولا يعرف وجهته فظل يركض طويلاً حتى غلب عليه الشك بأن اتجاهه خاطئ فقرر تغيير مساره لكنه في آخر لحظةأحس بحركة أمامه فأسرع الخطى ورمى بنفسه عليها ليوقفها ثم قال بعصبية " إلى أين؟؟....... هل جننتِ؟؟ "
أخذت جيني تبعد تاي عنها وهي تقول بصراخ " إلى الجحيم... لا شأن لك بي ابتعد عني " بعدها دفعته بكل ما بجسدها المهشم من قوة ونهضت لتعاود الركض لكن تاي أمسك بذراعها بقوة وسحبها نحوه ليمسك بذراعها الأخرى إلى أن أوقف حركتها ثم قال " لن أسمح لك "
ردت عليه جيني وهي تقاوم وتحاول فك نفسها بقولها " قلت لك ابتعد عني " بعدها صرخت بقوة وقالت " لا شأن لك بي "
شد تاي قبضتيه على ذراعي جيني وهو يقول بحدة " كيف تقولين لا شأن لي فيك؟؟... أنا زوجك ومسئول عنك.. أنت عمياء الآن افهمي هذا... لن تستطيعي تدبر أمورك بنفسك هل تفهمين... إن وجدتك الشرطة فإما ستضعك في مستشفى الأمراض النفسية إن رأوا جنونك هذا أو سيعيدونك إلي أو يأخذونك للمسكن " بعدها صمت قليلاً ليهدئ من روعه ثم أردف قائلاً " هل تريدين العودة للمؤسسة؟؟... أخبريني.. هل تريدين العودة لمؤسسة المكفوفين؟؟... إلى المكان الذي سعينا أنا معك جاهدين للخروج منه؟؟... ليس لك أحد هناك الآن... لا أنا... لا ليسا... لا جيمين... ولا حتى ذلك الحقير كاي الذي تحبينه.... أخبريني هل تريدين العودة "
لم تستطع جيني أن تنبس ببنت شفه فشد تاي قبضتيه أكثر على ذراعيها وصرخ وهو يهزها " أجيبيني "
تساقطت الدموع من عيني جيني التي قالت بصوت خافت مخنوق ممزوج بنبرة بكاء " تاي أنت تؤلمني " بينما راح جسدها ينهار بين أضلاع تاي القوية فلما أحس بها هذا الأخير غطاها بسترته وحمل جسدها الضعيف بين ذراعيه ليبدأ بالسير عائداً لمنزله وقد كانت الطريق طويلة والبرد قارص... ولما وصل بها دخل للداخل وأغلق الباب برجله اليسر بقوة ثم صعد الدرج بهدوء ليتوجه لغرفته ويضع جيني على السرير ثم يغطى جسدها بالغطاء بعدها قال " سوف تنامين هنا "
لم تجبه جيني فقد كان جسدها متجمداً ولم تستطع الكلام.
شغل تاي المدفأة التي دفأت الغرفة في غضون دقائق ثم قربها من السرير وخلع بلوزته ليدفئ جسده بشكل أسرع بعدها توجه إلى خزانته ليخرج بلوزة أخرى جديدة ويضعها على المدفأة إلى أن دفأت بعدها ارتداها ودس جسده بجوار جسد جيني التي كان ظهرها المتجمد مقابلاً له فلف ذراعه حول خصرها ليدفئها ثم شد أضلاعه على جسدها وهمس بأنفاسه الملتهبة في أذنها " جيني "
انتفض جسد جيني فقد كان هذا بالضبط ما حلمت فيه وكانت أخيراً قادرة على الحركة فابتعدت عنه ورفعت جسدها وهي تهمس " كفى "
رفع تاي جسده ليجلس على السرير بصمت ويسمعها تكمل " كفى.. لم أعد أستطيع البقاء في هذا المكان " بعدها أردفت بصوت عالٍ نسبياً ممزوج بصوت بكاء مخنوق وهي تمسك بشعرها بشدة محاولة كبت ما فيها " كفى... الكوابيس تطاردني وتعذبني ... لا أذكر شيئاً حتى وإن حاولت... لا أشعر بصداع أو أي من علامات رجوع الذاكرة... أشعر بأنني تائهة.. تائهة تماماً.. دعني... دعني يا تاي أكمل حياتي بسلام.. دعني أبدأ من جديد... أتعرف على أناس جدد وأعيش حياة جديدة... أريد لذلك الماضي بأن يزول.. أريده بأن يتلاشى... أرجوك "
بدأت الدموع تتساقط من عيني تاي من دون أدنى شعور منه.. لم يستطع التعليق.. بل لم يستطع الكلام فقد انعقد لسانه... وشعر بغصة في حلقه فما منه إلا أن رمى بنفسه بقوة على السرير وأخذ يجول في فكره... لا أصدق... لا أصدق بإنها تتوسل إلي لأتركها... إنها تريد مني بأن أكون ماضياً نسته وانتهى... كيف يا جيني؟؟... كيف تقولين لي هذا بعد أن كدت أضحي بحياتي لأجلك؟؟... كيف تقولين هذا وقد وهبتك جسدي.. قلبي... روحي وعقلي؟؟... كيف تقولين هذا بعد أن غيرتي حياتي كلياً؟؟... كيف تقولين هذا بعد أن فقدت قوتي وهدوئي وثباتي بسببك؟؟... بت مهشماً سريع الانكسار... كعود ثقاب صغير دهسته بقدمك.. كيف يا جيني ؟؟... كيف؟؟.....
لم تسمع جيني أي شيء... لا اعتراض من تاي... لا كلمة منه... ولا حتى أنفاسه.. لم تسمع سوى صوت صرخات الرياح المرعبة.... اقتربت من تاي... وضعت كفها على يده المرتجفة... نعم كانت ترتجف بقوة.... فشعرت بما سببته له.. شعرت بقسوة كلماتها عليه... شعرت بالسكاكين التي انغرست في قلبه... لم تدر ماذا تفعل... عقلها العنيد ينازع قلبها الطيب... عقلها يفرض عليها المنطق... بينما قلبها الطيب يفرض عليها العاطفة... فتوسلت لله بأن يهديها لما هو أفضل لها... توسلت له بأن يغلب قلبها على عقلها... إنها امرأة وهذا ممكن... دائماً ما كان قلبها يسيطر عليها... فما به الآن تراجع وتردى... ما به ترك السيطرة لعقلها الظالم... لماذا باتت تعذب من أحبها... من وهبها كل ما لديه... من عيشها في جنة على كفيه.... لماذا كل هذه القسوة... لماذا كل هذه العصبية... أين أنتي يا جيني؟؟... أين جيني القديمة التي اعتاد عليها تاي واعتاد عليها الكل؟؟... أين؟؟... يبقى هذا السؤال محيراً لعقولنا وقلوبنا.... لكن..... إلى متى؟؟.....
وضعت جيني رأسها على كتف تاي الأيمن بكل حذر وقد كان رأسها قريباً من رقبته بحيث لو رفعته فسيقابلها وجهه ولما لم تر من تاي أيه حركة سحبت الغطاء لتغطيه و تغطي جسدها البارد ثم وضعت كفها المتجمدة على رقبته الدافئة ونامت.
ازداد نزول دموع تاي الحارقة وهو يحس بجسد جيني… الفتاة الوحيدة التي أحبها… الفتاة الوحيدة التي رفضته على جسده فوضع ذراعه فوقها وهو يقول في نفسه ( يكفي ها؟؟… تقولين يكفي؟؟…. إذن أنا سأقول يكفي أيضاً… يكفي دموعاً... علي بأن أكون قوياً كالسابق… علي بأن أصمد... ستكون هذه هي آخر دمعة أذرفها عليك يا جيني … سأرجع قوياً هادئاً وثابتاً كالسابق… سوف أعود ) ثم مسح بكفه آخر دموعه وأغمض عينيه لينام ويترك العالم الحقيقي ولو لوقت قصير فقط.
فتحت تلك الجميلة عينيها ببطء لتتذكر ما حصل ليلة أمس فأحست بالذنب الكبير.. وأحست بأنها ظالمة… لكنها بالفعل عنت ما قالته فهي تريد بأن تبدأ حياة جديدة… لا تريد بأن تتذكر ما حدث بها فقد كان خليطاً من الدموع والآلام والمآسي… لهذا فهي تريد بأن تبدأ من جديد وترمي كل شيء وراء ظهرها… رفعت جسدها ببطء فسمعت صوت تاي يقول بكل ما في العالم من برود " صباح الخير "
استغربت في البداية من نبرة صوته لكنها تجاهلت الأمر وردت " صباح النور "
نهض تاي ليتوجه لدورة المياه بصمت فاستغربت جيني فهل كان فقط جالساً في السرير لكي لا يوقظها بنهوضه ولكي يقول لها صباح الخير؟؟... طردت تلك الأفكار من ذهنها فهي باتت تتجنب التفكير في هذه الأشياء حتى لا تشعر بالذنب أكثر.

لما خرج تاي كانت جيني قد عادت لغرفتها فاستبدل ملابسه ثم توجه للبيانو خاصته المتربع وسط غرفته البسيطة فجلس على الكرسي الطويل خاصته وراح يتحسس ذلك البيانو الأسود الجميل… لم يدر لماذا لكنه يحس بأنه يشبهه فلون البيانو أسود وهو لا يرى إلا السواد… البيانو يخرج ألحاناً حزينة وهو يفعل المثل لكن الفرق الوحيد هو أن البيانو بإمكانه أن يصبح سعيداً ويعزف ألحاناً مبهجة لكنه هو… لا يستطيع إلا بأن يعزف على أوتار الآلام والأحزان.
ضغط تاي على زر من أزرار في البيانو وهمس " إلى متى؟؟ "
بعدها ضغط ثانياً وقال بنبرة أكثر علواً " إلى متى؟؟ "
بعدها ضغط زراً ثالثاً وبدأ بالعزف وهو يقول بصوت مكسور متألم وفيه كل معاني القهر والحزن " إلى متى؟؟... إلى متى؟؟... إلى متى؟؟... إلى متى وأنا أتعذب؟؟... إلى متى وأنا تعيس؟؟... كفى... لقد تعبت... لقد تعبت... إنها حدودي... إنها حدودي... لم أعد أستطيع " وقد كان يعزف أعذب وأحزن أغنية عزفها يوماً فهو من ألفها… لم تكن هذه الموسيقى كأي موسيقى سمعتموها بل كانت حزينة إلى حد لا يوصف وكأنها… وكأنها أغنية السقوط الأخير لمن كافح وكافح من أجل اللاشيء.. كانت كمن وجد حياته تتداعى بين يديه ولا يدري ماذا يفعل… كان يعلم.. كان يعلم من البداية بأن الموضوع انتهى… منذ أن فتحت جيني عينيها… منذ أن التقطت أذناه شهقتها… منذ أن انتقل لجوارها كالملهوف… منذ أن ضمها… منذ أن دفعته وأسمعته كلامها… أين تلك الأيام يا جيني؟؟… حين كنا بالمسكن.... كطيري حب جديدين… لم يتحررا ولم يعرفا ما هو العالم الحقيقي بعد… لكنهما فقط أملا بالحرية… أملا بالحرية وظنوا بأنها السعادة… لكنهما مع الأسف كانا مخطئين…..
انتهى تاي من العزف فأغلق البيانو ووقف ليتوجه لغرفة جيني المقابلة لغرفته وطرق الباب بخفوت ليسمع صوت جيني بعد ثوانٍ تأذن له بالدخول فدخل وأغلق الباب خلفه ثم استند عليه.
صمتت جيني محثة تاي على الحديث فقال هو بخفوت وبتردد واضح " ج...جيني ... هل... هل حقاً عنيتِ ما قلتيه ليلة أمس؟؟ "
أومأت جيني برأسها إيجابياً وقالت " نعم "
صمت تاي لبرهة ثم قال " هل حقاً... تريدين بدء حياة جديدة؟؟ "
ازدادت خفوت صوت جيني لما قالت " نعم "
أغمض تاي عينيه وعض على شفتيه وهو يضغط على مشاعره ثم قال بصوت خافت " هل تريدين بأن..... تنسيني؟؟" وقد كسر صوت فيما قال.
ازداد خفوت صوت جيني فأصبح أقل درجة من الهمس عندما قالت " نعم "
صمت تاي مطولاً وهو يعض على شفته السفلى بقوة حتى أدمت ويحاول الإمساك بأعصابه بعدها قال " إذن... هل تريدين مني بأن أط.... أطلقك "
صمتت جيني لدقائق طويلة وهي تعرف بأن ما ستقوله في هذه اللحظة سوف يحدد مصيرها لبقية حياتها فبعد أن حسمت أمرها تحركت شفتاها لتنطقان " نـ.. نعم "

                                                         يتبع... .💜

الحب الاعمى ❤ Blind Love ﴿تايني﴾حيث تعيش القصص. اكتشف الآن