نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ١..
_______________________
-أنتِ طالق.
تفوه بتلك الجملة بكل برود وكأن مشاعرها بلا قيمة لديه، إنها تلك الفتاة التي أُجبر على العيش معها بلا مقدمات ولكن هي ليست سوى فتاة أحبته وقبلت الزواج به بدلا من أختها الهاربة.
انقطعت أنفاسها وتشنجت عضلات وجهها، كيف له أن يتخلى عنها في بلد غريبة كهذة!
استندت بكف يدها على تلك الطاولة من خلفها والتي مُلئت بالتراب، لم يولي لصدمتها اهتماما وتركها وغادر ذلك الكوخ المهجور وكأنها لم تكن من مسؤوليته ولو للحظة، يا له من قاسي ومتحجر القلب!
فاقت من صدمتها ونظرت حولها وسيطر الخوف عليها إنها فتاة بمفردها في بلد أجنبية لا تعلم أحد بها وزوجها الذي أتى معها إلى هنا تخلى عنها للتو وتركها وغادر لتشق سبيلها بمفردها، غادرت ذلك الكوخ لعلها تلحق به ولكنه غادر بالفعل تفوه بكلماته السامة وتركها رفعت هاتفها تحاول الاتصال به ولكن هاتفه مغلق، سقطت على ركبتيها تنظر للفراغ من حولها تستمع لأصوات خافتة تأتي من بعيد لقد أنتهت بالفعل منذ اللحظة التي تخلى عنها بِها.
________________________
دق المنبه معلنا الساعة السادسة صباحا، لم تستيقظ ولكن ذلك النائم بجوارها استيقظ فهذا موعده فتح عينيه ليقع نظره عليها ويقبّل أعلى جبينها بهدوء ليتركها ويتجه نحو المرحاض الملحق بغرفتهم ويغسل وجهه عدة مرات ليرفع وجهه باتجاه المرآة، كانت ملامحه شرقية بالرغم من جنسية أمه الألمانية.
خرج من المرحاض ليجدها اعتدلت في جلستها على الفراش وابتسمت له بهدوء لتتخطاه وتدلف للمرحاض بدأ في تبديل ثيابه لأخرى رسمية تليق بمكان عمله فهو يعمل دكتور بإحدى الكليات الخاصة.
تقدم للخارج لتتبعه هي بعدما غسلت وجهها وتقدمت من المطبخ لتبدأ في تحضير الفطور لكليهما، أردفت قائلة بالألمانية وهي تضع أطباق الطعام:
-ماذا فعلت في جامعتك بالأمس، سيف؟
-لا شيء يُذكر كعادتي.
جلست بجواره على تلك المائدة الصغيرة وشرعوا في تناول الطعام، أردف سيف بقوله:
-لا تتأخرين كأمس، غرام.
أردفت تبرر سبب تأخيرها ولكنه قبّل أعلى جبينها مردفا بقوله:
-لا داعٍ للتبرير.
تركها وغادر بعدما أنتهى من تناول طعامه وهبط أسفل البناية التي يسكن بها كانت في منطقة راقية أمام برج برلين في ألمانيا استقل سيارته وغادر باتجاه جامعته: بينما في الأعلى دلفت غرام لغرفتها في تمام الساعة الثامنة بعدما قامت بغسل الأطباق وتناول كوب قهوة في شرفتها أمام برج برلين تشاهد الناس ذهابا و إيابا لتخرج ثوب عمل مريح وجلست على فراشها ترتدي حذائها الرياضي ليتعالى رنين هاتفها وتلتقطه لتجيب:
-مونيكا.
-غرام، ألم تذهبي بعد؟
-لا، أيمكنكِ إيصالي للعمل في طريقك؟
-غرام، أنا بالأسفل لقد طلب مني سيف بالفعل أن أتي لأقلك للشركة حتى يتم إصلاح سيارتك، لذا أنا في انتظارك بالأسفل.
-حسنا، أنا قادمة.
نهضت غرام وألتقطت حقيبتها وذلك الملف من خزانة ثيابها وغادرت الشقة وهبطت من البناية لتجد مونيكا صديقة سيف في انتظارها وابتسمت بانبهار حينما رأتها لتبديء إعجابها بها قائلة:
-لقد فاز سيف بكِ.
ابتسمت لها غرام لتظهر غمازة وجنتها اليسرى وتستقل معها السيارة تشكرها على مدحها.
توقفت مونيكا بسيارتها أمام الشركة التي تعمل بها غرام وهبطت منها لتدلف للداخل وتذهب لمكتبها؛ فهي لها المنصب الأول هنا بعد صاحب الشركة.
جلست على مقعدها تبدأ في مراجعة الملفات التي ستعرضها على المدير حينما يأتي.
على الجهة الأخرى، دلف للجامعة بسيارته لطالما كان محط أنظار للجميع، فمنهم من يريد العمل بشركته والأخر يحقد على ما وصل له من مناصب مرتفعة على الرغم من جنسيته المصرية فأبيه من أصل مصري وتوفى منذ أن كان عمره خمسة عشر أعوام وتربى بين أحضان أمه الألمانية واستطاع أن يرث منها بعض الأموال التي سندته في بداية طريقه.
هبط من سيارته بعد أن قام بركنها واتجه نحو مكان عمله ليبدأ في شرح أول محاضرة له حتى ينتهي اليوم الدراسي.
أنهى عمله واتجه نحو الشركة لم يعير لزميله اهتمام، فهو لطالما يسخر من جنسية أبيه وهو بطبعه إنسان هاديء لا يحب المشاكل.
ابتسم الجميع في لحظة دخوله للشركة، فالجميع هنا يحبّه ويحترمه ويحقد على غرام تلك التي كانت مجرد موظفة تحت خدمته في البداية والآن أصبحت زوجته.
عندما علمت بحضوره ذهبت له وهي تحمل بيدها كوب عصير ووضعته أمامه قائلة:
-توجد بعض الأوراق في حاجة لتوقيعك.
اومأ لها وارتشف من العصير عدة مرات، فهو يعمل طيلة الأسبوع بلا راحة لذا يشعر بإنهاك شديد في جسده.
أردفت متساءلة:
-في وقت لاحق؟
نفى برأسه قائلا وهو يجذب تلك الملفات من يدها ليبدأ في توقيعها و وضع ختمه عليها متساءلا:
-ماذا عن حملة شهر ديسمبر؟
-كل شيء على ما يرام لا تقلق، لقد عملت عليها أنا والفريق حتى تليق بسيف آل قاسم.
نهض سيف وحاصرها بينه وبين المكتب من خلفها، وأردف قائلا:
-سيف وغرام آل القاسم.
ابتلعت لعابها ونظرت لأسفل لتقبض على قميصه بقبضة يدها وهي تردف قائلة:
-يجب عليّ العمل، و.
قاطع حديثها دخول السكرتير الخاص بسيف والذي لم يعلم بوجود غرام؛ فهي دخلت في غيبته حاولت الإبتعاد ولكن كيف وسيف يحاصرها بذراعيه لينظر إلى سكرتيره الذي أردف:
-السيدة ديما في الخارج.
ابتعدت عنه على الفور ووقفت بجواره؛ فديما لا تحبها وترى أنها سرقت ابنها منها وجعلته يبتعد عن عائلة أمه.
تقدم سيف من أمه وقبّل يدها كما علمه والده، لقد أسلمت ديما على يد جابر والد سيف من شدة حبّها فيه استطاع أن يجعلها تعتنق الدين الإسلامي من بلاغة القرأن الكريم ومعجزته.
جلست على المقعد أمام سيف لتردف غرام قائلة:
-أنرتِ، سعيدة برؤيتك.
لم تحزن ابنها الذي يراقب الموقف وأجابت عليها بفتور:
-وأنا أيضا.
استأذنت غرام وانسحبت بهدوء لتعود إلى عملها، لتتحدث ديما إلى ابنها وتطمئن على أحواله.
___________________________
في المساء، أتى موعد انصرافه ليطرق الباب عليها ودلف ليجدها تلملم متعلقاتها لتنصرف هي أيضا، أردفت قائلة:
-أنا مستعدة.
اومأ لها ليغادروا أمام الموظفين ويستقل كلاهما السيارة وينطلق بها إلى المنزل، نظرت لرصيف المارة يمتليء بالدراجات لتغمز له باليسرى وتقول:
-ألا تود مشاركتي؟
على الرغم من كونه منهك ألا أنه لم يرفض، ليصعد كلاهما حتى يبدلوا ثيابهم لأخرى مريحة وهبط لأسفل ليقوم بتأجير اثنتان لكليهما استقلتها وبدأت في سباقه وهو خلفها ليقترب منها ويبدأ في سباقها لتسرع غرام في محاولة منها للإلحاق بِهِ قائلة بنبرة مستعطفة:
-انتظرني.
-لن تخيل عليّ أفعالك.
كادت أن تلحقته ولكنها لم تستطع أن تصل له لتصطدم غرام بتلك السيارة السوداء وتطلق صرخة قوية أثر اصطدام رأسها، هرب الرجل على الفور بسيارته فهو المخطيء ويبدو أنه كان يهرب من شخصا ما يطارده.
توقف سيف على الفور وجرى نحو غرام تلك التي تمسك بقدمها تفحصها جذبها نحوه قائلا بقلق:
-أنتِ كويسة؟
تفحص قدميها كانت تؤلمها بشدة وضع رأسها على صدره وهو ينظر حوله كان الجميع ينظر له حتى تقدم منه ضابط المرور بعدما سجل مخالفة لذلك السائق وطلب القبض عليه.
-لقد هاتفت الإسعاف، وسنقبض عليه لا تقلق.
أردفت غرام وهي بين أحضان سيف وازدادت وتيرة أنفاسها:
-لا داعي، أنا بخير سيف يمكننا العودة إلى المنزل و.
قاطعها سيف وهو يضع كف يده على وجنتها قائلا:
-يجب عليّ الاطمئنان عليكِ.
بعد عدة دقائق وقفت السيارة أمام كليهما، لتستند غرام على سيف الذي ساعدها في النهوض واستقلت سيارة الإسعاف وبجوارها سيف الذي لم يترك يدها وانطلقت السيارة نحو المشفى لفحصها.
لم يفارقها طوال فترة الفحص؛ فهي خضعت لأشعة على المخ أثر اصطدام رأسها وجلست بغرفة للكشف ليتم فحصها بشكل كامل لتنظر لسيف الذي يقف أمامها يستند بظهره على الحائط ابتسمت له وأشارت له أنها بخير وليس هناك داعي للقلق.
تعالى رنين هاتفه ليغادر غرفة الفحص ويجيب على مونيكا صديقته:
-أين أنت؟ وأين غرام؟ لقد هاتفتها كثيرا ولكنها لم تجيب عليّ.
-أنا أقف أمام منزلكم لما لا تجيب عليّ.
-نحن بالخارج.
-حقا!! لقد أتيت للاحتفال بمولد غرام لقد سبقتني سيف.
-نحن في طريقنا الآن للمنزل.
-انتظري.
-حسنا، لا تنسَ الحلوى.
خرجت غرام من الغرفة تستند على الممرضة التي تركتها وغادرت ليقترب منها سيف ويحيطها بذراعيه حتى لا تسقط، تساءل قائلا وهو ينظر لها:
-أ أنتِ بخير؟
اومأت برأسها ليغادر المشفى ويستقل سيارة أجرة ويوقف السائق أمام متجر للحلوى، تعجبت غرام حينما رأته يهبط ويتجه للداخل ليعود بعد دقائق حاملا بيده حقيبة بداخلها كعكة حلوى.
-ماذا بداخلها؟ ولما جلبتها؟
-مونيكا بانتظارنا.
لم تعلق واتجهوا للمنزل ليحاسب سيف السائق ويسند غرام ليصعدا للأعلى، شهقت مونيكا حينما رأت حالتها؛ فقدميها مليئة بالشاش الأبيض وبنطالها حالته مزرية تقدمت منها لتسندها هي الأخرى وتردف:
-ماذا حل بكم؟
فتح سيف باب المنزل ليدلفوا ثلاثتهم، لتردف غرام بقولها:
-لا تقلقِ حادث بسيط، أنا بخير.
أجلسها سيف على الأريكة وتركهم ليهبط لأسفل ويدفع لصاحب الدراجات ثمنهم فهو كان يدق على رقم سيف كثيرا ولكنه كان منشغل بغرام، تفهم الرجل الموقف وعذر سيف ليأخذ حسابه ويتركه سيف ويعود مرة أخرى لمنزله.
كانت غرام تحتضن مونيكا بقوة وهي سعيدة لأنها تذكرت عيد مولدها وجلبت لها هدية، استند سيف على الحائط أمامهم وهو ينظر لها ليردف قائلا:
-لقد تحسنت قدمك الآن؟
ابتلعت لعابها وجلست مرة أخرى على الأريكة لتضحك مونيكا وهي تتقدم من علبة الحلوى وتقوم بفتحها وتردف قائلة:
-لقد جلب كعكة رائعة، افتحي هديتك غرام.
جذبت غرام تلك العلبة وبدأت تفتحها بينما سيف تقدم لغرفته ليبدل ثيابه لأخرى نظيفة وخرج وجدها تقف أمام المرآة بجوار باب المنزل تضع ذلك الثوب عليها ومنبهرة به.
-أأعجبك؟
-رائع، مونيكا.
احتضنتها وجرت على الفور نحو غرفتها رغم ألم قدمها ولكنها تحملته لتبدل ثيابها لثوب مونيكا الجديد وقامت بارتدائه كان باللون الأحمر يتناسب مع بشرتها البيضاء وارتدت حذاء شتوي طويل لتخرج لهم وتصفر مونيكا بقوة وهي ترى أن الثوب يليق بها كثيرا، كان يجلس هادئا يتأملها ويتأمل سعادتها بذلك الثوب لتجلس بجواره وتطفيء مونيكا الأضواء وتضيء الشموع وعندما دقت الساعة الثانية عشر نفخت غرام لتعود الأضواء مرة أخرى وتقبّلها مونيكا لتدفعها نحو سيف الذي ألتقطها بذراعه الأيسر.
قضوا ليلة ممتعة أمام التلفاز لتنام مونيكا قبلهم، ابتعدت غرام عن سيف وأردفت قائلة:
-أ لن تنام؟
هز رأسه بالإيجاب ونهض ليتقدم من غرفته، قامت غرام بلملمة الأطباق والأكواب وغسلهم لتضع بقايا الحلوى في الثلاجة وجلبت غطاء ثقيل و وضعته عليها ودلفت لغرفتها وقامت بتبديل ثيابها في المرحاض ولكن لم يُخفى صوت بُكائها على مسامعه كان ينام واضعا ذراعه الأيمن أعلى عينيه يستمع لها تبكي وشهقاتها ارتفعت لتضع يدها على فمها تمنع نفسها من البكاء ولكن كيف!
خرجت غرام من المرحاض لتنظر إلى سيف النائم وتتقدم من الفراش لتنام بجواره وتغلق الأنوار، وجدته يحيط خصرها بذراعه ويقربها منه بكل هدوء ولم يعلق وكذلك هي لتنام.
كانت في أجازة لأسبوعين حتى شعرت بالملل؛ فهو يعمل طوال اليوم لا يهاتفها إلا ليطمئن عليها وعلى قدمها وتم القبض على من اصطدم بها ودفع مبلغ مالي كبير كتعويض.
كانت تقف في المطبخ تحضر العشاء لتجد من يحتضنها من الخلف لتنقطع أنفاسها وتلتف وبيدها سكين تنفست الصعداء حينما وجدته سيف ووضعت السكين على الطاولة خلفها أردفت بنبرة خافتة:
-لما أتيت مبكرا؟
-استعدي، سنذهب لزيارة منزل أهلي.
نظرت له بتفاجىء وأردفت قائلة:
-سيف، لا أريد.
قاطعها بقوله:
-العشاء سيكون هناك، غرام.
نبرته هادئة جدا ولكنها مخيفة وكذلك عينيه، تركته وذهبت لتتقدم من الغرفة وتخرج لها ثوب ترتديه يناسب تلك السهرة.
ارتدت فستان أبيض طويل يصل لكاحلها وحذاء شتوي قصير يغطي قدمها وقامت برفع شعرها للأعلى بعشوائية لتتقابل عينيها في المرآة معه، تقدم منها ليغلق سحاب ثوبها دون أن تطلب منه ليذهب إلى المرحاض ويستحم خرجت لتنظف المطبخ وتطفيء النار على الطعام.
قاد السيارة باتجاه منزل عائلة أمه كانت صامتة طوال الطريق لم تتحدث بل كل ما تفكر فيه كيف ستقابلهم، لا أحد يحبها هناك تزوجها سيف دون أنا يأخذ برأيهم وأنتقل للعيش معها بمفردهم.
توقف أمام البناية التي يقطن فيها خاله وأبنائه، هبط من السيارة ليفتح لها الباب وتهبط هي الأخرى لتصعد للأعلى معه عبر المصعد وهي تحاول تنظيم أنفاسها ومعدل ضربات قلبها.
توقف المصعد في الطابق السابع وقبل أن تغادر جذبها سيف نحوه وأردف قائلا:
-لا داعٍ للقلق، غرام.
-لن أسمح لأحد أن يهينك، أنتِ زوجتي.
غادرا المصعد ليرن جرس الباب فتحت له فتاة استندت على الباب ذراعها يحمل ثغرها ابتسامه كبيرة:
-أنرت، سيف.
كادت أن تحتضنه ولكن سيف أبعدها بيده وأردف:
-شكرا، جاسبرن.
تقدمها للداخل وهو يحيط خِصر غرام بذراعه، وتقدم من خاله ليحتضنه بينما صافحته غرام.
أشار ديڤيد خال سيف لخادمه لكي يجلب مشروب لكلا من سيف وغرام، ليشير ديڤيد لغرام حتى تقف بجواره ليومأ لها سيف وتقف بجوار ديڤيد الذي أردف مشيرا على سيف:
-أيقوم بإزعاجك؟
نفت غرام برأسها ليبتسم ديڤيد قائلا:
-لقد أحسن سيف اختيارك.
رفعت عينيها له وجدته ينظر لها لتشعر بالحرج وأردفت قائلة:
-أشكرك، مستر ديڤيد.
-سيف يحبك كثيرا أيضا.
نظر ديڤيد لسيف الذي ابتسم له وجذب كوب عصير قدمه لغرام وأخذ الأخر، ليردف ديڤيد:
-استمتع سيف.
تركه وذهب ليتقدم سيف من غرام ويقف بجوارها، كانت حفلة بسيطة بمناسبة عيد مولد ابنة ديڤيد خرجت صاحبة عيد الميلاد من غرفتها لتترك الجميع وتتقدم من سيف أمسكت يده وقالت:
-سعيدة برؤيتك، سيف.
-أتمنى لو أن يصبح عيد مولدي كل يوم لتأتي وأراك، منذ أن تزوجت وأنا لا أراك.
كان الجميع ينظر لغرام الهادئة وترتشف من عصيرها ببطء وتمهل وكأنها تشاهد مسلسل ليس زوجها وأخرى تتغزل به.
أخرج سيف من معطفه علبة صغيرة تحتوي على عقد صغير ولكنه رائع أخذته منه وهي تتفحصه بلهفة وكادت أن تقبّله حتى سقط عصير غرام على ثوبها أغرقه.
أردفت غرام وهي تضع الكوب على الطاولة خلفها:
-أعتذر، ليسا..لقد سقط بدون وعي مني.
استندت على سيف بيدها والأخرى وضعتها على مقدمة رأسها قائلة:
-أشعر بدوار، سيف.
نظر سيف للجميع ومن ثم لزوجته ليحيطها بذراعه وأردف معتذرا:
-أعتذر ليسا يجب عليّ الذهاب سأعوضك لاحقا وأعتذر نيابة عنها لم تقصد.
نظر لخاله ليومأ له برأسه حتى يذهب، وساعد سيف غرام لتخرج من المنزل واستقلوا المصعد سويا ابتعد عنها سيف وهو يعلم بأن ما قمت به بالداخل كذبة وأنها ليست متعبة ولكن ما يشغل باله إن كانت حقا تقصد أن تخرب ثوب ليسا عن قصد أو لا.
استقلت السيارة وهو خلفها ليقودها بصمت باتجاه المنزل قامت بفتح النافذة بجوارها لتشعر بالبرد وتغلقها مرة أخرى.
صعدت للأعلى على الفور عندما توقف أمام بنايتهم لتغلق الباب خلفها وهي تتنفس الصعداء أخيرا لقد هربت من صمته وهدوئه وأيضا عائلته لتتقدم من غرفتها وتبدل ثيابها لأخرى مريحة وألقت بجسدها على الفراش ويعلوها غطاء.
استمعت لحركته بالغرفة وأغمضت عينيها بقوة وهي تدعو الله ألا يقوم بكشف كذبتها وألا يحادثها في الأمر.
في صباح اليوم التالي، استيقظ سيف متأخرا عن موعده فاليوم أجازة من الجامعة لم يجدها بجواره لينهض ويدلف للمرحاض يقضي حاجته ويخرج مرة أخرى يبدل ثيابه لأخرى رسمية ليجدها تضع أطباق الفطور على مائدة الطعام وقد ارتدت ثياب العمل لم تعجبه ثيابها على الإطلاق فكانت تنورة قصيرة تجسّد ملامح جسدها وقصيرة بالكاد تصل للركبة ويعلوها بلوفر تقدم منها وجلس على مائدة الطعام وشرع في تناول الطعام.
-صباح الخير.
-صباح الخير.
-سأكون ممتنة إن أخذتني في طريقك.
-وأنا سأكون ممتن إن ذهبتِ وأبدلتِ ثيابك، غرام.
-لن أكون سعيدا والجميع ينظر لساقك البيضاء.
ابتلعت الطعام بغصة ونهضت لتتجه نحو الغرفة وتبدل ثيابها ولم تكمل طعامها، لتقف أمام المرآة وتنظر لساقها لقد كان محقا ولكن نظراته ونبرته أحزنتها لطالما كانت العلاقة بينهم مُعقدة.
أبدلت الجيبة لأخرى طويلة و واسعة و خرجت لتبدأ في لملمة الأطباق و وضعتها في المطبخ لتتقدم من سيف الذي اتجه للخارج دون أن يعلق ليذهبا إلى العمل معا ولاحظ الموظفين بأن هناك خطب ما بينهما ولكن لم يعيروا للأمر اهتمام ذهب كل منهما إلى مكتبه.
كان سيف يعمل حتى دلفت له ليسا وهي تقول:
-سيف أتيت لأعبر لك عن امتناني فهديتك رائعة.
ابتسم سيف وأردف قائلا:
-لم يكن هناك داعٍ لوجودك ليسا، ولكن إن كنتِ أتيتِ لما لا أعوضك عن ليلة أمس؟
تحمست ليسا كثيرا وأردفت قائلة:
-لا يمكنني رفض عرض مغري كهذا، سيف.
طرقت الياب ثم دلفت لتتعجب من وجود ليسا وتقدمت من سيف الذي تلقى من بين يدها ذلك الملف وأشار لها أن تذهب، لتردف ليسا بقولها:
-أعتذر غرام، سأخطف زوجكِ منكِ قليلا تعويضا عن ليلة أمس.
اعتلت ملامحها الدهشة وعُقِدت حاجبيها بقوة، نظرت لثيابها لتجدها أنها بالكاد تستر جسدها بقطعة قماش ابتسمت وقالت:
-بالهنا والشفا يا حبيبتي.
لم تفهمها ليسا لتتقدم منها غرام وتقف خلفها وتنظر إلى سيف لتقلد تعابير وجه ليسا بطريقة مضحكة وتتركهم وتغادر.
نهض سيف وتعلقت ليسا بذراعه ليبتعد عنها سيف قائلا:
-ليسا، غرام زوجتي لا أسمح لكِ أن تهينها أمامي ثم إنكِ بالنسبة لي ابنة خالي أي في مكانة أختي لذا تعاملي على هذا الأساسي.
ابتسم لها وغادر لتلحق به ويستقلا السيارة سويا كانت تراقبهم من شرفة مكتبها.
مر يومين منذ ذلك الموقف ولم يتحدث أحدهم للأخر.
____________________________
كانت تجلس على الأريكة ممسكة بهاتف في يدها وأخر على الطاولة أمامها كانت تبكي بصمت وقامت بإزالة دموعها على الفور حينما وجدته يدلف من باب الشقة واتجهت نحو المطبخ وهي ممسكة بهاتفها في يدها وضعته على الطاولة ووقفت أمام الثلاجة تخرج مكونات العشاء لتحضّره، رآها سيف ولم يعلق دلف لغرفته وأبدل ثيابه ليجلس على الأريكة بتعب وإنهاك رأى هاتفها على الطاولة ولكنه تذكر حينما دلف أنها غادرت ممسكة بهاتفها في يدها استطاع أن يفسر حزنها.
تنهد وأعاد رأسه للخلف لينظر لها من خلال فتحة المطبخ، كانت تقوم بقطع الخضروات شعرت به يحيطها بذراعيه لتلتفت وهي تستند بجبهتها على صدره وشرعت في البكاء بين أحضانه.
____________________________
قبل شهر، كانت الصدمة تعتري ملامح الجميع عند عودة ذلك الشاب وحده بعد أربع سنوات بدون تواصل، ليسقط الجد الكبير على مقعده وهو يضع يده موضع قلبه:
-ضيعت حفيدتي؟
-أربع سنين وأحنا منعرفش عنها حاجة، لأني افتكرت أني سلمتها لإنسان محترم هيحافظ عليها.
تقدم مالك ذلك الأب الذي احترق قلبه شوقا لرؤية ابنته ولم يستطع التواصل معها على مدار أربع سنوات، تقدم من ذلك الذي يقف أمامهم بهدوء وكأن الأمر لا يعنيه ليصفعه بقوة على وجنته اليسرى قائلا بتهديد واضح في نبرته:
-غرام لو مرجعتش محدش هيرحمك من إيدي، يا ابن المهدي.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_____________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Randomيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك