نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٢١..
____________________________
عادت للمنزل لتجده ملىء بالتوتر و كلٍ من نازلي و زين يقفا في مواجهة بعض والغضب على ملامحه لتقترب من شاهندا الواقفة في الرُكن وتتساءل عما يحدث:
-ماما و زين بيتخانقوا بسبب سيف.
-ليه إيه اللي حصل؟ هي عرفت!
-مش فاهمة حاجة ولكني سمعت سيرة سيف قبل ما تقوم الخناقة.
هتف زين بِحدة بعدما رأى أخته:
-شاهندا اطلعي على أوضتك.
صعد كلٍ من شاهندا و غزل للأعلى وغزل تراقب زين الغاضب حتى اختفى عن مرمى بصرها لتدلف لغرفتها بعدما ودعت شاهندا التي تعالى رنين هاتفها ابتلعت لعابها بخوف وتقدمت من الباب توصده خلفها و تقترب من الشرفة و تجيب ليأتيها صوته:
-تنازلي عن المحضر يا حلوة أحسن ما أنتِ اللي تتأذي.
ابتلعت لعابها الوهمي وقالت:
-ليه هو مش الحقير صاحبك اتعرض ليا!
-يعني الحقير صاحبي يقربلك لا وأنا أه؟
صمتت بدهشة مما يتفوه بها، أحقا بعدما قامت بتسليم قلبها له سيقوم بمعايرتها!!
ليقاطعها بنبرته الحادة:
-تنازلي أحسنلك يا شاهندا، زين أخوكِ لو عرف الله أعلم هيعمل إيه؟
أغلق المكالمة في وجهها بينما هي شعرت بضيق النفس و اتجهت للداخل تبحث في خزانتها عن تلك الورقة عدة مرات ولكنها لم تجدها لتتذكر أين وضعتها ولكن وكأن تلك اللحظة حُذفت من ذاكرتها.
على الجهة الأخرى، بعدما أبدلت غزل ثيابها وجلست على الفراش وجدته يدلف للغرفة متجها للمرحاض يأخذ حماما بارد وخرج يبدل ثيابه ويجلس على الأريكة بعدما أخرج تلك السيجارة يرتشف منها كلما كان يشعر بالضيق والغضب، كادت أن تنام ولكنها شعرت بأنها ستكون مخطئة إن تركته غاضبا بعدما قام بإيجاد عمل من أجلها وأسعدها لتنهض وتجلس بجواره صامتة هي الأخرى حتى قاطعها بسؤاله:
-عملتِ إيه في المستشفى؟
لتجيب عليه وقد برزت ابتسامة واسعة على ثغرها:
-بص يا سيدي، روحت هناك وقابلني اللي أنا وأنت قابلناه قبل كدة وعرفني على المكان وقالي إني هتدرب شهرين وبعد كدة أستلم شغلي رسمي وعرفني على كل الشغل و معظم الدكاترة حبوني جدا وأنا حبيتهم واتغدينا سوا ومسكت أول حالة.
اومأ لها برأسه وتساءل:
-أنتِ تخصص إيه؟
-جراحة.
تنهد و تردف قائلا:
-طيب نامي دلوقتي عشان شغلك بكرة.
صمتت للحظات ثم باغتته بسؤالها:
-ممكن تقولي متضايق ليه؟
حرك رأسه بالنفي وهو ينهض:
-مفيش حاجة.
-روحي نامي.
نهض واتجه للخارج حيث غرفة مكتبه بالأسفل ليتجه إلى مقعده يفكر في تلك الحقيقة التي سيكشفها سيف له في الأيام المقبلة، وهو يحاول مقاومة ذلك الإحساس يشعر بالإنجذاب إلى أخيه يشعر وكأنه الأصدق.
____________________________
عقدت حاجبيها معا وهي تستمع لصراخ الصغير بجوارها، لتحاول فتح جفنيها وتنظر حولها لتعلم بأي مكان هي الآن كل ما تتذكره أنها أتت إلى منزله لمحادثته ولكن غلبها النعاس فقط هذا كل ما تتذكره لتنزعج من صراخ الصغير ولكنها وجدت غدير تفتح الباب لتنتفض من مكانها وهي تراها تتقدم من الصغير وهي تقول:
-غرام أخيرا فوقتي؟ معلش الواد ضايقك!
حاولت تهدئة الطفل وهي تنظر لأختها التي تحاول استيعاب الأمر، سمعت ندائه لـغدير أختها أحقا أصبح لها الأولوية لتقول غدير بتلقائية وهي تتجه للخارج:
-أكيد جاب الدواء أصلك بقالك يومين حرارتك عالية ومش بتفوقي.
-يومين!!
حاولت النهوض ولكنها وجدته يتقدم للداخل بلهفة حينما أخبرته غدير بأنها استيقظت، جلس بجوارها على الفراش وهو يتساءل بقوله:
-أنتِ كويسة؟ حاسة إنك أحسن؟
حركت رأسها بالإيجاب لتجده يتفقد حرارتها ويحمد ربه، لتغلق غدير الباب وتتجه للخارج تساءلت:
-هو حصل إيه؟
-الإجابة دِ عندك، إيه اللي جابك هنا يا غرام؟
صمتت قليلا لتحاول النهوض قائلة:
-أنا عايزة أمشي من هنا.
-تروحي فين؟
-ألمانيا، عايزة أرجع هناك عايزة ارجع لحياتنا.
قاطعها بقوله الساخر:
-المملة.
ارتبكت بينما هو نهض ليقف أمامها واضعا يده اليسرى في جيب بنطاله يقول بلامبالاة:
-عمتا هخلص شوية شغل ونرجع علطول، أتمنى مترجعيش في كلامك بعدين.
أحرجها بكلماته ونبرته الباردة لتبتلع لعابها بينما هو يراقب كل حركاتها حتى تلك الطرقعة وخصلات شعرها التي أعادتها للخلف مرتين، كادت أن تتحدث ليقاطعها رنين تليفونه ومغادرته للغرفة يجيب على أمه لقد اشتاق لها كثيرا لتقاطعه بمعاتبته:
-آحببت هجراني!
-أعتذر ولكني مضطر.
-أ وجودك بجوارها مهم لذلك الحد؟
صمت قليلا يفكر في سؤال أمه، ليحاول تغيير مجرى الحديث بقوله:
-ما أخبار ديڤيد؟ وأنتِ و العمل؟
-منتظرين عودتك.
-حسنا في أقرب وقت اطمئني.
-فقط كوني بخير من أجلي.
أنهى المكالمة لتأتي غرام تقف بجواره تقول بابتسامة حاولت جعلها بسيطة حتى تعود الحياة لمجراها بين كليهما ولكن ابتسامتها لم تزيده سوى تعلق بِها.
-الغداء جاهز.
حاول السيطرة على نفسه لـيقول بهدوء:
-تمام جاي وراكِ.
تركته واتجهت للداخل لتجد غدير قامت بتجهيز مائدة الطعام وتبتسم لها بينما قابلتها الأخرى بنظرة باردة ليجلس ثلاثتهم على الطاولة، أخرجت كلتهما قطعتيّ لحمة من أجل سيف لتعقد غرام حاجبيها بقوة وتنظر لها بتحدي لتخبرها إن كانت تمتلك الجراءة بما يكفي لتفعلها لتتراجع غدير وهي تشعر بالحرج بينما سيف كان ينظر إلى غضب غرام من تدخل غدير في حياتهما يعلم بأنه من حقها ألا تتدخل أخرى في حياتها.
عدلت هيئتها أمام المرآة لتلتقط الحقيبة وتتجه للخارج تجد سيف بانتظارها بعدما قبّل الصغير ويضعه بين ذراعيها ليغادرا سويا بينما أوقفته غدير بقولها:
-هتيجوا تاني؟
قبضت غرام على ذراع سيف بقوة وقد احتدت نظراتها لـتقول بهدوء على الرغم من ذلك:
-لما بابا يبقى كويس ساعتها هو اللي هيقرر مصيرك، سيف ساعدك لأنك واحدة ست ولوحدها فقط لا غير.
وكأنها تخبرها بطريقة غير مباشرة بألا تطمح بمكانة أكبر من تلك وألا تنظر إلى منصبها الآن.
_____________________________
عاد مالك إلى المنزل وقد تحدث إلى سيف عن محاولة قتله ومن سيكون المسؤول عن الأمر ولكنهم لم يجدوا دليل قد يفيدهم، لـيمر يومين بأحداث روتينية مملة لـكلا من غرام وسيف.
كان يقف أمام مرآته يعدل ربطة عنقه تزامنا مع خروجها من المرحاض بعد أن أبدلت ثيابها لتقف بجواره تعدل هيئتها، تقدم من الفراش ليجلس عليه مرتديا حذائه يتابعها بعينيه متساءلا عن نظرة الرضا في عينيها لتلتفت له وتقول:
-يعني أخر كلام هنرجع نهاية الأسبوع ده؟
حرك رأسه بالإيجاب وهو يرى جمال الثوب عليها وخصلاتها التي تحيط وجهها لم يمنع نفسه عن النهوض والاقتراب منها بينما هي اختفت الابتسامة من وجهها وأصبح الارتباك حليفها؛ إنها تخاف من قربهُ بذلك الشكل المهلك للأعصاب.
لتجده يقبّل جبهتها ويحتضنها برفق اعتادت عليه قبل أن تأتي إلى هنا ولكنها لا تعلم لما كل المشاعر اتجاهه تبدلت وكذلك هو أصبح شخصا غريبا عليها.
-هخلص النهاردة مشوار مهم وبعد كدة هنرجع.
حركت رأسها بالإيجاب بصمت ليتركها ويغادر بينما هي تنفست الصعداء لتقترب من الفراش وتجلس عليه بخوف، أحقا هي على استعداد للعودة معه؟ حتى و لو إجابتها بالنفي ستضطر للمغادرة وجودها هنا لن يجلب سوى المشاكل وخاصة بعدما عرف يزيد طريقها وشريف الذي لن يهدأ له بال إلى أن يحصل عليها مستغلا نقطة ضعفها وهو حُبّها القديم له.
ارتدت الحذاء الرياضي الخاص بها وهبطت لأسفل لتجد الجميع يجلس على مائدة الطعام قبّلت وجنتي أبيها الذي ابتسم لها بحب وأجلسها بجواره بعدما نهضت جليلة لتجلس هي بجوار سيف الذي كان شارد الذهن يفكر في حدث اليوم، أسيسير على ما يرام؟ أحقا سيعود كما وعدها؟ إنه لا يثق بتلك المدعوة نازلي.
لتربت على قدمه تقول بابتسامة تشبه ابتسامة غرام كثيرا لذلك يقع أسيرا في حب غرام و أمها:
-مالك يا حبيبي مش بتأكل ليه؟
-بأكل ولكني عندي اجتماع شغل هضطر امشي عن أذنكم.
-قومي يا غرام مع جوزك.
رفع شريف رأسه لينظر لها يحذرها بينما هي عاندته لتنهض بتحدي وتقترب من سيف ترافقه حتى الخارج ليذهب السائق يجلب السيارة أمام المنزل بينما هي كانت تقف بجواره تشبك أصابعها ببعضهم البعض، لـيقول وهو يعطيها ظهره ويتقدم باتجاه السيارة التي أتت له للتو:
-أنا هتأخر النهاردة.
-ممكن أعرف إيه هو الشغل اللي مانعني عنه! واللي هيخليك تتأخر؟
-خشي جوا يا غرام.
تركها واستقل السيارة ليقودها للخارج بينما هي اغتاظت منه لتلتفت لتعود للداخل لتصطدم بشريف الذي أتي لتوه ليحيطها بذراعيها بينما هي كانت تنظر حولها بذعر وخوف وتقول:
-أنت مجنون! ابعد.
-بتعانديني يا غرام؟
-بعاندك في إيه!
-تعالي معايا.
قبض على معصمها ليجرها خلفه بينما هي حاولت الامتناع بقدر استطاعتها لتوقفه بتثبيت قدميها أرضا متساءلة:
-هتوديني على فين؟
-لازم نتكلم وبره البيت ده.
توقفت لبرهة تفكر أحقا ستكون تلك لحظة المواجهة الحقيقية، لـتقول بثبات وهي تتذكر قول سيف بأن تلك الحرب المندلعة بداخلها لن تُطفىء إلا بالمواجهة وليس بالهروب من ذلك الماضي.
-هجيب شنطتي وجاية.
تركته وعادت للداخل لتقول أمها:
-تعالي كملي أكلك.
-لا كلت ورايا مشوار.
ألتقطت حقيبتها لتعود للخارج بينما إحسان كانت خائفة من ابنها وتصرف مالك معه؛ فعبدالقادر في رحلة عمل سيعود بعد عدة أيام حتى أنه لم يستطع زيارة أخيه المريض.
ليتساءل مالك بقوله:
-أومال فين سيلا؟
-انتقلت تعيش في بيت والدتها عشان يعني متبقاش فرد تقيل أو كدة.
-ليه حد زعلها هنا!
-لا يا حاج خليها على راحتها.
فاجتماع تلك الفتاة بشريف لن يجلب سوى المصائب على رؤوس الجميع.
غادرت غرام المنزل مع شريف الذي ألتمعت عينيه أثر تلك الفكرة التي خطرت بِـباله سيجعلها مِلكه اليوم لن يتنازل عن تلك الفرصة إنها معه و بإرادتها.
على الجهة الأخرى، ارتدى حُلته الرمادية وكان جامد التعبير لتتعجب غزل من تغيره المفاجيء لتفسر أنه مزاجيّ تشعر بالشفقة على حالها لكونها أصبح زوجة لرجل مثله، أردف قائلا بكلمات مقتضبة:
-واقفة عندك ليه؟
-مفيش أنا جاهزة مش قولت هتوصلني امبارح؟
-لا النهاردة روحي مع السواق عندي مشوار.
-الشركة؟
-لا.
تركها وغادر لتلحق به وهي تتساءل لعلها تعلم سر إزعاجه:
-هو في حاجة؟ أقدر أساعدك يعني؟
-غزل خليكِ في حالك.
تعالى رنين هاتفه ليجيب على مازن ويتقدم في خطواته بالكاد استمعت للمحادثة وانتبهت كل حواسها حينما ذُكِر اسم سيف.
اجتمع الجميع على مائدة الطعام وكلٍ منهما يحمل بداخله الكثير، نازلي تتساءل عما يخطط له سيف اليوم ولكن من المؤكد أنها ستنهي حياته قبل أن يخبر الجميع بما تخطط له على النقيض الأخر كان يتمنى أن تنكشف له كل الأسرار اليوم كما وعده سيف على الرغم من ذلك الخوف بداخله ألا أنه يودّ أن تنتهي تلك الكذبة يعلم بأنه سيخسر أحد أفراد عائلته اليوم سواء سيف أو أمه.
كانت شاهندا تنظر إلى صحنها بشرود تتساءل عما تفعله وكيف ستتصرف في تلك المصيبة التي وقعت على رأسها، بالتأكيد إن أخبرت أحد أنها تودّ التنازل عن حقها سيثور عليها الجميع وخاصة أن أخيها زين لا يعرف إن علم بالأمر ستكون نهايتها ونهاية ذلك الولد حتما؛ ولأول مرة تكون الفتاة هي من تودّ التنازل عن حقها على الرغم من وقوف الجميع بصفها.
كانت غزل تنظر للجميع تتساءل لما اختار أبيها لها تلك الزيجة، لما دوما يخطيء أبيها؟ في البداية أختار شريف لكلٍ من أختيها والآن زين تحمد ربها كثيرا على الرغم من أن زين بعيد كل البُعد عن شريف ولكنه لا يُحبها أو يقدرها أو حتى يكّن لها بعض المودة إنها هنا في ذلك المكان وذلك المنزل تصبح أنثى بلا هوية.
نهض زين واتجه للخارج بصمت حينها تنفست نازلي الصعداء وصعدت لغرفتها لتبدل ثيابها وتستعد للمغادرة هي الأخرى.
___________________________
ترجلت غزل من السيارة واتجهت لداخل المشفى تلقي تحية الصباح بابتسامة مشرقة على الرغم بأن أغلب من بالمشفى يعاملها بعدم احترام؛ لِـكونها أصبحت بين ليلة وضحاها طبيبة بهذا المشفى بعد أن قام أحدهم بالأمر من أجلها ليرأوا أنها أخذت حق ليس مِلكها.
-صباح الخير.
-صباح النور يا دكتورة.
-دكتور مصطفى عايزك في مكتبه.
اومأت لها بعد أن قامت بتسجيل حضورها واتجهت حيث غرفة المدير المسؤول وألقت عليه هو الأخر تحية الصباح ليبتسم لها ويدعوها للجلوس قائلا بعدما عدل من وضعية جلسته وتلك النظارة الطبية التي يرتديها:
-صباح النور، أخبار الشغل إيه؟
-تمام، أسماء قالت حضرتك عايزني.
-أه.
-بصي يا غزل أنا مش عايزك تعملي عداوة هنا مع أي حد وخصوصا إني شايف فيكِ مستقبل باهر وقريب وهيكون ليكِ اسم في المستشفى والناس تيجي تطلبك بالاسم.
أردفت غزل متساءلة:
-هو في حد اشتكى مني؟
-مش بالظبط.
-حضرتك أنا بتعامل مع الكل باحترام ولكن في المقابل بلاقي منتهى قلة الذوق وعدم التقدير على الرغم إني دكتورة زييّ زيهم وتعبت زييّ زيهم في الكلية جه الوقت إني أثبت نفسي وأشتغل على أرض الواقع كل اللي اتعلمته ولكن محدش موديني فرصة كلهم مخليني مجرد مساعدة ليهم.
تنهد مصطفى بقلة حيلة لـيقول:
-معلش يا غزل حاولي وأنا عارف إنك تقدري تكسبي قلوبهم كلهم.
زفرت الهواء بضيق من حولها لتنهض وتقول:
-تمام شكرا لحضرتك.
تركته واتجهت للخارج تلعن تلك المشفى وذلك اليوم الذي تعينت به، أحقا أصبحت هي المُلامة!!
على الجهة الأخرى، ترجلت من سيارته وهي تقبض على حقيبتها بقوة ذهابها معه إلى مكان مجهول أكبر غلطة في حياتها إنها تدرك العواقب جيدا ولكن، قاطع حبل أفكارها بقبضه على معصمها ليبتسم ويقول:
-يلا؟
جذبها نحوه بينما هي كانت تلتفت يمينا ويسارا تنظر إلى معالم المكان تتذكر أنها أتت لهنا من قبل، اتجه للمصعد في البناية الكبيرة والتي تتكون من اثنى عشر دورا لتستقلها معه بقلب مرتجف رغم ثبوتها الخارجي لا تعلم من أين أتت بِـكل هذا الجمود.
توقف أمام الطابق المُراد وحثها على الخروج لتأخذ شهيقا قويا وتتقدم للخارج حيث الشقة الذي أشار عليها وتوقفت أمامها تحاول إخفاء رعشة يدها ألا يمكنها الانسحاب الآن؟
-أنت قولت هنروح مكان هاديء مش هنا يا شريف.
-مفيش مكان أهدى من هنا أنا وأنتِ ولوحدينا هنقدر نفهم بعضينا.
ابتسم لها بمرح لتندهش أحقا يسمح الأمر بِـمزاح! دفعها برفق للداخل لتجد صورة سيلا تتوسط الحائط أمامها لتتعرف على المكان والمنزل، دلفت وجلست على الأريكة واضعة قدم فوق أخرى تحاول الإثبات لنفسها بأنها قوية وستنهي كل الأمور الآن، وخاصةً بعد ظهور يزيد أنه لن يتركها في حالة مادام يريد المال وأخذ منها مرة سيعاود الطلب مرة أخرى.
-أنا هجيب عصير وأجي.
أردفت بنبرة حادة لا تقبل النقاش:
-أحنا مش جايين نشرب، يا شريف.
-مينفعش برضو، يا غرام.
تركها واتجه للداخل لـيخرج بعد دقائق مرت عليها كساعات؛ الخوف يتخللها الآن خرج بصينية تحمل كوبين من العصير ليضعه أمامها ويناولها كوب يحثها على الشرب منه لترتشف منه بنفاذ صبر وتقول:
-ممكن ماية؟ وياريت تيجيعشان نتكلم.
اومأ لها واتجه للداخل يجلب كوبا من الماء تناولته دفعة واحدة، ليجلس بجوارها شريف ويتناول من كوبه.
-عايز مني إيه يا شريف؟
-كل خير، عايزك.
أردفت بِسخرية وهي تراه يتمسك بها لأبعد حد على الرغم من أنه من قام بالتخلي عنها في تلك البلد:
-دلوقتي بقيت حلوة في نظرك!
-أنت فاكرني هنسى رميتك ليا هناك لوحدي.
-كنت غضبان كنت غضبان من فكرة إني اتجوزتك بالطريقة دِ.
ليجثو أمامها على كلتا ركبتيه باندفاع لتتراجع غرام للخلف أثر انفعاله اللامبرر، وقبض على كلتا قبضتيها إنه يخوفها بتلك النظرات أردف قائلا:
-غرام أنا غلطت وندمان، و زي ما قولتلك أحنا بنعرف قيمة الحاجة بعد ما بنلاقيها.
قليل من الدوار يجتاحها تزامنا مع رنين هاتفها وكأنه أنقذها من هلاك منتظر ولكن شريف قبض على كلتا قبضتيها بقوة حتى لا تخرجه وتجيب على المتصل أيا كان مين؛ إنها فرصته وسيستغلها.
___________________________
كان يقود السيارة يصب كل تركيزه على الطريق أمامه على الرغم من أن قلبه يؤلمه قليلا يشعر بأن هناك أمر سيء سيحدث، نازلي لا تُؤتمن إنها تودّ التخلص منه وفقط حتى وإن كانت ستتصرف بتهور كاليوم لا تعلم بأن زين سيحضر الاتفاق بالكامل وللأسف سيشهد على كذب أمه طوال السنين الفائتة، سيعلم بحقيقتها يعلم بأن ما يحدث خطأ ولكن ما باليد حيلة يجب أن يثبت لـزين بأنه على حق.
لتأتي غرام في ذهنه متساءلا ماذا سيفعل إن لم يعود سالما لها لقد وعدها، لطالما كان يوفي بوعده.
أحقا سيأتي اليوم الذي سيبوح لها بمشاعره! على الرغم من كل أفعاله وأقواله ومواقفه حتى نظراته الصادقة نحوها التي تثبت حُبه لها ألا وأنها لا تراه أو ربما تحاول التغاضي عنه ظنا منها أنها ستعيش في ذلك الماضي المؤلم بمفردها وإنه لربما يتم هجرها مجددا؛ ولكِنهُ فقط يودّ إخبارها بأنه ليس كـشريف وأن تتوقف عن رؤية شريف وهُجرانه لها في كل رجل تقابله.
أخرج هاتفه وقام بفتحه لينظر إلى تلك الصورة التي تجمع كِلاهم يوم زفافهم على الرغم من أنه كان بسيط و ربما ليس الزفاف الذي كان يتمناه ألا أن اِمتلاكه لها كان أعظم انتصاراته.
توقف على مقربة من المكان المنشود كان مصنع مهجور تابع لـنازلي لا يعلم سِر اختيارها له ولكن بالتأكيد أيا كان المكان الذي سيجمعهم لن يخلو من شرها.
إنه لا يعلم ماذا سيحدث بالداخل وما هي النهاية، لذلك يجب عليه إنهاء نزاعه مع ذاته أيا كانت النهاية يجب إخبارها بحقيقة مشاعره قبل فوات الآوان لقد طال الأمر كثيرا.
أخذ يتبادل النظرات بين هاتفه وذلك المصنع ليحسم قراره وكاد أن يتراجع عن مهاتفتها ولكن بطريقة ما ضغط على زر الاتصال ابتلع لعابه بارتباك أحقا يعتبرها إشارة له أم مجرد صُدفة؟
نظرت لحقيبتها بجوارها وإلى يده التي تقيد حركتها لتهتف بِحدة:
-أنت مش جاي هنا تحبسني.
-ابعد عني.
حاولت التخلص من قبضته ليبتعد عنها ويعود إلى مقعده يتابعها بعينيه وينظر إلى ساعة يده بانتظار، يجب عليها فقدان وعيها أثر ذلك المشروب ولكن الغريب إنها لا تشعر بالدوار على عكسه.
أخرجت هاتفها وانتفضت من مكانها وهي تهتف باسمه لتجعل حواس الأخر منتبهة نهض ليقبض على يدها يقول بخفوت:
-خليه يرن براحته المهم أحنا.
كاد الأخر أن يقترب منها حتى أجابت على الفور ليبتعد شريف عنها بغيظ ويحاول التماسك بقبضته على المقعد يشعر بأن الدوار يزداد بينما هي الأخرى وتيرة أنفاسها ازدادت وكذلك صدرها الذي يعلو ويهبط بحدة ليقابلها بأنفاسه هو الأخر وكأنه مُراهق يعترف لـطالبة ليست زوجته من أربع سنوات.
كسر حاجز الصمت بقوله:
-عاملة إيه؟
-الحمدلله، أنت كويس؟
-الحمدلله.
عاد حاجز الصمت مرة أخرى بينما شريف يقبض على رأسه يعصرها بين قبضتيه إنه يشعر بالدوار لـينظر لها، لما هي تبدو بخير على عكسه؟
كانت مشتتة تنظر إلى شريف تارة وإلى الهاتف تارة حتى توقف ذلك التشتت بقوله المفاجيء:
-غرام، أنا بحبك.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
______________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Casualeيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك