نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣٤..
____________________________
ثلاث شهور مرت عليها وهي أسيرة لـذلك المُختل تستحمل كلماتهُ، وإهانتهُ، وتهديدهُ، ولـمساتهُ وأيضا نظراتهُ لـم تسلم منها.
تسهر كُـل ليلة في غرفتها تبكي ندما وحزنا على هجرانها لـسيف وجرحها لـكُلا من أخيها وأبيها حينما أتى لـهُنها لـيُعيدها معه؛ فهو لم يصدق حينما أخبره مُراد بِفعلتها إنها لن تبيع عائلتها و زوجها لقد رباها جيدا بالتأكيد لن تخون ثقته.
كانت على وشك أن تقر بِكُل شيء وتهديد شريف لـها ولكنهُ هددها مرة أخرى ولكن تلك المرة ليس قتل سـيف وحسب بـل بِقتل عائلتها بالكـامل وكان حقا جاد في حديثه إنها لا تخاف منه ولـكنها تخاف على عائلتها وسـيف، سـيف الذي لـم يقدم لـها سوى كُل خير لقد اشتاقت لـهُ كانت تخجل من السؤال عنه ومعرفة أخباره من زيـن الذي يساعدها كثيرا للخروج من مأزق شريف، ويقدم لـها كل العون بالإضافة إلى أنه يبحث عن أمه التي اختبأت فجأةً من المشفى ولا أثر لـها.
فتحت باب المكتب بـعُنف ودلفت للداخل تتقدم من مكتبه تضع كلتا يديها على سطح المكتب تتساءل:
-هتفضل ممشي ورا سـيف الولد التافه بتاعك ده لحد امتى؟
اِبتسم شريف ونهض من مقعده لـيتقدم منها بخطوات تشبهُ الأسد قبل هجومه على الفريسة كانت تزيد الرعب داخلها لتجده يجذبها نحوه لتصطدم بصدره وتشهق بقوة، أردف مُجيبا لـسؤالها غير عابئا بمحاولتها للفرار من قبضته:
-في اللحظة اللي هنتجوز فيها.
-سيبني.
-سيبني بقولك.
-لسة بتسألي عليه! عايزة تعرفي أخباره؟
-أنت عارف كويس إن سـيف مكنش يستحق المعاملة دِ، وإن سـيف أشرف منك وأحسن وأفضل كمان.
-طب ما انا عارف، ما أنا عارف أنكم شايفينه كدة.
-بس الشاطر اللي بيضحك في الأخر، وأنا هو ملكت كُل حاجة كُل حاجة في إيدي.
-فلوس وجمال وكل حاجة أطلبها بتحصل وفورا.
-متختبريش صبري يا غـرام، أنا اللي مصبرني عليكِ كُل الفترة دِ مصلحة قربت تخلص وساعتها هفضالك.
-ما أنا مش ورايا غيرك، ولا إيه يا عروستي؟
غمز في نهاية حديثه وهناك اِبتسامة مثيرة للإشمئزاز على ثغره بينما هي دفعته لتبتعد عنه وتفحص يدها مكان قبضته لتجدها حمراء اللون.
رفعت سبابتها بوجهه وتقول:
-لو مخلتش الولد اللي أنت باعته ورا سـيف يرجع وأشوفه قدام عيني أنسى أنه يحصل حاجة من اللي بتتمناها يا شريف.
كادت أن تغادر حتى وجدته يقبض على خصلاتها بقوة لـتصرخ ليقول بغضب:
-بتتحديني! بتتحديني يا غـرام؟
-هو أنا مش قادر أعمل اللي أنا عايزه فيكِ غصب عنك، بس بقول لا خليك أصيل يا شريف يكش تحس على دمها بس البعيدة غبية.
-أنا الحاضر والمستقبل يا غـرام والماضي كمان.
-فاهمة؟
كانت تصرخ وتتحرك بعشوائية حتى تتمكن من التحرر من قبضته ولـكنها كانت ضعيفة مقارنةً بقوته، دفعها بقوة لـتسقط أرضا بينما هو ألتقط متعلقاته وغادر المكان مستقلا سيارته متجها لـمقر عملهُ أو لنكن أكثر دقة الشركة التي عمل عليها كُلٍ من مالك وعبدالقادر وقد أفنوا عُمرهم فيها.
نهضت من مكانها تنظر يمينا ويسارا وتقدمت من مكتبه لتجلس على مقعده وتبدأ في البحث عن أي دليل ضده يمكنها من خلاله إعادة أملاك أبيها أو حبسهُ.
لـيُفتح الباب وتنهض من مقعدها على الفور وهي تطالعها بدهشة وخوف.
___________________________
كان يتناول طعامهُ بِهدوء بجوار أمه على المائدة التي كانت تتحدث لـفتاة تُدعى صوفيا ولم تزيح عينيها من عليه على عكسه، أردفت ديما:
-اصطحبي سـيف لرؤية المنزل، صوفيا.
-بالطبع، هيا سـيف؟
نظر إلى أمه التي نظرت إلى والدة صوفيا وأردفت:
-سأتحدث إلى مدام وِصال.
نهض بهدوء بعد أن حرك رأسه بالإيجاب مستجيبا لـدعوة كلٍ من أمه و صوفيا التي رحبت كثيرا بالفكرة، كانت فتاة لـطيفة ودودة ومثقفة.
-أي الكتب تحب قراءتها، سيف؟
نظر لـها بتعجب من طريقة نطقها لاسمه، لقد نطقت اسمه ببطء مخرجة كُل حرفٍ على حِدا وكأنها تتلذذ بِه لـتشعر بالحرج وتبرر بقولها:
-أنا أحب اسمك كثيرا، لذا تجدني.
صمتت وهي تحاول البحث عن كلمات مناسبة لتبرير موقفها ولكنه أردف قائلا:
-لا بأس، صوفيا.
-أحب قراءة كتب الشعر، وأنتِ؟
-قصص الحب.
أردفت بحماس وقد تخلت عن خجلها منه:
-إنها ممتعة و رقيقة للغاية، إنها عبارة عن كتلة من المشاعر المتنقلة في الأرض تتحدث عن قيمة الحب والشوق الذي يكون بين الأبطال.
عقب على حديثها وهو يتفحص تلك الكُتب التي تمتلكها في مكتبتها الصغيرة:
-الأمر هو أن تلك القصص تتحدث عن نعيم الحُبّ وحلاوة مذاقهُ.
-ولا تخبرك عن عذابهُ ومذاقه المُر، وفراق الأحبة، وتلك الصراعات التي يخوضنها الأبطال مع نفسهم أولا ثم مع الطرف الأخر.
-إن أردتِ أن تعلمي المعنى الحقيقي للحُبّ قفِ في الكواليس وشاهدي المُعاناة، والألم، والصراع، والحزن والقلب المُقيد بحبال غليظة لا يُمكن حلُها وعند الفراق حينما تنقطع تلك الحبال ينزف القلب ويفقد الإنسان نفسهُ.
اقترب منها عدة خطوات بينما هي كانت تتابعه باهتمام وتحاول فهم كلماته التي بَدت عميقة بالنسبة لـها وكم راق لـها الأمر، لـيختم سـيف حديثه:
-كأس الحُبّ مذاقهُ مُر، لا تنخدعين بِتلك القصص؛ فإنها تشوه الحُبّ لا تجمّلهُ.
تركها وغادر حيث أمه بينما هي سقطت على الفراش من خلفها تلتقط أنفاسها لقد سلبّها عقلها بكلماتهُ، أما عن عينيه الصادقة فقد سلبتها قلبها الذي لطالما أغلقت عليه بقوة لأول مرة يغلبها أحدهم بحديثه ولكن لِمَا يتحدث وكأنه عاش وتذوق مرارة الحُبّ! يجب عليها معرفة قصتهُ كاملة.
كانت ديما تُخطط لزواج سـيف الذي لم يوافق أو يمانع كان يتابع خططها بصمت يعلم بأنها تودّ رؤيته في زيجة تليق بِه وأيضا تتمنى أن تحمل أبناءه بين ذراعيها ولكن لا ذنب لـه في الأمر مَن يستطيع منع الوقوع في الحب!
كان يجلس في مكتبه يتابع عمله الذي أهمله كثيرا ولكن كان قد كلف أحد يحل مكانه أثناء غيابه وحاول بقدر إمكانهُ ألا يحدث عجز في العمل وقد أخبره أن السيدة غـرام كانت دوما تتحدث إليه عبر الهاتف لـمتابعة الأخبار، ما أن سمع اِسمها حتى ارتبك ما زالت تؤثر بِه كيف ينسى أربع سنوات من عُمره؟ يا ليت هناك زر يمكنه اِستخدامه لـنسيان الذكريات..كلما حاولنا النسيان نتذكر و بِقوة، لا مفر من الذكريات إنها تلازمنا كل ليلة عندما لا يبقى أحد سواك وتلك الضوضاء بداخلك.
لم يذهب للشقة منذ عودته خائف أن يشعر بالحنين إلى مؤذيتهُ ولكن كُل السُبل تقوده نحوها، إن كانت استطاعت نسيان معروفه فهو ليس مثلها يحب بقوة و لا ينسى.
أطلق تنهيدة حارة يزفر بِها كل تلك المشاعر التي تسيطر عليه ويعتدل في جلسته على مقعد مكتبه يقبض على القلم من جديد ويركز على عمله.
______________________________
نهض عبدالقادر من مقعده غاضبا يقول:
-يعني إيه يا متر مفيش حل؟ بقالك تلت شهور بتفكر لسة هتعمل إيه وهتتصرف إزاي؟
-ده زور توقيعنا.
-للأسف يا أستاذ عبدالقادر التوقيع صحيح ومفهوش تزوير أنا أطّلعت على العقود.
-يعني الكلام ده معناه إيه يا متر؟
نظر المحامي ليونس وقد عدّل من نظارته على وجهه وأجاب بقوله:
-يعني يا أستاذ يونس كل الأمور في صالحه، قدر يلعبها صح.
-أحنا محتاجين اعتراف أو دليل نقدر نداينهُ بيه، ولكنه واخد كل الاحتياطات والتوقيع مش مزور.
-وحتى مزرعة مدام جلية كان الأمر بموافقتها يعني هو في السليم.
أردف مُراد بقليل من الحدة:
-بس الحقيقة غير كدة يا متر.
-أنا عارف، ولكن قدام القانون والمحكمة ملهوش أي أساس من الصحة.
-القانون بيعترف بالأوراق والأدلة بس.
-حاولوا تتعاملوا معاه بالودّ، أنتم في الأول وفي الأخر أهل وأكيد هتوصلوا لحل.
أردف عبدالقادر بغضب:
-ولا ابني ولا أعرفه، الواد ده ابن حرام.
-كل العائلة نتشرف بيهم قدام الخلق كلهم إلا ابن.
ثم قام بسّبه ولعن اليوم الذي وُلِد فيه وكأنه وُجِد ليحتفظ بشر العالم كُلهُ لـه.
ربت مالك على كتف أخيه في محاولة منه لتهدئته، بينما مُراد نهض و غادر لا يستطيع أن يجلس واضعا يده على وجنتيه كالنساء يا ليته يستطيع قتل شريف قط.
عـاد حيث زيـن الذي استضافهُ في منزله لـحل تلك المشكلة وغـزل رحبت كثيرا بالفكرة وكانت تشعر بالآسى على غـرام لم يخبرها زيـن بالأمر ولكنها تثق في أختها إنها لا تُخطىء بذلك الشكـل.
كانت شاهندا منغمسة في المذاكرة حزينة قليلا على غياب كلٍ من سـيف و أمها تشعر بأن هناك شيء كبير ينقصها على الرغم من محاولات زيـن معها ليطمئنها وكذلك غـزل كانت تهتم بِـها كثيرا وانغمست هي الأخرى في تلك المشفى والتي وضعتها أمامها كـتحدٍ كانت تهتم بِكل ما يتعلق بها من صغيرة وكبيرة تريده أن يفتخر بِـها.
كانت تقف بجوار الخادمة في المطبخ تتناول تفاحة وتتحدث معها عن ماهية غداء اليوم، بينما في الخارج عاد زيـن من عمله باكرا وقد صادف في طريقهُ مُراد ليدلفا سويا للداخل يتحدثا عما قالهُ المحامي.
خرجت غـزل لـهم وهي ترتدي مريلة المطبخ باللون الأحمر وتبتسم لـهم متساءلة:
-حمدلله على سلامتكم.
اِبتسم زيـن عليها وتقدم منها بينما مُراد جلس على الأريكة يفكر في تلك المعضلة ولم ينتبه لـمغازلة زيـن إلى غـزل يتمنى لو أن تعود أيام الطفولة مرة أخرى حيث كان يجتمع بأخوته ويحميهم كانوا لا يفترقون أبدا والآن بين كل منهما مسافات كبيرة جدا.
كان يتحدث بهمس ويقول:
-عاملالي فيها ست بيت!
-ومعملش ليه! مشبهش ولا مشبهش!
-تشبهي ونص يا أم لسان طويل.
هتف زيـن باسم الخادمة ميادة التي أتت لـه على الفور:
-نادي شاهندا وجهزي السفرة عشان نتغدى.
حركت رأسها بالإيجاب وصعدت للأعلى حيث غرفة شاهندا والتي كانت نائمة على فراشها تحيطها الكتب من جميع الاتجاهات لتوقظها لتنتفض شاهندا من مكانها وهي تقول:
-اللجنة ولعت!
كبحت ميادة ضحكتها وأردفت بصوت هاديء:
-الأكل جاهز.
تركتها وغادرت بينما شاهندا نظرت حولها لتقبض على أحد الكتب وتلقيها مرةً أخرى وهي تلعن الدراسة على من اخترعها وعلى من طالب بِـتعليم المرآة لتقول وهي تهبط على الدرجات:
-ما كنا نقعد في بيتنا معززين مكرمين كان لازم نتعلم يعني!
تقدمت من زيـن تحتضنه ليقبّل مقدمة رأسها ألقت التحية على حياء لمُراد، وتناولوا جميعا طعام الغداء على مائدة طعام واحدة لـيقول زيـن:
-بعد الغداء محتاج أتكلم معاك يا مُراد.
حرك رأسه بالإيجاب بينما شاهندا حمحت تمهد حديثها لـتنظر لأخيها وتقول:
-عرفت حاجة بخصوص ماما يا زيـن.
ترك الملعقة من يده و نظر لـها بهدوء:
-لسة يا شاهندا، ركزي في أخر ترم ليكِ وإن شاء الله هنلاقيها.
ربتت غـزل على فخذ شاهندا التي حزنت من أخيها اللامبالي لاختفاء أمها لتتركهم وتغادر المائدة، بينما مُراد شعر بالحرج ليكمل زيـن طعامه في هدوء جعل غـزل تحزن على ما أصاب الجميع لا تعلم لِمَا هو هاديء كثيرا فيما يخص أمه على الرغم في بداية زواجهم كان كثير الانفعال.
تعالى رنين هاتفه ليتركهم ويتجه على الفور متجها للخارج ليثير ريبة غـزل التي تخيلت سيناريو في عقلها بأنه يخونها وإلا لما نهض على الفور مجيبا على الاتصال نهضت لتجري خلفه بينما مُراد تعجب منها.
وجدته يدلف لغرفة المعيشة لتبقى بالخارج تحاول ان تستمع لحديثه.
-في جديد؟
-لا، بس أنا ناوية أوقعه بالكلام النهاردة.
-لازم دليل.
-بس غير الدليل لازم تنقلي الملكية كُلها لحد بثقي فيه.
-لأنه لو عرف أنه اتفضح هتلاقيه نقل فلوسه كلها بره مصر.
-مش عارفة أعمل إيه، محاصرني.
-غـرام أنتِ لازم تمشي من عندك في أسرع وقت، الله أعلم هو بيخطط لإيه.
-وأنتِ هناك لوحدك.
كانت تقف في الشرفة و رأت سيارته تقترب لتردف:
-هقفل دلوقتي رجع.
طُرِق باب غرفتها لتجد زينة تدلف للغرفة توترت خوفا من أن تفضح أمرها؛ فهي من دخلت عليها صباح اليوم و رأتها تبحث في المكتب بعشوائية لذا خافت أن تخبر شريـف حينها سيقتلها هي وعائلتها بالكامل.
تساءلت غـرام بحذر:
-في حاجة، يا زينة؟
-أنا عايزة أساعدك.
تنفست غـرام الصعداء وارتسمت اِبتسامة صغيرة على ثغرها وهي تقول:
-شكرا.
-أنا لازم أقولك حاجة مهمة.
كادت أن تتحدث حتى وجدت شريـف يفتح باب الغرفة فجأةً دون أن يطرق لترتبك زينة وتطالعه بخوف بينما غـرام تمسكت بالطاولة بجوارها وأردفت وهي تصطنع التعب:
-زي ما قولتلك يا زينة اعمليلي نعناع عشان حاسة إني تعبانة.
حركت رأسها بالإيجاب عدة مرات وجرت الخارج خوفا من بطش شريف الذي أغلق الباب خلفه وتقدم من غـرام التي زادت من قبضتها على الطاولة خائفة من كلمات زيـن لـها إنه رجل لا يُؤتمن وبالتأكيد لن يبقى صامتا كثيرا.
حاولت أن ترجع للخلف ولكنه قبض على معصمها يثبتها في مكانها ويميل برأسه نحوها متساءلا:
-مالك يا عروستي؟
-تعبانة؟ تحبي نكشف؟
حركت رأسها بالنفي وقالت وهي تحاول الابتعاد عنه:
-لا أنا كويسة، طول ما أنت بعيد أنا كويسة.
-ألف سلامة عليكِ.
-الله يسلمك، ابعد بقى.
دفعته لتتحرر من قبضته وتتقدم من الفراش تجلس عليه؛ فهي بالفعل شعرت بدوار يجتاحها لتقول:
-أخرج عايزة أنام.
وضع يده في جيب بنطاله وأردف:
-نهاية الأسبوع الجاي هسافر لـسيف عشان يطلقك؛ لأنه واضح أنه بيماطل معانا على الرغم من إنك هنتي كرامتهُ.
-أغمضت جفنيها تحاول التحكم في أعصابها وتقول:
-أخرج بره يا شريف.
-أنت عايز إيه تاني؟ مش كفاية اللي عملتهُ؟
-خسرتني أهلي وجوزي وحياتي وقلبي وكل ما أملك.
-عايز إيه مني؟
-كُل خير.
-عايزك تتكتبي على اسمي.
نهضت من مكانها لتصرخ فيه بعنف:
-طب ما أنا كنت قدامك وكنت مراتك كنت حلالك ومِلكك، كنت أتمنى ليك الرضا ترضى.
-قولتلك يا غـرام، الحلوى المُغلفة أحلى بكتير وأنتِ بالنسبة ليا دلوقتي حلوى مُغلفة.
وقف أمامها بالكاد يفصل بينهم سنتيميرات، كانت وتيرة أنفاسها حادة غاضبة ليكمل حديثه:
-كنتِ زمان شخص عادي مفهوش أي شيء مميز على عكس دلوقتي.
قبض على خصلة من خصلاتها برفق يطالعها بِدقة ويقارنها بنفسها القديمة، لقد أصبحت أكثر جمالا وعقلانية بالإضافة أنها تمتلك شيء لم تمتلكهُ غدير وهو الطموح.
-أسيبك تنامي.
كاد أن يميل عليها ليقبّل وجنتها حتى ابتعدت تعطيه ظهرها بينما هو غادر الغـرفة وأغلق الباب خلفه لتجلس على الفراش وقد ألتمعت عينيها بالدموع.
كانت مونيكا ترحب بوجودها كثيرا من أجل سـيف الذي طلب منها الاعتناء بِها جيدا، كانت غـرام تشعر بالراحة مع مونيكا التي لم تزعجها أبدا وكانت تقدم لـها ثياب وطعام حتى أنها كانت تذهب معها للتنزه وتحدثها عن ذكرياتها وأيامها السابقة وعائلتها كانت غـرام تستمع لُها وعقلها منشغل بذلك الذي تركها وحدها في بـلد غريب لا تفقه عنهُ شيء تشعر بالخذلان.
كانت تجلس بجوار مونيكا يتحدثان سويا ولكنها كالعادة كانت شاردة ولـم تشعر بمونيكا التي نهضت لـتفتح الباب للطارق لتجد سـيف وترحب بِه كثيرا وتدعوه للدخول.
-كيف حالك؟
-بخير.
انتبهت غـرام لـسيف لتنهض من مكانها وقد ارتبكت قليلا؛ فهي تخافهُ وتخاف هدوءه وحكمته.
لـتقول بارتباك وهي تشير حيث الممر لـغرفتها:
-سأذهب للداخل، يمكنكم التحدث بحرية.
كادت أن تذهب حتى أوقفها بقوله:
-أنا هنا من أجلك.
طالعته كلٍ من غـرام ومونيكا بِدهشة ليصحح قوله:
-أتيت لكي أتحدث إليكِ في موضوعك.
حركت رأسها بالإيجاب بينما مونيكا دلفت للمطبخ لـتُعدّ مشروب لـهم، لتجلس غـرام مرة أخرى على الأريكة بينما سـيف اختار أبعد نقطة عنها وجلس فيها لتحرك قدميها بارتباك ظاهر على ملامحها ليقول:
-متى تودّين العودة لأهلك؟
طالعته بدهشة وشعور بالخوف سيطر عليها، كيف ستعود وماذا ستخبرهم؟ أسيصدقونها؟ كيف ستواجههم ستصبح كـغدير ستجلب لـهم العار.
رأى تعبير الرفض على وجهها ليفرح شيء صغير بداخله، لـيقول:
-يمكنك البوح عما تفكري فيه، ربما أجد طريقة لـمساعدتك.
لـتنظر لـه وتتساءل:
-أليس بإمكاني البقاء هنا قليلا، أعلم بأني أصبحت ضيف ثقيل عليكم ولكني أعدكم حينما أعود لأبي سأعوضك وكذلك مونيكا.
قاطعها بسؤله الحاد، إنها تُهينه بذلك الحديث:
-لما تعتقدين أني ساعدتك؟
لم يمهلها الفرصة للتفكير أو للإجابة:
-أنا و مونيكا لا نعارض وجودك أبدا، بل يبدو أن مونيكا انسجمت معك كثيرا.
-وإن كنتِ لا تودّين العودة فـلكِ كامل الحرية هذا الأمر يخصك وحدك.
-أنتِ ضيفتي غـرام، ألا يمكنني إكرامك!
ارتاحت لحديثه لتتنفس الصعداء وتقول:
-كل الأمر هو أني خائفة من مواجهتهم.
-لقد تخلى عني شريف ولكنهم أسيصدقونني؟!
-بالتأكيد، ذلك الوغد هو المخطىء وليس أنتِ.
أردفت بلا وعي:
-بس أنا كنت بحبه.
تجاهل سـيف حديثها وأغمض جفنيه يحاول التحكم في تعابير وجهه، انتبه إلى مونيكا التي أتت تحمل بيدها صينية عليها مشروبات وضعتها على الطاولة الصغيرة وقدمت لـكل منهما كوبه.
أردفت مونيكا وهي تجلس بجانب غـرام وتوجه حديثها لـسيف:
-أخبرتني غـرام أنها درست إدارة أعمال.
-حقا!
حركت غـرام رأسها بالإيجاب، لتتناول مونيكا مع سيف أطراف الحديث بينما غـرام كانت صامتة تخجل من بقائها هنا دون حساب بعد أن أنهى مشروبه استأذن للإنصراف ليودعه كل من غـرام ومونيكا.
بعد أن أغلقت مونيكا الباب خلفه أردفت:
-سأذهب للاستحمام.
-حسنا.
تركتها مونيكا ودلفت لغرفتها بينما غـرام جلست على الأريكة تطالع التلفاز بملل تفكر في حياتها القادمة تتمنى لو أنها لم تقابل يزيد قط حينها كانت تزوجت غدير بِـشريف وهي لم يتم التخلي عنها ربما كان مصيرها بدونه سيكون أفضل من هجرانه لـها.
طُرِق الباب لـتنهض وتتقدم من الباب بتردد لـتفكر ماذا يجب أن تفعل؛ فهذا ليس منزلها لتتعامل بأريحية فيه لـيزيد طرق الباب وتضطر لـفتحه لتجد أمامها شابا لـم تتعرف عليه في الوهلة الأولى ولكنها سرعان ما تذكرت بأن مونيكا قد تشاجرت معه من قبل لتبتلع لعابها وتطالعه بخوف، بينما هو تقدم للداخل تحت نظراتها لـتستفيق من أفكارها وتقول:
-من أنت؟ ومن سمح لك بالدخول؟
اقتربت منه لـتقف أمامه تمنعه من تكملة خطواته للداخل بينما هو تفحصها بنظرات جريئة لم تراها غـرام ليتخطاها ويتقدم للداخل مرة أخرى لـتصرخ فيه غـرام مرة أخرى وهي تقول:
-اخرج، قلت لك اخرج.
ثوانٍ وقد وجدته يقف أمامها يقبض على عنقها بقوة ويدفعها نحو الحائط من خلفها بعنف لتصطدم رأسها بالجدار الصلب و تتألم لـيميل عليها بوجهه ويتحدث بنبرة أقرب للهمس متساءلا:
-من أنتِ؟
لـم تجيبه غـرام فقط كانت تحاول الفرار من قبضته ولكِن دون جدوى ظهر وكأنه مختل عقليا في نظرها، لـتجده يعيد السؤال مرة أخرى ولكِن بصوت مخيف ومرتفع أصاب قشعريرة بداخلها وجحظت عينيها من الخوف والاختناق.
شُتت اِنتباهها عندما وجدته يدلف للشقة مرة أخرى وصدره يعلو ويهبط أثر المجهود؛ فهو صعد درجات السلم حتى الدور الرابع في بضعة درجات فقط حتى يتمكن اللحاق بِهم، بينما هي اغرورقت عينيها بالدموع وهي تطالعه لـتُعيد النظر إلى ذلك المختل أمامها لـتجده يبتسم اِبتسامة مريضة أخافتها.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Acakيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك