نكمل روايتنا قيود الماضي..
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ١٤..
_____________________________
جلس بجواره على الفراش وكان كلٍ منهما يجلس واضعا وجنته أسفل كف يده يضم شفتيه للأمام بشيء من الحزن والصمت حليفهم حتى قطعه سيف بقوله:
-عارف لما تكون مضطر تتظاهر إنك بخير؛ لأنك مسؤول.
-عن أهل، و بيت، و زوجة، و شغل وحاجات تانية كتير.
-عارف لما تكون بتقدم و مش بتلاقي مقابل، أنا مش محتاج مقابل مش منتظر اللي يقدم يعاملني زي ما بعامله..أنا محتاج لحد يفهمني.
تساءل بخفوت:
-وغرام؟
صمت تلك المرة لا يعلم بما يجيب، إنها تشعرهُ بالحيرة لا يعرف أيكمل معها أو يأخذ ما تبقى من روحه المهشمة بداخله ويغادر؟
-غرام الحلو و الوحش.
-قُربها مُهلك وكذلك بُعدها، بحسني عامل زي الطفل الصغير اللي ميقدرش يبعد عن أمه لحظة و لكن لما يكبر بيبقى مضطر أنه يبعد ولكنه مش قادر عشان متعود.
كانت كلماته عشوائية؛ فروحه متناثرة بين خلاياه وكذلك أفكاره مزدحمة تعجز اللغة العربية بحروفها الثمانية والعشرون عن وصف شعوره والتعبير عما يعتري روحه و قلبه.
-أنا فاهمك.
نظر له سيف ليطمئنه الأخر بنظراته ويربت على كتفه، ابتسم سيف حينما رأى الحُب في عينيّ أخيه اتجاهه كان يسعى لتلك اللحظة منذ رؤيته و ها قد حصل عليها ليباغته باحتضانه تفاجيء زين لتظل يده معلقة في الهواء يتساءل ما هو القرار السليم الآن، أي من قرارته لن يندم عليها لاحقا؟
ليخفض ذراعيه يبادل الأخر قائلا بداخله" ربما لن أخسر تلك المرة".
استمعا لصوت اصطدام بالخارج لتصرخ غرام بغزل بحدة و هي تقول:
-هو ده اللي هننقلها أوضتها في السرية التامة!!
فُتح الباب لتنظر إلى كليهما بتعجب كادت أن تفلت شاهندا من بين ذراعيها ليلتقطها سيف على الفور الذي استعاد توازنه وهتف بقلق:
-هي مالها؟
أردفت غزل بتلعثم:
-أغمى عليها نتيجة صدمة.
حسنا يجب عليها الاعتراف الآن إنها تمتلك درجة فائقة من الغباء ليتساءل زين:
-صدمة إيه؟
-كانت بتتكلم في التليفون وأغمى عليها.
نظرت غزل لأختها لتطمئنها الأخرى وهي تقول:
-شيلها نحطها في أوضتها.
اومأ لها سيف ليحملها بين ذراعيه ويدلف بها لغرفتها ويضعها برفق على الفراش يزيل خصلاتها لتظهر ملامحها البريئة أمامه ليشرد بتلك الفتاة التي لا ذنب لها سوى أنها أخته، جلبت غزل زجاجة عطره لتجعلها تستنشقها لتبدأ الأخرى بتحريك رموشها عدة مرات.
أردفت غرام وهي خائفة أن تبوح شاهندا بالسر:
-اخرجوا أنتوا وأحنا هنتكلم معاها.
أردف زين وهو يقبض على كف يدها:
-أنا مش هسيب أختي.
فحصها بنظرة شاملة حينما ترتبك تقوم بالضغط على أصابعها تصدر صوت طرقعة قوية وتزيل خصلاتها للخلف عدة مرات في الدقيقة الواحدة إنها تخفي شيء يخص أخته، أردف بصوت عميق أثر مراقبته لتصرفاتها:
-تعالى يا زين، هما بنات مع بعض وبعدين تقدر تطمن عليها.
اقترب من غرام ليميل على أذنها جعلها ترتجف وتسرى قشعريرة قوية في جسدها:
-ستخبريني بما حدث لاحقا غرام، سأترككِ الآن فقط.
تحدث بالألمانية حتى لا يفهمه كليهما ابتعدت عنه وهي تقول لغزل:
-حاولي تشربيها ماية.
غادر زين مع سيف يقفا أمام الغرفة بينما غزل تعدل الوسادة حتى تتكيء شاهندا عليها بظهرها وهي تنظر لهم وقد التمعت عينيها بالدموع لتجلس غرام أمامها وتمسك كف يدها تردف بأسف:
-شاهندا لو سمحت اسمعيني كويس.
-أنا عارفة إن أنتِ في صدمة و وجود سيف جمبك من غير ما تتعرفي عليه أو أنه يبلغك شيء صعب.
-ولكن.
قاطعتها بسؤالها:
-وليه مبلغنيش؟
-عشان المشاكل منتظر يحل خلافه مع زين الأول.
-هو بيحبك و بيحب زين و يتمنى ليكِ الرضا.
-بس عشان خاطري خليكِ زي ما أنتِ متعرفيش إنه أخوكِ لغاية ما يجي هو و يقولك عشان محسش إني خنت ثقته أرجوكِ.
تبادلت النظرات بين غزل وغرام تفكر كثيرا لما بعد عنها كل تلك المدة؟ و لٍمَا لم يخبرها وكذلك زين؟ ما زالوا يعتقدوا إنها تلك الطفلة البريئة التي لا تفقه شيء ويجب تخبئة كل الأمور عليها، إنها فقط تريد أن تعلم سبب الخلاف ولما ممنوع عليها أن تقترب منه أو البحث عن صوره و أن تعتبره ميتا مثلما أخبرها زين لقد نفذت توجيهاته بأكملها و قاومت نفسها كثيرا لرؤيته أو البحث عنه و لكنها لم تفكر يوما في السبب لتأخذ شهيقا قويا تزفره براحة.
لتنظر لها غرام بأمل لتومأ شاهندا برأسها وتطمئنها بنظراتها لتبتسم براحة ولكنها ابتلعت لعابها بارتباك حينما تذكرت سيف والذي سيعلم ما حدث منها لن يتركها حتى يعلم يجب أن تفكر في حجة قوية حتى لا يشعر بأنها خانت ثقته.
خرجوا ثلاثتهم من الغرفة ليتقدم زين منها ويحتضنها مقبّلا رأسه ويقول:
-أنتِ كويسة؟ إيه اللي حصل؟
-ومكالمة إيه اللي جاتلك قبل ما يغمى عليكِ!
سيطر الصمت على الجميع في انتظار إجابة شاهندا التي نظرت لهم وهي تعقد حاجبيها، لتأتي الإجابة من غزل التي تمسكت برأسها تصطنع الشعور بدوار يجتاحها لتهتف بخفوت:
-زين.
ليترك شاهندا ويلتقطها بذراعيه يصرخ قائلا:
-هو إيه حوار الإغماء ده!
خبأت وجهها في عنقه تخاف أن يكشف كذبتها ليرتفع صوت طرقعة أصابعها مرة أخرى وتتأكد كل شكوكه بالتأكيد هناك أمرا ما تخبئه عنه ليحمل زين غزل ويتجه لغرفتهم يضعها على الفراش ويطلب من شاهندا المساعدة.
كادت أن تتقدم غرام لداخل الغرفة حتى قبض على معصمها لتنظر له بريبة دلف للغرفة الخاصة بهم و أغلق الباب خلفه يتجه إلى المرآة يشير بسبابته على وجهها الشاحب:
-إيه اللي حصل؟
-أنتِ مبتعرفيش تكدبي يا غرام.
رمشت بعينيها عدة مرات لتتركه وتجلس على الفراش تقول وهي تعيد خصلاتها للخلف للمرة التاسعة على التوالي لينفذ صبره و هو يراها تتحدث بكلام فارغ لا معنى له:
-هو أنا مش بكدب، هتلاقي شوية إرهاق أ.
قاطعها بقوله:
-هتفضلي تخبي كتير! أنتِ عارفة إني هعرف.
-تمام وأنا هروح أعرف بطريقتي من غزل.
كاد أن يذهب حتى جرت عليه تتعلق بذراعه تنظر له وتبتلع لعابها عدة مرات حتى جف حلقها لتقول بضعف وهي تنظر للأسفل:
-بلاش.
-مش عايزة أبان قدامك بالضعف ده أرجوك أفهم موقفي.
قامت بقلب الطاولة عليه كـكل مرة سيخضع لها حتى لا يجرح مشاعرها ليتنفس بحدة وهو يبتعد عنها قائلا:
-جهزي نفسك هنتحرك بليل.
تركها و غادر لتصفع نفسها و هي تلعن نفسها وغبائها.
كانت ترمش كثيرا بخوف من أن يكشف لعبتها ولكنه بالفعل كشف لعبتها ولكنه لم يتحدث ولم يبين الأمر فقد أوضح لها بأنها ممثلة رائعة جدا لتفتح عينيها أثر ذلك العطر وتعتدل في جلستها ليتساءل واضعا كف يده في جيب بنطاله:
-أنتِ كويسة دلوقتي؟
حركت برأسها بالإيجاب لتردف شاهندا:
-هو أحنا هنتحرك امتى يا زين؟
-بليل.
تركتهم وغادرت لتستعد للمغادرة وتجهز أمتعتها بينما هي كانت تفرك أصابعها بقوة بتوتر؛ فهو لم يحيد بنظره عنها لتقرر النهوض ولكنه توقف أمامها يقول:
-ليه اقعدي أنتِ تعبانة؟
-لا أنا بقيت كويسة، ممكن تسيبني بقى؟
-متأكدة؟
رفعت رأسها له لترى عينيه والتي كانت تنظر لها بعمق كان يحاول اختراق حصنها ومعرفة سبب كذبتها ولكن محاولته باتت بالفشل، بينما هي كانت غارقة وهي متأثرة بذلك القرب المُهلك لتشعر بدوار فعلي وتتمسك بقميصه من ذراعيه التي كانت تحيطها تمنعها من المغادرة أردفت وهي تغمض عينيها:
-أنا دوخت بجد.
شعر بنبرتها الحقيقة ليظهر القلق على تعابير وجهه ليساعدها حتى تجلس ويجلب كوب الماء لترتشف منه وهي تبعد بنظرها عنه كانت تنظر لكل الاتجاهات سواه ليتساءل:
-كدبة جديدة؟
نفت برأسها سريعا وهي تنظر له لتقول:
-لا والله المرة دِ بجد.
ابتسم بخبث وهو يراها تعترف له بكذبتها لتجحظ عينيها وهي تشعر بمدى غبائها يزداد أمامه لتدفعه بقوة وهي تقول:
-روح أعمل أي حاجة إلا أنك تتكلم معايا تاني.
تركته ودلفت للمرحاض تغلق خلفها الباب بينما هو كان يضحك عليها ليغادر الغرفة يتركها تلعن نفسها و غبائها.
بالأسفل، كانت ياسمين تصرخ بقوة تردد جملة واحدة:
-مُراد هيقتل شريف.
نشب شجار قوي بين كليهما لا أحد يعلم سببه سواهم، اتجه الجد للخارج يصرخ فيهم ولكن مُراد لم يتوقف ليقبض على ياقة قميصه بقوة ويضربه برأسه عدة مرات.
اجتمع الجميع حتى الخادمات يتهامسان عما يحدث، حاول حسين أن يتدخل ليأخذ لكمة قوية من مُراد بدلا من شريف.
جرى سيف نحو مُراد يجذبه خلفه ولكنه أبى ليصرخ:
-سبني يا سيف سبني.
أردف سيف بحدة:
-العنف مش هيحل حاجة.
كان زين يقبض على ذراع شريف يهتف بحدة:
-بس منك ليه ده أنتوا ولاد عم.
هبطت غرام مع غزل لتسأل الخادمة عما يدور بالخارج؛ فصفاء أمرت من الجميع أن يذهب لعمله.
-مُراد بيه وشريف اتخانقوا.
تقدمت للخارج لترى الدماء تمليء وجه أخيها جرت له وهي تحيط وجهه بكفي يدها لتبتلع لعابها وتتساءل بخوف:
-حصل إيه؟
لتنظر إلى شريف وتصرخ به قائلة:
-أنت اتجننت قدك هو!!
تساءلت بقلق و هي تتحسس كدمات وجهه، تركهم شريف واتجه إلى سيارته بخطوات سريعة هو المخطيء وسيلقي الجميع اللوم عليه فتح باب سيارته ولم يحيد بنظره عن غرام التي كانت تراقبه وقامت بتضييق عينيها دلالة على إنزعاجها وغضبها منه لتردف بحدة:
-احكيلي حصل إيه؟
صرخ في وجهها و هو يتحرر من قبضتيها:
-مفيش حاجة.
دفعها بقوة ليتركهم ويصعد للأعلى يجهز أمتعته ليصعد خلفه سيف و يشير ليونس إلى غرام لتتبعه ويدلف لغرفته السفلية يجلس على ذلك المقعد الأسود المغطى بطبقة من الجلد يستند بكوعه على مرفق المقعد يشير لها بعينيه لتتجه إلى الأريكة بجواره في انتظاره ليتحدث ليقول:
-تفتكري إيه اللي ممكن يجمع مُراد وشريف غير إنهم ولاد عم؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم لتظهر التساؤلات في عينيها ولكنه اكتفى بالتحديق بها يراقب تصرفاتها بتمهل حتى أردف:
-أنتِ.
في الأعلى، كان يضع ثيابه بعشوائية الغضب يعتري ملامحه وقلبه يودّ أن يفتك به لم يستطع فعلها من البداية بسبب أبيه و جده ولكنه من قام باستفزازه بالحديث كان يستند سيف على الحائط بجوار الباب يستند بمرفقه على تلك الطاولة بأقدامها الطويلة بجوار الباب ليهتف:
-مش هتمشي وأنت متعصب كدة يا مُراد.
-سبني يا سيف.
-طب احكيلي.
-مش هينفع.
حمل حقيبته ليتجه أمام الباب ولكن سيف وقف له كالحائط يمنعه من الرحيل ليدفعه برفق وهو يقول:
-لو سمحت يا سيف عايز أبقى لوحدي أرجوك بلاش أنت تكون الحاجة اللي هفرغ فيها غضبي.
-اهدأ يا مُراد أيا كانت المشكلة هنحلها.
-المشاكل اللي من النوع ده مبتتحلش.
ربت على كتفه و دفعه برفق ليتجه نحو الفراش ويجلسه عليه و يقف أمامه قائلا:
-مش لازم تحكيلي اهدأ الأول مش هكون مطمن عليك وأنت في الحالة دِ وكمان زي ما جينا زي ما هنروح مش هننقص واحد.
جلس بجواره صامتا حتى هدأ الأخير وقلت حدة أنفاسه قليلا وأصبحت شبه طبيعية ليباغت سيف بحديثه:
-المشكلة هي غرام.
تلعثم في الحديث و هو يقول:
-أنا مش عارف صح أحكيلك ولا لا.
عاد سيف ليربت على كتفه مرة أخرى وهو يحاول التحكم في تعابير وجهه التي تبدلت عند ذكره لاسمها ليتساءل بداخله عما قاله ذلك الحقير عن زوجته بالتأكيد حاول تشويه صورتها أمام أخيها و إن كان بيده لقام بإخبار الجميع عن قصة ملفقة من خيالاته يحكي بها عن سوء زوجته لمجرد أنها أصبحت مِلك لأخر.
بالفعل تأكدت ظنونه حاول الأخير تشويه صورتها، أخبره بأنها كانت تخطط لهجرانه وليس هو من هجرها كما يعتقد الجميع حتى أنها ارتمت بين أحضان أول رجل قابلته لأنه أكثر نفوذ و حتى تحصل على إقامة مجانية وأنها لا تستحق العيش معهم؛ لأنها مثال حي لانعدام الشرف والحياء.
عم السكون بالمكان فقط دقات قلبها المسموعة بتلك الغرفة تشعر بها تخترق أذنيها بقوة و أصبح معدل التنفس غير طبيعي وهي تستمع لكلمات جدها أحقا شريف يراها بتلك الصورة! أصبحت دمية بين يده للمرة الثانية أصبحت أضحوكة تلك العائلة ومحور حديثهم.
ابتلعت تلك الغصة المريرة بحلقها ما زال جزءا من قلبها يكن له الحُبّ و إن لم يكن بأكمله؛ فهو حُبّها الأول لاثنين وعشرين عاما.
نهضت بخطى مرتجفة وغير متزنة وغادرت غرفة جدها لتقف بجوار الباب تستند على الحائط بيدها تشعر بالغيثان ودوار شديد يجتاحها تكره ضعفها الذي جعلها أسيرة لحُبه.
وجدت من يلمس قدميها لتنظر للأسفل تجد يونس الصغير يحاول الصعود لها ولكنه لا يستطع لصغر سنه هبطت لمستواه لتحمله بين ذراعيها تنظر له و إلى براءته البارزة في عينيه لتنهض به وتشعر بيده تحيط خصرها يقربها منه و هي ما زالت تحمل الطفل لتنظر له وإلى الطفل الذي ابتسم لها لتبادله بأخرى أسرت قلبه بجوارها.
باغتها بقبلة على وجنتها المواجهة له ليبتعد عنها بينما هي تصمنت مكانها لتعطيه الطفل وهي تقول:
-ألعب بيه شوية.
صعدت للأعلى تركته يحمل يونس بين ذراعيه ويراقب أثرها حتى اختفت ليتنهد تنهيدة حارة، أنها تزيد من حيرته يوم بعد يوم جلس على الأريكة يداعب الطفل ليجلس بجواره حسين الذي عاد لتوه من العمل بذلك المصنع المتهالك على الرغم من مركزه به ألا إنه يودّ العمل بشركة مرموقة ليثبت كفاءته بها.
ليهتف سيف باسمه وقد علم ما يدور برأسه إنه أنشغل منذ تلك اللحظة الذي حادثه بها ولم تتيح له الفرصة لإيجاد عمل له:
-كنت محتاج الCV بتاعك.
تهللت أساريره وعلى ثغره ابتسامه رائعة جعلت سيف يسعد لها كثيرا؛ فهو يحب أن يكون مصدر بهجة وليس العكس.
-أنا أسف إني اتأخرت ولكني كنت بدور على منصب يليق بيك وبقدراتك.
-و أوعدك أول ما أرجع القاهرة هكون قدمت ورقك.
-دقيقة و يكون الملف عندك.
نهض سريعا ليجري باتجاه السلالم ولكن اصطدمت قدمه بقدمي الطاولة ليتغاضى عن الأمر ليكمل سيره ويصعد لغرفته يجد ياسمين تعدل هيئتها وتبتسم له:
-حمدلله على سلامتك يا حبيبي، تحب أحضرلك الغداء.
نفى برأسه ليكمل بحثه عن ملفه هنا وهناك قام برفع مرتبة الفراش وفتح كل أدراج الغرفة لتشعر بالحيرة وتتساءل:
-بتدور على إيه مهم كدة؟
-ملفي ملفي يا ياسمين.
-الCV.
-طب براحة حاضر.
تقدمت من خزانتها لتخرج ذلك الملف الخاص به والتي تحتفظ به من أجله إنها تعلم بقدراته القوية حيث يمكنه بذل مجهود أكثر و إنتاج شغل أكبر خارج تلك البلدة ليقبّل رأسها بقوة ويتركها يهبط مرة أخرى بينما هي ابتسمت في أثره تدعو له بالصلاح.
أتى الليل سريعا عليهم وقد أبدلت غرام ثيابها وأغلقت سحاب الحقيبة ليتقدم سيف منها ويحملها قائلا و هو يحك مؤخرة رأسه بحرج ليتساءل:
-أحنا هنقعد إزاي في العربية بسيلا دِ؟
أردفت بغيظ وهي تتناول حقيبة يدها وتتخطاه للأمام:
-محدش قالك تعمل فيها جنتل مان و توافق.
فتحت باب غرفتها لتجدها في وجهها نظرت لها بحنق وضيق وهي ترى غزل تخرج من غرفتها تحمل بيدها حقيبتها الصغيرة، ليجتمعوا بالأسفل وكان كلٍ من زين وسيف وكذلك مُراد يضع ثلاثتهم الحقائب في الجزء الخلفي من السيارة ليغلقوا الباب بقوة وينظر سيف بضيق لكليهما قائلا:
-هنعمل إيه؟ وهنركب إزاي؟
-هتذلني يا عم هأخد مراتي وأختي ونركب تاكسي.
أردف سيف بضيق وهو يعود للداخل ليودعهم:
-يكون أحسن هتوفر.
ربت الجد على كتف سيف وهو يحتضنه ليهمس بأذنه:
-معاك كل الصلاحية للتعامل أنا واثق في حكمتك وعقلك.
أجابه بابتسامة على ثغره ليقبّل يده و يتجه لصفاء يقبّل يدها هي الأخرى، ليتبادل الجميع الأدوار ليتبعه زين ثم مُراد وكذلك الفتيات عدا سيلا التي لم تتحدث.
-هنتظر مكالمتك.
اومأ له سيف وربت على كتفه يطمئنه بتلك الابتسامة الهادئة، ليهتف يونس:
-يا سيف سيب حسين يجي معاكم بعربيته.
-مش عايزين نتعبه بقى مرة تانية وأحنا هنتصرف العربية كبيرة.
ضحكت بسخرية لتحرك شفتيها تلعن سيلا ليستطيع قراءة سبّها الصامت ويتجهوا جميعا ليستقل السيارة ويجلس في مقعده الأمامي يقبض على المقود بقبضتيه.
-مش جوزك؟ بس أنا بقولك هو ندل.
عقد حاجبيه بضيق ليندهش الجميع من جراءة تلك الفتاة التي استقلت في المقعد الأمامي بجواره معقبة بنبرة هادئة جعلتها تبدو كالبريئة رغم خبثها:
-أعتقد إني مينفعش أقعد جمب حد منكم.
ضيقت عينيها وهي تنظر لتلك التي أخذت مكانها بجوار زوجها، فتح مُراد الباب وجلس لتتبعه غزل و زين ثم شاهندا ليقترب زين من غزل حتى يفسح المجال لأخته حتى تتمكن من الجلوس ليميل عليها ويصبح على مقربة كبيرة منها لتشعر بالارتباك وتتصاعد الدماء على وجهها.
نظر سيف لهم ومن ثم إلى سيلا التي كانت تعدل ثوبها وأحمر الشفاه الخاص بها ليبتلع لعابه ويردف بخفوت:
-الكرسي ممكن يأخ.
ربما يجب عليها أن تصبح أكثر جراءة من تلك التي أمامها والتي تتحداها وتنافسها في كل مرة لتثبت بأنها الأفضل، تخلت عن خجلها وخلافاتها لتفتح باب سيارته بقوة و تجلس على قدميه ليصبح ظهرها مواجها للباب وقدميها في وجه تلك التي كانت الصدمة والاندهاش من نصيبها تلك المرة.
كُتمت أنفاسه وهو يراها بذلك القرب المُهلك تجلس على قدميه بإرادتها حقا!! توقف الزمن عنده و هو يراقب ملامحها عن قرب وأنفاسها تضرب وجهه بنسيم دافيء.
حمحم زين ليزفر بقوة ويدير محرك السيارة يقودها وهو يلعن سيلا و يسبّها منذ أن رأها و هو يشعر بعدم راحة اتجاهها، كان أول من غفى شاهندا لتضع رأسها على كتف أخيها وتذهب في نوم عميق غير عابئة بذلك الجو المُهلك للأعصاب ومحاولات تلك الفتاة لإظهار ساقها البيضاء الجميلة برفعها على المقعد لترفع حاجبيها باستنكار وتنظر إلى سيف ولكنه لم يحيد بنظره عن الطريق كان يتمنى أن يصل بأسرع وقت ممكن حتى يتخلص من تلك الفتاة الوقحة وتلك التي تسلبه عقله و روحه وربما ستسلبّ منه وعده.
ليسقط واحد تلو الأخر أسيرا لسلطان النوم عدا ثلاثتهم في المقعد الأمامي، كانت تقاوم تلك الرغبة في النوم و ترفض أن تتركه لها بمفرده ولكن سبقتها سيلا التي استسلمت لسلطان النوم ليبقى كليهما وكل ما تفعله غرام سلب ثباته الانفعالي تدريجيا، كانت تجلس باستقامة رأسها للأمام ولكنها بدأت تميل إلى كتفه من التعب والإرهاق لتتحدث بنبرة خافتة ضعيفة أثر نعاسها:
-سيف.
ابتلع لعابه فشعر بأن حلقه جف ليجيب عليها بصوت كـ"امم" حيث أن الكلمات جميعها وقفت بحلقه عند نطقها لاسمه بتلك الطريقة.
-فاكر لما قولتلي أنتِ هي العُقد.
نظر لها ليجيب بحركة رأسه وهو يشعر بأن القادم أسوأ ليعيد نظرهُ إلى الطريق في انتظارها لتكمل.
-ممكن تحِل عقدي؟
قاطعها بتلك القبّلة ليحيد بنظره و تركيزه عن الطريق ويقلل السرعة تدريجيا حتى توقف ليهتف بهمس:
-غرام، لو اتكلمتي معايا بأسلوبك ده تاني أنا هخلف بوعدي بجد.
-فأرجوكِ نامي.
مررت إبهامها على وجنتيه وأردفت بخفوت وهي تغلق عينيها و تعاود فتحهم مرة أخرى ولكنها غلبها النعاس كالبقية:
-أنت مش وحش أنا اللي وحشة.
سقطت رأسها على كتفه لينخفض كف يدها متوقفا عند عنقه وتتركه يحارب كل تلك المشاعرة القوية بمفرده.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
____________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Acakيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك