الفصل الخامس عشر..

578 25 0
                                    

نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ١٥..
_____________________________
توقف أمام منزل زين ليهتف باسمه و ما زالت مشاعره تسيطر عليه إنها لا تجعله ينفر منها بقدر أنها تجذبه له وبقوة كمغناطيس قوي، ألتفت لينقر بقوة على قدمه بسبابته انتفض زين من مكانه ليفرك عينيه و هو يتساءل:
-في إيه؟ وصلنا؟
نظر حوله ليرى حارسيه بالأمام ليعتدل في جلسته ويوقظ غزل التي كانت تتوسط أحضان مُراد أخيها وحاول إيقاظ شاهندا أخته حاول زين جذب غزل نحوه و لكنها دفعته بقوة لتضربه و يتألم لتفتح عينيها بنعاس و تراه أمامها لتكتشف الأمر من حولها وتبتلع لعابها ليوقظ شاهندا بعنف التي استيقظت بفزع وأردفت متساءلة:
-إيه في إيه؟
-وصلنا انزلي.
هبطت شاهندا و هي تشعر بعدم اتزان ولكنها كانت تراقب أخيها سيف بصمت على عكسه كان يصب كل نظراته لغرام ويتأمل ملامحها البريئة أثناء نومها يا ليتها تكون بذلك اللطف الذي كانت عليه قبل نومها طيلة حياتها ولكنه يتمنى أوهام.
أردفت بخفوت:
-ابقى جيب غرام و تعالى زورنا.
لتتوقف أمام زجاج سيارته وتردف بضعف:
-عشان بتوحشنا.
لتنتبه على حديثها و تقول:
-أقصد إن غرام بتوحشنا وقعدتها متتعوضش.
اومأ برأسه مع ابتسامة تزين ثغره لتضحك شاهندا وهي تشير إلى غرام:
-ربنا يكون في عونك.
هبطت غزل و هي تودع سيف و تتجه مع زين الذي أعطى الحقائب لحارسه و اتجه إلى سيف وقال:
-عايزك تيجي عشان نتكلم في الشغل وفي حاجات تانية عايزين نكملها.
-تمام.
-خلي بالك من نفسك.
هتف بتلك الجملة و تركه و غادر على الفور دون أن يستمع إلى رده ليعلو ثغره ابتسامة جميلة وهو يرى تحسن علاقته بأخيه الصغير ويدعو له بالهداية، ليكمل قيادته إلى منزل مالك ليستيقظ مُراد في منتصف الطريق قائلا:
-هما وصلوا؟
-من بدري، بقى يا ندل تناموا كلكم وتسيبوني أسوق لوحدي.
-قلبك أبيض يا كبير.
-طب ما توقف العربية تقعد غرام في الكرسي اللي ورا بدل ما رجلك زمانك مش حاسس بيها.
تنهد سيف وهو ينظر إلى غرام النائمة في سبات عميق:
-لو صحيت ولقت نفسها في الكرسي ورا و سيلا قدام أنا و أنت هنبات في الشارع.
-عندك حق.
ليكمل بصوت هامس استمع له سيف:
-البت دِ من صغرها وهي عُقدة غرام وبتسرق منها كل حاجة كمان عايزة تسرقك منها عيني عينك كدة.
انتبه سيف له ليتساءل وهو يبطئ سرعة السيارة؛ فهو على وشك الوصول:
-قصدك ايه؟
-وكمان عُقدة غرام ازاي؟
-المتنمر الرسمي في العائلة.
-كانت دايما بتجرح غرام بالكلام والأفعال.
تنهد مُراد بحزن ونظر لأخته:
-أتمنى تكون بخير.
توقف سيف بالسيارة ليرتجل منها مراد ويتجه إلى الحقائب أولا، بينما سيف رفع يده ليربت على خصلات شعرها برفق وحُبّ يفهم الآن ارتباكها وخوفها كلما اجتمعت بتلك المدعوة سيلا ليقبّل جبينها وينتقل ببصره لثغرها ليتذكر استسلامها بين يديه قبل نومها ليبتسم وها هو عاد يتمسك بأمل جديد ليقول بخفوت:
-هحِل عُقدك يا غرام.
-إيه يا حنين هتفضل هنا ولا إيه؟
-صحي البت دِ وغورها لجوا وتعالى خد أختك أنا مش حاسس برجلي.
-وأنا اللي فاكرك جنتل مان وهتنزل شايلها!
-أشيل مين أشيل مين يا عم أنا مستحملها بالساعات على رجلي وتقولي أشيلها أنا عايز حد يشيلني.
ضحك عليه مُراد ليتجه إلى سيلا ويقوم بإيقاظها لتفتح عينيها وتهتف بخفوت:
-وصلنا؟
-لا بنركن صف، انزلي.
اتجهت بنظرها إلى سيف الذي لم ينظر لها بل كان يحيط جسد غرام بذراعيه لترتجل من السيارة وتتجه للداخل اقترب مُراد من سيف ليفتح الباب ويحمل غرام بين ذراعيه لتتعلق برقبة أخيها تتوسط صدره برأسها، بينما سيف شعر بالألم الشديد في قدميه و حاول النهوض ولكن اشتد الألم عليه ليضحك عليه مُراد ولكن تبدلت ملامحه لأخرى قاتمة سوداء حينما وجد شريف يرتجل من سيارته و قد عاد للتو يترنح أثر ذلك المشروب الذي تناوله قبل قليل وقد ضُمِدت جروحه التي نتجت عن شجارهم.
أردف سيف بهدوء وقد رأى الشر في عينيّ مراد ليقول:
-اهدأ يا مُراد بلاش تخليه يستفزك.
زفر الهواء من حوله بضيق ليوقظ غرام هاتفا باسمها عدة مرات لتعقد حاجبيها وترمش بعينيها لتفتحهم ببطء وتنظر حولها أنها معلقة في الهواء بين ذراعيّ أخيها كاد أن يخفضها حتى تلقاها سيف بين ذراعيه لتتشبث بثيابه خوفا من السقوط لتتناول النظرات بينهما وتستفسر عما يحدث بعينيها ليردف سيف بقوله:
-وصلنا.
أخفضها برفق حينما استعادت توازنها ليقول:
-يلا يا مُراد.
دلف ثلاثتهم للداخل ليصعد كلٍ منهما لغرفته استلقى سيف على الفراش ليتألم أثر ظهره بينما هي اقتربت منه تتساءل عما إن كان بخير لم يجيب عليها كان يغمض جفنيه ويستسلم لذلك التعب و الألم و سلطان النوم.
وضعت الغطاء على جسده وأغلقت الأضواء حتى ينال قسطا من الراحة؛ فلم يتعب أحد بقدره دلفت للمرحاض بعدما ألتقطت بعض الثياب المريحة وقفت أمام مرآة الحوض لتنظر إلى انعكاسها وها هي الآن تتدارك ما تفوهت به في السيارة جحظت عينيها وهي تتمنى أن تبتلعها الأرض الآن وألا تخرجها أبدا تتمنى لو أن تُدفن حية بدلا من ذلك الذي تفوهت به حقا قامت بفعل ذلك الأمر!!
يجب عليها الاختباء والهروب أصبحت تضرب وجنتيها بقهر وهي تندم على ما قالته له لتجلس على طرف حوض الاستحمام تلعن نفسها خائفة أن تخرج وأن تلتقي به كيف ستتمكن من رفع عينيها بخاصته ربما سيعقب على ما تفوهت به ليلة أمس في صباح الغد حينما يستيقظ.
أخذت شهيقا قويا ابتلعت به هواء المكان بأكمله وزفرته على دفعة واحدة وهي تحاول تهدئة قلبها ونبضاته لتخرج وتلقي نظرة عليه يستسلم للنوم جلست بجواره على الفراش تتمنى ألا تستيقظ صباح الغد وألا يتذكر ما تفوهت به ينساه كأنها لم تقوله قط.
_____________________________
في الصباح الباكر، استيقظت غزل لتجده يقف أمام مرآته يعدل ياقة قميصه ويحاول الاتصال بسيف ولكنه لم يجيب عليه ما زال نائما لا يدري بما يحدث حوله لقد أنهك كل طاقته في الآونة الأخيرة منذ أن أتى إلى مصر ليعيدها ولكن كلما استمر بالبقاء هنا ازدادت المصائب على رأسه.
ترك الهاتف على طاولة الزينة ببنما هي اعتدلت في جلستها تقول:
-صباح الخير.
-صباح النور.
كادت أن تدلف للمرحاض حتى تساءل:
-تحبي تزوري والدتك؟
نظرت له بتعجب ودهشة ليشعر بالحرج منها ويقول وهو يغادر:
-خلاص براحتك.
-لا استنى هغير هدومي وهنزل.
اومأ لها وتركها وغادر ليهبط لأسفل ولم يرى شاهندا بالجوار ليسأل عنها الخادمة والتي أخبرته أنها بغرفتها ما زالت نائمة لتهتف نازلي باسمه ويلتفت لها لتردف بحدة:
-عايزاك في أوضة المكتب.
تخطته وتقدمت لغرفة مكتبه لتجلس على مقعده وتراقبه وهو يدلف للغرفة يقف أمامها واضعا يده في جيب بنطاله صامت لتقطع صمته بسؤالها:
-هو قلب وخلاك في صفه ولا ايه؟
-أنتِ هتسيبي كل حاجة ومحاولتك لقتله وهتمسكي في النقطة دِ؟
-أنا محاولتش أقتل حد.
-فين دليله على كلامك ده؟
-ولا هو البيه بيتهم أي حد وخلاص من غير دليل.
-طب ما أنا كنت أقدر أقتله طول الفترة اللي فاتت وقبل ما ينزل لمصر.
-وكمان واحد بقذارته دِ هتلاقي عنده أعداء كتير.
-وعايز يقلبك لصالحه عشان تبقى ضدي.
شعر زين بالضيق وهو يرى أمه تبكي أمامه ليتقدم منها وهو يزفر الهواء بحدة ليحتضنها ويربت على كتفها يقوله:
-خلاص متزعليش.
-حقك عليا.
كانت تنظر نازلي للأمام وهي تتوعد لسيف بعذاب قبل أن تقتله إنه يأخذ زين لصفه تدريجيا وهي لن تسمح بالأمر قامت بالمحافظة على منصب ابنها لسنوات لن يأتي هو ويسرقه منها ومن ابنه.
ابتعدت عنه حينما طرقت غزل على باب الغرفة ليسمح لها بالدخول لتتقدم للداخل وتلقي التحية على نازلي برسمية؛ فهي تخاف التعامل معها تجدها إنسانة خبيثة غير سوية.
-أنتوا خارجين ولا إيه؟
-أه رايحين مشوار يا أمي.
-يلا يا غزل.
-مش هتفطر يا حبيبي؟
-هنفطر بره.
تقدم من غزل يلتقط كف يدها بين خاصته ليغادر المنزل حتى توقف أمام سيارته وفتح لها الباب ليشير لها بعينيه بينما هي كانت تفكر لما أصبح يتعامل معها بهذا الأسلوب الهاديء.
قاد السيارة باتجاه منزل مالك ليتوقف بعد فترة أمامه وتترجل غزل من السيارة ويحتل ثغرها ابتسامة كبيرة ها هي تعود إلى منزلها مرة أخرى وإلى أمها لقد اشتاقت كثيرا لأمها لتجري للداخل بفرحة طفلة وجدت أمها بعد أن ضلت طريقها لتصرخ بحماس:
-ماما.
كانت جليلة تقف أمام زوجها تعدل له ربطة عنقه وهي تبتسم له لتزداد ابتسامتها حينما استمعت لصوت ابنتها وتقول:
-غزل جت.
-قصدك المجنونة.
لكمته بقبضة خفيفة في كتفه لتقول:
-بنتي مش مجنونة.
هبطت لأسفل لتجد زين يقف بهدوء و رزانة على عكس غزل التي احتضنت إحسان زوجة عمها والخادمة وجرت لأمها التي رحبت بزين وألقت عليه التحية.
-حبيبة أمك وحشتيني.
-بتأكلي كويس؟
اومأت لها غزل لتقول:
-مبعملش حاجة غير الأكل.
-وعملتوا ايه مع جدك؟
-كل خير، اومال فين غرام لسة مصحيتش؟
-لا يا حبيبتي وسيف كمان مصحيش على غير عادته يعني.
ليأتي من خلفها مُراد وهو يفرك عينيه ليقول:
-أصل ساق طول الليل وكلنا سبناه ونمنا.
شهقت جليلة لتتقدم من ابنها وتلكمه وهي تقول:
-اخص عليك يا مُراد تسبب جوز أختك طول الليل بيسوق!
-الاه وأنا مالي هو أنا كنت نمت لوحدي ما زين كمان نام.
ليغتاظ زين من مُراد وهو يقول من بين أسنانه:
-حبيبي أنت يا مُراد.
-أومال اتهزق لوحدي يا أخويا.
-ده زمانه تعب خالص معندكوش دم.
-وأنا مالي يا حماتي  قعدت أقوله خلي عنك هسوق أنا يقولي أبدا.
ضحكت غزل على زين الخائف من نعل جليلة التي رفعته في وجه مُراد ابنها الذي جرى باتجاه زين و وقف خلفه.
في الأعلى، استيقظت غرام قبل سيف لتتجه لخزانة ثيابها وتلتقط ثياب مريحة رياضية جلست ترتدي حذائها الرياضي ولكنها وجدته يتحرك في نومه لتنهض على الفور تجذب هاتفها وتتجه للخارج حتى لا يستيقظ ويراها ويتذكر كل ما تفوه به ثغرها الملعون بالأمس، كانت تغلق الباب خلفها لتجد أبيها شهقت وتراجعت للخلف قليلا.
-صباح الخير.
-صباح النور يا بابا.
كلما نظرت إلى وجهه لا ترى سوى رجائه لها في تلك الليلة ألا تفضحه وتفضح اسم عائلتها و أن توافق على تلك الزيجة الغير مرغوب بها، ربما ما زالت غير قادرة على مسامحته ولكن قاطع حبل أفكارها وهو يتقدم نحوها يربت على كتفها ويجذبها نحوه برفق يحتضنها ويقبّل رأسها يقول:
-أنا مبسوط إنك رجعتي بخير، يا غرام.
-"ليتني لم أذهب يا أبي، لقد عُدت بعد أن فقدت جزء من روحي والباقي مُحطم إلى أشلاء".
أزالت تلك الدمعة التي تمردت على وجنتها بين أحضانه لتنظر له وهي تبتسم:
-وأنا مبسوطة إني قدرت أشوفك تاني.
-وإني محطتش رأسك في الأرض.
ارتبك أبيها حينما شعر بها تؤنبه عما فعله بها ليبتعد عنها على الفور و أردف قائلا:
-يلا نفطر.
تركها وغادر لتنظر في أثره وتتبعه لأسفل تراه يتقدم من غزل يحتضنها وابتسامة تعلو ثغره يهنئها عن زواجها بينما هي تبادلت النظرات مع غرام وسيطر عليها الحزن هي الأخرى ربما اعتادت ولكنها ما زالت مُجبرة على تلك الزيجة تخاف أن يكون نصيبها كأختيها.
أدمعت عينيّ كل منهما حافظت غرام على ثباتها لتتجه لأسفل ولكن الخادمة هتفت باسمها لتلتفت لها وتجدها تأتي من الطابق العلوي لتتساءل عن الأمر، ارتبكت الخادمة لتقترب من غرام وهمست بجوار أذنها لتثير ريبة وشك غرام:
-شريف بيه عايزك في أوضته.
ابتعدت عنها الخادمة لتفزع حينما رأت الغضب احتل ملامحها لتتركها وتتجه إلى غرفته بخطوات سريعة غاضبة تريد حرق اليابس لتفتح الباب بقوة وانفعال تلقي نظرة سريعة في أرجاء الغرفة لتجد يد قوية تقبض على معصمها تبتلعها داخل الغرفة.
لتتحرك يده الحرة باتجاه الباب يغلقه بينما هي تتنفس بحدة وصدرها يعلو و يهبط ليختفي كل الغضب ويحل محله الارتباك والتوتر إنها مُحاصرة بين الباب من خلفها وهو بجسده أمامها هربت الكلمات من حلقها.
-أنا أسف.
لقد ازداد ارتباكها بنبرته المثيرة للأعصاب ليقترب منها حتى أصبح أمام وجهها مباشرةً لا يفصل بينهما سوى بعض السنتيميترات.
تعالت نبضات قلبها رفعت يدها بضعف تبعده وهي تهتف متساءلة:
-بتعتذر على إيه؟
-لأني خوفت خوفت أدخل وسط النار وأنقذك.
ابتعد عنها لتنخفض بمستواها لتجلس كالقرفصاء؛ فقدميها لم تعد تستطيع حملها ابتلعت لعابها أخفت وجهها بين كفيّ يدها تحاول استعادة توازنها ومشاعرها المضطربة التي سيطرت عليها.
-أنا جبان يا غرام.
-كنت جبان حتى أقولك إني.
صمت ليجعلها تنتبه لحديثه وأكمل بقوله:
-إني بحبك.
لينظر لتلك المرآة التي تعكس صورتها و يرى الحيرة في عينيها واضطراب مشاعرها، ابتسم بخبث يعلم كيف يلعب على ثغراتها وإنها ما زالت تحت تأثير حُبّه وسحره وذلك الأمر زاده ثقة في نفسه أو لنكن أكثر دقة زاد من غروره.
اعتدلت في وقفتها ووقفت أمام الباب تعطيه ظهرها وأردفت بخفوت:
-اعترافك جه متأخر، مبقاش ينفع.
غادرت الغرفة بينما هو اتسعت ابتسامته وجلس على الأريكة يرفع قدميه على الطاولة أمامه يهتف:
-والوقت قدامنا كبير يا ست غرام.
-لما نشوف لامتى هتفضلي تقاومي.
حمدت ربها أنه لم يراها أحد لتهبط لأسفل وتحيي غزل وزين الذي تساءل عن سيف متحججا بأنه يودّ رؤيته من أجل العمل.
-نايم.
-سيبوه نايم براحته.
-يلا يا رشا جيبي الفطار.
اتجهت الخادمة إلى الداخل تجلب أصناف الفطور المختلفة وتضعها على مائدة الطعام ليهبط شريف من غرفته إلى الأسفل أصبح مكروها من الجميع ولكنه لا يبالي سوى بها ربما حينما يحصل عليها سيتركها مرة أخرى وكأنه لا يعنيه الأمر.
-صباح الخير.
لم يجيب أحد على تحية الصباح سوى زين الذي تفاجيء بغزل ترمقه بنظرات غاضبه؛ لأنه تحدث لذلك المختل ليتساءل بعينيه عن ذنبه فهو لا يعلم ما يدور في ذلك المنزل.
اتجهوا جميعا لمائدة الطعام قاطعهم سيف الذي هبط لتوه يهتف بقوله وهو يوجه حديثه للخادمة:
-لو سمحت فنجان قهوة مظبوط.
اومأت له الخادمة باحترام واتجهت لتنفذ طلبه، ليلقي تحية الصباح ويجيب الجميع عليه ليغتاظ شريف من تلك المعاملة الذي يتلقاها ذلك الغريب في منزله جلس بجوار غرام التي شعرت بحرارة جسدها ترتفع تتساءل بداخلها عما إن تذكر ما حدث بالأمس.
يبتسم لها يبدو أنه تذكر يجب عليها أن تهرب الآن، كادت أن تنهض لتجده يقبض على قدمها بكف يده يهتف بصوت منخفض هاديء:
-كملي أكلك.
كادت أن تعترض حتى احتدت نظراته وهو يشير إلى الطعام لتشرع في تناوله شاردة الذهن ليتناول الجميع أطراف الحديث يتحدثون عن زيارة الجد يونس ولم يُذكر حادثة غرام حتى لا يثير قلقهم.
تعالى رنين باب المنزل لتتجه الخادمة إلى الباب تفتحه تصنمت في مكانها لتتخطاها الفتاة وتتقدم للداخل حيث غرفة الطعام فهذا موعد تناول وجبة الفطار هي التي لا تمتلك حق قطعة خبز.
لتجذب انتباه الجميع ويصب نظرهم إلى تلك الفتاة الواقفة في منتصف الغرفة تحمل بيدها ابن يبلغ من العمر ثلاث سنوات يرتدي ثياب بسيطة في ذلك البرد القارس بينما هي كانت ترتدي ثوب ممزق في أجزاء مختلفة بالكاد يصل لكاحلها ونعليها عبارة عن حذاء بسيط ممزق هو الأخر أما عن الفتاة فكانت ملامحها بالكاد بارزة أثر الكدمات التي تغطيها.
لم يتعرف عليها أحد في البداية عدا ذلك الذي يرى أمامه فرحته الأولى في تلك الدُنيا وأول مولودة له ابنته الكبرى تقف أمامه بذلك الشكل المهين له قبلها، هي من عاشت طيلة حياتها مدللة في منزل أبيها كانت ملكة على عرش قلبه الآن تبدل الحال كثيرا.
ابتلع لعابه ليجلس على المقعد على الفور فقدميه لا تحتمل تلك الصدمة، تهللت أسارير جليلة وهي ترى ابنتها أمامها لم تنظر للحال الذي وصلت له بل كل ما تحتاجه هو احتضانها و رؤية حفيدها الأول لتجري نحوها وتحتضنها بقوة لتبكي الأخرى على أبيها الذي لا ينظر لها تعلم بأنها اخطأت، ولكن هل الحُب خطيئة؟
هوى قلبها بين قدميها وهي ترى أمامها أختها بذلك الشكل المهين والمُتعب للأعصاب، كانت تعزم على أن تصب كل غضبها بها وتلقي اللوم عليها كانت ستثور عليها كـبركان لتتحطم آمالها كلها وهي ترى أختها المدللة أحنت رأسها للحُبّ لتكون تلك النتيجة المُدللة أصبحت مُشردة.
الصمت سيطر على الجميع فقط يعلو في الغرفة بُكاء الطفل الجائع و بكاء غدير في أحضان أمها.
ابتعدت غدير عن أمها لتتقدم إلى غرام وتزيل عبراتها وهي تبتسم بضعف وانكسار:
-وحشتيني يا غرام.
أدارت وجهها بعيدا عنها لا تريد أن ترى أختها بذلك الضعف لم تعهدها بتلك الصورة، كانت غزل تقف بجوار زين تهبط دموعها على وجنتيها بصمت تتعالى شهقاتها من حين لأخر، كل ما فعله قام بجذبها نحوه برفق يربت على كتفها لتتشبث بقميصه وتخبيء وجهها به تزيد من بُكائها بينما هو ينظر لأخيه يستفسر بعينيه عما يدور، يا لها من عائلة مثيرة للريبة!
تقدمت غدير من أبيها تنخفض لمستواه بابنها لتحاول وضعه بين ذراعيه بينما هو انتفض مسرعا يقول بغضب:
-إيه اللي فكرك بينا؟
-وحشتوني.
أردف مُراد بغضب وهو يتقدم منها يجذبها من ذراعها غير عابئا بذلك الطفل:
-ليكون البيه بعتك تطلعي بقرشين مننا!
أردفت بـِذل وهي تنظر لأسفل:
-طلقني.
ضحكة قوية صدرت من فِيه ذلك الساخر لتنتهي تلك النوبة ويتقدم منها يشير على مالك:
-مش عارف عملت ذنب إيه في حياتك عشان ولادك كلهم يطلعوا أوسخ من بعض!
-طلقك يا حلوة؟
-ما أنا قولتلك لو لفيتِ الدنيا مش هتلاقي حد يقدر جمالك غيري.
أشار على ثيابها وجسدها بسبابته:
-شوفي حالك يا قطة بقى عامل إزاي.
-أخرس يا قليل الرباية أنت.
صرخت إحسان أمه بقوة وهي تجذبه من ذراعه بعيدا عن غدير تقول:
-لما يجي أبوك لينا كلام تاني.
هتف مالك بصوت حاد قوي زلزل المكان بأكمله:
-مش عايز حد فيكم يتكلم نهائي، ابعد عنها يا مُراد.
نظر لها مُراد بغضب ليدفعها بقوة متناسيا أنها أخته الكبيرة تلك التي لطالما خبأت أحزانه بداخلها هي فقط، أحاطها بذراعيه يمنعها من السقوط وقد أحاط بذلك الطفل الذي لا حول له ولا قوة، ليهتف شريف بسخرية:
-أهو بطل عائلة المهدي ظهر أهو.
ساعدها سيف لتقف و ربت على رأس الطفل بحنية ليقف بجوارها كدرع حماية لها على الرغم من خطئها ولكن إنسانيته تمنعه.
هتف مالك بحدة:
-لو عندك شوية كرامة وأشك في ده اطلعي بره البيت ده ومتورنيش وشك تاني.
-وزي ما اتحاميتي فيه مني روحي اتحامي في كلاب الشارع.
-يلا بره.
-وإلا هقتلك.
هتفت جليلة وهي تبكي على حال زوجها وابنتها:
-أرجوك يا مالك دِ بنتك لحمك هترمي لحمك في الشارع بالرخيص!
-اسكتي با جليلة واللي هيقف في صفها يخرج معاها بره البيت ده وميرجعش.
جذب ذراعها بعنف يتقدم للخارج و خلفه الجميع ليفتح باب المنزل ويصرخ في وجهها بقوله:
-اطلعي بره.
الصدمة تلجم الجميع عند تفوها لتلك الكلمات التي يجب أن تحمل الفرحة بداخلها ولكن الحال هنا مختلف.
-بابا، أنا حامل.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
____________________________

قيود الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن