نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٢٨..
____________________________
عادت شاهندا للمنزل وهي تقفز بسعادة هنا وهناك تشعر وكأن ليس أحدا مثلها إنها أخت سيف آل القاسم كيف لها ألا تكون سعيدة!
حينما فرغت من البُكاء ابتعدت عنه قليلا تقص عليه ذلك الشاب الذي قام بإيقاعها في غرامه وأنه أخبرها بأنها ستكون زوجته عما قريب وكانت دوما تخرج كثيرا لمقابلته من خلف زين وأمها متحججة بأن لديها الكثير من المحاضرات وكانت دوما تكذب عليهم بذلك الشأن، وعلى الرغم من محاولات ذلك الشاب للتحرش بها ألا وأنها كانت متمسكة بِـه ظنا منها بأنه نصيبها وأنه يحبها ولا يقوى على بُعدها كما يخبرها ويبرر لمساته الغير مباشرة وأنه كان طوال تلك المدة يهيئ الأمر لـصديقه المُدعى شادى حتى يتمكن من الأخذ بالثأر حيث أنه طلب منها أن يرتبط بِها ولكنها قامت بفضحه في الجامعة بأكملها لذا قرر الانتقام منها بالإشتراك مع صديقه.
أنهت حديثها وأنهارت مرة أخرى في البُكاء تخفي وجهها بكلتا يديها خائفة من ردة فعله وحزينة على ما كانت تفعله في حق نفسها باسم الحب.
كان يطالع أخته التي ترتجف خوفا قام بجذبها مرة أخرى في أحضانه يقول:
-أنا أسف لأذيته ليكِ.
-وأسف إني مكنتش موجود.
-وأسف إنك عيشتِ طول حياتك تدوري على الحب بره وأنا و زين كنا موجودين.
-وأسف لأن زين مش بيفهمك زي ما أنتِ عايزة.
-وأسف أنه معندكيش صحاب.
-ولكني بعاتبك على اختيارك للطريق السهل يا شاهندا.
-ظهور الشاب ده مكنش صُدفة ده كان اختبار من ربنا هل هتحاربي نفسك ولا هتلجأي للطريق السهل.
-بس مش مهم، أحنا هنا عشان نغلط ونتعلم ولكن إصرارك على الغلط غلط في حد ذاته.
-وأنا واثق إنك مش هتكرري الغلط.
-مش كدة؟
حركت رأسها بالإيجاب عدة مرات بقوة وقد ازداد بُكائها في أحضان أخيها وحبيبها وصديقها وكل ما تملكه إنه لم يحاصرها بحبل الذنب والندم بل حاصرها بكِـل حُبّ و ودّ.
-أنا بحبك أوي أوي، يا سيف.
أردف ببعض المرح قائلا:
-غـرام لو سمعتك هتعلقني أنا وأنتِ.
ضحكت الأخرى بين أحضان أخيها وابتعدت عنه ولكنه ما زال يحيطها بذراعيه قام برفع يده إلى وجنتيها يزيل تلك العَبرات ويقبض على كف يدها يقبّله وهو يقول:
-أسف يا شاهندا؛ لأني في كل مرة كنتِ محتاجاني فيها مكنتش موجود.
-أنا اللي أسفة إني كسرت ثقة زين وثقتك.
-وأنا ثقتي فيكِ كبيرة أوي ولسة موجودة وكذلك زيـن، أنتِ بنتنا ممكن مكنتش موجود معاكِ ولكني تخيلت حاجات كتير تجمعنا وهنحققها سوا.
-أنتِ كنتِ حلم يا شاهندا حلم إني أضمك لحضني وأمسك إيدك بين الناس أقول أختي أهي يا عالم أختى في حضني وجمبي.
-وحصل وهيحصل، أنتِ قطعة من قلبي.
ضحكت وكم كانت مُشرقة تلك التي كانت بـقلبٍ كساهُ الهم والحزن، أخيها بـجوارها ماذا تريد إذا؟
-يلا يا ست البنات ولا هنقضيها بُكاء هنا؟
-يلا.
قبضت على يده وهو ابتسم لـفعلتها وقاد السيارة حيث منزلها بينما هي كانت خائفة حتى طمئنها بقوله:
-زين هيرجع الليلة مع غزل متخافيش لو احتاجتي حاجة رني عليا.
حركت رأسها بالإيجاب وقبّلت وجنته وتركته واتجهت لـلداخل بينما هو دعى لـها بالهداية وابتسم على تلك الفتاة التي أدخلت السرور على قلبه أنها أخته ولن يفرط بـها أبدا.
_____________________________
فك أسرها الآن بعدما أعتذر بينما هي ما زالت تغمض عينيها تستمع لـه بدهشة زيـن يعتذر لـها! بينما هو فتح عينيه يطالعها ينتظر جوابها حتى تساءلت:
-على إيه؟
-إني مجبرتش بخاطرك ليلة إمبارح.
-ولكني والله العظيم كنت بتوجع من تأنيب الضمير، وكنت بحاربني عشان أجيلك
فتحت عينيها وقد ألتمعت بالدموع وتساءلت وقد اقتربت منه تلك الخطوة الفاصلة:
-ومجتش ليه؟ كنت مستنياك.
-خوفت، خوفت ترفضيني.
نفت برأسها وهي تقول وقد انسابت الدموع على وجنتيها وهي تتذكر خذلانها ليلة أمس:
-كنت محتاجاك تطمني.
أوقدت نارا في قلبه إنه خيب ظنها للمرة التي لا يعلم عددها ودوما لا يظهر في الوقت المناسب، لم يفعل شيء سوى أنه جذبها لأحضانه يربت على ظهرها يعتذر لـها مرة أخرى عن مرارة ما مرت بِـه ليلة أمس لقد تركها تعاني دون أن يُطيب خاطرها.
-غـزل.
رفعت رأسها لـه تتذوق حلاوة اسمها منه، ذلك الحزين الذي يشغل بالها من الوهلة الأولى منذ أن تقدم لخُطبتها وهالة من الغموض تحيطه ربما لا تقرأ الناس جيدا ولكـنه بالرغم من صمته وهدوئه وخاصةً معها كان كالكتاب المفتوح أمامها وكأنه كان يمد يده لـها ويخبرها أن تنتشله من تلك المِحنة.
-أنا بحبك.
-أنا بحبك.
رفع كلِ منهما رأسه للأخر بِـدهشة لقد قاما بالاعتراف سويا ابتسامة ارتسمت على ثغره بينما هي أخفضت رأسها خجلا أنه يبادلها حُبّها حقا!
-ده الواد سيف ده طلع بيفهم.
عقدت حاجبيها بعدم فهم لتتساءل باستفسار:
-هو اللي بعتك ليا.
-مش عارف من غيره كنت هبقى أقادر أواجهك إزاي!
-بقولك إيه؟
-اممم.
-ما تيجي نخرج.
-نروح فين؟
-نروح بيتنا، أنا واحشني بيتنا وعيونه.
-عيون مين!
أجاب وهو يتطلع لـعينيها الزرقاء التي تطالعه بأخرى خجولة:
-عيونك.
أفاق من شروده وهو يقبض على كف يدها يقول:
-أحنا لازم نرجع البيت.
نهضت وهي تقول:
-أنت بتتكلم جد!
-أومال هزار هو أنتِ مش دكتورتي؟ اكتبيلي خروج.
-يلا عشان أي تأخير أنتِ اللي هتتحملي عواقبه.
تحت إصراره كتبت على خروج لـه وقد أبدل ثياب المشفى لأخرى خاصته وغادر ممسكا بيد غـزل التي كانت تنظر للأرض تتحاشى النظر في عيونه، إنه خائف رأت ذلك في الداخل وكأنه يخبرها ألا تتركه أبدا ألا تفعل كـحُبّه الأول وألا تكون سببا في جرحه ربما تحملها من جود ولكنه لن يتحمله منه.
رفعت رأسها بـثقة وقبضت على يده وكأنها تخبره بأنها تقبل، تقبله وتقبل ذلك الحُبّ.
______________________________
تقدمت غدير من كليهما بينما غـرام نظرت إلى شريف بغضب وكأنها تحمله مسؤولية الأمر، تركها شريف وغادر ولكنه قبل ذلك دنى إلى مستوى أذنها و أردف قائلا:
-سفرية سعيدة.
غادر بينما غدير استندت على السور وتساءلت بسخرية:
-إيه هو أنتِ بتلعبي على كل الأحبال!
-مسمحلكيش هو اللي اقتحم أوضتي وأنا خرجته.
-إيه اقتحم دِ هو أحنا في حرب!
-عايزة إيه، يا غدير؟
-لو فاضية أوي كدة روحي ربي ابنك وسيبيني في حالي.
-لما كنت بنام على الأرض لوحدي في عز البرد كنتِ بتنامي على سرير وغطاء وحضن سيف.
-لما كنت بتعرض للضرب منه من الراجل اللي فكرته هيحميني من كل الدنيا كنتِ بتترمي في حضن راجل بمعنى الكلمة تقدري تسندي عليه.
-لما كنت مش لاقية لقمة بأكلها أنا وابني كنتِ بتروحي معاه لأشيك وأفخم المطاعم وتأكلوا أحلى أكل.
-دايما حظك أحسن مني، والكل بيحبك من صغرك رغم إنك أصلا مش حلوة بالرغم من أن أنا الكبيرة وغزل الصغيرة ولكنك كنتِ واخدة حُبّ البيت كله.
-أوعي تكوني فاكرة إنه شوية عمليات التجميل اللي عملتيها دِ هتخليكِ حلوة، أنتِ وحشة يا غـرام بنضارتك، ولبسك الرجالي، وشعرك المجعد، وحبوب وشك، وجسمك التخين.
لمحت غدير أمها قربت على الوصول لـهم لـتكمل حديثها بالألمانية:
-أنتِ سيئة المظهر في عيني وعين الجميع، ولكن مشكلتك أنك نظرتِ إلى مرآة كـمرآة سيف فظننتِ أنك تملكين الدنيا وما بـها.
توقفت عن الحديث حينما وقفت جليلة بجوارهم، بينما غـرام توقفت عن التنفس من هول ما سمعته ورآته في عينيّ أختها الكبيرة أحقا بتلك الصورة تراها!!
استعادت توازنها ونظرت لأمها التي كررت حديثها عندما وجدتها غير منتبهة:
-سيف بيقولك أجهزي يلا.
حركت رأسها بالإيجاب بصمت وعادت لتنظر لـغدير تلك التي ظننتها كتفا يمكن الإتكاء عليه يا لـسخرية القدر! من ظننتهُ قلبا صار لي قيدا.
-نادي زينة تأخد الشنط يا ماما.
-تمام يا حبيبتي تروحوا وتيجوا بالسلامة.
اقتربت غدير من أختها تحتضنها وتقول في أذنها بعيدا عن مسامع أمها:
-مهما فعلتِ لن تمتلكين من الأنوثة قدرا.
ارتفع صوتها وهي تقول:
-ربنا يرجعكم بالسلامة.
ربتت الأم على كتف غدير وهي تبتسم لـها على فعلتها تلك؛ فهي ترى محاولتها فقط لإرضاء أختها ليس إلا.
تركتهم جليلة بينما غدير استمعت لصراخ ابنها أثر تعثره ليسقط على وجهه؛ فيؤلمه.
بينما هي توقفت في منتصف الممر بمفردها ما زالت تحت تأثير صدمة أختها شعرت بقشعريرة تسرى في جسدها لتحتضن نفسها بقوة تحاول نفي ذلك الحديث وتلك النظرات، ولكن بعض الكلمات التي تبقى للأبد نموت نحن وهي لا تموت.
شعرت بالفراغ في قلبها من أين تجد الضوء في تلك العتمة! لم تشعر بنفسها سوى وهي بين أحضانه لقد تأخرت حتى أن زينة صعدت لتأخذ الحقائب وحاولت مناداتها ولكنها لم تستمع كانت الكلمات تتكرر على مسامعها كانت مغيبة عما يدور حولها وهبطت لأسفل تخبره بحالتها تلك وأنها لا تتحرك من مكانها و لا تستمع لحديثها فقط تقف في منتصف الممر تحتضن جسدها بذراعيه وكأنها تشعر بالبرد ليتجه للأعلى على الفور ويتقدم منها وكلما تقدم كلما أتضحت الرؤية إنها تبكي تتمرد العَبرات على وجنتيها وكأنهن يتسابقن عمن سيهبط أولا، إنها تحتاج لحضن يحتويها و يُصلح مع أفسده الأخرون وكأنها وجدت الضوء في عتمتها الآن لتتشبث به بقوة تخفي وجهها في صدره تخبره ألا يتركها.
حملها بين ذراعيه ودلف إلى غرفتهم يضعها على الفراش ويجثو على ركبتيه أمامها يقبض على كلتا يديها يطالعها بلـهفة وخوف من أن يكون أصابها أذى بسببه بقصد أو بدون.
أزال عَبراتها وقبّل يدها وانتظرها حتى تفرغ ما بِـها حتى هدأت قليلا ونظرت لـه بعيون تميل للأحمر أثر بُكائها بينما هو تساءل:
-طمنيني في حاجة؟ أنتِ كويسة؟
حركت رأسها بالإيجاب بينما هو يعلم تمام العلم أنها تُكذب ليزيد من قبضته على يدها قائلا:
-غـرام، أنا سيف يعني لو خبيتِ عن الكل حُزنك أنا لا أنا مرآيتك.
ابتسمت لـه أنها تعلم ذلك الأمر جيدا لتتذكر كلمات أختها بأنها نظرت لمرآة كمرآته، لتصبح ممتنة لـه طول العُمر تقدمت منه لتجلس أمامه أرضًا وما زالت قبضتيها بين يديه لـتقول:
-شكرا.
حرك رأسه بيأس إنها تشكره للمرة الثانية على إنسانيته معها وحُبّه لـها، لينهض ويعتدل في وقفته يمد يده لـها يساندها وقبّل جبهتها يشعر بالحيرة من سبب بُكائها قبل قليل ولكنه لم يودّ الضغط عليها.
غادروا سويا بعد أن ودّعا جليلة وإحسان ومُراد فتح لـها باب السيارة مبتسما وهو يغمز لـها باليسرى بينما هي بادلته أخرى خافتة، لم يغيبا عن زوج العيون في الأعلى كان كلٍ من شريف وغدير في غرفهم يطالعونهم بنظرات لا تُبشر بخير مليئة بالحقد والغل.
توقف بعد ما يقرب الساعة بجوار محطة قطار، بينما غـرام تساءلت:
-شغل إيه اللي تبع زين؟ وفين؟
-شغل إيه؟ هتعرفي لما نوصل.
-فين؟ الأقصر.
شهقت بـقوة واضعة يدها على فمها تحاول منع فرحتها إنها لطالما كانت تريد زيارته حتى أنها عرضت على شريف قضاء شهر العسل هناك ولكنه أبى حاولت إقناعه ولـكنه رفض متحججا بأن لديه عمل في ألمانيا ولكن كان هدفه من البداية الإنتقام منها فيما فعلته غدير بـه و رفضها لـه، بينما هو فرح بذلك اللمعان الذي رآه في عينيها هبط من السيارة وفتح الباب الخلفي يخرج منها الحقائب التي تضم ثيابهم وضعها أرضا يمسك بمقبضها يجرها نحو غـرام التي هبطت هي الأخرى وما زالت تحت تأثير صدمتها ولكنها قامت بضبط اِنفعالها أحكم سيف غلق السيارة و وضع مفتاحها في الأمانات وعاد ليشبك أصابعه بخاصتها ويتجه إلى مكتب التذاكر وقام بشراء تذكرتين لكليهما في قطار من الدرجة الأولى.
كانت تجلس بجواره في العربة الخاصة بـهم في القطار تطالعه بصمت تندم على كـل لحظة شعرت فيها بِـحُبّه وأوصدت قلبها خوفا من أن يكون كـشريف ولكن شتان بينهما، كيف استطاعت أن تقارنهُ بِـذلك المختل شريف!!
شعرت بالحرج حينما وجدته يطالعها هي الأخرى لتخفض عينيها خجلا ولكنه رفع ذقنها بسبابته يقول:
-متحرمنيش منها.
-هي إيه؟
-اللمعة دِ، أنا دفعت عشانها أربع سنين من عُمري.
لطَالمَا كَانتْ تَبنِي حَوَاجِز لِـقلبِهَا وَ هوَ يُذِيبهُمْ بِـكَلِمَاتهِ، وَ عَيْنِيه.
______________________________
حَل صباح جديد ولكن هناك من لم ينم كل ما يجول في خاطرهُ الحقد والغل يفكر في كيفية سلب كل ما يملكه الغير نهض من مكانه وأخرج ذلك الملف من خزانة ثيابه وتظهر ابتسامة مريضة على ثغره ها هو قد حصل على نصف مُراده والنصف الأخر سيحصل عليه كما وعدها لن يتركها لـسيف ينعم بِـها بمفرده.
نهض يرتدي حُلته وهو يدندن بألحان أغنية ما وأعاد الملف مرة أخرى إلى الخزانة وخرج من غرفته اصطدم بذلك الطفل الذي يجري هنا وهناك ليوقفه بينما الأخر شحب وجهه بِخوف لقد أخبرته أمه ألا يخالطه أو يجتمع معه في مكان واحد بـمفردهم.
هتفت غدير باسمه ليعتدل شريف في وقفته وينظر لـها وهي تجري إلى ابنها تحميه خلف ظهرها وتنظر لـه بغضب:
-عايز إيه من ابني يا شريف؟
-ابنك خبط فيا.
-أنا عارفة أنت نيتك إيه يا ابن عبدالقادر.
اقترب منها بينما هي عادت للخلف خطوة لـتجده يقبض على معصمها يدفعها نحوه يقول:
-ونيتي إيه يا بنت مالك؟
-عايز تخلص من كل وريث في البيت ده عشان تورث أنت لوحدك.
نقل بصره إلى ذلك الصغير ليشير عليه بسخرية:
-وأنتِ حاسبة ده من ضمنهم!
حركت رأسها بالإيجاب تهتف بِـشراسة:
-أه ده ابني وهيورث وهيعوضني عن كل لحظة عشتها مع يزيد وهرجع تاني ابقى الكُل في الكُل هنا.
-وإيه اللي غصبك على يزيد!
-والله أنت وهو متفرقوش عن بعض.
-أنت اسوأ شخص ممكن أقابله في حياتي، مش هقدر أنسى لمساتك ليا ولا كلامك اللي كان زي السم.
-أنت أحقر بني آدم أقابله يا شريف.
قبض على خصلاتها بعنف بينما هي كادت أن تصرخ حتى كتم فمها بيده الأخرى بينما الصغير كان يقف يتمسك بثياب أمه يبكي في صمت، أنه يعاني من صدمة أثر ما كان يُلقاه على يد أبيه وكل البغض والكُره من الجميع حتى أمه أحيانا كانت تكرهه أنه كان يشعر بِـكل هذا ولكن ليس لديه القدرة للتعبير.
دفعها بقوة وهو يرفع سبابته في وجهها يقول:
-صدقيني يا غدير أول حد هدوس عليه هو أنتِ، متقفيش قصادي.
-أنتِ مش قدي.
تركها وغادر بينما هي هبطت لـمستوى ابنها تأخذه في أحضانها وتربت على ظهره برفق، اتجه حيث مائدة الطعام لـيجد مراد يجلس مع أبيه وعمه يتناول أطراف الحديث معهم جلس في مقعده وبدأ يتناول الطعام ليسخر منه أبيه قائلا:
-حضرتك هتفضل أكل ومرعة وقِلة صنعة!
لم يجيب عليه ولـكنه انتبه لحديث جليلة عبر الهاتف وهي تدعو لـهم بالسلامة.
-ربنا يسعد قلوبكم
أغلقت معه وهي تبتسم بسعادة وتجلس بجوار زوجها الذي تساءل عما حدث لتقول:
-الحمدلله وصلوا الأقصر بسلام.
عاد بجسده ليجلس بأريحية وقد علت ملامحه نظرة رضا، انتبه لأمه التي تضع أمامه طعام تحثه على تناوله نظر لـها كيف تبتسم لـه! لِما تنظر لـه بكل ذلك الحب، والأمان؟ شعر بالضعف لا لن يستسلم لتلك المشاعر المزيفة نهض بعنف وغادر وكأنه يصارع حتى يخرج من هذا المكان الذي لا ينتمي لـهُ.
على الجهة الأخرى، كان يرتدي حُلته رمادية اللون واتجه خارج غرفة تبديل الثياب وجدها ما زالت نائمة ليتركها ويهبط لأسفل يتساءل عن أخته حينما عاد لهنا بالأمس كانت نائمة، أجابت الخادمة:
-في الجنينة بتذاكر يا بيه.
حرك رأسه بالإيجاب ولكن سرعان ما انتبه لجملتها كيف! اتجه للخارج ليرى شاهندا تنظر للأوراق أمامها بيأس إنها لا تفهم مضمون الحديث ولكن يجب عليها المحاولة لأجل سيف.
وقف خلفها يرى حيرتها ويأسها بينما هي انتفضت حينما وجدته يقبّل رأسها اعتدلت في جلستها لتلتفت لـه و تبتسم وقامت باحتضانه بينما هو شعر بتغييرها المفاجيء ليعلم سببه؛ إنه سيف.
-بتعملي إيه؟
-عايزة أتخرج من الكلية بقى عشان أشتغل في شركة سيف.
تساءل بقوله وقد لمحت الحزن في نبرته:
-وهتسيبيني؟
-هتدفع أكتر؟
ضحك عليها وجذبها لأحضانه مقبلا جبهتها، إنها فتاته الصغيرة مهما انشغل عنها تبقى في ذهنه دوما.
-هدفع يا ستي أكتر، بس متبعديش عني.
-أنتِ بنتي يا شاهندا.
أدمعت عينيها وأردفت قائلة وهي تحاول التماسك:
-ربنا يخليك ليا يا زين أنت وسيف.
لم يتفاجيء زين بمعرفتها بحقيقة سيف لأنه أخبره بأن غـرام قد أخبرتها دون قصد كم كان يودّ الفتك بِها حينها ولكن حينما تلقى تلك الرصاصة حمد ربه أنه سيترك أخته لـ أبا يحافظ عليها ويحميها، كلما اختلى بنفسه يندم على كل لحظة ضيعها بعيدا عن أخيه حتى أنه لم يحاول يوما أن يفهم حقيقة الأمر.
رأى تلك الواقفة في شرفتها خلف الحاجز الزجاجي ليبتسم متذكرا ليلة أمس واعترافها لـه كان يظن زواجه بِها شرا ولكنه الآن يقتنع تمام الاقتناع بتلك المقولة " لـعل الخير يكمن في الشر " ، يجب عليه الاعتراف أنها الخير كُله.
نظر لأخته التي ابتعدت عنه وهي تقول:
-وسع عشان ناوية أجيب الامتياز في شوال.
ضحك عليها و ربت على رأسها وتركها واتجه للداخل يؤمر الخادمة بتجهيز طعام الفطور وصعد حيث غرفته يستمع لصوت المياه المنهمرة داخل المرحاض ليجلس على الأريكة في اِنتظارها حتى خرجت لتطل عليه بهيئتها التي بعثرت كيانه كانت ترتدي ثوب أزرق اللون كـعينيها التي تآثره يبرز جمالها على الرغم من كونه محتشم طويل بأكمام تصل لمرفقيها حاولت التعامل طبيعي حيث أنها اتجهت للمرآة تضع اللمسات الأخيرة ولكنها لم تغيب عن عينيه إنه يربكها لـتقول بتلعثم:
-خدت أدويتك؟
نفى برأسه ولكنه لم يحيد بنظره عنها لتتجه إلى تلك الطاولة التي تتوسط الغرفة وجذبت تلك الحقيبة البلاستيكية وبدأت في تفريغ محتواياتها والتي كانت عبارة عن علب أدوية بدأت تقرأ اسم كل منهما حتى اختارت الخاص بالصباح قبل الفطار لتتقدم منه وهي تقول:
-ده قبل الفطار خده عشان تخلص كورس العلاج وتبقى كويس.
رفع يده يلتقطه منها ولكنه قبض على يدها يجذبها نحوه وقد نهض من مكانه لتصبح قِباله وكأنه يخبرها بأن لا مفر منه، طُرِق الباب ثم تبعه حديث الخادمة بقولها:
-الفطار جاهز يا زين بيه.
نظرت لـه تحثه على إفلاتها ولكنه أبى ليخبر الخادمة بأن تذهب كاد أن يتحدث حتى قاطعته بسؤالها:
-زين أنت اختارتني انتقاما لـجود؟
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Acakيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك