الفصل الثالث والثلاثون..

475 16 0
                                    

نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣٣..
____________________________
وضعها على نقالة المشفى و وقف يتابع الممرضين يأخذونها اتجاه الطواريء لإنقاذ الموقف قبل فقدان حياتها، كان يصرخ في الجميع هنا وهناك يخبرهم ألا يصيبها أذى ليس خوفا عليها ولكنه لن يشعر بِـلذة الانتصار إن انتهت القصة باكرا وهو لـم يحصل على مُراده كاملا بعد.
على الجهة الأخرى، ارتدى زيـن ثيابه واتجه إلى المشفى التي تتواجد بِـها أمه يستفسر عن سبب اختفاءها، كان هاديء جدا ليس وكأن أمه رُبما خُطِفت أو هربت لقد كان يشعر بالفتور إنها تلك المرأة التي ظن أن بِـها خير الدُنيا كانت الأكثر شرا لقد قتلت أبيه وحرمته من أخيه يا لـها من قاسية، ولكن على الرغم من ذلك هناك جزء بداخله يشعر بالخوف والقلق عليها كيف ستهون عليه سنوات عُمره التي قضاها بأكملها بين أحضانها! بينما هو وأخته شاهندا لا قيمة لـهم في قلبها وكأنها لم تنجبهم قط.
أخبره الطبيب والشرطي المسؤول أن كاميرات المشفى كانت مُعطلة في ذلك الحين، فقضية إصابتهما لم تُغلق بعد بـل كانوا في اِنتظارها لـتفيق ويأخذوا أقوالها ولـكنها هربت أو رُبما خُطِفت.
كان في طريقه لـلمغادرة ولـكنه رأى شريف وتعجب من تواجده مما أثار ريبته ليتجه حيثما يقف و وجده يتجه لـغرفة ما ويغلق الباب من خلفه، لـيقف أمام الباب والذي كان يحتوي على زجاج دائري الشكل يسمح بالرؤية ليتطلع من خلاله وصُدِم عند رؤيته لـغرام ألم تكن صباح اليوم تنهي علاقتها بـسيف وتخبره بأنها ستكون الأسعد على الإطلاق مع حبيبها السابق شريف وأنها كانت الأتعس حينما كانت زوجته، أتلك السعادة التي كانت تقصدها ها هي تستلقى على فراش المرضى تستقبل مصيرها لـيشمت بـها هي من أهانت أخيه و مُراد هي من تخلت عن عائلتها من أجل المال واختارت أكثر الأشخاص سوءًا.
في الداخل، اقترب شريف منها يقبض على كف يدها بقوة، على الرغم من اصطناعها لـلنوم ألا أن تعبير الألم ظهر على قسمات وجهها ولـكن لـحسن حظها كان وجهها ملتف للجهة الأخرى، أردف شريف:
-مجاش وقت الموت لسة يا حبيبتي.
-أنا اللي هكتب نهاية القصة زي ما بدأتها، مش بمزاجك أنتِ.
نهض من مقعده لـيقبّل جبهتها ويستنشق رائحة خصلاتها بقوة لـطالما كانت مجعدة بـها الكثير من الزيوت التقليدية ذات الرائحة النفاذة الكريهة لـطالما كان ينفر منها؛ فهي لـطالما اخترعت وصفات منزلية لـمعالجة شعرها ولكنها بائت بالفشل ولـكنه اليوم يستنشق رائحة رائعة.
ابتعد عنها واتجه للخارج لـيغادر ويعود لـها في الصباح الباكر بالتأكيد لن يسهر على راحتها، اختبىء زين سريعا في ذلك الممر الجانبي بين الغرف المؤدي للمرحاض في كل طابق.
ما أن غادر شريف حتى وجهت غـرام أنظارها للباب تطلق لـدموعها العنان ها هي أصبحت أسيرة لـذلك المختل مرةً أخرى ولكن تلك المرة بقلب منفطر مكسور نظرت لـيدها اليسرى والتي يلتف حولها شاش أبيض تمنت لو أن تعود لـفعلها مرة أخرى، ولكن أين ذهب ذلك الأمل الذي لطالما كان يراه سـيف بعينيها لتعود بذكرياتها.
قضت عدة أيام في اِنهيار تام بعد خبر طلاقها تحتجز نفسها في الغرفة لا تستمع لـمونيكا التي تحاول التخفيف عنها فقد أخبرها سيف بما حدث في السفارة ونقلها للمشفى ثم عاد بِـها للمنزل بناءا على رغبتها كانت تحاول الصمود أمامه ولـكن عينيها فضحتها كانت تلتمع بالدموع، ولـكنها ما أن عادت لـمنزل مونيكا دلفت لـغرفتها ولـم تخرج لـمدة استمرت خمس أيام.
وقف أمام باب الغرفة وطرق عليها برفق، لـتهتف بيأس من محاولات مونيكا العديدة لإطعامها:
-مونيكا، أرجوكِ لا تُصرين عليّ.
-ولكني لست مونيكا، غـرام.
خبأت وجهها بين قدميها حيث كانت تضمهم لـصدرها لـتشعر بالإحراج منه، إنه هنا يساعدها للمرة التي لا تعلم عددها تبقى هنا في حمايته وتحت رعايته حتى أنه لم يعيدها لبلدها وقد ساعده زميله في الأمر.
-ألن تُجيبي عليّ؟
-ماذا تريد؟
-أن نتحدث.
نهضت واتجهت للمرآة لترى هيئتها إنها بشعة؛ لذا بالتأكيد تركها لقد اقترن بالأسوأ من بنات مالك لا ذنب لـها بِـموافقة شقيقتها على المغادرة مع ذلك المدعو يزيد يا ليتها لم تقترح الفِكرة عليه ولكن هي أخبرتها بأنها عرضت عليه الفكرة من البداية ولكِنه رفض إذا هي كانت لديها القابلية لجلب العار لاسم العائلة إذا لا ذنب لـها في الأمر سوى أنها لا تمتلك جمال يجذب شـريف لـها.
أزالت عَبراتها وحاولت ترتيب أنفاسها لتتقدم من الباب وتفتحه تنظر لـه بينما هو كان يطالع هيئتها، لقد ظهرت بعض الهالات السوداء حول عينيها بينما عينيها أصبحت أكثر ذبولا هي التي لا يليق بِها سوى الإزهار.
حمحم وأردف بِقوله:
-أيمكننا التحدث في الخارج حيث الشرفة؟
تقدمها وهي تبعته لتبتسم لـها مونيكا ودلفت للشرفة وجدته يقدم لـها كرسيا من الخشب لتجلس عليه بخوف وقلق تنكمش على نفسها تتساءل بداخلها إن كان سيخبرها بِموعد رحيلها إنها لا تريد أن تجلب العار لأبيها مرة ثانية.
-تتساءلين لِمَا ساعدتك؟
نظرت لـه تطالعه باهتمام ليكمل حديثه:
-لأني رأيت الإصرار في عينيكِ بحثا عن زوجك، أو لنكن أكثر دقة طليقك.
-ذلك الإصرار لِمَا لم يعد متوفر!
كانت تود أن تجيب عليه ولـكن كيف يسأل كـهذا السؤال، بالتأكيد لن يتوفر لديها إصرار لقد خُذلت لقد هجرها في بلد لا تفقه عنه شيء وتخلى عنها ظنت أنه لـرُبما مزحة ولكنه طلقها إذا كان مجبورا عليها منعا للفضيحة ولكنها لم تكن مجبورة عليه أبدا كان مُحبب لـقلبها أن تقترن بِـفارس طفولتها.
-نفسك أولى بِـذلك الإصرار وليس ذلك الخائن.
طالعته بِـتِيه تتمعن في جملته لقد بث بداخلها بِذرة أمل ولـكن ما مصيرها الآن! كيف ستواجه الناس وعائلتها والأهم من هذا كيف ستواجه قلبها الذي أحب ذلك الخائن!!
-أنتِ تستحقين، غـرام.
-لا تسمحين لـه بأن يشغل حيز كبير من حياتك، كـلما التئم الجرح سريعا كلما اختفى الألم.
-أنتِ من يقرر نهاية تلك القصة إما أن تبقين بداخلها مُهشمة.
-أو سأساعدك بأقصى جهد لدي، لـطالما تمسكتِ بذلك الإصرار وكنتِ أكثر قوة.
-لا تخيبِ ظني.
نهض من مقعده وأردف بِـقوله:
-لقد أعدت مونيكا طعام شهي، جربيه.
تركها وغادر بينما هي بقيت تطالع أثره، لـيقطع حبل أفكارها دخول زيـن لـغرفتها في المشفى تعجبت كثيرا وعلى الفور قامت بإزالة دموعها تتهرب بنظراتها بعيدا عنه ولكنه أمال رأسه نحوها يتساءل بخبث:
-كنتِ بتعيطي؟ دور الضحية لايق على مقاسك بالظبط كأنه متفصل عشانك وعرفتي تلعبيه صح على سـيف وأول ما وصلتِ لمُرادك خلاص بقى ملـهوش لازمة.
اصطنعت القليل من القوة و رفعت رأسها لـه تتساءل:
-عايز إيه يا زيـن؟
-وجاي لـهنا ليه؟ وعرفت طريق المستشفى منين؟
جذب ذلك المقعد وجلس عليه واضعا قدم فوق الأخرى لـيذكرها بِـجلسة سـيف ذاتها حاولت نفض تلك الأفكار من رأسها ولـكن كيف وهي أصبحت خاضعة لـحب سـيف آل قاسم وتفاصيلهُ.
-أنا كُنت هنا بالصُدفة فقولت أجي أضايقك وأشمت فيكِ.
-بس واضح إن ضميرك قايم بالواجب.
-اللي أنت عيشته مع سـيف ميجيش ربع الوقت اللي عيشته معاه، فمتعملش فيها إنك بتحبه أوي كدة.
-أنت و والدتك أذيتوه وعيشتوا طول حياتكم تؤذوه في شغله وفي حياتهُ وحملته ذنب ملهوش دخل فِيه.
-وجاي تحاسبني أنا دلوقتي!
أجاب بـ اِنفعال:
-وطالما عيشتي معاه فترة كبيرة محافظتيش على العيش والملح وخيرهُ ليه!!
-أنتِ إنسانة مُنافقة.
-عايش بعيد عني أحسن ما ميت قصاد عيني، يا زيـن.
-في بُعده أنا بس اللي خسرته ولكِن في موته كلكم وأنا هنخسره.
قطب حاجبيه بقوة لا يفهم ما تقوله، لـقد أثار حديثها ريبة بداخله هناك أمر مفقود وناقص أنه يرى الحُب في عينيها ولكن لما تخلت ولما أذته بذلك الشكل المهين؟
لا يعلم لِمَا أصبحت نبرته أقل حِدة فجأةً وكأنه يصدق ذلك الإحساس الذي نشأ بداخله للتو إنها صادقة إنها تحبه، ليتساءل بنبرة أشبه للرجاء:
-فهميني أكتر يا غـرام، في حلقة ناقصة في حلقة مفقودة في حاجة في الكواليس أنا مش قادر أحددها.
-منين بتحبيه ومنين نهيتِ كل اللي بيربطك بيه؟ ليه متناقضة بالشكل المريب ده!
هبطت دموعها مرة أخرى وقد استسلمت لـه لـتقص عليه كُل الأمر بدايةً من سعادتها مع سـيف حتى تهديد شريف لـها وخضوعها لـه وإيذائها لـسيف بذلك الشكل.
كان يستمع لـها باهتمام وعدم تصديق ودهشة، لِمَا فعلت كل هذا؟ من أجل الحب حقا!!
-شريف أحقر بني آدم شوفته في حياتي وللأسف كنت عامية عن الحقيقة دِ لـغاية ما سبني في ألمانيا وطلقني ومشي.
-طب ومحكتيش لـسيف ليه؟
-قولتلك يا زين، عايش بعيد عني أحسن ما ميت قصاد عيني.
-أحنا لازم نبلغ البوليس لازم اللي زي ده يتسجن.
-مش دلوقتي، مش قبل ما أرجع حق بابا وعائلتي.
-هو طردهم و أنا مش هسمح بالإهانة دِ.
-بس زيـن.
نظر لـها ينتظر تكملة حديثها:
-سـيف مش لازم يعرف، أنا وسـيف مش لبعض من الأول.
-أنا وسـيف محطات في حياة بعض.
-وسـيف من حقهُ يعيش حياتهُ ويتجوز بإنسانة تحبه تحبه هو بس وتجيب ليه ولاد ويعيشوا حياة سعيدة بعيد عن غـرام.
-أنا همشي دلوقتي هبقى أتواصل معاكِ بعدين.
رفعت يدها باتجاهه وهي تقول:
-توعدني إنك مش هتقول لحد؟
صافحها وهو ينظر لـعينيها وهو يرى قليل من القوة بداخلهم لـم يراهم في الوهلة الأولى عند دخوله، ولكِن كل منا يحتاج لـشخص واحد أن يصدقه ويؤمن بِه وبِـقدراته لـيكتسب قوة كافية لـتدمير العالم.
-أوعدك.
_____________________________
هبطت طائرته في مطار ألمانيا حيث مدينة برلين عاصمتها، لم يغمض جفنه لِلحظة يتذكر إهانتها لـه أمام الجميع يتردد على مسامعه كلماتها بالكامل وكأنه يسمعها للمرة الأولى يسيطر عليه الذهول التام، أتلك التي كانت تخبره قبل هجرانها أنها أحببته بِصدق وتتمنى أن يُعاد العُمر مرة أخرى لتستغل كل لحظة قضتها في وصد قلبها بالأقفال.
نهض من مقعده يغادر الطائرة ويختم جواز سفره يتذكر لـهفته وهو يغادر ألمانيا لـرؤيتها بعد عدة أيام من سفرها كان يشعر بفرحة شديدة ويعد الثوانٍ واللحظات حتى يذهب لـها وكأنها الهواء الذي يتنفسه هنا دون عبيرها لا يعيش؛ ولكنه يجب أن يتأقلم مع هواء تلك البلدة بدونها هي التي حارب الجميع من أجلها بينما هي حاربته من أجل من ترك ندبة قوية في قلبها لـم يشفيها سواه.
غادر المطار واستقل سيارة أجرة متجها لـلمشفى التي تُحتجز بِه أمه لقد أخبره ديڤيد بعنوانها، توقفت السيارة وهبط منها بعدما حاسب السائق واتجه للداخل يسأل عن غـرفة المريضة ديما، أخبرته بالطابق و رقم الغرفة ليتجه حيث غرفتها وجد كلٍ من ديڤيد و ابنته ليسا يقفان أمام الغرفة تقدم منهما بخطى ثابتة متزنة أو هكذا ظن ولكِن الحزن يخيم عينيه وقد رأى ديڤيد هذا ليبتسم لـه ويقول:
-لقد اشتقت إليك يا رجل.
احتضنه ديڤيد لـيبادله سيف بينما ليسا تطالعه بنظرات حالمة يا ليته يتزوج بِها ولكِنه قالها صريحة من قبل "ليسا، أتمنى أن تفهمي حقيقة مشاعري اتجاهك أنتِ بمثابة أخت لا أكثر أنا أحب زوجتي كثيرا وليس لدي نية في الانفصال عنها".
لـتفيق من شرودها على سؤال أبيها:
-أين غـرام ألم تأتي معك؟ بالتأكيد كانت تشتاق إلى أهلها كثيرا.
-متى ستعود؟
أجاب بِـجمود وهو يبتعد عن أحضان خاله:
-لن تعود مرة أخرى، لقد انفصلنا.
تركه واتجه حيث غرفة أمه بينما ارتسمت اِبتسامة خبيثة على ثغر تلك الفتاة لتجد أنها الفرصة المناسبة لاقتحام قلب ذلك المجروح، شعر ديڤيد بالحزن على ابن أخته بالتأكيد يشعر بالضيق والآسى الآن على فراقها ولكنه تساءل عن السبب بداخله بالتأكيد يجب أن يكتشف السر.
جلس بجوار أمه على ذلك المقعد يقبض على يدها ويقبّلها بشوق ولكن هناك دمعة تمردت من عينيه ليزيلها بعنف، ألن تجعله ينعم بالراحة حتى في غيابها؟
استيقظت ديما لـتنظر إلى سيف بـلهفة وتبتسم:
-سـيف!
احتضنها بقوة وأحاطها بذراعيه بينما هي كانت تقبّل وجنته وتشدد عليه في أحضانها هي الأخرى تبتسم بِـفرحة لم تهون عليه لقد أتى مسرعا لـها.
ابتعدت عنه تطالعه بِـابتسامه قوية على ثغرها ها قد عاد ابنها بجوارها مرة أخرى، تساءل:
-أخبريني كيف حالك؟ وماذا قال الطبيب؟ أهنالك أمرا خطير؟
-أنا بخير، لقد أصبحت بخير برؤيتك سـيف.
-ألا ترى لقد عاد وجههي ينضر بوجودك.
اِبتسم لـها ولـكِنها أمه علمت على الفور بأنها مزيفة يجاهد كثيرا ليصبح طبيعيا نظرت في الأرجاء لم تجد غـرام تساءل بِـحذر:
-أين غـرام؟
-أتركتها بالخارج؟
-دعها تدخل.
صمت قليلا يبتلع لـعابه وأردف بِـقوله:
-غـرام.
كاد أن يُكمل ولكنه تذكر قولها القاسي "اسمي حتى مُحرم عليك يا ابن جابر".
-إنها لن تعود لهُنا مرة أخرى، لقد اِنفصلنا.
-لذا ليس عليكِ أن تشعري بالإنزعاج والضيق بدءا من الآن.
-ويجب عليكِ التعافي سريعا حتى تعودين معي للمنزل سأشرف على رعايتك بِنفسي.
حركت رأسها بالإيجاب وهي تشعر بالذهول مما يتفوه بِه لقد تركها بعد أن وضع روحه بين كفيّها لتدور الكثير من الأسئلة بداخلها لِمَا؟ أتخلت عنه هي! ولما بعد أن تركها يبدو بذلك الشكل المثير للشفقة؟ لقد خسرت اِبنها مرتين الأولى حينما اقتحمت غـرام لـحياته والثانية عندما غادرتها.
حاولت أن تبدو طبيعية واِبتسمت لـه و ربتت على يده وأردفت بقولها:
-لقد عُدت ليس عليّ أن أبقى هنا بعد الآن.
-لقد اشتقت لك.
لم يجيب عليها فقط اقترب منها يقبّل جبهتها في قبّلة طويلة يغمض جفنيه يتمنى لو بإمكانه نسيان أربع سنوات من عُمره.
____________________________
كان مازن يشعر بالقلق على سـيف؛ فهو صديقه لأكثر من عشرين سنة وتطوع للمجيء إلى هنا لـيبقى بجانب أخيه حتى يصبح مطمئن عليه أكثر كان يعلم بمدى حب سـيف لأخيه على الرغم من كل المشاكل المحيطة بِهم ولكن جابر أبيه وصاه كثيرا على زين.
كان يريد الإتصال بِـه ولكن زين أخبره ألا يبوح بالأمر حتى لا يشعر بالضيق منهم؛ لأنهم تحدثوا عن أمر يخصه دون علمه.
تعالى رنين هاتف مازن ليتعجب حينما وجده رقم خارج البلاد ليجيب على الفور.
-مساء الخير.
-مساء النور.
-هل يمكنني التحدث لـمازن منصور؟
-أنا مازن منصور، من أنت؟
-لقد اشتقت لك كثيرا، ألم تعرفني؟
حاول معرفته من الصوت ولكنه فشل، ليقول الأخر:
-ألم تتعرف عليّ؟ أنا ديڤيد.
ابتسم مازن حينما تذكر ذلك الرجل الطيب الذي كان يلازم أبيه وهو على فراش الموت، سافر منصور والد مازن إلى ألمانيا حينما كان حديث الزواج بأمه لـعله يجد فرصة عمل وبالفعل عمل هناك لـسنوات واستقر بِها ليجلب زوجته وابنه الذي كان عُمره لا يتعد الست سنوات وبالفعل استقر مازن هناك مع أبيه وأمه ليتعرف على سـيف عن طريق صداقة ديڤيد بأبيه منصور.
-ما أخبارك؟ لقد اشتقت لك.
-ما أخبار مصر عندك؟
-في اِنتظارك لـزيارتها.
-حسنا مازن لن أطيل عليك الأمر.
عـلم مازن سبب الإتصال ولكنه لا يعلم بما سيُجيب، لـيقول ديڤيد:
-لِمَا لم تعود غـرام مع سـيف؟
-ألم يخبركم؟
-لا، تعرف سـيف لا يحب التحدث في خصوصياته كثيرا.
-وأنت تعلم مدى خصوصية غـرام عنده.
تنهد مازن بـقوة يشعر بالحزن على صديقه، لـيقول:
-لا أعلم حقيقة الأمر، لم يخبرني سـيف حتى أننا لم نتقابل قبل سفره لقد فاجئني بسفرهُ.
-أتُخبىء الأمر عليّ؟
-لا، ولكِن تلك هي الحقيقة أنا لا أعلم.
-حسنا مازن، لقد اخطأت حينما ظننتك ستقف بجواري.
-صدقني لم أقابل سـيف قبل سفره.
-أصدقك ولكني لا أصدق عدم علمك بحقيقة الأمر.
صمت مازن لا يعلم بما سيُجيب أمام إصراره ولكن ديڤيد أغلق المكالمة بعد ان قام بتوديعه.
تعالى رنين هاتفه مرة أخرى ولكن تلك المرة نسمة ليُجيب عليها وجدها تقول بحماس:
-ها هتعدي عليا امتى نجيب الفستان؟
شعر بالحزن عليها وعليه، بالتأكيد لن يفرح بدون سـيف يجب عليه التأجيل أردف بقوله:
-نسمة.
صمتت لـبُرهة تشعر بالخطر من القادم قائلة بداخلها أنه لن يهتف باسمها صريح هكذا إلا أن كان هناك أمرا ما، أجابت بخفوت:
-نعم.
-هو أحنا ممكن نأجل الفرح شوية؟
تساءلت:
-و ده ليه؟
-سـيف وغـرام انفصلوا.
حقا!! أهذا عذر لإلغاء فرحها! سيضحى بِسعادتها للمرة التي لا تعلم عددها من كثرتهم من أجل صديقه مرة أخرى، إنها لا ترى السبب مقنع وما الأمر إن كان رجل انفصل عن زوجته ألن يمكنه حضور حفل الزفاف أم أنه سيبكي متأثرا عند رؤية الفرح أثر اِنفصاله؟ ولكنه دوما يُفضل جبر خاطر أصدقائه على حساب خاطرها هي، لـطالما يفكر في حزن أصدقائه بينما هي لم يكن لـها نصيب من هذا التفكير.
قلق مازن كثيرا من صمتها، وجدها تقول بنبرة حاولت إخراجها هادئة رزينة ولكن طغت عليها اختناق من محاولتها لـعدم البُكاء:
-للمرة اللي معرفش عددها تفضّل حزن صحابك عليا يا مازن.
-بس أنا موافقة نأجل الفرح ومش لـشهر أو لـشهرين لا لحياتي كلها يا مازن، أنت بتندمني على اختياري ليك في كل مرة بكتشف فيها أنه مليش مكان في قلبك وبرضو بكمل.
-أنا نفسي تحبني نص حبك لصحابك يا مازن.
صمتت لـبُرهة كاد أن يتحدث ولكنها قاطعته بقولها:
-ألحق رجعهم لـبعض ومتنساش تستنى صاحبك زين لما يخلف ولا أقولك استنى لما تجوز ابنه كمان، أفضل أجل كل ما يتعلق بيا عشان خاطرهم وعلى حساب نفسك و وقتك.
-بس أنا مش هكمل يا مازن.
أغلقت المكالمة لـتلقي الهاتف بقوة على الفراش وتجلس أرضا بجانب الشرفة تبكي، لا ذنب لـها سوى أنها أحبتهُ غلطة ستظل نادمة عليها طيلة حياتها من سيُعيد قلبها لـها مرة أخرى رُبما ستحتاج أربع سنوات كـغرام لتجد أحدهم يُمَيّل قلبها إليه بعيدا عن هوى مازن.
_______________________________
مر يومين وقد عادت غـرام للمنزل مرة أخرى لتلتزم بغرفتها طيلة الوقت حتى أنها لا تتناول طعامها أو تختلط بـشريف تحادثه من خلف الباب خائفة من أن يختلي بها بمفردها حينها بالتأكيد لن يتركها دون أن ينال مُراده منها، بينما هو لم يهتم كثيرا لـبُعدها فهنالك أمرا أخر يشغل بالهُ بعد أن ينتهي منه سيتفرغ لـها تماما وحينها سيحصل على مُراده بالموافقة أو الإجبار.
كانت تجلس على فراشها تنظر لـشاشة هاتفها تتفحص تلك الصور التي جمعتها بِـه تتمعن النظر في عينيه لـطالما كانت ترى خير العالم فيهما، أزالت تلك العَبرات التي تمردت على وجنتيها وأنتفضت من مكانها حينما استعمت لـصراخ يأتي من الأسفل وصوت استطاعت تمييزه جيدا يهتف باسمها أنه أبيها!
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________

قيود الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن