الفصل الثالث والعشرون..

522 22 0
                                    

نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٢٣..
_____________________________
كانت تقف أمام المرآة ترتدي ذلك الثوب الذي اشتراه لها تنظر لجمالها الذي عاد ليظهر مجددا بعدما اختفى حينما كانت أسيرة لتلك الزيجة التي ظنتها ستكون جنة على الأرض، ولكنه حطم آمالها و تخلى عن مسؤوليته بالكامل على الرغم من أنها تخلت عن الجميع من أجله تخلى هو عنها من أجل فتاة أخرى جميلة تصغرها في السن فضّلها عليها.
نظرت لبطنها التي برزت قليلا تتساءل إن كان عليها إجهاضه والتخلي عنه متساءلة لمن سيأتي؟ حتى أنها نظرت لابنها المُلقي خلفها على الفراش نائم أيجب عليها التخلي عنه هو الأخر كما فعل أبوه؟
عادت للمرآة لتنظر لها بثقة ها هي تتمتع بجمالها مرة أخرى، فقط يجب عليها إستعادة ثقة أبيها فيها وعائلتها لتعود أميرة مدللة في منزلها.
كان الثوب يبرز مفاتنها وملامح وجهها الذي عاد يضيء مرة أخرى لتقوم بعقد خصلاتها للأعلى تبرز عنقها الأبيض وعظمتيها عادت لتثق بنفسها مرة أخرى.
طُرق الباب لتتعجب من هذا الذي سيأتي في ذلك الوقت وإلى تلك الشقة التي لا يعلم بوجودها سوى أفراد قلة، لتبتسم ظنا منها أنه سيف وتجري للخارج بعدما ألقت نظرة خاطفة على نفسها في المرآة واتجهت تفتح الباب دون حتى أن ترى مَن من العين السحرية لتتهجم ملامحها وتعبس حينما رأته أمامها إنه يـزيد كابوسها ولكن ما الذي أتى به إلى هنا وكيف علم مكانها؟ اعتدلت في وقفتها بينما الأخر كان يتفحصها بنظرة كادت أن تجردها من ثيابها لتتساءل بارتباك:
-أنت عرفت طريقي منين؟
-ولاد الحلال.
تقدم للداخل ليغلق الباب خلفه و يتساءل بخبث:
-كنتِ منتظرة حد ولا إيه؟
أجابت بتلعثم وهي تعود للخلف حتى اصطدمت بالطاولة الصغيرة من خلفها وسقطت على الأريكة:
-ل لا.
-أنت إيه اللي جابك هنا؟
دنى منها يحيطها بذراعيه يقول:
-وحشتيني قولت أجي أشوفك.
-إيه الحلويات دِ! احلوينا تاني أهو.
-ابعد عني أحسن.
قبض على سبابتها التي رفعته في وجهه و أردف:
-أحسن إيه يا شاطرة!
-ومالك بقيتِ تتكلمي بنبرة قوية كدة امتى وإزاي؟
-وأنت مالك؟ وبعدين إيه اللي جابك لعندي يا همجي؟
قبض على خصلاتها لتصرخ ويجعلها تقف أمامه قائلا:
-جرا إيه يا بت! هتعملي عليا الحبتين بتوعك دول.
أردفت ببكاء وقد تمردت عَبراتها على وجنتيها:
-عايز مني إيه يا يزيد مش طلقتني؟
-و حليتي في نظري حلو كدة!
وضعت يدها على مقدمة ثوبها بحركة تلقائية ولكنه دفعها مرة أخرى على الأريكة لتصطدم قدمها بالطاولة وتتألم، جلس الأخر أمامها واضعا قدم فوق أخرى:
-عايز فلوس.
-وأجبلك منين يا حسرة؟
-هو أنت سبتلي حاجة!!
-والهنا ده كله جبتيه منين؟ أبوكِ رضي عنك.
-فاعل خير قعدني في شقته لغاية ما أرضي أبويا، خير في حاجة تاني؟
-هو فاعل الخير يقعدك في شقته برضو بدون مقابل؟
أخرج تلك السيجارة الوحيدة من العلبة ليلقي بالعلبة الفارغة أرضا وأشعلها ليقول:
-بعتيله نفسك!
-إيه الكلام اللي بتقوله ده؟ أنت اتجننت!
-هو كل الناس شبهك يا نصاب يا ضلالي.
لقد أصبحت سوقية تشبهُ لقد عاشرته لأربع سنوات وجلست في مستنقع يشبهه تحت مسمى الحُبّ، أي حُبّ هذا الذي تتحدث عنه! *استيقظي عزيزتي الحُبّ لا يجلب لكِ الطعام ليلا بـل يعلمك معنى الاحتياج دوما*.
-سبني في حالي، يا يـزيد.
-عايز فلوس يا غدير، اتصرفي في قرشين لحد ما أقابل أختك وأخد منها.
عقدت حاجبيها بقوة وتساءلت عن معنى حديثه، لتظهر ابتسامة خبيثة تعلو ثغره ويقول:
-هي مقالتش ليكِ، طيب أسيبها تقولك هي بقى.
-عايز فلوس أحسن أجيب السكينة دلوقتي وأقتلك ابنك.
-حسبي الله ونعم الوكيل، هو مش ابنك يا مفتري؟
-تؤ.
نهضت وتقدمت من الباب تفتحه وتقول بحدة:
-اخرج احسن والله انادي عليك الناس وأقولهم حرامي.
ابتسم لينهض ويتقدم منها نحو الباب خافت قليلا ولكن طمئنت قلبها بأنه سيغادر خوفا من الفضيحة ولكنه قبض على خصلاتها بقوة مغلقا الباب ويكتم صراخها بيده الحرة:
-بتتحديني يا بنت مالك؟
-أنتِ فاكرة حد هيبصلك تاني؟ فاكرة حد هيقبل بيكِ؟
-عائلتك ذات نفسها مش هتقبل بيكِ، أنتِ عارفة عملتي إيه؟
-أنتِ فضحتيهم وجبتي اسمهم الأرض، تفتكري حد هيقبل بيكِ حتى أنا لما جيت حسبتها مع نفسي قولت إزاي أكون مع واحدة خاينة زيك كدة اللي يخون عائلته يخون جوزه يخون الكل.
انهارت في البُكاء بين ذراعيه بينما هو لم يشفق عليها لوهلة حتى بل جذبها خلفه وبدأ في تفتيش المنزل بحثا عن المال بينما هي تترجاه لكي يتركها حتى وجد بعض الورقيات النقدية من فئة المئتان في خزانة ثيابها لقد أعطاها سيف مبلغ مالي حتى تتمكن من جلب ما تشتهيه دفعها بقوة لتسقط أرضا تنظر لابنها الذي نهض من نومه يصرخ بقوة خائف من ذلك الذي أمامه لم يشعر بجواره بالأمان أبدا.
تركها وغادر وهو ينظر للنقود في يديه مبتسما، بينما هي اقترب منها ابنها الذي بدأ في السير منذ فترة لتحتضنه بقوة وتبكي في أحضانه بينما هو كان يربت عليها بِـبراءة.
_____________________________
دلفت لغرفة المشفى تراه يتغزل في الممرضة التي كانت تشعر بالضيق من مغازلته المتدنية لتتركه وتغادر بينما الأخرى تقدمت للداخل ليتأفف قائلا:
-خير السنيورة جاية ليه؟
-أنت عملت كدة ليه؟ أنا خطيبة صاحبك.
-قولتي إيه مسمعتش؟
-خطيبة صاحبي! هو أنتِ تُصلحي!
-أنتِ نزوة من نزواته وكمان بقى هو اللي قالي أعملك كدة.
ليكمل حديثه بسخرية:
-خطيبك! كدبة صدقتيها.
-أنت بتقول إيه؟
-أكيد مقالش ليك تعتدي عليا هو بيحبني.
-مش قولتلك كدبة؟
-اسمعي يا سنيورة.
-بعد تهزيقك ليا في الجامعة كان لازم أخد حقي منك فكرت ازاي انتقم منك لغاية ما سعيد جه وقالي الفكرة وعجبتني و دخلت دماغي.
-جه و رسم عليكِ دور الحب والحنان والجدعنة وأنتِ ما صدقتي اترميتي في حضنه علطول.
-وفضل يسيطر عليكِ لحد ما بقيتي تنفذي أي كلمة يقولها ليكِ.
-وبس كان اتفاقنا إنك تيجي معايا وأنا أعمل اللي عايزه.
سبّ ولعن غـرام لكونها تدخلت في اللحظة المناسبة و وضع يده على مكان الجرح التي تسببت به يتوعد لها بالعذاب، بينما الأخرى كادت أن تسقط مغشيا عليها ولكنها استندت على الطاولة بجواره تردف بخفوت وقد هبطت دموعها على كلتا وجنتيها:
-يعني أنا كنت ضحية ليك ولصاحبك؟
نظر لها يراها تقاوم ذلك الدوار الذي اجتاحها لينهض ويقترب منها تلك الخطوة التي تفصلهم بينما هي تراجعت وحاولت المغادرة ولكن ثبتت قدميها في الأرض والغرفة من حولها تدور لتسقط مغشيا عليها للخلف ولكن ذراعيه ألتقطتها يصرخ مستنجدا بالطبيب، وعاد لينظر لها لأول مرة يدقق في ملامحها كانت فتاة بملامح تبدو للجميع عادية سواه كان يرى فيها جاذبية مختلفة انتشلته من أفكاره الممرضة التي سندتها معه تخبره أن يضعها على الفراش معها.
حملها بين ذراعيه و وضعها على الفراش لتتعجب منه الممرضة وتقوم بفحص النبض ومن ثم طلبت الطبيب الذي أتخذ الإجراءات المناسبة وعلق لها محلول يعوض نقص الڤيتامينات والغذاء في جسدها بينما الأخير كان يقف أمام فراشها ينظر لها يتساءل بداخله، أحقا كانت ضحية لكلا منه وصديقه؟
_______________________________
استمع كلاهما لإنذار الإسعاف لتخرج من أحضانه بينما هو ما زال في دهشته، تنظر له بقلق وتتساءل:
-أنت اتصابت؟
نفى برأسه ببطء ولا يحيد بنظره عنها بينما هي أحاطت وجهه بكفيّ يدها وتتساءل عن المُصاب وما زالت تفحصه بنظرة شاملة تتأكد بأنه لم يُصاب.
-زين.
ها قد عاد لوعيه ليردد مرة أخرى:
-زين متصاب.
ذهبت معه حيث كلٍ من زين ونازلي ليتم نقلهم في سيارة الإسعاف، رأت الحزن في عينيه وهو يرى أخيه يسير أمامه على نقالة لم يتمنى أن تصل الأمور لذلك الحد ليفيق من شروده على ملمس يدها الناعم تشبك أصابعها بخاصته تهتف قائلة:
-هيبقى كويس.
ليأتي مازن من خلفهم ويقول:
-يلا نلحقهم.
-هأجي وراكم بعربيتي عايز أكون لوحدي.
تركهم واتجه لـسيارته الذي أتى بها لهنا بينما هي تشبثت بيده وهي تقول:
-وأنا عايزة أكون معاك.
ربما لم يعترف لنفسه بالأمر ولكنه يهرب منها هي، أما هي مشاعرها تقودها نحوه.
طال الصمت بينهما يتبادل النظرات بين قبضتها وعينيها فاق من شروده على مازن الذي جلب حقيبة غرام وأعطاها لها قائلا:
-روحوا هأجي وراكم.
تركهم وغادر نحو سيارته يقودها خلف سيارة الإسعاف بينما هي اقتربت منه تحثه على السير، سحب يده من خاصتها واستقل السيارة لتستقلها هي الأخرى بجواره ويقودها منطلقا خلف سيارة مازن.
توقفت سيارتيّ الإسعاف أمام المشفى ويتجه الجميع لهم كان من ضمن فريق العمل غـزل التي جرت مسرعة تتلقى أول مُصاب لتهتف باسمه بخوف وتتراجع للخلف وهي تراهم يأخذونه للداخل، خفق قلبها بقوة متساءلة لما تشعر بكل ذلك الخوف نحوه! ولكن السؤال الأهم لما هو مُصاب؟ لتنتقل ببصرها لتلك السيارة الأخرى التي أتت بعده و ترى نازلي وشهقت بقوة حينها كلاهم مُصاب.
هبط مازن من سيارته وتقدم للداخل لتراه غـزل وتهتف باسمه تعجب كثيرا وألتفت لها ليراها بزيّ المشفى وذلك المعطف الطبي ليخمن بأنها تعمل هنا، تقدمت منه وهي تقول:
-إبه اللي حصل؟ ماله زين؟ مش كان مع سيف وإزاي ماما نازلي تعبانة كدة؟
-قولي يا مازن.
-ممكن نلحقهم الأول ونطمن عليهم وساعتها زين لما يبقى كويس يبلغك.
دلفوا سويا للداخل واتجهت لغرفة الطواريء يجهزونه للعمليات هو و نازلي، لم يتوفر أطباء قسم جراحة سواها وطبيب أخر ارتعشت يدها كيف ستكون مسؤولة عن حياته؟
بدأت في الاستعداد للدخول لغرفة العمليات، وصل سيف أمام المشفى ليهبط كليهما ويتجه للداخل يتساءل عن المصابين الذين أتوا للتو لتخبرهم الموظفة بغرف العمليات.
استقلت المصعد معه كانت تستند بجسدها على الحائط بينما هو يتقدمها بعدة خطوات لم يغيب عن نظراتها شردت في تلك المكالمة حتى فُتح الباب فاتجها للخارج وجد مازن يأخذ الممر ذهابا وإيابا، بينما هي خرجت من غرفة التجهيزات كادت أن تدلف للداخل حتى رأت غرام، إنها بحاجة لأحد يطمئنها بأنها ستستطيع أن تنجح في تلك العملية اتجهت لها بينما غرام تعجبت كثيرا من وجودها هنا لتتساءل بحذر:
-أنتِ اللي هتعملي العملية؟
حركت رأسها بالإيجاب ببطء لتربت غرام على كتفها بحب وهي تقول:
-أنا واثقة إنك هتنجحي، أنا واثقة فيكِ.
مر ساعتين بالكامل و ثلاثتهم يقف على أعصابه بالخارج بينما هي كانت ترتجف من الداخل خوفا من ألا تستطيع إنقاذه على الرغم أن عمليته كانت بسيطة وموضع الرصاصة ليس حرج على عكس نازلي التي كانت تصارع الموت الآن.
نظرت لمؤشراته الحيوية لتتنهد براحة وتخلع كمامتها الطبية وتبتسم قائلة:
-انقلوه أوضة عادية.
تقدمت للخارج ليقترب منها مازن بلهفة ليطمئن الأخير من نظراتها ويزفر الهواء من حوله بضيق لتردف:
-الحمدلله بخير.
احتضنتها غرام بقوة وهي تقول:
-أنا فخورة بيكِ.
ابتسمت لها غزل ولكن ما زال يراودها ذلك السؤال كيف تم الأمر؟ تركتها غرام وتقدمت من سيف تقول:
-ممكن نروح نرتاح شوية؟
نفى برأسه لتقول سريعا وهي ترى اعتراضه:
-غزل هنا ومازن هنا وكمان هو مش هيفوق دلوقتي وأنت لازم ترتاح، يلا.
مدت له يدها وهي تحثه بنظراتها على الذهاب معها ليستسلم لها ولإصرارها، إنه حقا مرهق يجب أن ينال قسطا من الراحة.
استقل المقعد الخاص به وجلست بجواره تقبض على حزام الأمان بقوة لا تعلم كيف تعامله، وماذا يجب عليها فعله بعدما اعترف لها يا له من أمر محرج تتمنى أن تختفي الآن أو أن تمسح تلك الذكرى وتلك الكلمات تتمنى لو أن يتم اختراع زر اختفاء سيفيدها كثيرا.
تساءلت بخفوت:
-أحنا هنروح فين؟
-فندق.
تعجبت كثيرا وعادت لتسأل مرة أخرى:
-ليه؟ ممكن نروح شقتك أو بيت بابا.
أجابها بصوت مُتعب ضعيف بالكاد استطاع إخراجه:
-عايز أفصل عن كل حاجة، مش قادر أتكلم مع حد ولا أتعامل مع ناس.
-لو حابة أوصلك عند البيت.
نفت برأسها لـتقول وهي تغمض جفنيها بقوة لا تتخيل أنها ستتفوه بتلك الكلمات:
-لا أنا عايزة أكون معاك.
نظر لها مازالت تغمض عينيها ابتسم على تلقائيتها، إنها تجذبه لها بقصد وبدون قصد إنها رائعة بكل المقاييس.
عاد لينظر إلى الطريق وهو يفكر في اعترافه لها ليطلق تنهيدة حارة يودّ أن يفصل عن العالم بأكمله ولكن كيف وهي بجواره!
توقف أمام ذلك الفندق وترجل من السيارة لتتبعه وهي تحمل حقيبتها تعلقت يدها بخاصته ودلفا للداخل ليحجز سـيف لكليهما حجرة لمدة يوم واحد، استقلوا المصعد ولم تتخلى عن يده بعد.
تقدمها سيف واتجه نحو الغرفة ليفتحها ويحثها على الدخول قبله، شعرت برجفة تسرى بداخلها حينما تبعها للداخل واستمعت لصوت غلق الباب.
خلع سترته وحذائه وتقدم من المرحاض ليغسل وجهه عدة مرات ويستند بكلتا يديه على حوض الاغتسال ينظر لإنعكاسه في المرآة؛ لأول مرة يشعر بالتِيه إنها تهلك روحه رويدا رويدا.
خلعت حذائها هي الأخرى وجلست على الأريكة تخبيء وجهها في يديها تتساءل ما الخطوة التالية؟ ما الذي يجب عليها فعله؟ كيف ستسير الأمور؟ تراودها الكثير والكثير من الأسئلة تتمنى فقط أن يمر اليوم وتعود معه لـ ألمانيا حينها رُبما ستبدأ معه من جديد متناسية شـريف، غدير، يزيد.
انتبهت لصوت الباب حينما خرج من المرحاض لتعتدل في جلستها وتنظر لـه بينما هو كان يجاهد كثيرا لتجاهلها ليردف بكلمات مقتبضة:
-أنا هنام.
نهضت سريعا لـتقول بتلعثم:
-وأنا كمان.
أغلق ستائر الغرفة ليصبح المكان مظلم عدا ضوء خافت أناره من أجلها، لينام كلٍ منهما على طرف الفراش يعطي كل منهما الأخر ظهره.
حاولت النوم ولكن كلما أغمضت جفنيها يتردد على مسامعها:
-غـرام، أنا بحبك.
إنه يُصيبها بالجنون لما لم يتحدث مرة أخرى، لما يتعامل وكأن شيئا لم يكن أحقا هو نادم على اعترافه؟
كانت حالته لا تختلف عنها كثيرا بالإضافة لـشعور الخوف أيمكن أن صمتها جوابها بالرفض!
ألتفت كل منهما في آنٍ واحد لتتقابل وجوههم والصمت حليفهم هناك الكثير من الأحاديث بداخلهم لا بد من التنفيث عنها، أصبحت وتيرة أنفاسها عالية وهي تراه يكسر تلك المسافة بينهما لتردف بخفوت:
-سـيف.
أغمض عينيه بإنزعاج مصدرا صوت خافت " امم "، توقفت الكلمات بحلقها وتوقف عقلها عن التفكير حتى أن جسدها شُلِت حركته؛ إنها غـرام وبعد أربع سنوات تفتح قلبها لـذلك العاشق الذي أحب صمتها قبل حديثها، عيوبها قبل مميزاتها، شكلها في كل الأوقات، روحها التي لا تتغير عبر الزمن تلك الفتاة الذي وقع أسيرا لها من أول مرة حينما وجدها مُلقاة في أرض غريبة لا تنتمي لـقلبها ليصبح لها ملجأً.
فتح عينيه يرى ذلك التِيه بداخلهم ولكن قبضتها على ذراعه تدل على تشبثها به؛ فكـل الطرق رغم اختلافها تقودها نحوهُ.
لـتعلن راية استسلامها بعد صراع دام لأربع سنوات.
_____________________________
غادر مازن لـيذهب إلى منزله يبدل ثيابه لأخرى عدا تلك المُلطخة بالدماء ليجري سريعا نحوه غرفته دون أن تراه أمه ولكنه اصطدم بها ليعقد حاجبيه بقوة متساءلا عن سبب مجيئها لهنا بعينيه بينما الأخرى كانت تقابله بأخرى حادة لا تقبل النقاش ولكن كل ما فعلته القبض على أذنه بقوة ليتلوى أمامها قائلا بألم:
-نسمة، إيه اللي بتعمليه ده؟
-بقى أنا تسبني كل ده قلقانة ومتطمنيش؟ هونت عليك يا مازن؟
-هحكيلك كل حاجة بس أرتاح.
دفعته بقوة وهي تقول بغضب:
-مش عايزة أسمع حاجة وكفاية أوي لحد كدة.
-أنت مش معتبرني خطيبتك وشريكة حياتك.
-أنت مش بتحبني يا مازن.
تقدم منها وهو يرى عينيها أُمتلئت بعَبراتها لـيقول:
-جعفر ليه بتقول كدة؟
-وكمان إيه اللي جابك هنا؟
-والله كنت هكلمك بس زين إتصاب واضطريت أكون معاه.
صرخت فيه ولـأول مرة لتجعله يقف متصنم متساءلا عن الخطأ الذي اقترفه:
-كله زين زين، طب وأنا؟ مش ليا حقوق عليك.
-دايما بتستهون بـزعلي وحزني وتقول عادي أهي بتتصالح بوجبة أو أي حاجة.
-عمرك ما سألتني بتحبي إيه، أو قولتلي تعالي نخرج أو حتى فضيت وقتك عشاني ولو لـمرة.
انهمرت الدموع على وجنتيها ليتعجب الأخر منها نسمة تبكي! لـتكمل حديثها:
-أنا مش هكمل يا مازن.
-دبلتك عندك في أوضتك، وأنا أسفة إني كنت تقيلة عليك طول فترة خطوبتنا.
-أسفة لأني دخلت حياتك أصلا.
تركته وغادرت وكأنها تسابق الزمن، إنها نسمة تلك التي لطالما ارتدت قناع اللامبالاة وعدم الاهتمام بالتفاصيل كانت أكثرهم دقة.
توقف الزمن عند تلك اللحظة إنها تركته و رحلت، دلف للغرفة سريعا لتقع أنظاره على ذلك الخاتم الذهبي على الطاولة بجوار فراشه ليجلس على الفراش يلتقطه بـ أنامله متساءلا أحقا بتلك السهولة!
______________________________
كانت تحرك رأسها يمينا ويسارا دلالة على استيقاظها لينهض من مقعده ويقترب منها، فتحت عينيها ببطء تنظر حولها لتقابلها خلفية بيضاء تتساءل بخفوت:
-أنا فين؟
أجابها بهدوء:
-في المستشفى، يا شاهندا.
انتبهت للصوت لتتجه بنظرها نحوه تراه يقف أمامها تبينت لها ملامحه انتفضت في مكانها سريعا ولكنها شعرت بـدوار ليحاول مساعدتها ولكنها ابتعدت عنه وهي تردف بغضب:
-ابعد عني عايز مني إيه تاني؟؟
-مش كفاية اللي أنت وصاحبك عملتوه!
أجابها بِبعض البرود واللامبالاة:
-وأنتِ أي حد يقولك بحبك تصدقيه!
-أنتِ اللي عبيطة وماشية ورا مشاعرك وقلبك.
اقترب منها قليلا وأشار بسبابته على رأسها:
-استخدمي ده.
اعتدلت في جلستها لتعطيه ظهرها وتمتلىء مقلتيها بالدموع قائلة:
-ذنبي إني حبيته!
علق على حديثها مصححا:
-ذنبك إنك حبتيه في الحرام.
أغمضت جفنيها بقوة تؤنب نفسها وبشدة، لقد أعطته قلبها على صحن من ذهب أعاده لـها رمادا أحقا هي المُخطئة الوحيدة في ذلك الأمر!
نهضت تزيل تلك العَبرات بقوة وانفعال لـتقول:
-تمام يا شادي، أنا هتنازل عن القضية كلها ولكن والله لو أنت أو هو اتعرضتوا ليا تاني أنا هطربقها فوق دماغكم.
تركته وغادرت الغرفة بينما هو تنهد براحة وجلس على فراشه واضعا رأسه على الوسادة ولكنه استنشق عبيرها ليلفظ اسمها ببطء من ثغره "شاهندا".
______________________________
حل المساء على أرجاء مدينة القاهرة ولكنه لم يشكل فارقا لهم أولئك الراقدون على الفراش و قد انسدلت الستائر ليخيم الظلام قبل ساعات حتى ذلك الضوء الذي أناره قد أغلقه، فتح عينيه ليقابله الظلام حاول التحرك ولكن ذراعه الأيمن احتلته رأس غرام التي تعطيه ظهرها وتنام بعمق غير عابئة بـكل ما يحدث في الخارج.
أعاد تشغيل ذلك الضوء الخافت بجواره لتتبين له الرؤية بوضوح ويقع نظره عليها اقترب منها ليزيل خصلاتها التي تغطي كتفها بالكامل لتظهر له شامتها ليقبّلها ويرفع رأسه قليلا يتنهد بأنفاس حارة يضيق صدره قليلا يراوده سؤال إجابته مجهولة، أسيكون للندم نصيب في قلبها؟
هتف باسمها برفق عدة مرات ليوقظها لتستجيب لندائه وتعدل وضعية نومها وهي ما زالت تغمض جفنيها ليصبح وجهها مقابلا لـه أفسحت له المجال لتأملها أكثر، دنى منها لتختلط أنفاسهم ببعض وتستشعر غـرام الخطر الذي هي بِـه لتفتح جفنيها سريعا ولكن بعد فوات الآوان.
ابتعد بعد دقائق ينظر لها ويمرر إبهامه على وجنتها اليمنى قائلا:
-مساء الخير.
أجابت بنبرة متحشرجة أثر النوم:
-مساء النور.
لم يحيد بنظراته عنها بينما هي كان يسيطر عليها الشعور بالخجل لتجذب الغطاء حتى وجهها لترتسم إبتسامه على ثغر ذلك العاشق يتبعها تنهيدة قوية تعجبت لها غرام ولكن شعورها بالخجل أكبر من تعجبها لذا ظلت أسفل الغطاء تعض على شفتيها بقوة حاول جذب الغطاء منها ولكنها قبضت عليه بقوة لـيقول بنبرة حازمة:
-غـرام.
أزالت الغطاء وبدأت في توزيع النظرات بعيدا عنه، ليدنو إلى أذنها ويهمس:
-البُعد في غرامك عذاب، يا غرام.
-أربع سنين وأنا صابر و راضي، أخاف أتعلق بـوهم حُبّك وبعد ما تأخديني دار نعيمك ترجعيني لـداري وأنا في داري من غيرك تايه زي العيل الصغير.
أشعل نيران في قلبها الذي ينبض بعنف وقوة إستجابة له أما عقلها فينهرها بقوة على سنوات عمرها التي ضيعتها مُخلصة لحب ذلك الخائن؛ ولـأول مرة يتفقا القلب والعقل على حُبّ أحدهم حُبّ "سيف آل قاسم".
طال الصمت ولكن لم يحيدا ببصرهم يرى ارتباكها وحيرتها، بينما هي لـطالما ترى الصدق في عينيه.
-أنا بحبك.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
____________________________

قيود الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن