الفصل التاسع..

595 26 4
                                    

نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٩..
_____________________________
كانت تجلس على فراشها تبكي وتنظر لثوبها الممزق، كانت تتألم أثر الضرب الذي تعرضت له للتو لقد تركها وغادر كـكل مرة لتداوي جروحها بمفردها، لتجر قدميها وتنهض تتجه نحو ابنها بخطى بطيئة تحمله بين ذراعيها ليتوسط أحضانها ليسكن و يعم الهدوء في ذلك البيت المتهالك، جدرانه تشققت و كراسيه متهالكة لا يحتوي المنزل سوى قطع أثاث بسيطة متهالكة تكاد تتحطم كليا.
لينام ابنها بين أحضانها فهو في الثالثة من عمره يتعلق بأمه كثيرا فهو لا يعي الكثير.
وضعته مرة أخرى على الأريكة لتعود إلى غرفتها و تبدل ثيابها لأخرى غير ممزقة لتحزن على ذلك الثوب فهي لا تمتلك حق أن تشتري أخر و ثيابها تُعد على الأيدي جميعها متهالكة قديمة.
وقفت أمام خزانة ثيابها لتراها تكاد تكون فارغة من قلة ثيابها لتجلس على الفراش مقابل المرآة الصغيرة والتي تحتوي على بعض الشروخ تنظر إلى وجهها الشاحب والذي تلون بالأزرق و الأحمر آثار الضرب.
لتسقط أرضا تبكي على ما يحدث معها وما تمر به تلعن اليوم التي تزوجته به.
_________________________
ترقد على الفراش يدها مُعلقة بمحاليل تغمض جفنيها تستلم لذلك المهديء ليغادر الطبيب بعدما قام بفحصها و وصى زين أن يرعاها جيدا و ألا تتعرض لضغط.
ليجذب مازن صديقه و يهبط به لأسفل هادرا بغضب:
-إيه اللي أنت عامله في البنت ده؟
-بقى أبوها يسلمها ليك وردة في يومين تخليها جثة كدة!!
-عملت إيه خليت البنت تطلب الطلاق يا زين؟
كان صامتا لا يجيب عليه هاديء و ربما غاضب قليلا من تصرفها الطفولي إنها غير عاقلة لا يجوز لفتاة ناضجة مثلها أن تُحدث كل تلك الضجة.
تركه مازن وغادر و هو يحذره من أذيتها، كانت تقف نازلي أمام غرفته تنتظره لتجذبه من ذراعه قائلة بحدة:
-هي عملت كدة ليه؟
-اسأليها.
-زين، اقف هنا كلمني.
تركها و دلف لغرفته ليجد شاهندا تجلس بجوارها ليؤمرها أن تغادر وتغلق خلفها الباب لتنفذ أمره وتتقدم من أمها تتساءل عما يحدث ولما غزل بتلك الحالة لتتركها أمها و تغادر وهي غاضبة.
ليجلس بجوارها على الفراش كانت تحرك رأسها يمينا ويسارا ببطء نسبيا لتحرك جفنيها و تفتح عينيها لتنظر لسقف الغرفة و من ثم لذلك الذي يجلس بجوارها يفحص ملامحها بعناية بوجه حاد لا يقبل النقاش حاولت الاعتدال ولكنها لم تستطيع لتنظر لتلك المحاليل المُعلقة بيدها لتتنهد بتعب.
طال الصمت في الغرفة حتى قاطعه بنبرة هادئه لا تتناسب مع هيئته:
-أنتِ مدركة اللي عملتيه؟
اومأت برأسها ليجذب يدها له بحدة:
-المفروض أقطعها مش كدة؟
ابتلعت لعابها بخوف وحاولت جذب يدها ولكنه كان يقبض عليها بقوة ليقترب منه يقبض على فكها قائلا:
-بصي يا بنت الناس، أنا مبحبش قلة الأدب والعناد.
-وحركاتك الطفولية دِ خليها لنفسك.
-واللي أنتِ عايزاه تيجي تطلبيه مني بكل هدوء و أدب وأنا ساعتها أقرر أوافق ولا لا.
-لكن تيجي ليا في إيدك سكينة بتهدديني إنك هتقتلي نفسك المرة الجاية أنا فعلا هسيبك تقتلي نفسك، فاهمة؟
لم تجيب عليه كانت تبكي ودموعها غرقت كف يده القابض على فكها ليصرخ بها:
-فاهمة؟
حركت رأسها بالإيجاب عدة مرات ليدفعها وينهض مغادرا الغرفة يصفق خلفة الباب بقوة استمع له كل من في المنزل ليرتبك الجميع من غضب زين.
كانت تبكي بحسرة وحزن وهي ترى نفسها ذليلة لرجل مثله يبدو أن فترة تواجدها هنا ستكون بائسة.
_____________________________
كانت تجلس بغرفة ابنتها تخبرها بأنها لا يجب ترك سيف بمفرده وأنها يجب أن تلبي له احتياجاته لتشعر غرام بالملل وتردف:
-ماما سيف قبل ما أتجوزه كان بيعتمد على نفسه في كل حاجة ومعتقدش أنه هيكون محتاجني.
-غلطانة، أومال عايزة جارة توقعه كدة ولا كدة.
نظرت غرام لأمها باستنكار لتصحح جليلة قولها:
-عارفة أن سيف مش هيقبل لأنه محترم وابن أصول ولكن برضو النفس ضعيفة.
نهضت غرام لتتجه إلى النافذة تردف بداخلها إنها حقا تود أن يحب فتاة لطيفة هادئة تعوضه عما سببته له إنها قيدت حريته منذ أربع سنوات حينما قرر أن يكون لها سندا بعدما تخلى عنها زوجها في ليلة زفافهم ولكنها تشعر بأنها تظلمه معها وأنه يستحق عيش حياة طبيعية هادئة بعيدا عن مشاكلها لتقرر مهاتفته وإخباره بذلك الأمر ليبدأ في البحث عن أخرى تكون له زوجة وأم لأبنائه، إنها مستعدة للطلاق منه ليتحرر من قيدها.
ولكنها تشعر بالحرج منه متساءلة كيف ستخبره، يا لها من معضلة.
على الجهة الأخرى، كان يجلس في النافذة المطلة على مياه النيل يشاهد المارة أمامه وتلك السيارات متذكرا كيف تخلت عنه اليوم ليشعر بضيق في صدره وأنه على وشك الانهيار لينهض يلتقط شهقيا قويا ويزفره براحة ليكرر فعلته عدة مرات حتى ارتاح كان ينظر للهاتف من حين لأخر حتى تعالى رنينه ليمسكه بلهفة ولكن خاب أمله ليجيب على زين.
-خير؟
-طالما أنت موجود هيبقى في خير!
-عايز إيه يا زين؟
-عايز أشتري أسهمك في للشركة وتبقى منفصلة تماما عنك.
-هتقدر تتحمل التكلفة؟ هتبقى غالية.
-ملكش دعوة عندي ناس هتساعدني.
-حماك مثلا؟ مالك بيه.
-ملكش دعوة.
-تمام حدد ميعاد ونتقابل فيه.
-بكرة مناسب معايا وياريت نخلص منك في أقرب وقت.
أجاب بنبرة هادئة:
-أنا قدرك يا زين عمرك ما هتخلص مني.
أغلق الهاتف وألقاه بغضب على الطاولة بجواره ليتابع تأمله ليتعالى رنين هاتفه مرة أخرى وينتفض قلبه أثر اسمها ليجيب على الفور:
-ألو.
صمتت لا تعلم كيف تبدأ الحديث وخاصة معه لتردف:
-أزيك يا سيف.
-الحمدلله.
-متصلة ليه؟
-عش.
توترت وصمتت ولكنها نظرت لإنعكاسها بالمرآة لتأخذ شهيقا وتزفره لتردف:
-أنا عايزة أكلمك في موضوع مهم.
-أتفضلِ ولا تحبي أجيلك؟
سقط قلبها بين قدميها لتجلس على الفراش وهي تنفي سريعا:
-لا لا متجيش.
عقد حاجبيه ونهض من مقعده ليستند على سور الشرفة قائلا بهدوء:
-غرام اهدئي و رتبي كلامك وأنا هسمعك.
اطمئنت قليلا لتتقدم هي الأخرى من الشرفة وتستند على سورها وتقول:
-هتكلم بس متقاطعنيش.
لم يجيب عليها كان يستمع لصوت أنفاسها الحادة ليعلم بأن هناك خطب ما وينتظر بفارغ الصبر أن تتحدث عنه.
-سيف أنا بشكرك على مساعدتك ليا زمان وأنك أنقذتني من مصير معلوم ولكن نتيجته وحشة، أنا عارفة أني قيدت حريتك بجوازك مني و إني حرمتك من حقوق كتيرة.
صمتت ليعود ويجلس على المقعد بهدوء ولكن الخوف بدأ يتسلل إلى قلبه لما تردف بتلك الكلمات الآن ما المغزى منها، لتكمل حديثها :
-أنت من حقك تتجوز واحدة تحبك وتحبها.
همس بضعف:
-متكمليش.
-وأنا بعفيك يا سيف من جوازك مني وأسفة إني قيدت حريتك لمدة أربع سنين، أنت من حقك تحب واحدة وتتجوزها وتشوفها أم لأولادك.
قاطع حديثها صوته الغاضب:
-متكمليش كلامك يا غرام.
ابتلعت لعابها وخافت من أن تكون أخطأت بأمر ما ولكن ما الخطأ في أنها تريد حريته، نهض من مقعده ليردف وهو يرتدي حذائه ويغادر الشقة بعدما لملم متعلقاته:
-أنا ساعة و هكون عندك تكوني جهزتي هدومك واضح إني لما قولت عليكِ عاقلة كنت غلطان.
-واضح إن وجودك في البيت ده مأثر عليكِ وعلى مخك، ولكن مش مشكلة هصلح كل ده.
-س سي يف.
-إيه اللي ضايقك دلوقتي أنا عملت إيه؟
قاطعها بصوته الحاد وهو يتقدم من السيارة ولكنه شعر بألم في قلبه ليضع يده على صدره يعتصره بقوة واليد الأخرى يستند بها على السيارة كانت تستمع لأنفاسه الحادة والمُتعبة أنه يتألم لتردف متساءلة:
-سيف أنت كويس؟
-رد عليا.
-طمني، طب أجيلك؟
قاوم ذلك الألم ليعتدل في وقفته ليستقل السيارة قائلا:
-جهزي شنطك يا غرام أنا جاي.
أغلق معها وقاد السيارة باتجاه المنزل رغم الألم الذي يجتاحه ألا أنه قاوم ذلك الشعور لا ينبغي أن يتركها بمفردها مع ذلك الوغد الذي يتلاعب بعقلها وقلبها الذي أحبه.
توقف أمام المنزل كان الهدوء يعم المكان والجميع نائم ليتقدم للداخل ويهاتف غرام التي سبقته وفتحت له الباب فهي علمت بقدومه أثر سيارته، كانت تنظر له تفحصه بعينيها لتتنهد بِـراحة عندما رأته بخير لتدور حرب الأسئلة بعينيهم:
-ماذا يحدث معك؟ لما تبدلت الأحوال بذلك الشكل المخيف؟
-ولما أصبحت علاقتنا مُعقدة أكثر عن ذي قبل؟
-الإجابة عندك، غرام.
-لست أنا من وضعت تلك القيود.
اقترب منها لتتراجع للخلف ليزيد من اقترابه منها حتى اصطدمت بالأريكة خلفها لتجلس على طرفها بينما هو يميل عليها بجذعه العلوي لتتراجع للخلف ولكنه أحاطها بكفيّ يده على الأريكة لتصبح محاصرة، خائفة، تودّ الانسحاب لما ينظر لها هكذا لما ترى اضطرابها في عينيه مثله كان خائف فكرة تخليها عنه مؤذية حتى أنه يشعر بأنه محاصر أيبوح بكل ما تعتريه روحه أم ينسحب من حياتها إنها لا تحبه ولا تحاول أن تبحث عن الحب بداخله.
انتفض كل منهما من مكانه على صوت إحسان والتي كانت في طريقها للمطبخ لروي عطشها، اعتدل سيف في وقفته لتقف بجواره غرام التي أردفت بتوتر:
-ده س سي سيف يا طنط.
ابتسمت لها إحسان وهي تخمن سبب عودة سيف إلى هنا لغرام لا يوجد سبب سوى أنه اشتاق لها لتبتسم لها بحب وتتمنى أن يعوضها سيف عما صدر من شريف ابنها لتعود إلى غرفتها ولكنها قبل أن تغادر أردفت ببعض الكلمات التي وصلت لمسامع كلاهما:
-لم تحبوا تعملوا حاجة يبقى فوق مش هنا.
ارتبكت غرام لتخبيء وجهها بكفيّ يدها وتعود لتجلس على الأريكة ليلقي بجسده بجوارها، كل منهما يحمل بداخله الكثير من الأحاديث المختلفة تخرج على هيئة صمت؛ فإن انفجر أحدهم سيخسر الثاني.
قطع هو ذلك الصمت قائلا بنبرة مرحة تغلفها السخرية:
-يعني أنتِ عايزاني أشوف واحدة تانية حلوة وجميلة ولطيفة وتحبني وأحبها مش كدة؟
حركت رأسها بالإيجاب لتنتبه كل حواسها له وتعتدل في جلستها تنظر له لينظر لها و إلى حماسها أبتلك السرعة تودّ التخلص منه؟
-تمام، وأنا موافق.
أردف بتلك العبارة بنبرة هادئة على عكس تلك النيران التي تأكل قلبه إنه غاضب غاضب منها وبشدة، ارتبكت غرام من موافقته لتتساءل بداخلها عما إن كان هذا الصواب لتتجاهل الأمر وتبتسم له ولكن اختفت ابتسامتها حينما أكمل حديثه:
-ولكن عروستي عندك.
-أنتِ اللي هتختاري عروستي، وعلى ذوقك يعني مفيش طلاق ولا انفصال هيحصل إلا بعد ما أكتب كتابي على التانية.
ابتلعت تلك الغصة بحلقها لتقول بتلعثم:
-ب بس.
-أنت يعني أقصد أنا.
-بس أنا مش هقدر أعمل كدة.
-ليه؟
-معرفش.
نهض سيف يضع يده في جيب بنطاله قائلا:
-هنتظرك في العربية، لمي هدومك.
قبضت على ذراعه لتقول وهي تنظر له:
-طب لو وافقت أدورلك على عروسة هتوافق تخليني هنا؟
حرك رأسه بيأس منها كل ما تهتم له هو عدم رحيلها من هنا، ليقول بحزن لم يظهر لها:
-أه.
تحمست كثيرا للفكرة وأردفت بقولها:
-موافقة.
-خلاص قولي مواصفاتك إيه؟
جذبته ليجلس على الأريكة مرة أخرى لتجلس على الطاولة أمامه تخرج هاتفها تسجل مواصفات الزوجة التي يحلم بها.
-يلا قول.
عاد بظهره للخلف ليستند على الأريكة ويبتلع لعابه ينظر لها على الرغم من أن ملامحها ليست واضحة أثر الإضاءة الخافتة، نظرت له تحثه على الحديث وهي تشير بعينيها على الهاتف الذي يسجل ما يقول ليبدأ في الحديث قائلا:
-متوسطة الطول، عينيها بلون القهوة؛ ملامحها شرقية؛ شعرها متوسط بنفس لون عينيها؛ طموحة؛ مميزة في شغلها؛ من عائلة محترمة؛ ضحكتها جميلة تخليني كل ما أشوفها أفرح.
ابتلعت غرام لعابها واغتاظت قليلا من تلك الفتاة المثالية الذي يبحث عنها أم أنه يحاول تعجيزها!!
-والأهم من ده.
انتبهت كل حواسها نحوه ليتقدم منها ويهبط لمستواها حتى اختلطت أنفاسهم لترتبك وترتعتش يدها الممسكة بالهاتف وما زاد ارتباكها نبرته العميقة الهادئة:
-تحبني و.
-عندها شامة في كتفها الشمال.
ليرتكز ببصره على كتفها البارز أمامه أثر منامتها القطنية والتي تظهر به شامة صغيرة، ليبتعد عنها ببطء كما اقترب لتبتلع لعابها تشعر بحرارة اجتاحتها أثر قربه منها لتنهض بعنف تقف خلف الطاولة بمسافة بعيدة نسبيا عنه ليبتسم بسخرية وهو يراها تحتمي بالطاولة من قربه.
-يعني أنت بتعجزني يا ابن جابر؟
-عايز واحدة بشامة على كتفها الشمال اعملها إزاي دِ؟
أردف بلامبالاة وهو يرفع كتفيه لأعلى:
-معرفش اتصرفي.
تركها وغادر وهو يبتسم يعلم جيدا بأنها ستحاول البحث كثيرا من أجله ولكن يا لغبائها إن تمهلت قليلا ووقفت أمام المرآة ستعلم بأنها فتاته الذي يبحث عنها.
غضبت غرام كثيرا لتعود إلى غرفتها وهي تنظر لتلك المصيبة التي وقعت بها من أين ستحصل له على زوجة الآن؟
____________________________
في صباح اليوم التالي كان يقف أمام مرآته يعدل ياقة قميصه ويضع عطره يفكر في تلك المقابلة وإلى أين ستنتهي الأمور، تنهد بأنفاس حارة و ألتقط هاتفه وغادر ليستقل سيارته السوداء المتناسقة مع نظارة الشمس الخاصة به ليقود سيارته إلى الكافيه الذي أخبره عنه ليتجه للداخل وتقع عينيه على أخيه الذي يحرك ساقيه بقوة تدل على توتره وارتباكه ليتقدم منه و يجلس أمامه مشيرا للنادل حتى يأتيه ليطلب قهوة باردة وينظر إلى أخيه من تحت نظارته التي لم يتخلى عنها حتى لا يزيد ارتباكه.
نظر زين له بجمود عكس توتره المنعكس في ساقيه، ليردف قائلا:
-ها قولت إيه؟
-في إيه؟
-عايز أشتري نسبتك.
-وهتدفع قصادها كام؟
-اللي أنت عايزه.
-بس السعر هيبقى غالي.
-ملكش دعوة.
-وأنا مش موافق.
ارتشف من قهوته الباردة مع ابتسامه تزين ثغره على عكس زين الذي تحولت ملامحه للغضب، ليردف قائلا:
-وطالما أنت مش موافق جيت لهنا ليه وخلتنا نتقابل ليه؟
-عشان أشوفك.
-أنت أقذر بني أدم شوفته في حياتي وهتفضل العقدة اللي في حياتي يا سيف.
نهض سيف ووضع ورقة مالية على الطاولة قائلا:
-تقصد إن نازلي هانم هي اللي خلتك تقتنع بده وهتفضل تعمل أكتر من كدة الأيام الجاية لأنها خلاص عرفت أني رجعت مصر.
-ومش بعيد أستقر فهتعمل كل المستحيل عشان تخرجني من هنا.
-زي ما عملت يوم فرحك.
تركه وغادر ليشتعل زين غضبها من اتهامه لأمه بالباطل ليجري نحوه ولكنه توقف حينما رأى سيف يجاهد حتى يبعد تلك السكين عن قلبه كان يمسك بقبضتيّ المجرم يبعدها عنه بقدر الإمكان ليجذبه زين ويلكمه بقوة جعلته يسقط أرضا وكذلك السكين ليتبادل النظر بينهما ليقبض الرجل على السكين ويطعن زين الذي تلطخ قميصه الأبيض بالدماء لتتسع عينيه بصدمه وهو يضع يدها على جرح بطنه ويرى الأخر يجري أمامه بخوف، تقدم منه سيف وقد ظهر القلق في عينيه ليحيط خصره بذراعه ويجعله يستقل السيارة ويغلق حزام الأمان عليه ليعود و يستقل بجواره في مقعد السائق ويقود السيارة باتجاه أقرب مشفى كان يضغط سيف على جرح زين بقوة ويده تلطخت بالدماء هي الأخرى ولكنه لم يكن يفكر سوى في إنقاذ أخيه الذي كاد يسقط مغشيا عليه وجرحه ينزف بغزارة ليردف سيف:
-أتحمل شوية كمان يا زين.
-أتحمل قربنا نوصل.
تفادى حادثة بأعجوبة كل ما يشغل باله الآن حماية أخيه، توقف أمام المشفى بعشوائية ليهبط ويسند أخيه ويتقدم للداخل كان زين يتكيء على سيف ويقبض على سترته لتجلب الممرضة له نقالة ليتم نقله إلى غرفة العمليات بعد الفحص وجدوا أن المعدة تضررت ويجب تدخل جراحي لإيقاف ذلك النزيف.
كان يقف بالخارج يدعو الله كثيرا ألا يصيب أخيه مكروه كان خائف من خسارته ليخرج بعد وقت قليل فالأمر لم يكن خطيرا للدرجة تم نقله لغرفة المشفى ويطمئن سيف على حاله تنهد وهاتف صديقه مازن ليخبره بما حدث ويأتي على الفور يبحث عنه في الأرجاء حتى وجده ليجري نحوه:
-ماله زين؟ هو كويس؟
-طمني؟
-أه الحمدلله بقى كويس.
تنفس الصعداء ليجلس على المقعد يلتقط أنفاسه فهو ترك نسمة وغادر سريعا ليأتي ويطمئن على صديقه، ليتساءل مازن بقوله:
-بس أنتوا إزاي كنتوا مع بعض؟
-هحكيلك.
وقبل أن يقص عليه ما حدث تعالى رنين هاتفه ليجد المتصل غرام ليجيب عليها على الفور فهي لا تتصل به إلا إذا كان هناك مصيبة فقط.
-ألو.
-ألو يا سيف.
-أنا قاعدة دلوقتي في كافيه ****.
-هنتظرك هنا، تعالى عشان تشوف عروستك الأولى.
لتردف بفخر وهي ترجع بجسدها للخلف تستند به على المقعد:
-عارفة إنك منبهر من سرعتي بس إحنا مبنضيعش وقت.
أردف بنبرة متعبة متخاذلة:
-غرام أنا مش فاضي دلوقتي.
-يعني إيه مش فاضي؟ أنا خلاص خدت الميعاد.
-ورايا حاجة مهمة لازم أخلصها الأول.
-وفي أهم من عروستك يا راجل!
غضب سيف كثيرا ليغلق الهاتف في وجهها ليتساءل مازن عما حدث ولما هو غاضب.
-بعدين يا مازن بعدين، خليك جمبه متسبهوش لحظة.
-أنا حاسبت على مصاريف المستشفى و هو هيفوق على بليل أول ما يفوق كلمني.
تركه وذهب إلى مرحاض المشفى ليقوم بغسل يده جيدا عدة مرات لإزالة بقعة الدم حتى أن جزء من ثيابه تلطخ ولكنه لم يعيره اهتمام ليغلق زر سترته ويتقدم للخارج مستقلا سيارته غاضبا من غرام متعجبا من سرعتها في البحث أحقا وجدت عروس له في ليلة واحدة؟!
قاد متجها نحو الكافيه ليقوم بركن سيارته وأخذ شهيقا زفره بهدوء ليكرر حركته ويضع قليل من عطره النفاذ فهو يحتفظ بزجاجة في سيارته ليهبط من السيارة ويتقدم للداخل يبحث بعينيه عن زوجته المجنونة.
كانت تبتسم للفتاة بتوتر وهي قلقة من ألا يأتي حقا ليتقدم منها سيف ويقف أمامها لتتسع ابتسامتها وتنهض تقف بجواره قائلة وهي تشير إلى تلك الفتاة الجالسة:
-نور صاحبتي من أيام الجامعة.
نهضت نور وهي تنظر إلى سيف بدهشة كان يمتلك وسامة وجاذبية أكثر مما أخبرتها عنها غرام لتصافحه وهي تبتسم بارتباك:
-هاي أنا نور.
لم يجيب عليها ليصافحها بصمت ويجلس بجوار غرام التي توترت قليلا وجلست بجواره قائلة:
-سيف مش بيأخد على حد بسرعة، معلش.
-لا عادي ولا يهمك.
-غرام قالتلي إنك مستعجل وهتسافر ألمانيا علطول.
كانت ملامحه جامدة تثور براكين بداخله من الغضب ولكنه ابتسم بهدوء وجلس بأريحية تامة على المقعد:
-أه، أتمنى تكوني أنتِ كمان جاهزة.
ابتسمت له نور وتحمست كثيرا وهي تقول:
-أه جاهزة.
شعرت بالخجل من تسرعها لتبتسم غرام وكذلك سيف الذي نظر لها بسخرية لتردف نور بقولها:
-عن أذنكم هدخل التواليت.
تركتهم ودلفت للمرحاض وهي متوترة فملامحه جامدة وله حضور مميز قام بالسيطرة عليها بجاذبيته، ليميل سيف برأسه اتجاهه ليردف بهمس:
-عندها شامة في كتفها الشمال؟
شهقت بقوة وهي تردف:
-أنت مجنون؟ هقولها عندك شامة في كتفك الشمال ولا لا!
-وكمان أجبلك واحدة منين عندها شامة أنا بشم على ضهر إيدي ولا تكون فاكرني مصباح علاء الدين!
نهض سيف وأردف بجدية لا تحمل النقاش:
-خلاص تبقى مرفوضة.
جذبت ذراعه لتشعر بالحرج وهي تنظر حولها خوفا أن تأتي نور لتردف:
-طب طب أديها فرصة ممكن تعجبك وكمان شوفت البت أُعجبت بيك إزاي.
استند بكف يده على الطاولة و اقترب منها بجذعه العلوي قائلا:
-غرام، أ.
نظرت غرام لبقعة الدماء في قميصه التي ظهرت أثر انحنائه لتشهق وتنهض وهي تجذب سترته نحوها ولكن قاطعتهم نور التي وجدت غرام على مقربة منه لتشعر بالضيق وتردف:
-في حاجة؟
تركهم سيف ولملم متعلقاته وغادر لتنظر غرام في أثره وتقوم بجذب حقيبتها لتوقفها نور بقولها:
-هو في إيه؟
-هكلمك بعدين.
جرت خلفه لتجده يستقل السيارة ولكنها أوقفته بصوتها ولكنه لم يستمع لها لتقف أمام السيارة قبل أن يقودها ليغضب ويضرب المقود بيده لتستقل غرام بجواره السيارة ويقودها بسرعة كبيرة لا يعلم إلى أين سيتجه ولكنه يودّ أن يبتعد عنها؛ فهي مصدر ذلك الغضب.
-إيه الدم ده يا سيف؟ أنت متصاب!
لم يجيب عليها كان يركز ببصره على الطريق لتعود سؤاله مرة أخرى ليصرخ بها قائلا:
-لا يا غرام، ارتاحتي؟
توقف في منطقة هادئة لا يقوى على القيادة، أصوات أنفاسه الحادة لا تهدأ ولكنها هدئت بالأخير ليردف بصوته الهاديء بنبرة متألمة:
-زين أخويا اتصاب، زين جوز أختك.
ابتلعت لعابها واعتدلت في جلستها بصدمة هي تعلم بشأن عائلة أبيه ولكنه لم يخبرها سوى بالقصة، لتشهق حينما توصلت لتلك الفكرة أحقا زين زوج أختها يكون أخيه!!
لتنظر إلى حزنه البارز على ملامحه ليس لديها فكرة عما تفعله الآن أو كيف تواسيه ولكن كل ما تعلمه أنه كان بجوارها دوما في كل حالاتها لم يتركها يوما حزينة وكلما حزنت حضنها، لا تعلم بما يفيد الحضن الصامت في الحزن ولكنها جربت الأمر.
لتجذب ذراعه برفق نحوها ليتعجب منها وتزداد دهشته حينما وجدها تحتضنه ابتلع لعابه وأحاط خصرها بذراعيه ليدفن رأسه في عنقها يحاول ألا يبكي ولكنه يشعر بالألم كثيرا لترفع كف يدها إلى مؤخرة رأسه لتربت على شعره برفق إنها تشعر بالكثير من الخجل ووجنتيها تشتعل خجلا ولكن ألا تشعر بالخجل من نفسها ألقت به إلى التهلكة ولم يعترض لذا لا بأس من التخلي عن خجلها مؤقتا.
ليستمع كلاهما لطرق على نافذة السيارة لم يفعل شيء سوى أنه جذبها نحوه أكثر ينعم بحضنها الدافيء أنها لحظة لن تتكرر مرة أخرى لن تعرض عليه الأمر مرة أخرى لذا لم يهتم لأي ما يحدث حوله ولكنها قاطعته بهمسها الخافت:
-سيف.
ابتعد عنها قليلا ليصبح وجهه مقابلا لوجهها ينظر لها بعمق يودّ أن يعبر لها عن حُبّه الآن ليحيط وجنتيها بيده وقبل أن يقترب منها أردفت بارتباك تزامنا مع ذلك الطرق العنيف:
-في ظابط وراك.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع:
_________________________________

قيود الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن