نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ١٧..
__________________________
أشرقت الشمس لتعلن عن بداية يوم جديد، نهضت من الحديقة لتتجه للأعلى حيث غرفتها كانت تتمنى أن تجده نائم لتفتح الباب برفق تجده يستلقى على الأريكة يعلو ذراعه الأيمن عينيه يحجب عنهم الضوء لتتقدم من الفراش وتجذب الغطاء تضعه عليه و تغلق الستائر و باب الشرفة لقد تركه طيلة الليل مفتوح انتظرها كثيرا حتى غلبه النعاس.
أخرجت ثياب تبدلها في المرحاض وقد غسلت وجهها عدة مرات لتقف أمام المرآة ترى انعكاسها به ليتحول تدريجيا لنفسها القديمة إنها تلك الفتاة التي هُجِرت بعد زفافها بيومين في مكان مهجور وبلد أجنبي لا تعرف عنه شيء تعلو ملامحها أتربة و كذلك ثيابها السوداء تلطخت بالأتربة شعرها المعجد يحيط وجهها وتلك النظارة التي تكاد تبتلع نصف وجهها.
أردفت بنبرة رجاء وقد انسابت الدموع على وجنتيها:
-ألن تَكُفِ عن أسري!
تراجعت للخلف لتنزلق قدمها أثر المياة من أسفلها لتصرخ و هي تسقط أرضا تصطدم بالأرض الصلبة الباردة لا تحيد بنظرها عن تلك المرآة.
اختفى الإنعكاس تزامنا مع دخول سيف للمرحاض يهتف باسمها بنبرة قلقة يهبط لمستواها يرفع كف يده الأيمن لوجنتها متساءلا:
-أنتِ كويسة؟
أشارت على المرآة بسبابتها لتنظر له وهي تقول:
-أنا عايزة أخرج من هنا.
نظر حيثما تشير لتخفض سبابتها تتعلق بعنقه ليحملها يتجه بها للخارج يجلسها على مقعد خشبي يوجد بالجوار ويتقدم من خزانتها يخرج لها ثوب بسيط محتشم بدلا من ثيابها المُبللة يضعه على الفراش ويقول:
-أنتِ كويسة يا غرام؟
حركت رأسها بالإيجاب لتمسح على وجهها و تنهض تتجه للثوب و تهتف بخفوت:
-هغير هنا.
اومأ لها ليتجه هو للمرحاض يغسل وجهه و يقضي حاجته حتى تنتهي من ارتداء ثوبها و الذي كان طويل يتسع من أسفل الخصر، لتخرج حذاء نسائي يناسبه.
لملمت متعلقاتها و وضعتها في حقيبتها الصغيرة لتضعها على كتفها الأيمن بينما هو خرج من المرحاض ليتقدم من الخزانة ويخرج ثياب له حينما لملم متعلقاته في المرة السابقة ليرحل إلى منزله الذي اشتراه ترك بعض الثياب هنا للضرورة، ربما لأنه يعلم بأنها لم تكن لتأتي إليه أو تعطيه حريتها مثلما فعلت من قبل.
خلع قميصه أمامها و بدأ في ارتداء الأخر تحت أنظار غرام التي وقفت متصنمة أثر جراحه، تلك الطلقة التي تلقاها في أول يوم لمجيئه إلى هنا حمايةً لها و الثاني لم تعلم مصدره كان يوجد في الجزء الأيسر من بطنه وذلك الحرق الذي ما زال يترك أثرا على معصمه و كان أيضا سببه حمايته لها.
توقفت الكلمات بحلقها وهي تراه يقترب منها بعدما انتهى تراجعت للخلف لتسقط على الفراش من خلفها بينما هو انحني إليها بجذعه ليستند بكف يده على الفراش بجوارها و يتساءل:
-بتبصي على إيه؟
أجابت بتلقائية:
-جروحك.
ابتعد عنها برفق لتعتدل في جلستها و تجده يبادر بالحديث عن ما يخص أختها أولا:
-بعتذرلك لو كان كلامي قاسي عليكِ امبارح.
لم تجيب عليه ليعود لها مرة أخرى ويجعلها تقف أمامه وتفوه بنبرة بائسة وكأنه يذكر نفسه بافتراق طُرقهم في النهاية:
-مش عايزك تزعلي مني أبدا مهما حصل.
تساءلت وهي ترى الرجاء في عينيه:
-ليه؟
-عشان لما نفترق تفضل ذكرياتي معاكِ كلها سعيدة.
هوى قلبها بين قدميها لقد ذَكر الفراق الآن! سيتخلى عنها ويعود إلى دياره سيتزوج بأخرى تنجب له أطفال وتصبح له أسرة سعيدة بينما هي ستبقى وحيدة تائهة بين جدران العالم أسيرة مُقيدة بأصفاد حديدية.
أجابت بخفوت:
-يكفي إنك أنقذتني من الهلاك في حال إن القريب معملهاش.
جذبت يديها من بين خاصته لتتجه للخارج تشعر بانقباض قلبها تغاضت عن الأمر عندما رأت إحسان تتقدم لها بتردد و تهتف باسمها بالكاد سمعته من شدة ضعفه لتقول:
-في حاجة يا مرات عمي؟
-أنا أنا زعلانة يا غرام.
تقدمت منها غرام على الفور و أحاطتها بذراعيه لتقول:
-زعلانة ليه يا مرات عمي؟ لو على بابا فهو هيبقى كويس ولو عمو فهو هيرجع من السفر في أقرب وقت متزعليش.
-زعلانة عليكِ أنتِ وشريف.
-زعلانة من اللي شريف عمله ليكِ زعلانة لأني معرفتش أربي.
-أنا أم فاشلة يا غرام سيبته قولت راجل و هيكبر وهيفهم ولكنه طلع فاشل زي اللي خلفته.
-أنا أسفة يا غرام أسفة لأنك اضطريتِ تعاني و الباشا ولا على باله، اخطأت في تريبته سامحيني.
بكت إحسان بين أحضان غرام لتقبّلها و تبتسم معقبة بكلماتها:
-وأنا ربنا عوضني بِـسيف.
-ومبسوطة وقريب وهنرجع لحياتنا في ألمانيا وهأجي زيارة ليكم كل فترة، شريف صفحة و اتقفلت يا مرات عمي.
-وأنا نسيت.
-متعيطيش عشان خاطري.
ربتت على كتفها ليخرج سيف من غرفته تزامنا مع خروج شريف الذي كان نشيطا للغاية على عكس العادة ربما يخطط لفعل أمر سيء تعالى رنين هاتف سيف ليجد المتصل زين أجاب عليه:
-إيه بقيت أوحشك بالسرعة دِ!
-حماك اتعرض لمحاولة قتل إمبارح.
تبدلت ملامح الأخر ليجري لأسفل لتوقفه غرام و قد قلقت هي الأخرى لتعتذر من إحسان وتتبع سيف الذي لم يتوقف أثر نداء كلٍ من غرام و جليلة.
بالكاد قبضت على ذراعه لتفقد اتزانها وتتعلق بثيابه وذراعيه تحيطها، اعتدلت في وقفتها لتقول:
-في إيه حصل إيه طمني حد حصله حاجة؟
نفى برأسه وهو يقول:
-حاجة لازم أعملها وبعدها هأجي أخدكم تزوروا عمو مالك.
ضغطت على ذراعه ليطمئنها بنظراته ويقبّل جبينها ليتجه إلى سيارته ويستقلها و يغادر تحت أنظارها وقلبها المرتجف.
______________________________
كانت تقف في شرفة منزلها غاضبة وخلفها ديڤيد أخيها يردف:
-ألن تَكُفِ عن محاسبة سيف؟ ألن تتركيه يعيش حياته كما يحب؟
ألتفتت له والغضب يتطاير من عينيها:
-تلك ليست الزيجة التي تمنيتها له.
-لقد سئمت من تلك العلاقة، إنها تجذبه نحوها كل يوم بعُقد أقوى.
-لقد أحكمت السيطرة عليه.
جلس ديڤيد على ذلك المقعد واضعا قدم فوق الأخرى يستند بظهره على خلفية المقعد يربت على قدمه ينظر إلى أخته التي ما زالت تشغل بالها بغرام على الرغم من مرور أربع سنوات، لتكمل حديثها:
-يجب عليّ التدخل الآن، يجب عليّ إبعادها عنه قبل أن تنجب له أطفال.
-إنها تمنعني من رؤية أحفاد لي قبل مماتي، ديڤيد.
-ديما، أنتِ تعلمي بِحُبّ ابنك لها.
-لا تُعَقدي الأمور.
قاطعته بشراسة:
-هل تريدني أجلس مُكتفة الأيدي! وأنا أرى ابني يتقدم في العمر وما زال يتبع تلك ال.
صمتت ولم تكمل كانت على وشك سبّها ولعنها الآن، لتجلس على الأريكة وتجذب خصلاتها بعنف تحرك قدميها بعصبية، لتقول:
-إنها تحرمه من الإنجاب، ديفيد.
-حسنا حسنا، أفهمكِ ولكنها تسعد ابنك يجب عليكِ تقبل الأمر لقد مر أربع سنوات.
-قامت بإبعاده عني، أنت لا تفهمني ديفيد.
نهض ديڤيد ليجلس بجوار أخته و يربت على قدميها بكف يده قائلا:
-حينما يعود يمكنكِ التحدث عما تشعرين بِه.
-اهدئي الآن.
على الجهة الأخرى، توقف سيف بسيارته أمام المشفى ليهبط من السيارة ويتقدم للداخل حيث غرفة مالك ليجد بعض الضباط المسؤولين و كلٍ من زين ومازن يقفا معهم ليهتف باسم زين الذي ألتفت له وتقدم نحوه.
-مالك بيه عامل إيه دلوقتي؟
-الحمدلله لحقوه في أخر لحظة.
-كانت محاولة قتل.
-حد حقنه بمادة مميتة.
-وهو فين دلوقتي؟
-نقلوه لأوضة تانية وأمروا بحراسته والظابط بيحقق دلوقتي.
اومأ له وتقدم من مازن ألقى التحية عليه وتحدث إلى الضابط المسؤول، ليتعالى رنين هاتف زين ويجيب:
-ألو.
-أستاذ زين، أنا يوسف يسري حضرتك كلمتني قبل كدة عشان شغل البنت اللي كلمتني عنها.
-انتظرت حضرتك امبارح طول اليوم.
نظر زين إلى تاريخ اليوم عبر هاتفه ليعيد الهاتف مرة أخرى على أذنه متحدثا:
-أنا أسف يا أستاذ يوسف، حصل عندي ظرف معرفتش أجيبها ينفع نيجي النهاردة؟
-أكيد أكيد هنتظر حضرتك.
أغلق زين المكالمة وأخرج رقم غزل ليهاتفها انتظرها حتى تجيب ولكنها كانت في المرحاض تبدل ثيابها تستعد لزيارة أبيها خرجت لترى مكالمة منه فائتة تعجبت وكادت أن تعاود الاتصال حتى وجدته يرن مرة أخرى أجابت.
-ألو.
-ألبسي وأجهزي هعدي عليكِ كمان ساعة نروح مشوار.
تساءلت باستفهام متعجبة من ذلك المكان الذي قد يجمعهم سويا:
-مشوار إيه؟
-لما أجيلك.
-أنا كنت هزور بابا.
-بعدين.
-طيب.
أغلقت المكالمة وألقت الهاتف على الفراش بضيق من معاملته الجافة نحوها حتى أنه لم يخبرها عن ماهية طريقهم، تنهدت بعنف وجذبت حقيبتها لتهبط لأسفل تساءلت عن شاهندا لتخبرها الخادمة بأنها خرجت منذ الصباح جلست في حديقة المنزل في انتظار زوجها المصون ليمر عليها.
تقدم زين من سيف ليقول:
-سيف ورايا مشوار صغير هخلصه وأجي.
اومأ له الأخر ليغادر زين المشفى، بينما مازن كان يحدق النظر بسيف يتساءل عما يدور من حوله ليجذبه من ذراعه بعيدا عن الأخرين ليتساءل:
-هو في إيه؟ أنا مش فاهم حاجة.
-إلى أي مدى وصلت علاقتكم؟!
استند سيف بظهره على الحائط من خلفه يتنهد بأنفاس حارة ليجيب بقوله:
-مش عارف يا مازن.
-خايف أكون بوهم نفسي.
-ليه هو حصلت حاجة؟
-لا، مبسوط بالقرب ده ولكني خايف أكون بوهم نفسي وإن كل دِ تمثيلية من نازلي هانم.
-زين أكيد مش كدة، ممكن يكون بيكرهك ولكن مش بيخون ولا بيأذي.
حرك رأسه بالإيجاب ليقول:
-هطمن على مالك بيه.
___________________________
فتحت الباب لتقف متصنمة وهي ترى أختها تقف أمامها ترتدي نظارة شمسية تخفي ملامح وجهها، تقدمت غرام للداخل تحت أنظار غدير المندهشة خائفة أن تعيد ما فعلته من قبل والآن ستكون وحدها بدون سيف.
وقعت أنظار غرام على ذلك الذي يبتسم لها ويجلس أرضا يحمل بين يديه لعبة بلاستيكية على هيئة قط، تقدمت غرام منه لتهبط إلى مستواه تحمله بين ذراعيها تبتسم له هي الأخرى وتقبّل جبينه ليحاول مالك الصغير أن يزيل تلك النظارة ولكنها منعته حينما أبعدت وجهها عنه.
لتردف غدير بتردد:
-تحبي تشربي حاجة؟
ابتسمت غرام بسخرية إنها تعزمها على مشروب في منزل زوجها يا لها من دعابة!
وضعت غرام مالك أرضا وعادت لتنهض من جديد تضع يدها في جيب ثوبها وتتساءل:
-سعادتك استمرت قد إيه؟
-يوم، شهر، سنة؛ سنتين؟
-في اللحظة اللي قررتي تهربي فيها اتكتب عليا أعيش تعيسة طول عمري.
شعرت غدير بالغضب حينما وجدتها تلقي اللوم عليها وحدها ترمي بروحها إلى التهلكة، لتجيب بشراسة:
-على أساس مكنتيش بتحبي شريف!
-هنكدب على بعض.
-على الأقل مكنتش هكرهلك الخير، يا غدير.
-لما كنتِ بتلاقي حُضن يعوضك عن غياب أهلك حتى لو مؤقت كنت أنا مرمية في أرض لا أعرف عنها ناس ولا أعرف فيها حد.
-فين اللي هربتي معاه دلوقتي؟
-عوضك! عيشك في قصور زي ما كنتِ عايشة؟ عيالك اتولدوا في مكان نضيف زي ما كنتِ متعودة؟ عيشتي تحت رجلك خدم يجيبوا أوامرك لحد عندك؟
صرخت الأخرى فيها بعنف وهي تدفعها للخلف:
-لا معيشتش في قصور وخدم، وطلع خاين وابن ستين كلب.
-وراح أتجوز عليا وجابلي واحدة أصغر مني و رماني أنا وعياله زي الكلاب حتى أنه معترفش باللي في بطني.
-مبسوطة كدة! ردي مبسوطة.
دفعتها بقوة أكبر لتصطدم غرام بالحائط من خلفها والطفل الصغير بدأ في البُكاء، قبضت غدير على عنقها وهي تقول بغل:
-ولما كنت أنا بتهان وبتضرب وبنام على البلاط أقل حتى من أني أكون خدامة، كنتِ أنتِ في البلد الغريبة زي ما بتقولي في بيت عايشة فيه ملكة و حضن راجل زي سيف.
-بتحاسبيني وأنا خسرانة من كل النواحي بس أنتِ لقيتي اللي يطبطب واللي يدلع و اللي يبسط.
جُحِظت عينيها وهي بالكاد تلتقط أنفاسها بينما الثانية كان يمر أمامها شريط حياتها منذ اللحظة الذي وعدها فيها بالزواج حتى طرده لها خارج المنزل بعد أن أنهال عليها بالضرب وتسديد بعض اللكمات لها و دفع الطفل الصغير في الشارع.
ابتعدت عنها بعنف لتسقط غرام أرضا تأخذ شهيقا قويا وتزفره بحدة لتكررها عدة مرات تشعر بالألم يعتصر عنقها لترفع يدها تتحسسه بلطف، تقدمت غدير منها كادت أن تتحدث حتى أبعدتها غرام عنها بعنف و نهضت لتقول:
-أنتِ من هنا و رايح مش أختي.
تعالى رنين هاتفها لتخرجه من حقيبتها تحت أنظار غدير التي امتلئت عينيها بالدموع بينما الأخرى تجاهلت المكالمة و لكن ما أثار فضولها تلك الرسالة المسجلة التي أتت لها لتفتحها.
صرخت الفتاة بقوة تزامنا مع ذلك الطرق العنيف خلفها لتقول:
-غرام ألحقيني.
أخبرتها بالعنوان سريعا لينتهي المُسجل تزامنا مع ذلك الكسر القوي، تبادلت النظرات مع أختها لتتجه للخارج على الفور لتوقفها غدير وهي تقول:
-استني أجي معاكِ.
دفعت غرام ذراعها وهي تقول بحدة:
-خافي على أبوكِ اللي مرمي في المستشفى بسببك.
استقلت المصعد بخوف و قلق إنها شاهندا تستنجد بها ماذا يجب عليها أن تفعل مهاتفة سيف أو زين ستزيد العُقد أكثر يجب عليها التصرف وحدها و إنقاذ شاهندا.
خرجت من المصعد لتحاول إيقاف سيارة أجرى ليأتي لها البواب و يقول:
-غرام هانم مش كدة؟
اومأت له غرام وهي تنظر يمينا و يسارا في انتظار سيارة أجرة ليقول البواب:
-كنت عايز أكلمك في موضوع يخص أختك وسيف بيه.
نظرت له لتقول بارتباك:
-معلش يا عم.
أجابها:
-سعد محسوبك سعد.
-معلش يا عم سعد لازم أروح مشوار دلوقتي هبقى أرجعلك تاني.
توقفت أمامها سيارة أجرة لتستقلها وهي تقول:
-لو سمحت بسرعة.
أخبرته بالعنوان وجلست تضع يدها على قلبها تشعر بنبضاته سريعة للغاية يكاد يخرج من موضعه إنها خائفة من أن يصيبها مكروه حينها لن يسامحها لكونها لم تخبره وأخفت الأمر عنه.
توقف السائق أمام بناية قديمة في منطقة بها إخلاء للسكان ليتساءل بتردد:
-هنا يا هانم؟
أجابت بخفوت وقد انقبض قلبها من المكان إنه مريب:
-أه، حسابك كام؟
ترجلت من السيارة واتجهت لنافذته لتجده ينظر لها باحتقار ليجذب منها المال بعنف ويلقي الباقي في وجهها قائلا قبل أن يغادر:
-ربنا يتوب علينا من الأشكال دِ.
فتاة مثلها في مكان مهجور كهذا ليس للأمر تفسير سوى واحد، نظرت للمال أرضا لا تلقي اللوم عليه بل تلقي اللوم على نفسها التي قررت عدم مهاتفة أحد لمساعدتها تغاضت عن الأمر واتجهت للداخل لا يوجد بها أحد بدأت تصعد الدرجات ببطء وارتباك لتخرج هاتفها وتنير تلك العتمة لتقرر مهاتفة أخيها الذي أجاب على اتصالها من المرة الأولى:
-فينك يا غرام سألت عليكِ ملقتكيش قالولي في مشوار، مشوار ايه؟
أجابت بخفوت وقد بدأ صوت الصراخ يوضح تدريجيا:
-مُراد هبعتلك عنوان لازم تيجي عليه دلوقتي.
-عنوان ايه؟ غرام أنتِ كويسة؟
-أه.
أغلقت بعدما أخبرته بالعنوان، وضح الصوت كثيرا الصراخ يمليء الطابق تقدمت من تلك الشقة وحاولت فتحها لتدفع الباب عدة مرات لم يكن باب قوي كان هين سهل الكسر عبارة عن لوح خشبي لتدفعه مرة واثنان ليسقط أمامها على الأرض.
بداخل إحدى الغرف كانت يداها مقيدة بينما هو يعتليها يحاول الاعتداء عليها ليتوقف عما يفعله حينما استمع لصوت الباب لينظر لها وقد تطاير الشرار من عينيه بينما هي توقفت عن الصراخ و البكاء وهي تدعو الله أن ينقذها من ذلك المختل.
نهض ليخرج و يرى ماذا هناك وجد غرام تبحث عن الغرفة المقصودة لتبتلع لعابها حينما تراه يقف أمامها عاري الصدر يبتسم بخبث معقبا:
-هي دِ اللي هتساعدك!!
نهضت شاهندا على الفور تلملم ثيابها الممزقة تحاول أن تخبيء جسدها الذي قد تشوه بنظرات ذلك الحقير لها.
تراجعت للخلف وهي تجده يتقدم منها لتقول بارتباك:
-أحسنلك تخلينا نمشي من هنا، أخواتها لو عرفوا مش هيخلوا فيك حتة سليمة.
ها قد وصلت لنهاية الممر وهو أمامها لا مفر، بينما يعلو ثغر الأخر ابتسامة عريضة وقد أحاط بها بذراعيه:
-طب وماله نتسلى لغاية الوقت ده.
خرجت شاهندا من الغرفة لتنظر لها غرام وينتبه لها الشاب ليلتفت لشاهندا ويتقدم منها بعض الخطوات ليتوسط المسافة بين كليهما ويتساءل بنبرة مقززة:
-ابدأ بمين؟
ارتجفت قدمي شاهندا لتسقط أرضا ويتقدم منها الأخير وهو يبتسم، بينما غرام تتبادل النظرات بين قالب الطوب الأحمر بجوارها وذلك المختل الذي ينحني لمستوى شاهندا ويقرب وجهه منها والأخرى تبكي وهي ترفع يدها نحوه ترجوه:
-أرجوك سيبنا في حالنا.
-أرجوك.
أردف قائلا وهو يعيد تلك الخصلة التي تمردت على وجهها:
-دِ فرصة لازم اغتنمها كويس يا شوشو، ولا إيه؟
قبضت على قالب الطوب لتتجه نحوه بخطى سريعة وتضربه بقوة على مؤخرة رأسه تألم ليرفع يده اتجاه الضربة قبضت على قالب أخر لتكرر حركتها بينما هو كان يسبّ ويلعن وهو يحاول الوقوف مستندا بكفيه على الأرض الصلبة ولكنه شعر بدوار ومادة لزجة ساخنة على عنقه تسقط أمامه على الأرض إنها دماؤه، ابتعدت شاهندا بذعر عنه وهي تراه يمد له يده لتساعده ليهتف بخفوت:
-اطلبي الإسعاف.
قبضت غرام على قالب ثالث وابتلعت لعابها كادت أن تضربه مرة أخرى حتى وجدته يفقد الوعي يفترش الأرض الصلبة بجسده و الدماء من حوله.
سقط القالب من يدها ليتحطم أمامها لقطع متفاوتة الحجم، نظرت لشاهندا التي كانت تبكي وتصرخ وهي تقول:
-قتلناه قتلناه.
انقبض قلبها وهي ترى الدماء تسيل منه، استعادت توازنها أثر صرخات شاهندا وهي تضرب وجنتيها تتفوه بتلك الكلمة لتتساءل بداخلها بقتلها لذلك الرجل ستكون قاتلة بينما إن انتهك هو جسد الفتاة و روحها سيُقال عنه لا بأس إنه رجل.
اتجهت لشاهندا تجذبها لتقف أمامها وتقول:
-لازم نمشي.
اتجهت للغرفة التي خرجت منها لتقبض على حقيبة شاهندا وشال أبيض كانت ترتديه لتضعه على جسدها وتحكم الغلق عليه اتجهت لحقيبة ذراعها وقبضت على كف يدها الأيسر لتخرج بره الشقة وتهبط على الدرجات وكأنها تسابق الرياح إنها تريد الهرب من حقيقة كونها قتلت للتو شخصا.
كانت تنظر يمينا ويسارا تُراقب الوضع عما إن كان أحد يراهما، توقفت عن السير وهي تراه أمامها أفلتت يد شاهندا ولم تحيد بنظرها عنه إنه يتواجد في كل لحظاتها السيئة توقف الزمن من حولها ساقتها قدميها نحوه اندفعت إليه تحيط خصره بذراعيها تضع رأسها على صدره و تغمض جفنيها.
أردفت بداخلها وهي تنعم بذلك الأمان:
-"إنه هنا، إذا الأمور كُلِها بخير".
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
______________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
De Todoيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك