نكمل روايتنا قيود الماضي..
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٥..
______________________________
كانت الأشجار تحيطها من كل الاتجاهات، أخر ما رأته قبل سقوطها معلنة استسلامها ذلك البئر المتواجد في المنتصف لتتمنى أن تسقط بداخله وألا تعود أبدا.
استيقظت في صباح اليوم التالي لتنظر حولها بريبة لتجد غرفة مرتبة وفراش باللون الأبيض تجلس عليه لتخمن بأنها في المشفى ولكن لا الغرفة تحتوي على متعلقات شخصية وصور لفتاة لم تتعرف عليها لتحاول النهوض ولكن يدها معلقة بمحاليل حاولت الاعتدال في جلستها ولكنها تشعر بالتعب يغزوها لترفع يدها إلى شعرها المجعد ولكن توقفت يدها عند ذلك الشاش الأبيض الذي يعلو جبهتها نهضت بعد محاولات عدة ولكن لم تقوى على خطو خطوة للأمام لتجد من يفتح الباب ويدخل لها على ثغره ابتسامة كبيرة مشرقة تمد يدها لها لتصافحها قائلة بحماس:
-أنا مونيكا.
سقطت على الفراش لتستسلم لذلك الظلام الذي أحاطها مرة أخرى لم تفيق سوى أثر ضرباته الخفيفة على وجنتيها وتلك الرائحة النفاذة التي اخترقت أنفها ورئتيها وسؤاله عنها:
-أنتِ كويسة؟
استندت على كتفه ليعدلها على الفراش وتنظر إلى أهلها بابتسامة باهتة تطمئنهم من خلالها، أردف سيف بهمس وهو يجلس بجوارها:
-أعتذر غرام، كنت خائف عليكِ من تلك المشاعر المضطربة التي تشعرين بها.
تحدث بالألمانية حتى لا يفهمه أحد لتبتسم له وتربت على كف يده لتردف الجدة وهي تدفع الجميع للخارج:
-سيبوها ترتاح شوية، يلا تعالوا.
خرج الجميع من الغرفة لتبتعد عنه قليلا وتحاول النهوض ولكنه أردف:
-سأقوم بكل أعمالك لا حاجة للتعب.
نظرت له عاد ليتحدث معها بالألمانية، لما؟
-لا داعٍ.
أردف بحدة وهو يغادر تلك الغرفة:
-سأكون ممتن إن استمعتِ لحديثي و لو لمرة.
تركها وغادر تجلس على الفراش وحدها تغرقها ذكرياتها القديمة، يا لها من حياة بائسة وماضي أليم.
كانت تقف في شرفتها تنظر له كيف يهتم بكل الأمور استطاع أن ينال إعجاب الجميع في يومين فقط وأن يجعلهم منقلبين على شريف ذلك الذي غادرها بعد زفافهم وحدها تقابل مصيرها المُهلك.
خرجت من غرفتها لتتقدم من غزل التي تقيس ثوب زفافها للمرة الأخيرة قبل ارتدائه في الزفاف، احتضنت غرام أختها وقبّلت جبهتها ليخرج الجميع تاركا مساحة شخصية بينهما لتجد غرام الحزن يخيم على ملامح غزل لتتساءل بقولها:
-مالك يا غزل أنتِ مش مبسوطة؟
شعرت غرام بالخوف من تلك الفكرة التي تسيطر عليها، أيمكن أن أختها تحب أخر أقامت بالتضحية من أجل العائلة مثلها!؟
ابتلعت لعابها وهي تنتظر غزل أن تجيب عليها، لتبكي غزل في أحضان أختها تتمنى أن تنتهي تلك الأيام وذلك الألم في قلبها هي لا تريد تلك الزيجة فقط كل ما تتمناه أن تعمل وتجني الكثير من النجاح لا أن تصبح زوجة لرجل لا تعرفه فقط كل ما تعرفه عنه اسمه؛ فهو لم يحادثها من الخطبة ولم يطمئن على أحوالها ولو لمرة فقط كل ما تفوه به تهنئتها بخطوبتهم بكل رسمية وكأنه يهنىء زميله في العمل.
أردفت غزل قائلة بعدما انتهت من البكاء:
-كنت أتمنى غدير تبقى موجودة معانا، كنت عايزة أتؤنس بيكم أنتوا الاتنين.
-مكنتش عايزة فرحتي تبقى ناقصة.
-أنا خايفة طموحي يتقتل في بيت راجل أنا معرفهوش.
-وخايفة أرفض فأكون البنت العاق اللي بترفض نجاح عائلتها ورضا والدها عنها، فاهماني يا غرام؟
عاشت تلك المشاعر من قبل مع بعض الاختلافات كانت تحبه، كانت تعتقد بأنها ستكون سعيدة معه وأنه سيتعلق بها كأختها ولكن خاب ظنها وشعرت بأن سقف طموحها ينهار عليها.
جلست غرام أمام غزل وأمسكت بكفيّ يدها قائلة بابتسامة:
-غزل أنا موجودة هنا جمبك تأكدي من الفكرة دِ وعمري ما هسيبك تاني لوحدك زي ما حصل.
-اما غدير، فأوعدك هدور عليها وأخليها ترجع هنا لبيتنا هحاول بشتى الطرق أخلي بابا يسامحها ونرجع تاني سوا أخوات مفيش حاجة تفرقنا أبدا.
-وأما بالنسبة لزين، بابا عمره ما هيرميكِ لأي راجل بابا بيحبنا يا غزل وأكيد أختار ليكِ راجل يقدر يحافظ عليكِ ويشيل مسؤوليتك.
-وبالنسبة لطموحك لسة السنين قدامك، وأنتِ لسة متخرجة يعني لسة بدري وصدقيني زين هيكون أول داعم ليكِ لو أنتِ اثبتيله أنك تستحقي ده.
-وتأكدي علطول إني هنا جمبك ومعاكِ في قرارك حتى لو هتيجي قبل الفرح بدقيقة تقولي أنك مش عايزة تكملي صدقيني هقف جمبك ومعاكِ.
-مش هسمحلك تضيعي حياتك كلها في دور الضحية، أنتِ ليكِ حياتك ومن حقك تعيشيها زي ما بتحبي.
حضنت غزل أختها بقوة وهي تقول:
-أنا بحبك أوي يا غرام.
قبّلت رأسها وهي تضمها أكثر نحوها وكأنها خائفة من ألا تراها مرة أخرى، لم يغفلوا عن تلك الواقفة خلف الباب تستمتع لحديث ابنتيها لتبتسم والدموع تغرق وجنتيها فهي لا حول لها ولا قوة الرأي يعود لزوجها مالك هو من رأى في زين زوج لابنته.
غادرت جليلة لتصطدم بسيف الذي لاحظ دموعها ليقوم بإزالتهم قائلا:
-دموع! وأنا موجود دِ عيبة في حقي بقى.
ابتسمت جليلة له قائلة:
-دِ دموع الفرح عشان غزل هتتجوز واطمنت على غرام وهي معاك.
-حتى لو دموع فرح مش عايز أشوفها عايز أشوف ابتسامتك منورة الدنيا كدة يا ست الكل.
ربتت على كتفه وهي مسرورة من ذلك الغريب الذي اقتحم حياتهم دون سابق إنذار ليجعل الجميع في راحة ويحمل أعبائهم جميعا لتتمنى أن تدوم تلك العلاقة الطيبة وذلك الأثر.
خرجت غرام من غرفة أختها وهي تضحك معها لينظر لها سيف قائلا:
-أنتِ بتعملي إيه بره الأوضة؟
تصنمت معالم وجهها لتقول:
-كنت بقيس فستان غزل.
-مع احترامي لست غزل بس أنتِ تعبانة ولازم ترتاحي عشان تعرفي تقاومي اليوم كله بكرة.
ضحكت غزل على اهتمام سيف بأختها، بينما غرام كانت عاجزة عن التصدي له لتقول جليلة وهي تقف في صف سيف:
-سيف عنده حق، خشي ارتاحي أنتِ تعبتي من ساعة ما جيتي.
-وأنت يا حبيبي خش غير هدومك اللي اتبهدلت دِ.
-تعالي معايا يا غزل عايزاكِ.
دلف كل منهما لغرفته لتقول غرام وهي تتجه نحو المرحاض:
-سيف كُف عن تلك الطريقة.
-عن أي طريقة تتحدثين؟
توقفت عند باب المرحاض قائلة:
-لا يجب عليك أن تجعل الجميع يتعلق بك، حيث أن علاقتنا ربما ستنتهي قريبا.
تقدم منها بخطوات هادئة متزنة جعلتها تتراجع عن ما تفوهت به، إنها مخطئة اعترفت بذلك داخلها ليردف قائلا:
-عن أي انتهاء علاقة تتحدثين؟
-بعد زواج دام لأربع سنوات تودين الانفصال الآن؟
-أكذلك تعبرين عن امتنانك لي، غرام؟
-بالتخلي!!
تركها ودلف للمرحاض ليغلق الباب في وجهها ابتلعت لعابها وهي تفكر في حديثه أنه محق إنها مخطئة ولكن ذلك لا يعني أنها لن تنفصل عنه أنها عادت إلى أهلها والآن تودّ الانفصال لا حاجة لها للبقاء معه حتى يستطيع الزواج بأخرى و قضاء بقية حياته في بناء أسرة طبيعية.
على الجهة الأخرى، كان زين يخرج من المرحاض مرتديا ثيابه ليجد البواب يضع حقائب عِدة ليتساءل عنها، ليجيبه قائلا:
-شنط الست هانم الجديدة غزل هانم.
اومأ له لينصرف البواب ويتعجب زين من كثرة الحقائب ومتعلقاتها، لتدلف أمه لغرفته دون الطرق عليها قائلة:
-مبروك ياحبيبي، عقبال ما أفرح بولادك.
ابتسم لها زين ليتركها ويغادر قائلا:
-خلي حد من البنات تطلع تحط شنط الهانم الصغيرة.
استقل زين سيارته واتجه بها نحو مقر الشركة ليهاتف صديقه مازن ويخبره أن يهبط له ليستقل مازن السيارة بعدم فهم قائلا:
-إيه يا عم مالك؟ ده أنت حتى فرحك بكرة! ده شكل عريس ده!
-أنا بفكر أتراجع.
-وحياة أمك!
نظر له زين بحدة ليتراجع مازن عن تلك الكلمة قائلا:
-أقصد يعني، ده الكل عارف إن بكرة فرحك أنت وغزل مالك عارف مين مالك يا زين ولا أعرفك؟
-ده يقتلني ويقتلك ويقتل بنته كمان.
-أعقل كدة جاي تقول قبل الفرح بساعات ده أنت اتجننت رسمي ما كان قدامك مهلة أسبوعين جاي تغير رأيك قبل الفرح بساعات.
-دِ نازلي هانم تشعلقني وتشعلقك كدة ومش بعيد تخليني ألبس العروسة أعقل كدة جعفر مستنياني أكتب عليها كمان شهرين.
-حد يقول للجواز لا.
أردف زين وهو ينظر باتجاه نافذته قائلا:
-امشي من هنا انزل قرفتني أكتر ما أنا قرفان.
-تسلم يا عم زين أنا نازل.
-ناس نفسها تتجوز وناس بتتبطر على الجواز.
-حد طايل!!!
تعالى رنين هاتف مازن لينظر إلى هوية المتصل وجدها هي من تهاتفه ليجيبها قائلا:
-صباح الخير يا جعفر هانم.
-صباح الخير، مش هتيجي تأخدني عشان نجيب الفستان عشان فرح صاحبك زين؟
-فستان!! جعفر أنتِ صاحبتي بنات من ورايا؟
ارتبكت نسمة من حديثه لتقول بحدة:
-أنا اللي غلطانة كنت عايزاك يبقى شكلك حلو قدام صاحبك لكنك مش وش نعمة وأنا غلطانة إني كنت هنزل أجيب فستان مخصوص.
-هعدي عليكِ الساعة خمسة.
-متزعليش نفسك وأنا اللي هحاسب على الفستان يا ستي.
-هو أنت كنت فاكرني أنا اللي هحاسب!!!
-اتجننت!
-خلاص يا جعفر خلاص ورايا شغل.
أغلق مع نسمة ليبرطم ببعض الكلمات الغير مفهمومة من جنون صديقه وخطيبته.
____________________________
استيقظت على صوت ضجة بالأسفل لتفتح عينيها وتصطدم بوجهه أمامها ابتلعت لعابها كادت أن تصرخ حتى وجدته يغلق فمها بكف يده لينظر باتجاه الباب بخوف وريبة، نظرت له بفزع وهي خائفة أن يراهما أحد بتلك الوضعية وذلك القرب.
أردف بهمس وصوت خافت:
-هشيل إيدي يا غرام بس متصرخيش.
اومأت له برأسها ليبتعد عنها ببطء اعتدلت في جلستها سريعا وجذبت الغطاء تضعه على جسدها قائلة بحدة:
-أنت إيه اللي جابك هنا! أنت مش خايف حد يشوفك.
اقترب منها يمسك كفيّ يدها قائلا بنبرة حزينة استطاع اصطناعها:
-غرام، أنا مش قادر أتخيلك بين إيدين اللي اسمه سيف ده.
-غرام، أنا ندمان ندمان أوي.
-ندمان إني سبتك لوحدك ندمان إني تخليت عنك ولكني قولتلك إحنا بنعرف قيمة الحاجة لما نفقدها.
طُرِق الباب ليتعجب عندما وجد الباب مغلق، ليردف قائلا:
-غرام صحيتي؟
انتفضت من الفراش لتقترب من الباب تقف خلفه وتنظر إلى شريف الذي توتر هو الأخر حتى وجدها تردف بنبرة مرتبكة:
-أه أه يا سيف.
-عايز حاجة؟
-عايز محفظتي بس.
-حاضر حاضر، هغير هدومي وأجبهالك معايا.
شعر سيف بالريبة من غرام وأردف قائلا:
-تمام يا غرام.
غادر لتفتح غرام الباب وتنظر يمينا ويسارا كان الممر خاليا لتنظر إلى شريف وتشير إلى الخارج قائة بحدة:
-إياك تتخطى حدودك تاني.
غادر شريف تحت أنظارها الخائفة من أن يراها أحد وهو خارج من غرفتها حاول الاقتراب منها لتقبّيلها كانت مصدومة من تلك الجراءة والوقاحة لمجرد أنها أصبحت مِلك لغيره.
هتف باسمها لترتعب وكادت أن تسقط أرضا شعرت بأن قلبها كاد أن يخرج من شدة الخوف والرعب إنه صوته، التفتت له لتجده يتقدم منها استندت على الحائط بجوارها لم تعد قدميها تحملها تريد العودة الآن إلى ألمانيا تريد تلك الحياة الهادئة وليست الحياة المثيرة للأعصاب وتكاد أن تنهي على حياتها.
وفي لحظات كان شريف مستلقي أرضا أثر ضربة سيف الغاضبة لأول مرة ترى تعبير الغضب على وجهه اتجاهها، جذبها من ذراعها لتشعر بالألم وكانت تنظر حولها خائفة من أن يعلم أحد بحقيقة الأمر أردفت بخفوت:
-سيف لو سمحت.
-اسكتي خالص يا غرام.
دفعها باتجاه الغرفة ليقترب من شريف الذي كان يشعر بدوار أثر لكمة سيف القوية جذبه من ياقة قميصه ليردف بغضب:
-أنا عارف أنت بتفكر في إيه.
-وعايز أقولك إنه مش هيحصل إلا على جثتي.
ضربه مرة أخرى برأسه ليزداد دوار شريف ويتركه سيف ليدلف إلى الغرفة ويغلق الباب خلفه بقوة لتنتفض من مكانها وهي ترى غضبه ابتلعت لعابها وحاولت التماسك حتى هجم عليها بقبضه يده على عنقها لتختنق وتحاول الإفلات منه لتمتليء عينيها بالدموع مردفة باختناق:
-س سي سيف.
ابتعد عنها ليغرز أصابعه في خصلات شعره بقوة في محاولة منه لتمالك أعصابه، اقتربت منه لتضع يدها على كتفه ولكنه دفعها بقوة قائلا وهو يعطيها ظهره:
-أنتِ ندمتيني إني رجعتك عشان خاطر عائلتك يا غرام، أنتِ خلتيني أشك في ثقتي فيكِ.
كاد أن يغادر حتى وجدها تعترض طريقه والدموع تغرق وجنتيها لتردف قائلة:
-أنا.
كان صامتا ينظر لها ليتفاجيء حينما رأها تحتضنه بقوة تبكي و تفرغ كل مشاعرها المضطربة بين ذراعيه، ليربت على ظهرها بحنيته المعهودة لتردف قائلة:
-أنا كنت نايمة معرفش إزاي دخل أوضتي و.
صمتت ليردف قائلا مكملا حديثها:
-فقررتي تخبي على عملته وأنتِ أكتر واحدة عارفة إن ده غلط.
قام بإزالة تلك الدموع وأردف قائلا بحدة:
-وكأنك مش متجوزة و دوستي على كل العادات والتقاليد يا غرام.
نظرت له بضعف وعادت مرة أخرى للبكاء جزء منها يميل لكلمات سيف الصحيحة والأخر يميل لذلك المختل الذي أوقعها في حُبّه.
طُرِق الباب لتبعتد غرام عن سيف بقلق وتوتر ليتساءل سيف بهدوء عن هوية الطارق:
-أنا أمك جليلة يا حبيبي.
-حاضر يا أمي هنزلك تحت.
-تمام براحتك، بس فين غرام؟
-لسة نايمة كنت بصحيها أهو.
-طيب يا حبيبي خليها تصحى تأكل عشان اليوم طويل.
-تسلمي يا ست الكل حاضر.
تركته وذهبت إلى غرفة غزل والتي كانت نائمة بعمق ولا تريد الاستيقاظ أبدا، لتستيقظ على ضربة قوية من أمها لتفزع وتردف قائلة:
-عايزة مني إيه؟ حد يصحي حد كدة!!
-وفي عروسة تنام لدلوقتي.
-عروسة! أنتوا صدقتوا ولا إيه؟
-أنا تاني يوم هتلاقيني بايتة معاكم هنا.
-أنا أقدر أبعد عن جلجل حبيبتي.
اقتربت منها تحتضنها لتدفعها أمها قائلة:
-لا يا ستي ابعدي وريحيني منك عقبال ما البيت يفضي عليا أنا وأبوكي ونرتاح من قرفكم.
-بقى كدة يا ست جليلة طب تمام.
دلفت إحسان إلى الغرفة بعدما طرقت على بابها لتبتسم إلى غزل وتهنئها وتحتضنها قائلة:
-دِ هديتي ليكِ يا غزل.
جذبت غزل تلك العلبة سريعا وهي متلهفة لرؤية ما بداخلها لتجد عقد رائع أعجبها كثيرا لتحتضن إحسان بقوة قائلة:
-الإنسان بيحبك جدا والله.
-شوفتي يا ماما.
على الجهة الأخرى، هبطت غرام مع سيف للأسفل بوجه شاحب كادت أن تسقط ليساعدها قائلا:
-لما العبس وأنتِ المخطئة؟
-سأكون ممتنة إن مُت وأَنهيتُ ذلك الصراع.
تركته وأكملت طريقها بينما هو ظل يتابعها بعينيه حتى اختفت ليتنفس الصعداء فهو يحاول كبح غضبه أمامها ولكنها في كل مرة تخرجه عن شعوره منذ أن أتت إلى هنا تمردت عليه وعلى تلك الحياة الهادئة التي كانت تنعم بها ليندم على قرار عودتها إلى موطنها الأصلي.
اندمجت غرام في التجهيزات الأخيرة، فجلسة التصوير وكتب الكتاب سيكونا في حديقة المنزل لينتقلوا بعدها إلى القاعة.
كان الجميع يجري هنا وهناك فلم يتبقى سوى ساعتين، كانت جليلة تتمم على كل شيء حتى أنها نسيت ارتداء ثيابها ليدفعها كل من غرام وإحسان إلى الأعلى لتبديل ثيابها لتذهب غرام إلى أختها وتبتسم بفرحة وهي تراها بثوبها الأبيض لتحتضنها بقوة وتهنئها قائلة بهمس بجوار أذنها:
-هكون معاكِ علطول.
نظرت لها غزل باطمئنان وثقة لتأخذ شهيقا وتزفره عدة مرات حتى هدئت.
لتردف قائلة:
-هروح أغير هدومي.
سارت في الممر لتتجه إلى غرفتها ولكنها وجدته يخرج من غرفته بعد أن ارتدى حُلَّته لتبتلع لعابها مازال وسيما ومازال ينبض قلبها بقوة كلما كانت بجواره ولكنها نفت تلك الأفكار برأسها لتتجاهله بعنف وتغادر وجدت سيف أنهى ثيابه ويقف أمام المرآة يعدل هيئته الأخيرة.
جذبت ذلك الثوب من الفراش لتدلف إلى المرحاض وتبدل ثيابها لثوب رائع يليق بها بلونه الأزرق طويل بأكمام قصيرة تصل لمرفقيها وتميل من الكتف خرجت من المرحاض تجر ثوبها خلفها فكان يمتلك ذيل تقدمت من المرآة ليبتعد عنها قليلا بدأت في تصفيف شعرها ووضع بعض مساحيق التجميل تحت أنظاره الخافتة حيث أنه كان يجلس على الفراش يرتدي حذائه نهض بعنف وغادر تحت دهشتها لتقلباته المزاجية.
قامت بإرتداء عقد فضي يتناسب مع حذائها واتجهت لخارج الغرفة بعدما قامت بجمع متعلقاتها في حقيبتها الصغيرة وغادرت كان الجميع بالأسفل يضحك ويتحدث، لتلفت نظر الجميع بصوت حذائها على الدرجات.
ابتسمت جليلة على جمال ابنتها أصبحت أكثر جمالا عن ذي قبل لتنال انبهار من الجميع وكان يقف مستندا بظهره على الحائط ينظر لها والغيرة تنهش في قلبه أثر جمالها الذي ذهب لغيره لينظر إلى سيف الذي كان جامد التعبير لم يفعل شيء سوى أنه تقدم منها ممسكا بيدها ليعود بها نحو الجميع.
-هي وقعت على الراجل ده إزاي؟ معرفتش.
أردف زوجها بملل من فضول زوجته الامتناهي:
-لا معرفتش يا سعاد وأبويا محكاش حاجة ليا ولا لحد.
-وكمان مش كفاية اللي ابن أختك عمله؟
-شريف! ماله شريف أنتوا اللي ضحكتوا عليه و ودتيوه بنت عايزة صيانة إيه ده.
-وأهي البنت اللي أنتِ بتتكلمي عنها تبقى بنت أخويا يا سعاد وبقت زي القمر أهي وألف من يتمناها حتى ابن أختك.
-جرا إيه يا محمد هو أنا قولت حاجة لده كله!!
-اسكتي يا سعاد وخلي اليوم يعدي ونرجع بيتنا على خير.
___________________________
كان يجلس مازن بجوار نسمة في سيارتهم صامتا ينظر إلى الأمام بهدوء ظاهري على عكس ما كان يشعر به ولكن لا يمكن البوح عنه أمام زين الجالس في الخلف يزفر بحدة من حين لأخر كلما يتذكر بأنه سيصبح لأخرى اليوم لم يقرر بعد كيف سيرفضها.
توقفت السيارات أمام منزل عائلة مالك ليفتح مازن الباب لصديقه ويتجه نحو باب نسمة التي كانت غاضبة من عدم انبهاره بها وبجمال الثوب عليها؛ فهي لأول مرة ترتدي فستان يبرز جمالها وأن يراها أنثى في نظره إنها دائما تصدر له وجه شخصيتها جعفر.
هبطت نازلي من السيارة مع ابنتها شاهندا الجميلة تمتلك نمش على وجنتيها يزيدها جمالا.
كان كل من يونس ومالك في استقبال العريس وعائلته، ليبتسم لهم زين بابتسامه مصطنعة عملية لتمضية اليوم.
دلفوا جميعا إلى المنزل لترحب جليلة بنازلي التي كانت تنظر إليها بعدم قبول لأنها تتعامل بأسلوب قديم احتضنتها بقوة وأخذت تقبّلها وهي تهنئها وتخبرها بمدى فرحتها بزين ليكون ابنًا لها كسيف.
لتهتف باسم سيف الذي أتى لها على الفور قائلا:
-نعم يا ست الكل.
-أقدملكم سيف جوز بنتي غرام.
-فين غرام؟
أخذت تهتف باسم غرام التي خرجت من المطبخ وتقدمت منها قائلة:
-نعم.
-أهي غرام يا نازلي.
نظرت نازلي إلى غرام من أسفلها لأعلاها لتقول:
-أه تشرفت.
-و دِ بنتي شاهندا.
جذبت شاهندا لتقف بجوارها وتقول:
-سلمي يا شاهندا.
ابتسمت شاهندا لغرام وأردفت قائلة:
-تشرفت بمعرفتك، عاملة إيه؟
احتضنتها بقوة وربتت على ظهرها لتقول:
-متخافيش على غزل دِ في عيني، دِ هتبقى أختي.
ابتسمت غرام وقد ارتاحت لشاهندا كثيرا لتقول:
-حبيبتي أنا واثقة من ده، هطلع استعجلها.
صعدت للأعلى حيث غرفة غزل فهي طلبت أن تبقى بمفردها عدة دقائق، لتفتح الباب بعد أن قامت بالطرق عليه لتجد غزل تجلس على الفراش تفرك يديها بقوة لتمسك بيدها وتبتسم لها.
-غزل، أنا جمبك.
هبطت معها لتقف على الدرجات ويبدأ الجميع بالهتاف والتصفيق ليجذب مازن باقة الورد ويضعها بين ذراعيّ زين هبطت على الدرجات وخلفها غرام قدم لها باقة الورد لتلتقطها بأصابع مرتعشة.
أردف مالك:
-خلي بالك منها يا زين دِ قطعة من روحي.
أردف زين وهو يرتكز ببصره عليها:
-متخافش يا عمي.
-طب يلا عشان المصوراتي بره اتصوروا كام صورة وأحنا هنجهز الأكل هنا نأكل ونروح على القاعة.
كانوا يقفوا في الحديقة يتصوروا كل منهما صامت لا يتحدث للأخر، لتُلتقط صورة لكل من غزل وغرام وكذلك البقية ليتم إلتقاط الجميع.
انغمست غزل في الضحك مع شاهندا المرحة ونسيت حزنها وكذلك غرام، لتبديء شاهندا إعجابها بثوب غزل فهي كانت ترتدي فستان زفاف بسيط بتطريز أبسط كان شفافا من الأكمام ويمتاز بوسع بسيط كان ذلك الثوب من اختيارها فهي لم تود شراء ثوب باهظ الثمن وملفت للعين.
ليجلسوا جميعا أمام المأذون الذي بدأ في كتابة البيانات متساءلا عن هوية الشهود كان مازن من طرف العريس ليسرع مالك قائلا:
-سيف جوز بنتي.
أردف بتلك الجملة وهو يشعر بالفخر من سيف الذي صُدم وأشار على نفسه قائلا:
-أنا؟
-أه.
ابتسمت جليلة لزوجها فهي من اقترحت الأمر عليه و رأت أنه أصبح ذي مكانة في قلوبهم ويكفي أنه حافظ على ابنتهم في الغُربة إنه أصبح جزء من عائلتهم.
تردد سيف كثيرا ليردف معترضا:
-اعذرني أنا يا مالك بيه بس.
لم يجد عذر مناسب ليتبادل نظراته مع مازن الذي اقترب من المأذون وجلس بجواره وبدأ في الإمضاء لينظر إلى سيف قائلا:
-تعالى ده أنت حتى جوز أخت غزل يعني زي أخوها بالظبط ده طبعا بعد إذن مُراد.
ابتسم مازن لمُراد الذي كان مرحب بالفكرة كثيرا، ليتقدم سيف مخرجا بطاقته بارتباك ووضعها أمام المأذون الذي كتب بياناتها سريعا كان زين يجلس باردا ينظر إلى الجميع سواها لا يريد رؤيتها لا يريد أن يشعر بالذنب يعلم أنه يظلم فتاة لا ذنب لها سوى أنها أصبحت زوجته في أيام معدودة ولكن لا ذنب له أيضا إنه مُجبر.
تعالت الزغاريط في المنزل وكان الجميع سعيد لغزل وزين الذي تقدم منها وقبّل أعلى جبينها برسمية برزت على ملامحه شعرت بها غزل في جذبه لها.
كان يقف سيف بجوار مازن متساءلا:
-كيف تم الأمر؟
-لا تستهون بقدرات صديقك، سيف.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع:
______________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
De Todoيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك