نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٢٢..
_____________________________
تزامنا مع سقوط شريف أرضا فاقدا للوعي، سقطت هي الأخرى على الأريكة وقد توقف كل شيء من حولها الوقت؛ حركة الأشجار؛ صوت العصافير المُغردة، حتى أنفاسها و دقات قلبها.
إنه سيف آل قاسم أحبّها هي؛ لتتساءل بداخلها أحقا تستحق كل ذلك الحُبّ !! هل تمد الحياة يد العون لها؟
لقد مدت لها يد العون قبل أربع سنوات وأيضا كان سيف، أنقذها من هلاك كان ينتظرها في بلد أجنبي لا تفقه عنه شيء، أثبت للجميع حتى لها إنها تستحق الحُبّ والتقدير، تحدى عائلته للزواج بها وحمايتها من كلمات الناس المسومة حتى أنه حماها من نفسه وغريزته، وقف بجوارها حينما تخلى عنها الجميع حتى الحياة، جعلها تحب نفسها وأعاد لها ثقتها، تلقى بدلا عنها رصاصة، وألقى بروحه إلى النيران من أجلها، حتى أنه لم يؤذيها يوما.
كانت تتغاضى عن كل تلك الأمور تخبر نفسها بأنها لا تستحقه وإنه يستحق زوجة أخرى تجلب له أطفال وتكّون له أسرة سعيدة، لِمَا أحبها وهي لم تقدم له سوى أذى!!
طال صمتها لتشهق بقوة وهي تلتقط كل الهواء المعبىء في الغرفة نسيت أن تتنفس من هول المفاجأة، بينما الأخر كان يستمع لِـكل الاضطرابات بداخلها يعلم بأن الأمر لن يكون سهل على كليهما.
لـيقول بنبرة خافتة وهو يرى نازلي تتقدم لداخل المصنع حتى أن زين يهاتفه:
-غرام.
-أخبرتني فتاة من قبل كانت تتحدث بنبرة يائسة و تُغلف عينيها نظرة حزينة انفطر قلبي لها تمتلك شامة في كتفها الأيسر " أن الحب يأتي مرة واحدة في العُمر، لذا يجب علينا استغلاله ".
-رُبما لن تكون هناك فرصة لإخبارك بِحُبّي مرة أخرى، لذا استغليت تلك اللحظة جيدا.
أغلق الهاتف تشعر بأنها هي من تناولت المخدر وليس ذلك المُلقي بجوارها تسرى بداخلها قشعريرة قوية باغتها شعورها بالبُكاء، إنها تريد البُكاء الآن لتحيط وجهها بكلتا يديها وتبكي وكأنها فقدت عزيزا للتو إنها حقا خائفة تخاف فقدانه، أحقا ستكون قادرة على حُبّه؟ هو الذي لم يؤذيها في حياته قط.
تعالى رنين هاتفها لتبدأ في إدراك موقفها إنها هنا بمفردها مع شريف يجب عليها المغادرة أولا، ألتقطت حقيبتها وقامت بإزالة تلك الدموع وغادرت المنزل بخُطى سريعة لتستقل سيارة أجرة وتجيب على غزل التي عاودت الاتصال بها مرة أخرى.
-ألو، مساء الخير.
-مساء النور يا غرام، عاملة إيه؟
-أنا بخير.
-مال صوتك في حاجة حصلت؟
-لا لا أنا كويسة.
-أنتِ و زين عاملين إيه؟
علقت الأخرى بإندهاش:
-زين! هو مش مع جوزك سيف؟
انتبهت غرام لكلماتها واعتدلت في جلستها تتساءل بحذر:
-معاه فين؟
-معرفش، ولكنه قال إنه عنده شغل وكان بيكلم صاحبه مازن وجاب سيرة أنه هيقابل سيف.
ربطت غرام الأحداث ولكن إن كان سيقابل زين لما عليه إخبارها بأنه لن يتمكن من الاعتراف مرة أخرى!! أحقا زين يريد إيذائه؟ توقفت عند تلك الفكرة لا بالتأكيد لا إنه لن يؤذيه إنه أخوه.
-روحتي فين يا غرام؟ أنتِ معايا؟ قلقتيني هو في حاجة؟
-لا يا غزل هشوف الموضوع ده وهكلمك.
-أنتِ معاكِ رقم مازن؟
-لا.
-طيب تمام.
أغلقت غزل معها وقد تملك منها الخوف هي الأخرى، بينما غرام حاولت الاتصال بِـسيف ولكن هاتفه مغلق، ابتلعت لعابها وأصبحت مرتبكة توقف السائق أمام منزلها لـتقول:
-معلش ممكن تمشي من هنا.
-هروح فين يا أستاذة؟
-أطلع بس وبعدين هقولك.
من أين ستأتي برقم مازن لتتذكر نسمة خطيبته لقد تعرفت عليها في حفل زفاف غزل، لتأتي برقمها تزامنا مع اتصال من مونيكا ولكنها لم تجيب اتصلت بـنسمة التي تعجبت كثيرا من مهاتفتها لها لتجيب وتقاطعها غرام باندفاع:
-أستاذة نسمة ممكن توديني رقم مازن؟
زادت دهشة نسمة كثيرا من الطلب لتتساءل بقلق:
-هو في حاجة حصلت؟
-لا أنا بس مش عارفة أوصل لجوزي ومازن كان معاه.
-طيب تمام لحظة.
أخبرتها برقم هاتفه لـتدونه غرام وتشكرها وتغلق المكالمة سريعا وتتصل بمازن الذي لم يجيب لثلاث مرات على الرغم من أن هاتفه ليس مغلق وها أخيرا أجاب في المرة الرابعة.
-أستاذ مازن.
-ألو مين معايا؟
كان يدون هاتفها وكان يعلم بمكالمتها تلك لقد أخبره سيف بأنها ستحاول الاتصال به حينما تجد هاتفه مغلق خاصةً بعد كلماته المريبة، كان مازن يجلس هو الأخر قلق وخائف تلك المواجهة سيخرج الجميع منها خاسر.
-أنا غرام، غرام مرات سيف.
-أه أهلا وسهلا، في حاجة أقدر أساعدك فيها؟
-فين سيف، يا مازن؟
-أسف ولكني مفهمتش سؤالك.
-أفندم! فين سيف؟ سيف راح يقابل زين وقال كلام غريب وقفل تليفونه من بعدها.
-وأنا عارفة العلاقة اللي بتجمعك بيه.
-أنت صاحبه.
توتر مازن لتكمل غرام حديثها وهي تقول:
-فين سيف يا مازن؟
ثم تحولت نبرتها لتصبح خائفة قلقة لتقول برجاء استطاع أن يشعر به:
-أرجوك أرجوك قولي هو فين بس وأنا هروحله.
-سيف مع زين.
-وإيه اللي هيخليه يقفل تليفونه؟
تنهد الأخر ليخبرها بما سيحدث في ذلك الاجتماع؛ لأنه يعلم بأن غرام رُبما ستشفي قليلا من جرح سيف إنه سيتألم كثيرا خاصةً حينما يرى أخيه مكسورا عندما يعلم بحقيقة أمه.
أردفت بِلهفة:
-أنت فين؟ لازم نروحله.
-أرجوك.
تنهد وأعطاها مكانه لتخبر السائق على وجهتها وتعتذر له عن تعطيله، ليتوقف السائق أمام تلك السيارة والتي كانت لـمازن لتهبط وتحاسبه وتعطيه فوق حسابه اعتذارا منها على تعطيله لتقترب من مازن بلهفة رآها في عينيها لتقول:
-يلا منتظر إيه؟
-معلش يا غرام ممكن تسمعي كلامي.
-أنا بلغتك كل حاجة عشان سيف ممكن يحتاجك جمبه بعد الاجتماع ده ولكن دِ مواجهة لازم تتم من سنين فاتت.
-عشان كدة ممكن تفضلِ هنا معايا لغاية ما أتدخل في الوقت المناسب.
حركت رأسها بالإيجاب ليفتح لها باب السيارة ويدعوها للجلوس وكذلك هو جلس بجوارها يتمنى أن تنتهي تلك المواجهة بخير وسلام.
على الجهة الأخرى، تقدم سيف للداخل وتم تفتيشه من قِبل رجالها الذين يقفوا في الواجهة الأمامية للمصنع ليجدها تجلس على أحد المقاعد وهناك مقعد أخر متهالك أمامها لتدعوه يجلس عليه لم يرى ذلك الخُبث الذي أحتل عينيه كان ينظر لقذارة المكان فكان متسخ للغاية مليء بالأتربة في كل مكان لم يتم إعادة تشغيله منذ سنوات.
جلس على الكرسي لتمر دقائق وقد قُيد في المقعد بِحبال متينة أثر رجلين كان يقفوا في الخلف ينتظروا اللحظة المناسبة للهجوم على جسده القوي، كان غاضب ينظر لها بعينيه الحادة يفكر كيف سيتخلص منها بعد قتلها ولكنه حرك رأسه ينفي تلك الأفكار من داخله سيتخلص منها لا شك ولكن الآن يجب أن يخبر أخيه بحقيقة تلك المرأة.
توقفت سيارة الأخر من الجهة الخليفة للمصنع عدل ياقة قميصه و وضع يده في جيب بنطاله يخفي تلك الرعشة لا ينكر إنه خائف، يتمنى أن يصدق كليهما ولكن ذلك خيال يعيش فيه الآن لن يحدث.
دلف للداخل ولم يمنعه أحد لم تظن بأنه قد يجلب ابنها هنا يشهد على تلك المواجهة ويرى حقيقتها المخفية لسنوات عدة منذ أن علمت بزواج جابر؛ فهي لم تعرف بحقيقة زواجه بديما إلا بعد إنجابها لزين لذا قررت الحفاظ على حقها وحق ابنها بكل ما أُوتيت من قوة.
وقف خلف ذلك الحائط يستند برأسه عليه يغمض جفنيه يتمنى أن يغادر وألا يستمع ولكن رؤيته لأخيه مقيد منعته ليظل ويرى ماذا مُخبىء له.
أردف قائلا:
-هي من أولها كدة!
-عايز إيه يا ابن جابر من زين؟
-أخويا.
ضحكت بسخرية لتكمل حديثها:
-هصدقك أنا بقى كدة!!
-مش مضطر أخليكِ تصدقيني.
-بعتلك إنذار من أول لحظة شوفتك فيها وبلغتك تمشي وترجع بلدك مش كدة؟
حاول اصطناع عدم فهمه لِـتُقر هي بتلك الحادثة وحينها ستعترف:
-مش فاكر امتى؟
-يوم فرح زين.
-و رجعتِ حاولتي تقتليني تاني..مش كدة؟
أجابت بنبرة مليئة بحقد وغل وهي تنهض لتدور حول سيف وتقول:
-وهحاول تالت و رابع طول ما أنت بتقلب زين ضدي.
-ولو زودت في عنادك معايا هقتل كل فرد بتحبه زي أمك ومراتك.
-ده أنتِ قتالة قتلة بقى!!
-لسة مجاش اللي يأخد حاجة أنا عايزاها.
-زين أنا اللي تعبت في تربيته والبيه كان هناك معاكم بيوزع عليكم كل الحب والاهتمام وأحنا كلاب بيبعت لينا شوية فلوس كل أول شهر ويطمن في السنة مرة.
أردف بسخرية ليستفزها؛ فتخرج الأسوأ:
-مش ممكن تكوني شربتيه حاجة صفرة عشان يتجوزك؟
تلقى صفعة قوية على وجنته لتسحب ذلك المسدس من حارسها وتصوبه نحوه بينما الأخر لم يحيد بعينيه عنها إنه ليس خائف فقط غاضب من تلك الصفعة ولكنه تغاضى عن الأمر مؤقتا لتخفض المسدس مرة أخرى قائلة:
-لسة بينا كلام طويل.
-سيب زين في حاله.
-قتلتيه؟
-هو مين؟
-جابر.
ابتلعت لعابها وارتبكت كثيرا لتنهض مرة أخرى قائلة بانفعال غير مبرر:
-أنت بتقول إيه؟ أنا مقتلتش حد فاهم مقتلتش حد.
قبضت على عنقه وهي تقول بغضب:
-جبت الكلام ده منين؟ انطق.
-مين قالك الكلام ده؟
-قول.
دفعته بقوة بينما الأخر كان يختنق وبمجرد أن ابتعدت عنه حتى سعل بقوة وقد أحمرّ وجهه، ليبدأ في الضحك من بعدها:
-ردة فعلك قالت كل حاجة.
بدأت يدها ترتعش ولكنها أبت أن تكون الخاسرة عادت لتجلس أمامه مرة أخرى واضعة قدم فوق أخرى تقول وقد ظهر على وجهها ابتسامة مريضة أخافت حراسها بها:
-وأفرض كلامك صح، كدة كدة أنت هتموت والسر هيدفن معاك.
-ولا تحب أبعتلك غرام تؤنسك، ولا.
نهضت واقتربت منه بدلال تقبض على ياقة قميصه برفق تنظر لعينيه وتقول:
-تحب أكون معاك في ساعاتك الأخيرة!
سقط ذلك الباكي أرضا من هول ما يراه ويسمعه حقا تلك هي أمه!! قدوته في تلك الحياة من رأى بها حنان لا يضاهي حنان أحد!!
أردف سيف بحدة:
-غرام أشرف منك ومن اللي زيك.
-اسمها حتى متستحقيش تنطقيه.
-للدرجة دِ بتحبها!!
رفعت يدها إلى وجنته تلمسها بنعومة وتقول:
-أنا بقى ملقتش حد يحبني زي حبك ليها.
-أنتِ مريضة.
دفعته بقوة ليسقط هو والكرسي لتشير لـحراسه أن يرفعوه مرة أخرى وتعود لمقعدها تقول:
-تتنازل عن كل ثروتك وفي المقابل روحك.
-لا.
-للدرجة دِ ثروتك أغلى من روحك!
-خلاص نشوف حاجة أغلى.
لتلتمع عينيها بخبث وتقول:
-غرام.
عاد بظهره للخلف يجلس بأريحية على المقعد قائلا:
-تؤ، دِ حاجة قديمة معروفة من التسعينات شوفي حاجة أجدد.
-نجيبها ونشوف.
لـتشير إلى الحارس وتخبره أن يبحث عن تلك المُدعوة غـرام، بينما الأخر كان يشعر بالخوف من داخله يتمنى أن تكون مُختبأة بِـشكل جيد لقد عاهد نفسه ألا يكون مصدر أذى لها أبدا.
ليتبقى حارس واحد خلف سيف، وتقول:
-احكي لسة ورانا وقت لغاية ما يوصلوا للسنيورة.
-قتلتيه ليه؟
أجابت بانفعال:
-ليه مُصّر إني أقتلته؟
-اللي يحاول يقتلني مرة واتنين مش بعيدة عليه يكون قتل قبل كدة عشان مثلا الورث!
أشارت لحارسها لكي يبتعد واقتربت من سيف و دنت نحو أذنه تهتف بنبرة هستيرية مريضة:
-أيوه قتلته مع عشيقي، وكانت لحظة سعيدة جدا وممتعة.
ابتلع لعابه يحمد ربه أن زين لم يستمع لتلك الكلمات، ولكنه شعر بالقهر حينما علم أن أبيه قد قُتِل وعُذِب قبل مماته حقا فتاة مثلها تكون عاقلة!
تراجعت لتجلس على مقعدها والصمت حليفهم، بينما زين كان أكثرهم انهيارا إنه خُدِع فيها في حُبها بات يكره نفسه الآن.
كانت تجلس تحرك قدميها بعصبية وتقوم بالضغط على أصابعها كثيرا ليقسم أنها كادت أن تُكسَر، لتفاجئه بانفعالها:
-ما تتصل بيهم؟
-ما أنا اتصلت بسيف قدامك تليفونه مغلق.
-لا أقصد زين شوفه كدة.
-غـرام، أنا عايز أطمن زيي زيك وقلقان ويمكن أكتر منك لأن الإتنين دول أن كرست ليهم كل حياتي وشغلي ومهاراتي وعاشرتهم كتير بس بلاش نأخد خطوة من نفسنا.
عاد الحارس يخبرها بأنهم لم يجدوها ولم يرصدوا حركتها بعد بينما سيف حمد ربه بداخله لحمايته لها، كادت أن تبكي ليشعر بالشفقة نحوها ويخرج هاتفه يتصل بـزين كما أرادت ليجيب الأخر عليه ولكنه لم يتحدث فقط كان يبكي يتمنى لو أنه لم يأتي ليس لذلك اللقاء ولكن للدنيا كلها.
ألتقطت المسدس لتضعه على جبهته تقول:
-أتشاهد على روحك يا ابن جابر، أنا مش هسمحلك تقف بيني وبين زين.
دوت صوت طلقة قوية في المكان تبعتها شهقة قوية من غرام تهتف باسمه بداخلها، أحقا فقدته!
أغلق مازن الهاتف وانطلق بسيارته إلى ذلك المصنع وقد اضطربت مشاعره يتمنى لو لم يعود سيف إلى مصر أبدا أو لم تفرق نازلي بين كليهما.
على الجهة الأخرى، تقدم زين بعدما أطلق تلك الرصاصة لينتبه الجميع له ويرفع الجميع أسلحتهم في وجهه بينما هو كان يصب نظراته إلى تلك التي ألقت بالمسدس أرضا بفزع وأردفت بغباء منها:
-زين حبيبي أنت جيت؟ كويس إنك جيت ده كان عايز يقتلني.
حقا!! هكذا كان تعبير سيف المقيد في الكرسي المتهالك يتساءل عن نسبة غباء تلك السيدة بالتأكيد سيكون مرتفع للغاية، عن أي محاول قتل قام بفعلها؟ إنه مقيد ألا تفهم تلك المرأة!
أشار على الحارس بمسدسه لـيقول بحدة:
-فكهُ.
نظر الحارس لـنازلي التي أشارت له بالإيجاب لتحاول التقدم من ابنها ولكنه رفع في وجهها المسدس قائلا:
-أنا مش عايز أسمع نفس ليكِ، فاهمة؟
-حبيبي اهدأ من ساعة ما جه هو مفرق ما بينا.
-زين أنت ابني وكل ما عندي.
نهض سيف وهو يزيل ذلك الغبار من عليه يقول:
-تفتكري هيكون مبسوط لما يعرف السر بتاعك!
نظرت نازلي لسيف بِشر وألتقطت مسدسها مرة أخرى توجهه إلى سيف وتقول بغضب:
-أنت السبب لازم تموت عشان ابني يعيش فاهم.
نظر الحارسان لبعضهم البعض وانسحبوا بهدوء إنها معركة خاسرة لن تصمد نازلي طويلا أمام كليهما.
-وأنتِ فاكراني هرجع معاكِ، عيل صغير أنا!
-أنا فعلا كنت عيل لما كنت بمشي وراكِ مش فاهم حاجة ولكني كنت بقول دِ الوحيدة اللي مستحيل في العالم تخذلني، وخذلتيني.
كان يقود السيارة بقوة بينما هي يكاد يُغشى عليها من هول تلك الأحداث التي نسجتها في خيالها، من المُصاب؟ سيف أم زين أم نازلي تدعو بداخلها ألا يكون سيف قد تأذى.
كان مازن ينتظرهم على مقربة منهم لذا استطاع الوصول لهم بعد فترة قصيرة، هبطت من السيارة سريعا تتقدم نحو ذلك المصنع وهي تبحث عن الصوت لعلها تجده ليخبرها مازن بالوجهة وتتقدمه حيث الباب الخلفي للمصنع ليتوقف مازن عندما يرى سيارة زين بينما هي اقتربت من ذلك الباب تحاول فتحه ولكنه كان مُغلق من الداخل ليتعجب مازن من حركة زين تلك ويدعو بداخله أن تمر تلك اللحظات على خير.
صدرت طلقة أخرى جعلتها تنتفض من مكانها تزامنا مع صراخ زين باسم سـيف، لـتنظر إلى مازن وقد خفق قلبها تشعر بالدوار يجتاحها سقطت أرضا ليقترب منها مازن قائلا وهو يطمئنها ويطمئن نفسه:
-إن شاء الله خير، محدش فيهم هيتأذي.
طرقت على الباب بقوة وهي تجلس أرضا تصرخ باسم سيف بينما مازن ليس بيديه حيلة فمن الأمام رجال نازلي ومسلحين وها زين قد أغلق الباب من الداخل.
أحاطها سيف من الخلف يحاول أن يأخذ منها ذلك المسدس ولكن خرجت طلقة منه في الهواء، لتردف نازلي بغضب:
-سبني بقولك سبني.
-هقتلك يا سيف هقتلك أنت وعائلتك كلهم.
-هحرق قلبك على حبيبتك.
-هقتلها وهقتلك.
-أنت اللي فرقت بيني وبين ابني.
كانت تحاول الفرار من قبضتيه ولكنه هتف بغضب:
-وأنتِ فرقتِ بيني وبين أخويا لـسنين بالكدب والخداع.
-حكمتِ عليا إني هأخد ورثكم ومش هوديكم حقكم.
-غلطانة يا نازلي هانم.
-جابر آل القاسم مأكلش حقك ولا حق أخويا.
-وقسم ما بين كل واحد فينا بالعدل ولكن طمعك وجشعك خلاكِ تتمنى اللي في إيد غيرك.
-ابعد عني، مش هسيبك.
كانت تتحدث بهستيرية وأكملت كلامها:
-أيوه أنت وهي خسارة فيكم الفلوس أنا اللي تعبت معاه وأنا اللي ساندته وأنا اللي أستحق كل جنيه أنت بتتنعم بيه.
-أنت مشوفتش كره زي اللي أنا شوفته.
-كان لازم أحافظ على عيالي؛ لأنك حرامي ونصاب.
-عايز تنصب على ابني.
-أنا مش بعد كل اللي عملته تأخد كل حاجة على الجاهز.
-أيوه أنا قتلته وزورت الوصية ولو رجع بيا الزمن تاني هقتله هقتله وكنت كمان هقتل أمك معاه وأقتلك وأخلص منكم.
انهارت كل قواه ليضع يده على أذنيه يصرخ بقوله:
-بس بس، اخرسي مش عايز أسمع كلمة بس.
بينما سيف ارتخت قبضتيه من عليها ينظر لأخيه يريد أن يواسيه لقد خذلته عائلته بأكملها.
اقترب من أخيه يقول وهو ينظر لذلك المسدس الذي يمسكه بحذر:
-زين اهدأ عشان نقدر نفكر سوا.
رفع نظره له وأزال دمعته تلك التي تمردت على وجنته وصوب باتجاه نازلي، بينما سيف جحظت عينيه وحاول أن يجذب منه المسدس ولكنه دفعه بقوة ليقف خلفه و يرى نازلي هي الأخرى تصوب ولكن باتجاه سيف.
-مش هخسر لوحدي يا ابن جابر.
صدى صوت طلقتين في آنٍ واحد جعلها تنتفض من مكانها وتنهض تهتف باسمه بهستيرية لا يمكنها فقدانه لن تسمح بالأمر ليس بعد الآن.
هزت رأسه بنفي عدة مرات وهي تبكي بينما مازن حاول تهدئتها ولكن بلا فائدة إنها تردد بلا وعي:
-سيف سيف هيموت سيف لا.
ابتلع مازن لعابه بخوف على صديقيه يقول بخفوت:
-أرجوكِ اهدئي.
استمع مازن لصوت سيارة تتحرك ليرى حراس نازلي تنسحب وتغادر ليترك غـرام تهذي ببعض الكلمات الغير مفهومة بهستيرية لتسقط مرة أخرى على الأرض تنهار في البُكاء ثانيةً.
بالداخل، دلف مازن ليجد نازلي مُلقاة أرضا تحيطها بقعة دماء وبجوارها مسدس، ليرفع بصره ويرى زين في أحضان أخيه يبكي بينما سيف يضغط على جرحه بقوة ينظر حوله لعله يجد هاتفا ويتصل بالاسعاف ليجد أمامه مازن ليقول بحدة:
-أتصل بالاسعاف فورا.
سقط مازن على ركبتيه أمام زين وهو يرى تلك الطلقة التي اخترقت صدره، ليهتف بخفوت:
-أسف.
نظر زين إلى سيف الذي كان يزيل عَبراته من على وجنتيه وهو يقول:
-هتبقى كويس صدقني مش هسيبك تموت.
-أتصرف يا مازن أتصرف.
أخرج مازن هاتفه وأتصل بالاسعاف ليخبرهم بإصابة كلٍ من زين ونازلي وعنوان الحادث، لتنطلق أقرب مشفى لهم بسيارتيّ إسعاف.
ضغط مازن على جرح زين و أردف دون أن يحيد بنظره عن زين الذي بدأ يغيب عن وعيه:
-مراتك بره فاكراك مُت شوفها.
نظر له سيف وكأنه يعنفه عن جلبها لهنا، أردف الأخير:
-هنعمل إيه بقى عنيدة زيك.
-اضغط على الجرح كويس.
نهض سيف واتجه للخارج لم يحتاج وقتا طويلا في البحث عنها فصوت بُكائها وصل له، ليتقدم منها ويقف أمامها على مقربة بضعة خطوات ينظر لها كيف تبكي بقوة وكأنها فقدت روحها وليس هو وجدها ترفع يدها نحوه قلبها وقد ظهر الألم على قسمات وجهها ابتلع لعابه متساءلا بداخله:
-أحقا أصبحت خائفة من فقدانه؟
بينما هي رأت حذائه لتظنه مازن في البداية ولكنها رفعت رأسها إنه هو عطره كيف يقف أمامها؟ استندت على الجدار بجوارها لتنهض كان المكان لا يخلو من صمتهم عدا صوت أنفاسها الحادة، ينظر لها بدهشة بينما هي تبادله أخرى بلهفة.
ثوانٍ فقط وكانت قد توسطت أحضانه تحيط عنقه بذراعيها وترفع قدميها قليلا من الأرض تتشبث به وكأنه ملجأها الوحيد لم تكُف عن البُكاء بل ازدادت فيه، رفع ذراعيه يحيطها ويضمها له بقوة.
لطالما كان الحضن عبارة عن كلماتنا التي نخبئها بداخلنا ولا نفصح عنها؛ فالحضن أبلغ أحيانا من الحديث.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_____________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
De Todoيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك