الفصل التاسع والثلاثون..

460 22 0
                                    

نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣٩..
______________________________
ما زال الزمن متوقفا لدى كليهما ولكنه كان الأسرع ليبعد قبضتيه سريعا كمن لدغته أفعى بينما هي كادت أن تسقط لولا أن حافظت على اِتزانها بينما هو خفض ليلتقط اللافتة ويتقدم حيث القادمين ولكنها هتفت باسمه:
-سـيف.
توقف بغتةً لـم تعد قدماه تريدان السير ظل يعطيها ظهره بينما العرق تصبب على جبهته يشعر بأن الجو أصبح حارا ليحرر زر سترتهُ وقميصهُ، أكملت حديثها:
-أنا الضيف اللي أنت منتظرهُ.
قالتها هكذا ببساطة! ألتفت لـها ببطء وشعر بضربات قلبه تكاد تصيبه بسكتة قلبية من شدتها.
ابتلعت لعابها وتقدمت منه فكانت المسافة بينهما كبيرة نسبيا بينما هو ترجم بداخله اعتذار أخيه دون مبرر حينما هاتفه، يعلم بأنه سيؤذيه ومع ذلك أرسلها له ولكن السؤال الأهم لما هي هنا؟ ألـم تتخلى عنه من أجل ذلك المدعو شريف حبها الأول! أم أتت لتطلب الطلاق هناك الكثير من التساؤلات التي تجول بخاطره.
أرتدى قناع الجمود وأردف بالألمانية:
-حقا! أتعلمين عواقب ما تفوهتِ بِه حتى؟
-أتهزأين بِي؟
ألقى اللافتة بعنف لتفزع غـرام في مكانها وهي ترى الغضب على وجهه، لتردد بداخله بدهشة سـيف غاضب! لـم تراه قط غاضبا بل كان حكيما يعقل الأمور دوما.
تركها واتجه يغادر المطار وقد أخرج هاتفه يتصل بأخيه يفهم تلك المسرحية التي تحدث من حوله بينما هي قبضت على حقيبة سفرها وجذبتها خلفها سريعا وهي تتبعه لتجده يركل إطار سيارته بغضب حينما لم يجيب زيـن على مكالمته وقفت على مقربة منه وهي تتمنى أن يمر اليوم بسلام ولكن الأمر لـن يتحقق حتى في الأحلام.
ظل يهاتف زيـن عدة مرات بينما الأخير كان في أحد اجتماعاته لا يريد أن يجيب عليه الآن بالتأكيد وصلت غـرام لـه وهو في قمة غضبهُ الآن لينفِّث القليل عليها.
اضطر زيـن أن يستأذن من الاجتماع ليُجيب على أخيه الذي هاتفه لأكثر من عشرين مرة ولم ييأس، هو لن يتركه حيا بعد الآن.
أجاب زيـن عليه ليقابله الأخير بنبرته الغاضبة متساءلا:
-فين ضيفك يا أستاذ زين؟
-هي دِ؟ رد عليا.
-ليا اسم علفكرة.
تجاهلها تماما وانتظر إجابة زيـن عليه والتي أتته هادئة يتنافى تماما مع شخصيته:
-سـيف كل اللي أقدر أقوله، إنها في مشكلة كبيرة بتهدد خطر على حياة غـرام وأسلم حل إنها تكون في أمان إنها تسافر وخصوصا عندك.
-اعتبرها حالة إنسانية، اعتبرها شاهندا حتى.
صمت سـيف قليلا ولم يجيب ليشعر زيـن بالقلق من رفضه حينها لـن يكون هناك سبيل لحل الأمور وحمايتها، أصدر الهاتف صفيرا يعلن انتهاء المكالمة ليدعو زيـن بداخله بينما سـيف كان هناك صراع كبير بداخله لا يشعر بِه أحد سواه.
اعتدل في وقفته يرفع رأسه بشموخ بينما تراقب كل تصرفاته وانفعالاته لتجده يتجه إلى مقعده في السيارة وبدأ في إدارة محرك السيارة ليتبعه فتح الزجاج المقابل لها بينما كانت تشعر بالخوف ولكن حتى وإن رفض لن تنزعج منه أو تعاتبه، ولكنها شعرت بموافقته حينما فتح لها الزجاج المقابل لها لتتجه على الفور تفتح الباب الخلفي للسيارة وتضع حقائبها وتفتح الباب بجانبه وتستقل في المقعد جواره بينما هو خلع سترته لتنكمش غـرام في جلستها ليلاحظ حركتها تلك ولكنه لم يعيير الأمر اهتمام وقاد سيارته لا يعلم إلى أين يتجه.
أردف بقوله:
-ستمكثين في فندق.
اعتدلت في جلستها تنظر لـه وتقول:
-أنا! هتسبني في الفندق لوحدي!
عقد حاجبيه باستنكار ليطالعها بدهشة ألم تهجره وحده في الفندق، أجاب عليها:
-أخاف على الفندق منك.
-سـيف.
لم ينظر لـها يكفي ضعف إلى هنا، توقف أمام الفندق المُراد وهبط من السيارة ليقوم بإخراج حقائبها بينما هي كانت على وشك البكاء ولكنها صمدت ليس هناك وقت للانهيار ستستغل تلك الفترة في عودة العلاقات نعم هذا ما قررته أثناء رحلتها من مصر إلى هنا، ستحاول من أجل كليهما.
تركها أمام الفندق بجانب حقائبها وأردف بقوله:
-ستمكثين هنا حتى تقضي فترتك بِسلام، يا مدام مهدي.
عقدت حاجبيها من هذا اللقب العجيب ماذا يقصده بِـ مدام المهدي شريف أم أبيها؟ ولكنها تحمل كنيته هو وليس هم، همت أن تتحدث حتى وجدته استقل سيارته وغادر من أمامها لتجد الدموع تأخذ طريقها إلى وجنتيها لتشرع في البكاء حتى تعالى صوتها ها هي وحيدة لا أحد بجانبها ليساندها حتى سـيف.
بعد أن هدئت نوبة البكاء دلفت للفندق وهي لا تعلم بأي اسم الحجز لتتقدم وتقول اسمه بعشوائية لتجد بالفعل الحجز باسمه لتتنهد براحة وتتجه لغرفتها ترتاح قليلا ولكن كيف مع كل المصائب التي تحيطها تلك!
____________________________
دلف للمنزل يتطلع لأرجائه لقد حاول نسيانها بشتى الطرق أزال كل صورهم وأعاد المنزل كما كان قبل زواجهم ولكنها تأتي مرة أخرى لتهدم كل ما يفعله.
استلقى على الأريكة ينظر لسقف الغرفة يتمنى لو أن يغمض جفنيه تلك السنوات من حياته يا ليتها لم تقتحمها يا ليته حافظ على قلبه من فتنتها.
أثناء استغراقه في التفكير غفى بمكانه حتى طلوع النهار لم يشعر بالوقت ولم يستيقظ من تلقاء نفسه كالعادة، أوقظه رنين جرس الباب ليشعر بالضيق والحنق وحاول تجاهل الطارق ولكنه عاد ليرن مرة أخرى لينهض متأففا ويتجه نحو الباب يفتحه بعنف متوعدا للطارق، ولكنه وجدها تقف أمامه بجوارها حقيبة سفرها وأخرى على كتفها وترتدي تلك النظارة الشمسية والتي تحجبه عن عينيها.
تساءل مردفا:
-لما أتيتِ إلى هنا؟
-لن أمكث في ذلك الفندق، وحتى موعد طائرتي للعودة إلى مصر سأبقى هنا.
-لـم يتم الطلاق بعد ف.
قاطعها بشراسة متساءلا:
-أتيتِ لهنا للطلاق أليس كذلك؟
-كان يكفي أن تخبري زيـن حينها كنت سأقوم بالأمر بأكمله.
-الطلاق سيتم سـيف ولكن ليس الآن حينما تستقر الأمور في مصر حينها سأنفصل عنك بشكل نهائي وتستمر في حياتك وكذلك أنا.
-ماذا تقصدين بكلماتك؟
-تتحدثين بالألغاز وكذلك زيـن، ماذا يجرى وأنا لا أعلمه؟
تخطته ودلفت للداخل تنظر إلى أرجاء المنزل لـم تجد الصور التي كانت تجمعهم سويا لقد حرقهم بالتأكيد من يريد أن يتذكر من كان سبب في جرحه!
أردفت وهي تعطيه ظهرها:
-لقد وافقت على مساعدتي في البداية.
ألتفتت لـه وقبضت على مقبض حقيبتها بقوة تحاول التماسك أمامه كيف تمكنت من جرحه والكذب عليه! أكملت حديثها وهي تقول:
-لننهي الأمر بشكل جيد، ستساعدني للمرة الأخيرة قبل الانفصال.
تقدم منها يقبض على ذراعها بقوة ويجذبها نحوه لترفع رأسها نحوه وقد تكونت طبقة من الدموع في مقلتيها أبت أن يتمردوا على وجنتيها، بينما هو أردف:
-لا أعلم من أين أتيتِ بكل هذا الجراءة؟ تقتحمين منزلي وتجبريني على مساعدتك!
-لا تتحدثين عن نهاية الأمور؛ لأنك الأسوأ في الختام.
-يكفي أنك أفضل مني.
صمت قليلا يطالعها بدهشة كاد أن يتحدث حتى قاطع كليهما ذلك الصوت من أمام الباب فقد تركه سـيف مفتوحا.
-غـرام!!
نظر كلاهما إلى الباب لتجري مونيكا نحو غـرام وتجذبها من سـيف لتحضنها بقوة لتبتعد عنها قليلا وتلكم سـيف بقبضتها في كتفه بخفة وهي تقول:
-أخبرتني أنها لـن تعود مجددا وأنكم انفصلتم، وها هي قد عادت مرة أخرى.
-أين كنتِ وماذا حدث؟ هل قابلتِ عائلتك؟ أخبريني بكل التفاصيل.
أردف سـيف بحدة تعجبت منها مونيكا:
-إن كنتِ ترحبين بوجودها كثيرا، خذيها لمنزلك لن تبقى هنا في منزلي.
تركهم ودلف لغرفته لتنظر مونيكا إلى غـرام التي بكت بصمت، لتتساءل بحذر:
-أهناك خطب ما بينكما؟ لما سـيف غاضب كثيرا؟
-هل اخطأتِ في حقه؟
حركت رأسها بالإيجاب لتقول مونيكا:
-شيء يمكن إصلاحه؟
حركت رأسها بالنفي لتشعر مونيكا بالحيرة وتقول:
-وما الحل الآن؟ أيمكنكِ إخباري بما حدث؟
-بعد ذهابه.
خرج سـيف من غرفته بعدما نازع كثيرا مع قلبه الذي عاد لينبض للشخص الخطأ مرة أخرى، صفع باب غرفته خلفه بقوة لتنتفض مونيكا وتنظر لـغرام التي أعطته ظهرها تزيل عَبراتها حتى لا يراهم.
ابتسمت مونيكا لـسيف بتردد وأردفت:
-يوم سعيد، أراك لاحقا.
لم يجيبها غادر المنزل على الفور يريد الهرب من كل مكان تتواجد فيه لن يسمح لنفسه بالتراجع والانتكاس.
جذبت مونيكا غـرام لـها لتحثها على الحديث وتجلس بجوارها على الأريكة توليها كل الاهتمام، لتبدأ غـرام في الحديث تخبرها بكل ما دار بينهما؛ فهي لا تعرف أحد هنا يمكنها الوثوق بِه سوى مونيكا وسـيف.
_____________________________
ما زال شريف مختبئا في جحره لا أحد يعرف طريقه سوى قلة ممن يثق بهم، كان يصرخ على رامي بأنه لم يستطع التخلص منها قبل تسليم الأوراق والمستندات التي تثبت إدانته وليس هو فقط أيضا شركاؤه في العمل تم التحقيق في أمرهم، لذا يتوعدون لشريف ويريدون الفتك به.
كان شريف غاضب من غـرام بشكل كبير يتمنى لو أنها أمامه ليطبق بقبضتيه على عنقها ليخلص منها للأبد، لطالما كانت عائق في حياته منذ الصغر كلما كان يتودد لـغدير كانت تفسد الأمر وعندما ألتحق مع غدير في دورة تدريبية لتعلم اللغة الألمانية ألتحقت هي الأخرى، حتى أنها من اتفقت مع يزيد للهرب مع عروسه ليلة زفافهم واضطر للزواج بها لذا كان أقل انتقام يقدمه لها أن يتركها في تلك البلدة الغريبة وحدها ويكسر فرحتها وقلبها واستطاع أن يفعل الأمر بجدارة، ولكن أتى سـف ليفسد خطته بالكامل وقام بإنقاذها من الهلاك المحتوم الذي كان في انتظارها واستطاع أن يعيد ثقتها بنفسها مرة أخرى.
ليشعر بالطمع والغيرة ويتمنى أن تصبح مِلكه مرةً أخرى، ولكنها خدعته وقضت على مستقبله.
ألقى بذلك المقعد الخشبي أرضا وهو ينظر لذلك المكان الدنيء الذي يمكث فيه هروبا من الحُكم كانت شقة في أحد الأحياء الشعبية ما زالت طوبا أحمر لا يوجد بها إمكانيات فقط مرتبة للنوم تُضع أرضا من أجله و مرحاض بدائي لا يستطيع استخدامه، هو الذي عاش حياته أكملها في رفاهية تامة.
على الجهة الأخرى، كان عبدالقادر يجلس في غرفته حزين على ما أصاب أسرته الصغيرة التي سعى كثيرا  لإنشائها يا ليته لـم يتزوج حينها لـم يكن لينجب عاقا كـشريف ذلك الذي شرد العائلة بالكامل وسلب منهما كل ما يتملكونه.
كان يشعر بالحسرة والحزن ليفيق من شروده على يد زوجته التي جلست بجواره تبتسم له وتقول:
-مالك يا عبدالقادر؟
-مش شايفة شكلي بقى عامل إزاي في العائلة، يا إحسان؟
-أنت سيد الرجالة كلهم.
-وقطع لسان اللي يقول عليك كلمة.
صمت قليلا وقد ظهر على وجهها قسمات الحزن لتكمل حديثها:
-ده نصيب يا عبدالقادر، نصيبنا إنه يبقى ابننا كدة.
-طبعا مكنتش أتمنى إنه يبقى كدة بس ده ابننا قطعة من لحمنا، مهما عمل هيفضل ابننا حقيقة مش هتتغير.
-عشان كدة حبستك في أوضتك مش هتغير الحقيقة، وإنك توقف شغل برضو مش هينفي الحقيقة.
-وكتر خيره مالك أخوك قالك مهما يحصل أنتوا أخوات، ومفيش حاجة هتفرقكم عن بعض.
-ليه بتختار أنت البُعد بقى؟ ده أخوك، يا عبدالقادر.
-وقالك أنه محتاجلك هتسيبه لوحده، وأنتوا الاتنين اتعودتوا تكونوا في ضهر بعض.
-جليلة بتقولي إنه بيقول الحياة هترجع لأصلها من تاني لما أخويا يرجع لكن الفلوس عمرها ما هتحييني.
-أخوك بيحبك يا عبدالقادر وعمره ما يزعل منك، متعملش في نفسك كدة.
-أنت ولا بقيت تأكل ولا تتكلم ولا تقعد معانا خالص.
-هون على نفسك، إن شاء الله كل الأمور هتتحل.
ابتسم عبدالقادر و ربت على كتف إحسان وأردف بقوله:
-شكرا ليكِ يا إحسان، عمرك ما اتخليتي عني.
-وأنا ليا مين في الدنيا دِ غيرك؟ أبويا وأمي وماتوا وأخويا وسافر ولا بيسأل عني.
-أنت كل اللي ليا، يا عبدالقادر.
-قولي كمان.
خجلت إحسان وهو ينظر لـها بحب لـم يتغير منذ سنوات، ونهضت تقول بارتباك:
-هجهز الشنط ونسافر للقاهرة جليلة وحشتني أوي.
وهربت سريعا من أمامه تتجه إلى للأسفل تخبر صفاء والدته بقرارهم.
____________________________
دلف للمنزل في وقت متأخر على الرغم من إنهاء عمله باكرا أو لنكن أكثر دقة لم يستطع التركيز في العمل وظل شارد الذهن طول اليوم يتساءل لما سمح لها بالبقاء على الرغم من فعلتها معه دون مبرر! ولـم يجد إجابة لسؤاله؛ ربما لأنه طيب القلب ولين لا يقبل أن يرى أحد يحتاج مساعدتهُ ولا يساعده وخاصةً إن كانت هي يجب عليه أن يقسو قليلا.
أغلق الباب خلفه وخلع حذائه ليتقدم للداخل عابر ذلك الممر الصغير المؤدي لأجزاء المنزل، ليتفاجيء بكلٍ منهما يجلسا على الأريكة يشاهدون التلفاز هتف باسم مونيكا ولكنها لـم تجيبه وكذلك غـرام لـم تلتفت لـه ليتقدم منهما أكثر ويقف أمامهم ليرى كلتاهما نائمة وهناك ملاحظة مدونة في ورقة على الطاولة أمامهم ليلتقطها ويقرأ ما فيها "ليتني أستطيع ضيافة غـرام عندي ولكني قررت إضافة بعض التعديلات لمنزلي لذا سنكون أنا وغـرام في ضيافتك لبضعة أيام".
تنهد سـيف بعمق ودلف لغرفته يشعر بالتعب والإرهاق لينام الآن ويتصرف في الغد.
في الصباح استيقظ سـيف على المنبه الخاص به ليغلقه وكاد أن يعتدل حتى وجد رأسها تتوسط صدره تنام بحرية تامة وبعضا من خصلاتها على وجهه كيف تمكنت من فعلها!! نهض على الفور يدفعها بعيدا عنه ومن شدة قوته سقطت غـرام أرضا لتصرخ بألم، نظرت حولها لتفهم طبيعة الأمر لتجده يقف على الجهة الأخرى من الفراش بينما جسدها مُلقي أرضا لتنظر حولها وترى غرفته اللعنة من جلبها إلى هنا! جحظت عينيها وهي لا تعلم كيف ستبرر فعلتها تلك نهضت لتقابله بينما هو أردف ببرود:
-لما أتيتِ؟
-مش أنا.
أجابت بصوت غير واضح منخفض لينظر لـها باستفهام بينما هي حمحمت قليلا لتكرر إجابتها مرة أخرى بصوت مرتفع قليلا استطاع سماعه.
-أتتجولين أثناء نومك؟
حركت رأسها بالنفي، ليقول وهو يقعد ذراعيه أمام صدره:
-إذا كيف تبررين مجيئك لهنا؟
-حقيقي مش أنا.
-أنا كنت مع مونيكا على الكنبة معرفش إيه اللي جابني هنا.
-اخرجي.
أشار بسبباته نحو الباب لتتجه للخارج في صمت وهي تشعر بالحرج منه ما أن خرجت حتى وجدت مونيكا أمامها تغمز لها باليسرى وهي تقول:
-كيف سار الأمر؟
شهقت غـرام وهي تتدرك أن مونيكا هي من قامت بوضعها في فراشه، بالفعل ليلا نهضت مونيكا لتجذب معها غـرام حتى يناما في غرفتهم ولكنها وجدتها فرصة مناسبة لتقتحم غرفة سـيف النائم وتلقي بجسد غـرام جواره ببطء وتمهل و جرت على الفور نحو غرفتها.
كادت أن تضربها حتى وجدته يفتح باب غرفته لتقف بجانبها على الفور تنظر أرضا كالمذنبة في هيئتها، أردف سـيف:
-أظننتِ أن خدعتك ستملى عليّ!
-أي خدعة؟
-التعديلات التي تجري في منزلك.
-يؤسفني أن أخبرك بهذا ولكن الأمر خارج عن سيطرتي.
صمت قليلا يطالعها بطرف عينيه دون أن تلاحظ بينما مونيكا لاحظت الأمر وأردفت:
-ولكن إن كنت تُصِّر سأخذ غـرام لفندق مدام جينفير.
ما أن هتفت بالاسم حتى قاطعها برفضه بصوت حاد وقوي فزعت لـه غـرام التي تعجبت من رفضه بهذا الشكل لـ يثير فضولها عن ماهية ذلك الفندق.
اقترب سـيف من مونيكا يردف بضيق:
-لا تذكرين اسمه مجددا، يمكنكم البقاء هنا.
ابتسمت مونيكا ليعود سـيف إلى غرفته يجهز لعمله، بينما غـرام تساءلت:
-ما ماهية ذلك الفندق، مونيكا؟
-يشتهر بسمعتهُ السيئة والفتيات والرجال السيئون، من تُديرهُ أنشأته لكي تضم عدد أكبر من فتيات الليل.
ما أن غـادر دون أن يفطر، قامت مونيكا بالقفز بحماس وهي ترى نجاح خطتها بالتأكيد هو لن يسمح لكليهما بالبقاء في ذلك الفندق لذا قرر السماح لـهم بالبقاء في منزله وتلك هي الخطوة الأولى التي كانت تسعى إليها.
-ألا يجب أن تُعلميني بخطتك؟
-وأيضا أخبرتك أنه لا يجب أن نجتمع مرة أخرى، حياته بدوني أفضل بدون مشاكل.
-ألا تريدين العودة للعمل، لتقضي أطول وقت معه؟
تساءلت غـرام بسخرية من ذلك الأمر الذي لـن يحدث:
-كيف ستفعلينها؟ لا بد أنك جُننتِ.
لم تُجيبها مونيكا وهناك ابتسامة شيطانية خبيثة ظهرت على ثغرها وهي تفكر في الأمر.
_____________________________
كانت تستقل السيارة في المقعد الخلفي وفي الأمام السائق الخاص الذي كلفه زيـن لـها، ليصطدم السائق بـ رجل يركب دراجته النارية ويقودها بسرعة كبيرة توقف السائق على الفور بينما غـزل ترجلت من السيارة سريعا واتجهت للمُصاب والذي وجدته يصرخ بسبب ألم قدمه لتزيل الخوذة وتقول:
-أنا أسفة أسفة جدا.
-حضرتك حاسس بوجع فين؟
أشار بيده على قدمه لتحسس عليها غـزل بينما المُصاب صرخ بقوة لتوجه غـزل حديثها للسائق وتقول:
-ساعدني ننقله المستشفى، يا عم صابر.
ساعدها صابر ليحملا ذلك الشاب ويضعونه في السيارة ليصرخ متألما بينما استقلت بجانب السائق وتحثه على المغادرة وأردفت:
-أنا أسفة أسفة ليك جدا.
-حقك عليا أنا.
-هوديك المستشفى وهتبقى كويس.
توقف السائق أمام المشفى الخاص بها لتترجل وتطلب نقالة من قسم الطواريء وبالفعل تم التعامل مع حالته والتي كانت شرخ في قدمه اليسرى لتحجز لـه غرفة مجانا ويتم نقله عليها، بينما هي بعد معالجته مع أحد زملاءها دلفت لـه ليحاول الاعتدال عند رؤيتها ولكنها أردفت:
-اهدأ خليك مكانك مرتاح.
-أنا بعتذرك عن الغلط اللي حصل وأتمنى أعوضك بالشكل المناسب، تقدر تفضل في المستشفى لغاية ما تتتعافى تماما والحساب أنا تكفلت بيه كله متشيلش هم.
-لا ده أنا أتكسر كل يوم.
ابتسمت غـزل قليلا وأردفت:
-تشرفت بمعرفتك وأتمنى متكونش متضايق.
-وأنا أكتر يا؟
-غـزل.
-اسمك جميل.
-شكرا.
-أشوفك مرة تانية.
تركته وغادرت بينما هو ردد اسمها ببطء وتلذذ وهناك ابتسامة صغيرة ظهرت على ثغره تعطي انطباع غير سويّ بالمرة.
______________________________
كانت تجلس جليلة في بهو المنزل تشعر بالحزن على ذلك الطفل الذي ينام في أحضانها بدون أم أو أب حتى أنها لا تعلم إلى أين سافرت غـدير لم يريد مالك أن يصدمها بالحقيقة حينها لـن تتحمل وتستوعب الأمر سترى أنها مقصرة في تربيتها لأبنائها وستشعر بالذنب، لذا لـم يخبرها بالحقيقة.
يكفي بأنها تشعر بالوحدة؛ لأن المنزل أصبح فارغا بعد مغادرة إحسان رفيقتها.
ارتفع صوت الخادمة وهي تهلل بمناسبة رجوع كلٍ من إحسان وعبدالقادر وضعت جليلة الطفل على الأريكة وجرت سريعا تتفقد الأمر وما أن رأت رفيقتها إحسان حتى تعالت زغروطتها بينما إحسان ضحكت عليها وتقدمت منها تحضنها لتقول جليلة:
-البيت وحش من غيرك وحش أوي.
-أهلا وسهلا يا عبدالقادر نورت بيتك.
-منور بأهله.
-ما أنت أهله.
ابتسم لـها عبدالقادر وتساءل عن أخيه:
-هينبسط أوي لو روحتله الشركة.
حرك رأسه بالإيجاب واستأذن منها ليذهب إلى أخيه بينما جليلة جذبت إحسان للأريكة لتتساءل عن سبب تغيير رأيه وهناك ابتسامة قوية تمتد لأذنيها فرحةً بعودة أختها ورفيقة طريقها منذ زواجها بمالك.
على الجهة الأخرى، كان مالـك يعمل في مكتبه ليستمع لطرقات خافته على الباب ويسمح الطارق وما زال منشغلا بذلك الملف بين يديه ليقول:
-تعالى يا ممدوح كنت مستنياك.
-أنا مش ممدوح.
رفع رأسه غير مصدقا أذنيه هذا صوت أخيه يعرفه تمام المعرفة من سبع وأربعين سنة نهض على الفور يلتقط أخيه الصغير بين ذراعيه كم أشتاق لـه!
-أهون عليك يا عبدالقادر!
-وأنا جيت أهو.
-وحشتني.
-وأنت أكتر.
-لا الكلام مش هيبقى على الواقف، تعالى تعالى نخرج زي زمان وحشتني أوي.
-للدرجة دِ!
-اليوم من غيرك سنة يا أخويا.
ابتسم لـه عبدالقادر وذهبا سويا إلى كورنيش النيل يعيدوا أيام الخوالي من خمس وعشرين سنة يا ليت الزمان يعود!
كان مالك على الرغم من حكمته وسنهُ ألا أنه يشعر بأنه كالطفل الصغير لا يبالغ حقا، فالأخ لا يُعوض اليوم بدونه كالدهر.
_____________________________
عـاد سـيف إلى منزله على مضض أصبح يكره الشارع والمنزل؛ ففي الخارج صوفيا وهنا غـرام بالإضافة لجنون مونيكا.
وضع مفاتيحه في المكان المخصص لـها في ذلك الصحن الزجاجي المتواجد على طاولة المطبخ الأمريكاني بجانب الباب، دلف للداخل ولـم يجدهنْ ليشعر بالارتياح كاد أن يذهب لغرفته حتى هتفت مونيكا باسمه ليتقدم منها عاقدا ذراعيه أمام صدره يشعر بالضيق منها.
-كنت أود الحديث معك حول موضوع.
-كُلي آذانٍ صاغية.
ما أن انتهت مونيكا من حديثها حتى تعالى صوت سـيف الغاضب وهو يقول:
-ألم أخبرك أننا انفصلنا؟ لـما تُصرين على فتح جرحي مرةً أخرى!
-ولكن.
-ألا يكفي بأنها هنا في منزلي مرة أخرى بعد كل ما فعلته بي؟ تريدينها تقتحم مكان عملي أيضا!
اقتربت منه مونيكا وقد تعاطفت معه قليلا لتتحدث بنبرة لينة:
-سـيف، لـما لا تعطيها فرصة أخرى؟ لعل هناك سبب خلف كل ما حدث.
-إنها غـرام لا تنسى.
-ولأنها غـرام عليّ أن أنسى، لا أنساها وحدها فقط بل عُمري الذي دفعته من أجلها أيضا.
-كوني سمحت بوجودها هنا احتراما لأخي؛ ولأنه لأول مرة يطلب مني أمرٍ ما.
-لن أسمح لـها باقتحام حياتي مرة أخرى.
أنهى حديثه تزامنا مع اصطدام غـرام بالأرض الصلبة من خلفهم، شهقت مونيكا بينما سـيف كان أول من جري نحوها يحيطها بذراعيه يهتف باسمها بقلق لـم يستطيع إخفاءه؛ فالكون بِـدونها مُظلم وفارغ.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
____________________________

قيود الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن