الفصل الواحد والثلاثون..

505 21 2
                                    

نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣١..
______________________________
كان يقف وعلى وجهه اِبتسامة نصر يطالع ساعة يده بِـشوق ولـهفة ينتظرها أن تأتيه كما أخبرته، يقف خلفه أحد رجاله والذي كان أول من رآها ليشير عليها بسبابته ويقول:
-جت، يا شريف بيه.
رفع رأسه للأمام ليجدها تتقدم منهم تحمل بيدها حقيبة سفر صغيرة و على ذراعها حقيبة يد صغيرة سوداء اللون تتناسب مع ثوبها الأحمر الذي اقتناه لـها سيف وقد عقدت خصلاتها للخلف عدا البعض الذين تحرروا من عقدتها متأثرين بنسيم الهواء من حولها، جرى خادم شريف نحوها يأخذ حقيبة السفر من بين يدها رفعت رأسها لـه ومن ثم لـشريف توقفت أمامه بينما هناك اِبتسامه قوية على ثغر شريف وقد قبض على يدها ولكنها ابتعدت عنه على الفور لـتهتف بِحدة:
-إياك تلمسني، أنت فاهم؟
نظر شريف لحراسهُ بحرج ليطالعها بحدة ويشير لـها حيث سيارته لتتقدم منها ولكنها تعثرت في خطواتها وكادت أن تقع ليحيط خصرها بذراعه ويحاصرها بينه وبين السيارة بينما هي كانت وتيرة أنفاسها مرتفعة وهي تجده بذلك القُرب منها، هي من اختارته نعم ولكن لِمَا يتآكل قلبها الآن حُزنا وندما!!
فتح لـها باب السيارة لتستقلها وهو بجوارها لتطالع ذلك الرجل الذي يمتلك ندبة في وجهه ونظرة شيطانية أثارت الرجفة بداخلها لتتساءل:
-وهو مش هيجي؟
نظر شريف حيثما أشارت ليعود بنظره للأمام قائلا:
-هينتظر هنا لغاية ما أطمن منك.
-ولو مش هيجي يبقى مفيش فايدة من وجودي معاك، اللي زيك ملهوش أمان.
كادت أن تفتح الباب حتى قبض على ذراعها يطالعها بحدة وتساءل:
-وإيه اللي يضمن ليا إنك تبقي معايا ومتتصرفيش بغدر؟
ألتمعت عينيها و أردفت بِـندم:
-وجودي معاك دلوقتي.
صمت قليلا وهو يطالعها يستشف الصدق من عينيها حتى أشار لـذلك الرجل صاحب الندبة ليغادر معهم وألا يبقى هنا متعقبا سيف.
غـادر السائق بإشارة من شريف الذي ينظر لـها يطالع ذلك الذي العبوس الذي يمليء وجهها، بينما هي استندت على زجاج السيارة تغمض عينيها تحبس دموعها في مقلتيها تأبى نزولهم.
اصطدمت بأحدهم أثناء سيرها مع سيف ولكنه كان قوي لتقع أرضا وتتألم تنظر للمُصطدم بـها وكان الرجل صاحب الندبة ليعتذر لـها ويغادر، بينما سيف انحنى لمستواها يسأل عن حالها:
-أنا كويسة.
ساعدها لتقف وقبض على كف يدها مشبكا أصابعه بخاصتها ليتحركا تعالى رنين هاتفها لتتعجب عندما وجدت المتصل شريف وارتبكت حينما تساءل سيف عن هوية المتصل لـتكذب وتقول:
-دِ غـزل.
-طب رُدي عقبال ما أشوف لو في برنامج سياحي ممكن نحضره.
حركت رأسها بالإيجاب ليتركها ويستفسر عما إن كان هنالك برنامج سياحي متوفر حاليا أي مُرشد سياحي بِـفوج سياحي يحدثهم عن بعض الآثار الموجودة وتاريخهم يعلم بأنها تحب التاريخ وما يتعلق بِه.
وضعت الهاتف على أذنها ولكنها لم تُبادر الحديث، ليقطع الصمت بقوله:
-أزيك يا غـرام؟
أجابت بِحدة:
-كنت كويسة قبل ما أكلمك خير في حاجة يا شريف عشان تتصل بيا تعكنن عليا؟
-وحشني صوتك قولت أكلمك.
-متشكرين، في حاجة تاني؟
-طب بصي يا غـرام، هجيلك دوغري عشان أخلص من الموضوع ده.
-تقطعي أجازتك وتطلبي الطلاق من سـيف وتيجي هنا معززة مُكرمة وبعد التلت شهور نكتب الكتاب ونحقق اللي كنا المفروض نحققه.
-سمعني كدة تاني قولت إيه! أصلي وقعت على ودني وأنا صغيرة.
-أسمع من الأخر يا ابن عمي، لعبة القط والفأر خلاص جابت أخرها معايا.
-وغـرام الهبلة قتلتها وخدت عزاها.
-أنا مش هخضع ليك تاني يا شريف.
اِبتسم واتجه إلى ذلك المقعد الجلدي الموجود في غرفة مالك يجلس عليه واضعا قدم فوق أخرى يقول:
-بُصي وراكِ يا غـرام.
ألتفتت للخلف بحركة تلقائية ولكنها لم تلاحظ شيء مثير للريبة حتى أردف بقوله:
-اللي خبطتي فيه ده اسمه رامي، ومن رجالتي.
-عارفة باعته ليكِ ليه يا غـرام؟
-عشان يقتلك حبيب القلب اللي بقيتي دايبة في عشقه دلوقتي.
نظرت سريعا حيث سيف لـتجده يتحدث لأحد المسؤولين لتعود بنظرها لـلمدعو رامي وتجده يشير لـذلك السلاح أسفل سترته، ليكمل شريف حديثه:
-وأما بالنسبة لليزر الأحمر اللي على تي شيرت جوزك.
نظرت حيث سيف مرة أخرى لتجد ليزر باللون الأحمر على هيئة شعاع ساقط من إحدى البندقيات صادرة من غرفة في المبنى المقابل لـهم، ليكمل:
-و ده رهن إشارتي دلوقتي أقدر أخلص من حبيب قلبك وفي ثواني.
أردفت بنبرة لـينة عن ذي قبل بها رجاء:
-شريف، سيف ملهوش ذنب طلع سيف من حكايتي أنا وأنت.
-عندك حق، عشان كدة لازم أخلص من سيف عشان نشوف بقى قصتنا أنا وأنتِ.
-وإني أخلص من سيف هيحصل في حالتين، يا بالموت يا بالحياة يا غـرام.
-والاختيار في إيدك، معاكِ وقتك.
انتفضت في وقفتها حينما استمعت لـهتاف سيف باسمها لتنظر لـه وهو يتقدم منها بينما الدموع اجتمعت في مقلتيها وتنتقل ببصرها لـكلٍ من سيف وذلك المُدعو رامي ومن ثم ارتكزت ببصرها على ذلك الشعاع الساقط على موضع قلبه، اختفى الكل من أمامها عدا سيف الذي توقف أمامها يطالعها باهتمام متساءلا عن سبب رجفتها لينخفض مستوى السكر في الدم لديها وتشعر بأنها على وشك فقد وعيها لتستند على سيف بكف يدها الأيسر تردف بخفوت:
-عايزة أرجع الفندق، يا سيف.
تشعر بأن أعصابها تُلِفت، فقدميها لم تحتمل واختل توازنها ليحيطها سيف يمنعها من السقوط يحيط خصرها بذراعه ويربت على وجنتها برفق يهتف باسمها لتجيبه بصوت بالكاد خرج من فِيها ليحيط أسفل ركبتيها بذراعه الأخر ومن ثم رفعها لتتوسط أحضانه بينما هي أحاطت عنقه بذراعها تغمض عينيها تتمنى ولو تستطع نسيان تلك المُكالمة ولكن كيف وهي مُحاصرة! لتفتح عينيها وتجد رامي يتبعهم ويسير خلفهم ليخفق قلبها بقوة وتزيد من قبضتها تطالع قلق سيف الباديء على وجهه ونظراته التي تنتقل ما بين الطريق و وجهها لتغمض جفنيها تستسلم لـذلك النوم وكأن لا ملجأ لـها غيرهُ.
كانت كُلما ذهبت للتنزه مع سيف رأت رامي أينما وُجِدت برفقة سيف كانت تشعر بالخوف كانت دوما تقترب منه وكأنها تحميه بجسدها، إنها فقط لا تودّ أن تكون سبب إيذائه.
كان ينام سـيف في الفراش ينظر لتلك القابعة بجواره تشرد في سقف الغرفة، يجدها تنهض وتتجه حيث المرحاض كان يحاول تكذيب ذلك الشعور متساءلا أهي ليست سعيدة معه؟ ولكنها توافق على قُربه ومرافقته تبتسم بِصدق لـه تطالعه بدفء ولكنها هناك في أقصى عمق في عينيها يرى خوف ليس قادر على تحديد مصدره كل ما يحدث حوله لا يثير ريبته.
كانت تستند بِـكفيها على حوض الاغتسال تطالع اِنعكاسها في المرأة وذلك الخوف الذي يتسلل لـقلبها، أُرسِلت رسالة نصية لـهاتفها يصاحبها صورة لأحدهم يحمل بيده بندقية للتصويب يقف في المبنى المقابل لـغرفتهما في الفندق لتقرأ محتوى الرسالة " الوقت ينفذ سريعا، ولم تختاري بعد".
كيف يجبرها على العودة للظلام بعد أن وجدت شعاع النور! تركت الهاتف على الحوض وعادت لترى اِنعكاسها الذي خُيل لـها حديثه:
-ماذا ستفعلين؟
-أستتركينه يؤذيه؟
-ألن تضحي أنتِ تلك المرة؟ بينما هو ضحى بحياته وعُمره لأكثر من أربع سنوات.
-ألم ينقذك حينما هجرك شريف وحدك! وساعدكِ في المعيشة والعمل حتى أنه تزوجك حفاظا على سمعتك ومن بعدها نلتِ شرف حُبّ سيف آل قاسم.
أدمعت عينيها تحرك رأسها بالنفي إنها لن تؤذيه حتى وإن كان الثمن إعادتها لذلك الظلام مرة أخرى، ظلام حُبّ شريف المهدي لـتلعن حُبّها و اختيارها لـه في يوم من الأيام.
-اللي أنا متأكدة منه إني مش هسمحله يأذي سيف.
طُرِق الباب لتنتفض من مكانها بينما يتبع الطرق صوته:
-غـرام أنتِ كويسة؟
-أه أه، خارجة.
قبضت على هاتفها ترسل لـه رسالة نصية مضمونها "ماذا إن وافقت على طلبك؟ ما المضمون لإنقاذ سـيف؟".
تقدمت من حوض الاستحمام لتأخذ حماما دافيء كـعينيه التي تشعرها بأمان العالم ولـكن دوما هنالك شيء يجذبها بعيدا عنه كـماضيها.
قضت أيام الأجازة وهناك الكثير من الحُزن بداخلها ترى ذلك المدعو رامي في كُل مكان أينما ذهبت معه، تفكر ماذا يجب عليها فعله ظنت أنها ستأتي لـهنا بعيدا عن كـل مشاكلها وستبقى بجانب سـيف ستعيش حياة هادئة مليئة بالحُبّ ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن.
كانت تطالع المارة من أمامها من خلال نافذة شرفتها شعرت بذراعيه تحيطنها لتبتلع لعابها وتغمض جفنيها تستمتع بِـلمساته الرقيقة على جسدها ابتسمت حينما هتف اسمها بهمس بجوار أذنها يتبعها:
-بحبك.
ألتفتت لـه لتصبح أمامه ترفع يدها حيث وجنته اليسرى تبتسم وهي ترى ذلك الصدق والحُب بداخل عينيه تتمنى ألا يتغيروا أو يصبحوا لـغيرها ولكن.
عبست بوجهها فجأةً وهي تتذكر شريف ليتعجب سـيف ولكنه أردف بِـمرح:
-تيجي نتمشى؟
حركت رأسها بالإيجاب وابتسمت لـها ليبدلا ثيابهم ويتجها للخارج للتنزه ولكن الغريب أنها لم ترى رامي لتسعد كثيرا وتعيش يوم هاديء انتهى عند ذهاب سـيف لإحضار المثلجات الباردة بينما هي انتظرت في الخارج تعالى رنين هاتفها وجدت المُتصل شريف نظرت حولها بخوف وقلق حتى رأته يجلس أمامها واضعا قدم فوق أخرى يرتدي نظارته الشمسية ولكنها استطاعت أن ترى ملامحه لتبتلع لعابها بخوف بينما هو أشار على هاتفه ليحثها على الإجابة.
رفعت الهاتف لأذنها ولم تجيب بل تصب كل تركيزها ونظراتها لـه تتساءل أحقا أتى بنفسه ليصطحبها أمام عين سيف!! انتشلها من شرودها صوته عبر الهاتف وابتسامته أمامها:
-خدتي وقت كبير يا غـرام.
-ولكني عارف إجابتك عشان كدة جيت ليكِ مخصوص.
تساءلت بنبرة حاولت جعلها طبيعية ولكن ارتعاش شفتيها وصوتها لم يبدو طبيعيا بالمرة:
-ويا ترى إجابتي إيه، يا ابن عمي؟
-أكيد مش هتقدري تشوفي جوزك وهو بيموت قدام عينك مش كدة!
-اهجريه.
-أخرك معايا بليل يا غـرام، يا نخلص من سـيف بالحياة أو بالموت والقرار بين اِيدك.
أغلق الهاتف ولوح لـها من مكانه لينهض ويغادر بينما هي حاولت استعادة توازنها لتقرر الذهاب لـسيف لتبقى بجانبه ولكن عطلها يوسف وقصته.
كانت تفكر كثيرا حينما أخبرها سـيف بقرار مغادرتهم في أسرع وقت لـرؤية أمه المريضة وأنه سيضطر لـقطع الأجازة ومن حسن حظه أن كليهما يمتلك جواز سفره كانت تستمع لـه ومن داخلها تنزف دما تبكي على هجرانها لـه؛ هو الذي لم يؤذيها يوما ولكن لكلٍ منهما طريقته في الحماية هي لن تسعد برؤية مقتله لذا يجب عليها قتل ذلك الإحساس داخلها قبل أن ينمو أكثر ولكن كيف وهو يستحوذ عليها تدريجيا بـ حنيتهُ، و حُبّه، و اِبتسامته، ودفء قلبه وعينيه وآه من عمق عينيه وصدقهم.
بينما كان يحتضن كف يدها الصغير بخاصته نائم لا يبالي بشيء هي بجانبه ماذا يريد؟ بينما هي لم يغمض لـها جفن كيف وهي خُيرت بين إيذائه ففي كلتا الحالتين سيُؤذى ستكون مصدر ألما وجرحا لـه هو الذي كان يهتم بِـفرحة الجميع سواه.
اعتدلت في جلستها تسحب يدها من خاصته وتقبض على هاتفها تتصل بِـذلك المختل تخبره بكونها موافقة على طلبه وأنها ستكون جاهزة قريبا.
قامت بوضع ثيابها في حقيبة السفر الصغيرة و ارتدت ثوب سـيف الذي أهداه لـها لـتنظر لمرآتها وتحاول كتم شهقاتها بكف يدها خوفا من أن يسمعها أو يستيقظ، وضعت حقيبة يدها على ذراعها وحملت حقيبة سفرها بيدها لتتجه من فراشه وتضع تلك الورقة البيضاء بجواره على المنضدة والتي استعارتها من متعلقاته لطالما كان يحب أن يقتني معه في كل مكان ورقة وقلم لـعل يكون هناك أمر طاريء يحتاجهم.
غادرت سريعا الغرفة ومن ثم بعدها الفندق كان ينتظرها في مكان بعيد نسبيا عن الفندق حتى لا تستطيع الكاميرات تصويرهم ولكن ما الفائدة ألن يعلم في كل الحالات!
أزالت عَبراتها التي تمردت على وجنتيها وأغمضت جفنيها تتمنى أن تتراجع ولكن لا بأس سيتألم قليلا ولكنه سيُشفى بالتأكيد سيُشفى ويتزوج بأخرى تنجب لـه الأطفال وتحبها أمه ولن تنكد عليه مثلها بالتأكيد سينعم بحياة هادئة وهذا ما تتمناه طمئنت قلبها بتلك الكلمات لـعلها تهديء من روعه.
_______________________________
كان الجميع يجلس في غرفة المعيشة يتحدث عما فعله شريف ليؤنب يونس ابنه عبدالقادر على تربيته الغير ملائمة لابنه.
أردفت إحسان والدموع في مقلتيها بعدم تصديق ودهشة:
-أنا ابني أنا يعمل كدة يطردني أنا وأبوه وعمه!!!
أردفت الجدة صفاء:
-ابنك تمرد على العيشة.
-طول عمره يكره يقعد معانا ويتمرد على عاداتنا وتقاليدنا.
-زرعتك خايبة يا ابني.
كان مالك يجلس صامت يفكر في تصرف ابن أخيه ليتذكر حينما أراد الزواج بـغدير وإصراره الشديد عليها الآن فقط علم المغزى أنه لـطالما يبحث عن المال والجمال ذلك المختل اختار الأجمل من بناته في ذلك الوقت والآن رأى إصراره على غـرام حينما عادت ولكنه كذب عينيه ظنا منه بأنه بالتأكيد نسي وقرر فتح صفحة جديدة مع عائلته؛ لذا لم يأخذ حق ابنته غـرام وهجرانه لـها فقط لأنه ابن أخيه حفاظا على صِلة الدم والقرابة ولكنه كسر تلك الصِلة بفعلته الشنيعة، لن يتخلى عن حق أبناءه وحق تعبهُ طيلة تلك السنوات.
تركتهم جليلة وذهبت بعيدا عنهم نسبيا تهاتف ابنها المتهور تعلم بأنه رُبما سيُلقى بنفسه إلى السجن لو تشاجر مع عديم الضمير شريف لقد خطط لسنوات للإستيلاء على أملاك الجميع حتى هي تتذكر حينما كان يتقرب منها من حين إلى أخر ويتحدث عن قطعة الأرض التي تمتلكها والتي تحتوي على مزرعة كبيرة تُقدر بِثمن غالي يكفي لإطعام أُسر مدى الحياة، وأخبرها بأن هناك مشتري جاهز لشرائها مقابل سعر مغري رفضت في بداية الأمر ولكنه كان مُصِر حتى أنه اصطنع حزنه بأنها لا تثق بِه وأنه غير مرغوب فيه دوما بينهم لذا قررت إعطاؤه الأمان و وافقت على بيع المزرعة وجعلها توقع على ورق التوكيل لـه؛ لأنها بالتأكيد لن تنتقل من مكان لأخر للبيع والشراء بينما هو سيفعل ولكن في الحقيقة كان ورق تنازل باسمه وأخبرها أنه في القريب العاجل سيأتي لها بالأموال وحينها تستطيع صرفهم كما تشاء بدلا من قطعة أرض لا حول لـها ولا تجني ربع ثمنها حتى استطاع أن يخدعها يا لـه من ماكر لا تريد أن يتأذى ابنها مُراد بسبب ذلك المُخادع بل كل ما تتمناه أن يعيش عيشة هنيئة ويبقى بجانب أبيه يتصرف بناءا عن أمر أبيه؛ لأنها تثق في حكمة زوجها.
أجاب مُراد الذي كان يجلس مع زين في شركته وقد قص عليه كل ما حدث وأنه لم يرغب في إخبار سـيف حتى لا ينزعج وهو يقضي أجازته مع غـرام وحينما يعود سيخبرونه.
-نعم يا أمي في حاجة؟
-طمني عليك يا مُراد قلبي واجعني عليك يا حبيبي.
-أرجوك يا مُراد متتصرفش من دماغك خالص إلا لما أبوك يقول.
-ليه مش شايفاني راجل يا أمي؟
-راجل، راجل وسيد الرجالة كمان وكلمتك سيف على رقبتي يا حبيبي بس مش عايزاك تدخل في مشاكل مع ابن عمك شريف ده أناني مخادع باع امه وأبوه أكيد لو لاقاك في طريقه هيخلص منك مش بعيدة عليه.
-اسمع كلام أمك حبيبتك.
-حبيبتي يا ست الكل، حاضر هعملك اللي أنتِ عايزاه بس ممكن تهدئ.
استطاع أن يشعر بتلك النبرة الباكية لـيلعن شريف بداخله يتمنى لـه أقسى عقاب، هو من طرد عائلته واستحوذ على أملاك العائلة.
-خلي بالك أنتِ من نفسك ومن بابا وأنا هكلم بابا ونتفق سوا، مرتاحة كدة؟
-تمام يا حبيبي، خلي بالك أنت كمان من نفسك.
أغلق مع أمه وألقى الهاتف بعنف على الطاولة أمامه ليربت زين على فخذه برفق يقول:
-هنلاقي حل متقلقش.
-واحد زي شريف ده هيقع في شر أعماله؛ لأنه عامل زي الفأر اللي سرق أكل مش مِلكه.
-بس المهم أننا نظبط المصيدة على مقاسه.
-يا ريت يا زين يا ريت.
أكمل بـغل وحقد:
-مشوفتوش كان واقف بكل برود بيقولنا أنه ضحك علينا وخلانا كلنا خاتم في صباعه وكل ما نملكه حقه حتى البيت اللي واقفين فيه بتاعه وطردنا.
-حتى طرد أبوه وأمه.
-اللي زي ده معندهوش لا عقل ولا دين ولا ضمير.
تنهد زين بضيق لقد شعر بالنيران في قلبه تُوقد أثر فعلة ذلك الحقير كيف تمكن من التخلي عن أهله وتعريتهم بذلك الشكل لقد طردهم من منزلهم الذي مكثوا فيه أكثر منه شخصيا، الأناس أمثاله يستحقون النفي بعيدا عن عالم البشر ليس لديهم مكان بيننا.
أنار هاتفه معلنا عن وصول رسالة نصية ليلتقط الهاتف ويرى هوية المرسل والتي كانت غـزل، ابتسم بتلقائية ونهض يتجه حيث نافذة مكتبه يطل رأسه منها يطالع تلك المجنونة التي تلوح لـه من سطح المشفى المقابل لـه وترسل لـه قبلة عبر الهواء ابتسم بخجل وعاد مرة أخرى للداخل حتى لا يشعر مُراد بالأمر، بينما هي كانت تبتسم بسعادة ها هي تعيش قصة حب رائعة مع أخر رجل توقعت أن يكون لـه مكان في قلبها.
تتذكر حينما استأجر تلك المشفى لـها، فقد أخبره مصطفى الذي جعلها تعمل معه في المشفى الخاص بِـه بأنها تتلقى الكثير من السخرية لـكونها أتت لهنا عن طريقه وليس لـكفائتها ليخبره بأنه لن يستطيع أن يقبلها عنده منعا للإحراج لـها ولـه حيث أن الجميع يتحدث عما إن كان لأخرين غيرها يستطيعوا أن ينضموا دون كفاءة مثلها غضب كثيرا عندما تصور بعض الكلمات الجارحة التي قُيلت لـها ولكنها لم تبوح لـه عن إنزعاجها.
ولحسن الحظ سمع من موظف لديه بأن مدير المشفى المقابلة لـهم يعرضها للإيجار وحينها فكر كثيرا عما إن كانت ستكون صفقة رابحة لـه ولكنه لا يعلم في مجال الطب لذا قرر أن يؤجرها من أجل غـزل و أخبرها بأن تثبت كفاءتها حتى لا يشعر بالخزي منها.
فرحت كثيرا وكانت تدور فيها تجري هنا وهناك لا تصدق بأنها ستكون مالكة ذلك المشفى حتى ولو لفترة قصيرة ولكن يجب عليها إثبات كفاءتها حيث أنه وعدها إن كان مشروع مربح وأنها استطاعت استغلاله جيدا بِـبذل أقصى ما عندها سيقوم بشرائها من أجلها.
لم يعلم بأنه بتلك الفعلة امتلك جزء جديد في قلبها، يبدو أنه ينوى على اِمتلاكه كُله وهي لن تمانع.
______________________________
تعالى صوت منبه الهاتف معلنا عن موعد الاستيقاظ لينزعج ويقبض على الهاتف يغلقه وهو ما زال نائما ليغير من وضعيته يصبح مقابلها يفتح جفنيه وهناك اِبتسامة تزين ثغره اختفت سرعان ما أن وجد الفراش بجواره فارغ ليعتقد أنها في المرحاض واستيقظت قبله ويطمئن قلبه ألتقط هاتفه ولكن هناك شيء ما صغير قد سقط أرضا لينظر لـه متعجبا من وجود ورقة في غرفة الفندق، أعتدل في جلسته وقد هوى قلبه بين قدميه وهو يهتف باسمها ولكنها لم تجيب على ندائه بالتأكيد لم تستمع ولكن هناك هاجس في أقصى عمق داخله يخبره بأن هناك خطب ما ألتقط الورقة الصغيرة وفتحها يقرأ تلك الكلمات التي تبدو للبعض بسيطة بالألمانية:
-أعتذر.
حقا!! تعتذر بِـتلك السهولة وكأن ما بينهما عدة ثوانٍ ليس سنين، ولم يقدم فيهم سوى الحُبّ والحماية وكل معنى طيب كان يشعر بأن شيء على وشك الحدوث منذ أن وافق على سفرها بل هو من حجز تذكرة السفر بنفسه من أجلها و من أجل سعادتها كان خائف أن ترفض العودة لذا قرر الذهاب لـهت خوفا من فقدانها وشوقا لـها، فهو لم يراها لأكثر من يومين هو الذي اعتاد يومه بِـها.
استمر شعور الخوف بداخله هو يرى شريف يحوم حولها طيلة الوقت لـطالما كان خائف أن تتمرد على عيشته وبالفعل تمردت كثيرا عليه وعلى حمايته وعلى تلك العيشة الهنيئة التي كانت تنعم بها في منزله في ألمانيا، ولكنها سرعان ما كانت تعود لـصوابها ولكن شعور الخوف كان يقل تدريجيا أثرها حتى أصبح قلبه مُزهِر بموافقتها على حُبّه ولكنها بعد أن أذاقته نعيمها ألقت بِه مرة أخرى في الجحيم، تخلت عنه هو الذي لم يتخلى عنها يوما.
صدر صوت مرة أخرى من هاتفه يعلن عن قُرب ميعاد الطائرة لـ ألمانيا، لـتسود عينيه ولأول مرة يكاد الغضب يحرق روحه لتسقط الورقة أسفل قدمه لـيدهسها والغل يظهر في عينيه وعلى قسمات وجهه.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
______________________________

قيود الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن