نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٢..
___________________________
كانت تجلس على الفراش تبكي قهرا على ابنتها المتغيبة لأكثر من أربع سنوات، ليتقدم منها مالك وجلس أمامها ليردف قائلا:
-خلاص يا جليلة هنلاقيها، وغلاوتك عندي هلاقيها دِ بنتي قطعة من قلبي.
-أحنا بيعنا روحنا لما وديناها لراجل زي ده.
-لو كنت وافقت على عريس بنتنا غدير مكنتش هربت ومكناش هنضطر نخلي غرام تتجوزه.
نهض مالك بعنف وأردف قائلا بحدة:
-اسمها ميجيش على لسانك، أنا معنديش بنات غير غرام و غزل.
-وبنتي هقدر أرجعها غصب عن عين الجميع، وفرح غزل هيتعمل وكلنا هنفرح.
-هتفرح وبنتك بعيد عننا!! هتفرح وغدير بنتك الكبيرة أول فرحتك بعيد عن إيدك والله يعلم عايشة إزاي مبسوطة ولا لا.
اقترب مالك من جليلة وجذب ذراعها نحوه ليردف قائلا:
-لو شوفتها هقتلها يا جليلة، صدقيني لو وقعت قدام إيدي هقتلها اللي تتخلى عني وتخلي رأسي في الأرض متبقاش بنتي.
تركها وغادر الغرفة لتبكي تلك السيدة على ابنتيها غدير وغرام لا تعرف طريق كليهما كيف لها أن تتخلى عن قطعة من روحها.
دلفت تلك الفتاة لتقترب من أمها وتجلس تحت قدمها بجوار الفراش تردف قائلة:
-أنا مش كفاية يا ماما؟
-أنا مش قادرة أعوضك عنهم؟
بكت غزل هي الأخرى لتجذبها جليلة وتحتضنها وهي تقبّل جبينها وقالت:
-أنتِ نور عيني يا غزل، أنتِ وأخواتك كلهم حتى مُراد.
-وحشوني غرام وغدير يا ماما.
-هيرجعوا يا حبيبتي هيرجعوا.
ربتت على رأسها واحتضنتها وهي تدعو ربها أن يعيد لها ابنتيها وأن تجتمع بهم على خير في أقرب وقت.
بالأسفل، كان يجلس الجد الكبير داخل تلك الغرفة المليئة بالرجال، ليهبط مالك من الأعلى وينضم لهم الجميع جالس سوى ذلك المذنب والذي ترك زوجته في بلد أجنبية غريبة عنهم.
-أنت فاهم أنت عملت إيه يا شريف؟
أردف شريف قائلا وهو يضع يده بجيب بنطاله:
-أنا جيت أطلب إيد غدير اديتوني غرام أنا مش غلطان.
-وكمان بنتكم هي اللي سابتني الله أعلم بتعمل ايه دلوقتي مش بعيد مع عشيقها اللي سابتنا كلنا عشانه إذا كانت الكبيرة عملتها الصغيرة مش هتعملها.
تلقى صفعة قوية من مالك ونظر أبيه إليه بغضب شديد بدلا من أن يبرر موقفه زاد النيران التي تشتعل في قلوبهم جميعا.
غضب شريف وأردف بصوت مرتفع متناسيا أن من يحادثه الآن عمه:
-بنتك طالق بالتلاتة يا عمي وكدة كدة طلقتها في السفارة يعني أنا مش بيربطني ببنتك غير إنها بنت عمي ودِ كمان مبقتش تشرف.
تلك المرة تلقى الصفعة من أبيه الذي خاف على زعل أخيه، فابنه لا يعلم كيف يحترم الآخرين وتحدث عن ابنة عمه وزوجته سابقا بسوء يا له من عديم التربية.
أردف الجد بحدة جعل الجميع يقف ساكنا عدا ذلك الأب الذي امتلىء قلبه بالحزن على ما أصاب ابنتيه.
-مفيش احترام لكبير هنا.
-وأنت يا شريف حسابك معايا أنا بعد ما نطمن على غرام وترجع لحضننا تاني.
-وكل الأمور هتمشي زي ما هي، وفرح غزل هيبقى كمان شهرين في ميعاده ومش هيتأجل.
-بس يا حاج.
-غرام هترجع لحضنك يا مالك، بس غزل لازم تتجوز في ميعادها.
نهض الجد وهو يربت على كتف ابنه يواسيه ونظر إلى شريف بحدة يعلم بأنه كاذب وغرام ليست بالفتاة التي تخون ثقة أهلها فهي قامت بالتخلي عن أحلامها وتزوجت بعريس أختها بدلا منها حتى لا يصبح اسم عائلتها في الأرض وكذلك شرف أبيها.
___________________________
كانت تقف غرام بجواره على المكتب تقدم له بعض المشاريع وكان كليهما يرتكز ببصره على تلك الرسمة ليردف سيف:
-حسنا، يمكنكم تنفيذها.
أردفت غرام وهي تلملم الورق:
-لا تنس، لقد اقتربت حملة ديسمبر.
اومأ سيف برأسه ليستند بظهره على المقعد:
-حسنا، اهتمي بها غرام.
كادت أن تغادر ولكنه أوقفها بقوله:
-سأذهب إلى حفلة بالغد، هل تأتين؟
التفتت له لتتساءل عن ماهية تلك الحفلة بقولها:
-أي حفلة؟
-أصدقاء الجامعة، أردت أن أخذكِ معي فأنتِ تحبين تلك الأجواء.
-وأنت لا تحب.
-حسنا لا بأس، يمكنكِ الذهاب.
غادرت غرام لتكمل عملها، بينما هو عاد برأسه للخلف وتنهد بأنفاسه الحارة.
تعالى رنين هاتف غرام لتجدها مونيكا، فأجابت على الفور:
-أين أنتِ؟ لقد اشتقت لكِ.
-أنا أيضا، لما لا تغادرين مبكرا وتأتين معي للتسوق قليلا يجب عليّ الذهاب لمقابلة.
عقدت غرام حاجبيها وأردفت:
-أي مقابلة، مونيكا؟
-موعد غرامي، غرام.
-سأذهب لمقابلة أحدهم عرض عليّ الزواج واليوم موعدنا الأول لذا أحتاجك معي، غرام.
-حسنا سأخبره إذا.
-أسرعي غرام سأكون أمامك قريبا.
أغلقت مونيكا ولملمت غرام متعلقاتها وتقدمت من باب مكتبه لتأخذ شهيقا وتطرق على الباب ليسمح لها، تقدمت منه ببطء وأردفت:
-هل تسمح لي أن أذهب للتسوق مع مونيكا؟
-رجاءا.
رفع بصره نحوها يرى كيف ترتبك بشدة أمامه حينما تطلب منه أمرا يخصها، أردف متساءلا:
-هل تملكين نقود؟
اومأت برأسها ليوافق لتتركه وتغادر على الفور وهي سعيدة لكونه لم يرفض طلبها هذا ولم يسبق له أن رفض طلب يخصها ولكن على الرغم من ذلك تتوتر كلما طلبت منه أمرا.
توقفت أمام الشركة لتجد مونيكا تنظر في ساعة هاتفها بملل لتردف حينما رأتها:
-لما تأخرتِ، غرام؟
-هيا بنا.
قضت النهار بأكمله مع مونيكا وعادت إلى المنزل وهي تحمل بيدها حقيبتيّ تسوق وصعدت للأعلى لتجد سيف يقف أمام مرآته يعدل ياقة قميصه أردفت بقولها:
-سأكون مستعدة في لحظات.
عقد حاجبيه باستغراب ولم يعلق ليتركها ويغادر الغرفة، بينما هي بدأت في تبديل ثيابها لأخرى جديدة استطاعت مونيكا أن تقنعها بالذهاب مع سيف والآن هي ترتدي ثوب أبيض طويل يعلوه معطف باللون الأحمر وتركت شعرها البني ينسدل على ظهرها يكاد يصل لنصف ظهرها خرجت من الغرفة وهي تردف:
-يمكننا الذهاب.
كان يتحدث إلى مونيكا في هاتفه ليغلق على الفور حينما رآها، ابتلع لعابه وقبض على هاتفه بقوة وهو يحاول أن يتمالك نفسه ليتخطاها ويخرج من المنزل وهي خلفه.
دلف لذلك المنزل وهي بجواره ليتقدم منه زميله:
-أنرت، سيف.
-كدت أقتنع من عدم مجيئك.
تساءل بهمس عن اسم زوجته، ليشير سيف إليها قائلا:
-أقدم لك غرام زوجتي.
-تشرفت بكِ مدام غرام.
اومأت له غرام مع ابتسامه صغيرة تزين ثغرها ليتقدموا للداخل وجد سيف زميل جامعته الذي لا يحبه ويحقد على مركزه وما وصل له بفضل ذكائه وأموال عائلته.
-لم أعلم بأن زوجتك بذلك الجمال، سيف.
-حظك في تلك الدنيا كبير.
-جنستين، والدتك من عائله غنية وتمتلك الكثير من الأموال، حتى أنك تعمل في شركتك الخاصة بالإضافة إلى أنك تعمل دكتور في جامعتنا وحصلت على تلك الوظيفة بسهولة على عكسي و رُزقت بزوجة جميلة تكاد تكون الأجمل بين الفتيات هنا.
سعلت غرام بدهشة من حقد ذلك الرجل على زوجها كيف له أن يكن بداخله كل ذلك الحقد والغل يا له من مختل! لم تكن الدهشة نصيبها وحدها بل نظر الجميع لذلك المدعو جاك بسخط واحتقار يا له من دنيء النفس.
ابتسم سيف بهدوء وأردف قائلا:
-أتمنى أن تحصل على سعادتي، جاك.
-وأتمنى أن تعمل ولو قليلا في حياتك حتى تحصل على ما وصلت له.
-يجب عليّ الذهاب.
غمز لجاك باليسرى وهو يجذب غرام نحوه:
-لدي موعد غرامي مع زوجتي الجميلة.
جذب غرام لأحضانه وغادر المكان وعندما أدار وجهه تبدلت ملامحه أصبح أكثر حدة وغضبا، بينما غرام أردفت:
-لما تركته يحقد عليك هكذا!
-كيف يمكنكِ أن توقفي الحاقد؟
استقلا السيارة سويا واتجه نحو المنزل، على الجهة الأخرى كان الجميع ينهر جاك على فعلته متساءلين كيف أصبح بذلك الغل والحقد على زميله منذ الصغر!!
-سيف لم يتعب كما تعبت أنا، إنه سعيد في حياته لم يذق مرارة الأيام.
-حتى أنه حصل على زوجة رائعة يا لها من فاتنة، لا يمكنني الحصول على مهر فتاة كتلك حتى لا يمكنني إرضائها مثله بأموالي.
نفر منه الجميع ليتركهم ويغادر وهو يفكر كيف يستطيع أن يصل لما وصل له سيف، وتلك هي المشكلة أن كلا مننا يبحث عن طريقة للتغلب على ما وصل له منافسنا حسنا ماذا بعد؟
ستصل له وإلى مستواه حينها ستتوقف عن العمل؛ لأنك وضعت هدفا مؤقتا سيزول مع مرور الوقت بدلا من أن تنافس نفسك القديمة في كل مرة محاولة منك للتطور من نفسك، أنت القادر على التغير وليس منافستك وحقدك على الآخرين.
_____________________________
كانت الأضواء تنير ذلك المنزل وتحيطه، فقد اقترب موعد زفاف غزل أصغر فتاة في تلك العائلة كانت تجلس في غرفتها تبكي والحزن يخيم على قلبها إنها وحيدة الآن تقوم بإرسال الكثير والكثير من الرسائل لكلا من غدير وغرام ولكن بلا فائدة لم يجيب أحد عليها.
كان الجميع يخفي حزنه تحت تلك الابتسامة المصطنعة، لا يجب تأجيل موعد زفاف غزل فهي ستتزوج من شابا يُدعى زين لم يكن زواجهم إلا لتوطيد علاقات العمل لذا لا يجب تأجيله.
على الجهة الأخرى، كان الجميع يعمل بجد كبير حتى ينتهوا من تجهيزات تلك الحملة يفعلها سيف كل سنة، يقيم حفلة تبرعات ويكون أول المتبرعين بها بمبلغ مالي كبير وهذا يعتبر من أول أسباب نجاحه وكلٍ من كان في قلبه ذرة خير يساهم هو الأخر.
كانت تقف غرام تتابع كل ما يحدث بعينيها لتتنفس الصعداء عند انتهاء كل التجيهزات، كادت أن تغادر حتى اصطدمت بسيف الذي كان يقف يتابعها من الخلف أحاطها بذراعيه ابتسمت له وهي تشكره:
-لم تخبرني برأيك بعد؟
-إنه رائع، غرام.
-ممتن لوجودك هنا بجواري.
ابتلعت لعابها حينما اقترب منها ليقبّلها على وجنتها اليسرى ومن ثم اليمنى ليقاطعه ديما التي أتت مبكرا لترى التجهيزات وتتمم على الأمر، ابتعدت عنه لتقف بجواره ابتسم سيف لأمه واقترب منها يقبّل يدها قائلا:
-ماذا حدث أمي؟ لما أتيتِ مبكرا؟
-أتيت لأرى تجهيزات الحفل، و أرى إن كان ينقصها.
قاطعها سيف بقوله وهو يجذب غرام نحوه:
-لقد أشرفت غرام على الحملة، لا داعٍ لتعبك يا أمي.
-غرام، خذي أمي لترتاح في الأعلى.
اومأت له غرام، فسيف يقيم تلك الحفلة في أحد الفنادق المشهورة هناك لذا قام بحجز عدة غرف للمقربين منه صعدت غرام مع ديما إلى غرفتها كادت أن تغادر حتى أوقفتها ديما بقولها:
-ألن تتوقفي عن تمثيلك؟
-إلى متى ستكذبين على ابني؟
-أنا!! فيما كذبت على ابنك؟
-لم أكذب على سيف.
تقدمت ديما من غرام لتمسك ذراعها بقوة وتقول:
-لا أعلم ما سر تعلق سيف بكِ، ولكن من المؤكد إنك لا تستحقيه.
-سأعمل بكل الطرق لأجعلكِ تبتعدين عنه.
دفعتها ديما للخارج لتغلق الباب في وجهها، ابتلعت غرام لعابها وحاولت التماسك حتى لا تبكي لتأخذ شهيقا وزفيرا وتزيل تلك الدمعة التي تعلقت على وجنتيها بعنف وغادرت لتذهب إلى غرفتها لتجد سيف فيها يتحدث إلى الهاتف.
لتدلف إلى المرحاض وتغلق الباب من خلفها بعد أن التقطت ذلك الثوب المغلف، لتستحم وتبدأ في تبديل ثيابها كان ثوب طويل يصل لكاحلها باللون الأحمر ولكن ذراعيه باللون الأبيض خرجت من المرحاض وبدأت في وضع مساحيق تجميل بسيطة على وجهها وصففت شعرها لترفعه لأعلى مع بعض الخصلات العشوائية على وجهها، أردف سيف بقوله:
-سيكتمل بذلك.
رفع أمامها عقد رقيق باللون الفضي يتوسطه مفتاح صغير ليبدأ في وضعه على عنقها بخفوت وبطء رغم أنها كانت لبضعة لحظات ولكن على كليهما دقائق عدة.
ابتعد عنها وهو يرى أن زينتها الآن اكتملت وأنها في أبهى صورها، ابتسم وتركها ليدلف للمرحاض يبدل ثيابه هو الأخر وخرج كانت تحمل معطف بذلته لتقوم بمساعدته في ارتدائه وتفتح أول زر من قميصه كانت تعدل هيئته بهدوء وهي تصب كل اهتمامها على ما تفعله ولكنه باغتها بقبلة تفاجأت كثيرا بها لم يبتعد إلا عندما استمع لدقات مونيكا على باب غرفتهم وهي تصيح بصوت مرتفع:
-افتحي غرام.
تركها وذهب ليفتح الباب لتتعجب مونيكا من حالته ولكنها لم تعلق لتردف قائلة:
-أين غرام؟
لتظهر غرام من خلفه لتحتضنها مونيكا وهي تردف:
-أتيت لكِ لكي تجعليني أظهر بكامل أناقتي أمام أندرو.
أردف سيف بهدوء وهو يتقدم للداخل:
-لم تخبريني كيف سار الموعد؟
-لقد كان رائعا، سيف.
تقدمت غرام من الغرفة لتجذب مساحيق التجميل وتبدأ في تزيين مونيكا التي كانت تتحدث بسعادة عن موعدها مع أندرو.
كانت غرام صامتة على عكس سيف الذي كان يتحدث مع مونيكا متحمس لرؤية أندرو.
أنهت غرام تزيين مونيكا التي تقدمت من المرأة لتصرخ من الفرحة والسعادة، وتحتضن غرام عدة مرات أمام سيف الذي تركهم وغادر الغرفة.
جلست غرام على الفراش ترتدي حذائها الأحمر ونهضت لتغادر مع مونيكا للأسفل.
بدأ الجميع بالحضور واحد تلو الأخر، حتى اكتملت القاعة وكان هناك صندوق متبرعات كبير يضع الجميع فيه تبرعاته.
أتى سيف بجوارها لتردف وهي ترى الجميع يضع تبرعاته بداخل الصندوق وأردفت:
-أيمكنني التبرع؟
-بالطبع.
-ولكن ما أملكه ليس بالكثير.
-وأيضا ليس لدي دفتر شيكات مثلهم، ما أملكه نقدا و.
قاطعها بقوله:
-أموالي بأكملها ملكك، غرام.
-ثم أأنتِ تضعين المال لأجل الناس! أم بحثا عن طريق الخير؟
أخرجت غرام من حقيبتها مبلغ مالي قامت بتجميعه من خلال عملها معه في شركته ليجذبها سيف ويضع بداخل الصندوق أموالها لتبتسم بسعادة.
-ندعو السيد سيف آل القاسم للحضور.
ليصفق الجميع بحرارة لسيف الذي صعد إلى تلك المنصة ووقف أمام مكبر الصوت المُعلق لم يتوقف أحد عن التصفيق إلا بعد عدة دقائق كان يقف بثبات مبتسما.
-في البداية، أشكر كل من قبل دعوتي إلى ذلك الحفل وإلى كل من ساهم في جمع التبرعات وإلى كل من وضع ثقته بي.
-أنا ممتن لوجودكم جميعا، وأحب أشكر كل من أشرف على تلك الحملة.
-وأقدم شكر خاص لزوجتي غرام آل القاسم قامت ببذل مجهود يُذكر لقد وضعت كل طاقتها لإنتاج ذلك الحفل الرائع.
صفق الجميع له بحرارة ليشير إلى غرام التي أشارت على نفسها بتعجب وتقدمت منه بخطوات بطيئة ليتقدم منها ويمسك يدها اليمنى ويصعد بها مرة أخرى على المنصة وأكمل حديثه:
-أتمنى أن أكون على قدر كافي من ثقتكم بي، وأن أقدم لكم ولكل من يستحق الدعم عن طريق أموالكم التي تساهم رسم البهجة على كل إنسان يحتاج أمثالنا.
ليهبط سيف من المنصة ويتقدم من أمه يقبّل يدها أمام الجميع ويحتضن خاله هو من قام بدعمه في فترة شبابه بعد وفاة أبيه.
كانت غرام سعيدة بنجاح سيف وتدعو له كثيرا، ليتقدم الجميع من سيف يصافحه ويتحدث معه كان محط أنظار الجميع وسُلطت الأضواء عليه.
لينظر إلى ساعة يده ويبتسم للجميع بعملية ليشير إلى حراسه ليقوموا بإبعاد الجميع عنه ويجلس على مقعده بإرهاق ليهنئه الأقارب.
تقدمت مونيكا من سيف وهي تمسك بيد أندرو وقدمته لكلا من سيف وغرام، ليردف أندرو:
-أعجبت بِك كثيرا اليوم، حضورك مميز.
-وممتن لدعمها لك.
ليشير إلى غرام في نهاية حديثه، ابتسمت له غرام وكذلك سيف الذي ضمها له قائلا:
-وأنا ممتن لاختيار مونيكا الرائع.
-حافظ عليها أندرو، تزوجوا قريبا.
خجلت مونيكا لتقترب من غرام وتحتضنها ليصافح أندرو سيف الذي احتضنه قائلا بهمس بجوار أذنه:
-لا أريد أن أرى الحزن في عينيها بسببك، أندرو.
ابتعد عنه ليستأذن منهم ويجذب غرام خلفه التي تساءلت بداخلها عما يحدث ولكنها لم تجرؤ على سؤاله كان يقود باتجاه المنزل ليخرج من جيب معطفه جواز سفر وتذكرة ليمد يده نحوها تفاجأت كثيرا والتقطتهم لتفتحها وتجد بداخلها تذكرة سفر لمصر في تمام الساعة الرابعة فجرا.
لم تستوعب الفكرة كانت تنقل بصرها بينه وبين التذكرة لتقوم باحتضانه بقوة وهي تقبّل وجنتيه، تفاجيء سيف من تلك الفرحة التي سيطرت عليها ليوقف السيارة على الفور بدلا من أن يصطدم بأحدهم.
ابتعدت عنه وهي تنظر للتذكرة بلهفة وأردفت بلهجتها المصرية:
-شكرا شكرا جدا يا سيف
ابتسم لها وقاد السيارة مرة أخرى مردفا وهو يقرص وجنتها:
-عودي سريعا، سأنتظرك.
اختفت الابتسامه من ثغرها لتنظر له وإلى تلك التذكرة وسيطر عليها شعور الخوف لتضع التذكرة بين يديه ليعبس بوجهه ويتساءل بعينيه عما حدث الآن:
-خائفة من تلك المواجهة، سيف.
توقف أمام البناية ليهبطا سويا وتتقدمه غرام وخلفها سيف ليجدها تقف في شرفتها تنظر إلى الشارع بشرود و الحزن خيم على وجهها.
-غرام.
التفتت له ليضع بداخل يدها الجواز والتذكرة وأردف قائلا وهو يحيط وجهها بكفيّه:
-أنا هنا دائما، غرام.
-ستجديني بجوارك دوما، تحلي بالشجاعة يجب عليكِ إثبات نفسك.
-ألم تشتاقي إلى أمك وكلا من غدير وغزل؟
-ألم تشتاقي للمنزل ورائحته؟
هزت رأسها بالإيجاب ليقول:
-حسنا، تحلي بالشجاعة أنا دوما بجوارك وسأنتظرك لتعودي.
-لتعودي إلى هنا و إليّ وإلى مونيكا، سنكون جميعا بانتظارك.
كان يتأمل عينيها ليقرص وجنتها قائلا:
-يجب عليكِ حزم أمتعتك قبل أن أبدل رأيي وأنا أريدك ألا تذهبي.
ابتسمت غرام له لتحتضنه وهي تقول:
-شكرا لك، سيف.
ذهبت معه لغرفتهم لتقوم بتجهيز حقيبتها كان يساعدها بكل هدوء، بينما هي لم تختفي الابتسامة من وجهها كلما رأت نفسها بين أحضان أمها.
لقد تأخر الوقت ليطلب منها أن ترتاح قليلا حتى الساعة الثالثة ولكنها أبت لتظل مستيقظة معه حتى غفى هو بدلا منها شعرت بالحرج من أن توقظه الآن لتظل صامتة وكانت الساعة الثالثة فجرا لتشعر بالقلق من أن تفوتها الطائرة ليتعالى رنين منبه هاتفه استيقظ سيف ونظر لها يجدها تنظر له بقلق.
-ماذا بكِ؟
-ليس هناك شيء، أنا بخير.
-سأغسل وجههي ونذهب.
اومأت له ليذهبا سويا إلى المطار ليحمل سيف حقيبتها ويتجه للداخل لتبدأ غرام في إنهاء الإجراءات القانونية.
حان موعد أن تصعد على متن الطائرة لتنهض من مقعد الانتظار وتنظر إليه لتمد يدها نحوه تصافحه قائلة:
-أشكرك سيف على إنقاذك لي.
سحبت يدها بلطف وجذبت حقيبتها الشخصية وكادت أن تغادر حتى وجدته يجذبها نحوه يحتضنها ليربت على شعرها برفق هامسا بأنفاس خافتة:
-سأنتظرك، غرام.
ابتعدت عنه وابتسمت له لتذهب إلى الطائرة وتستقلها لتجلس في مقعدها وتتنفس الصعداء وهي تدعو ربها أن يسير الأمر على ما يرام.
لم يغادر المطار حتى أقلعت طائرتها، بينما هي غفت بمكانها حتى تصل.
لتعلن الطائرة هبوطها بعد عدة دقائق استيقظت غرام على صوت المضيفة تخبرها بأنهم سيهبطوا، اعتدلت في جلستها وبالفعل استقرت الطائرة على أرض مصر لتهبط منها وهي تستنشق هواء مصر المُنعش، أنهت الإجراءات ودلفت للمرحاض تعدل هيئتها لتجر خلفها حقيبتها وتستقل أول سيارة أجرة كانت بإنتظارها لتنظر إلى ساعة يدها وكانت الساعة التاسعة ونصف في مصر والثامنة ونصف عند سيف.
توقف السائق أمام المنزل لتهبط وتحاسبه لتقف أمام ذلك المنزل وهي تنظر له لم يتغير مازال كما هو يحمل طفولتها وبراءتها بداخله يحتفظ بذكرياتها.
ليتقدم منها حارس البوابة متساءلا عن هويتها لم يتعرف عليها كانت متغيرة تماما تبدلت أحوالها في أربع سنوات.
لتخلع غرام نظارة الشمس الخاصة بها وتبتسم له مردفة:
-أنا غرام يا عم عطية.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك
.
.
يتبع:
____________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Aléatoireيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك