نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣٠..
______________________________
استيقظت غـزل لتطالع ذلك القابع بجانبها بابتسامة، لن تنكر جاذبيته في أول يوم رآته على الرغم من تفوهه ببعض الكلمات الجامدة والتي تعبر عن مدى انغلاقه لتشعر بالإحباط بأن رجل مثله سيصبح زوجها وكانت تتساءل كيف ستجتمع معه تحت سقف غرفة واحدة بالتأكيد سيرتكب أحدهم جريمة في حق الأخر ولكنها كانت مضطرة أن تصبح الضحية الثالثة من بنات مالك المهدي، لطالما كانت اختياراته وخاصةً في الزواج لا تروق لـها لم تفهم سبب اختيار شريف لـغدير و رفضه لذلك الشاب الذي تقدم عدة مرات لخُطبتها وحتى عندما فرت غدير قرر زواج غـرام بشريف لم تفهم إصراره على زواجهم بشريف كانت تخاف أن يجبرها هي الأخرى أن تتزوج بشريف إن رفضت غـرام وللآن لم تفهم السبب لطالما كانت تودّ سؤاله وأيضا عندما أتى لها لتتزوج زيـن كانت تظن بأنها ستصبح ضحية كأختيها، ولكن زيـن خيب ظنها جعلها ترى معنى جديد في تلك الدُنيا وهو الحُبّ.. رُبما هي تمتلك حظ جيد جعل زيجتها أفضلهم رُبما عانت في البداية ولكن لا بأس ستفتح كتاب جديد معهُ وليس صفحة فقط.
-صباح الخير.
انتبهت لـهُ حيث كانت شاردة وهي تفكر فيه، لتعتدل في جلستها و ترد تحية الصباح أزال الغطاء ونهض يتجه للمرحاض قائلا:
-اجهزي عشان هنروح مكان أنا وأنتِ.
تعجبت وعقدت حاجبيها لتتساءل بِدهشة:
-مكان إيه؟ أنا عندي شغل لازم أروح المستشفى.
أغلق الباب خلفه وتقدم من المرآة يغسل وجهه ومن ثم استند بكلتا كفيه على الحوض يطالع نفسه يتساءل عما إن كان قادرا على إسعادها! أخذ شهيقا قويا و زفره براحة وقد قرر ألا ينظر في صفحات الماضي لن يصيبه سوى أذى رُبما عليه أن يلقي بالكتاب كُله خارج حياته ويشتري أخر باسم غـزل ليس بِه سوى قصتهما فقط تلك التي تعوضه بالنقص الذي كان يشعر بِه مع جود، عندما حصل على جود رغما عن أبيها شعر بأنه هناك شيء ناقص وكأنه حُبّها بداخله تلاشى تدريجيا كان يتمسك بخيط رفيع جدا قطعته بخيانتها.
طُرِق الباب ليدعوها للدخول بينما هي تعجبت أحقا يدعوها أن تدلف للمرحاض معه يا له من حقير!
خرج زين وقد حاصرها بذراعيه متساءلا عما تريد لتجيب بتلعثم وهي تشير على المرحاض:
-هكون عايزة إيه؟ ابعد كدة.
-ليه خليكِ.
طُرِق باب الغرفة ودلفت شاهندا دون أن تستمع لِـلرد لتضطرب غـزل وبدلا من أن تبتعد عنه اصطدمت بِه أثناء محاولتها للهروب لتطالعهم شاهندا وقد ظهر الحزن على معالم وجهها وهي ترى غـزل تخبيء وجهها في زين الذي كان يطالع شاهندا بِـ لوم، اقتربت شاهندا من أخيها وهي تعتذر عن اقتحام الغرفة ولكن أتت لتخبرهم بأمر هام.
-كنت بتكلم مع الدكتور بطمن على حالتها.
توقفت قليلا وأكملت حديثها مرة أخرى، بينما زين زاد من قبضته على خصر غـزل التي نظرت لـه بخوف وقلق من ملامحه الجامدة والتي توحي بأن هناك أمر مخفي:
-وبلغوني إن في حد حاول يقتلها.
شهقت غـزل بقوة بينما زين لم يتحرك من مكانه وما زال على ردة فعله الجامدة، لتكمل شاهندا وتقول:
-هما حاولوا يتصلوا بيك ولكنك مش بترد.
-تليفوني مغلق، قفلته اِمبارح عشان مكنتش عايز حد يزعجني أنا وغـزل.
شعرت شاهندا بالضيق لـعدم اهتمامه بما حدث لأمها، ابتعد زيـن عن غـزل وتقدم من شاهندا يحيط وجنتيها بين يديه يقبّل جبهتها ويقول:
-أنا هتصرف في الموضوع أنتِ بس ركزي في مذاكرتك، تمام؟
حركت رأسها بالإيجاب وغادرت، بينما زين أغلق الباب وألتفت يستند عليه بظهره يطالع غـزل التي تطالعه بِحيرة لا تعلم كيف تساعده أو تخفف عنه لتتقدم منه وتحتضنهُ تقول:
-إن شاء الله هتبقى كويسة.
تمتم ببعض الكلمات ولكنها لم تستمع لـها ليحثها على تبديل ثيابها لتستمع لـهُ وأبدل كلٍ منهما ثيابه واتجها للخارج لتناول طعام الفطور مع شاهندا.
_________________________________
دلف مراد للمنزل والغضب يحتل وجهه ليصطدم بالخادمة وتسقط أرضا وقبل أن تعتذر أو حتى تنهض من مكانها وجدته اختفى من أمامها صاعدا للأعلى لتتمتم بداخلها عن سبب غضبه بذلك الشكل، فتح مُراد الباب بقوة كادت أن تخلعه من مكانه استيقظ أثرها ذلك النائم لا يحمل بداخله ذرة إنسانية لو اضطر الأمر لـقتل كل أهلهُ وحقق مُراده.
وقبل أن يتحدث متساءلا عن سبب تلك الفوضى هجم مراد على عنقه يخنقه بقوة وهو يقول:
-عملتها؟ عملتها يا شريف.
كان شريف يستسلم لـهُ وهناك ابتسامة نصر ممتزجة بِبعض السخرية، دلف عبدالقادر للغرفة بعدما استمع لصوت مُراد المرتفع وقد أخبرت الخادمة زينة كلٍ من عبدالقادر و زوجته وذهبت لتخبر مالك وجليلة ليتجه الجميع لغرفة شريف ويحاولوا إفلاته من قبضة مُراد الذي علم للتو بهوية ذلك الخائن الذي نقل كل ممتلكات العائلة باسمه وحده.
دفع مالك مُراد ابنه بالقوة عن شريف وحاصره بينه وبين الحائط يمنعه من الهجوم مرة أخرى، بينما إحسان اِحتضنت ابنها وهي تطالع مُراد بغضب وتتساءل:
-عملك إيه عشان تعمل كدة أنت اتجننت!
نظرت جليلة لابنها بقلق و ريبة مما يحدث؛ فهو نادرا ما يثور نظر لزوجها الذي كان يرتكز ببصره على ابنه ويرى وتيرة أنفاسه المرتفعة بينما مُراد كان يطالع شريف البارد بِكل غضب ودّ لو أن يقتله؛ فالعالم مُكتفي من أمثاله.
عاد ببصره حيث أبيه الذي تساءل بِهدوء:
-إيه اللي حصل يا مُراد؟ وإيه اللي خلاك تتعامل مع ابن عمك بالشكل ده؟
قام بسّبه ولعنه لينهض شريف يطالعه بغضب وقد دفع ذراعيّ أمها التي كانت تحيطه يقول:
-مسمحلكش يا ابن مالك.
نظر مالك لكليهما بحذر، ليكمل مُراد حديثه:
-البيه نقل كل الممتلكات باسمه الشركات و البيت حتى المزرعة بتاعت ماما و وِرث أخواتي.
دلفت غدير للغرفة بعدما تركت ابنها مع الخادمة لتشهق بقوة واضعة يدها أعلى صدرها بتلقائية، حتى المال الذي طمعت فيه من أجلها وأجل ابنها أصبحوا مِلك لـشريف!
نظر مالك لـشريف بينما صُعق جميع الموجودين، كيف يمكن أن يحدث ذلك الأمر ومتى تم؟
تساءل مالك وهو يحاول المحافظة على هدوئه حتى توضح كل الأمور:
-دليلك فين يا مُراد؟
اقترب مُراد من الفراش يلتقط ملف أحمر قام بإلقائه حينما هجم على شريف ليضعه بين يديّ أبيه، اقترب شريف من المرآة الخاصة بِه ليضع من عطره الخاص مما أثار دهشة من حوله وجلس على الأريكة واضعا قدم فوق الأخرى وكلا ذراعيه ممتدين بطولها يطالعهم ببرود نعم لقد هرم من أجل تلك اللحظة أصبح ذو سلطة والآن حان وقت الحصول على غـرام حينها سيكون حقق مُرادهُ.
-موصلتش للأصول يا ابن عمي؟
تقدم عبدالقادر من شريف يقبض على ياقة سترته بقوة يجبره ينهض ليقف أمامه ويتساءل بغضب:
-أنت بتقول إيه!
-أنت عملت كدة يا شريف؟
-رد عليا إزاي تعمل حاجة زي كدة!
دفع شريف يد أبيه بقوة وابتعد عنه ينفض ذلك الغبار الوهمي من ثيابه ويقول:
-عملتها زي الناس.
-و دلوقتي أقدر أقولكم أتفضلوا بره من غير مطرود عشان أنتوا واقفين في بيتي.
أُستفز مُراد ليتقدم منه يهجم عليه ولكن أبيه منعه وقبض على ذراعه يمنعه من التقدم لشريف بينما جليلة كانت تلطم على وجنتيها تتساءل عن ماهية الشر بداخل نفس ذلك الإنسان، لم تستوعب بعد إحسان ما فعله ابنها أو ربما ما الذنب الذي ارتكبته لتُرزق بـابن عاق مثله!
تقدم عبدالقادر من ابنه ليصفعه بقوة على وجنته اليمنى نادما على عدم تربيته لـذلك الحقير ظنا منه بأنه شاب مهما فعل لن يؤذي أحد أفراد عائلته كان يجب أن يفهم بأنه فشل في تربيته حينما ترك ابنة عمه و زوجته في بلد أجنبية غريبة لا تفقه عنها شيء بمفردها و طلقها دون أن يستشير أحد ربما كان يجب أن يفهم بأن ابنه فقد شهامة الرجال في ذلك الوقت.
شهقت إحسان بقوة وهي ترى الغل في عينيّ ابنها وتقدمت منها جليلة تأخذها في أحضانها تربت على كتفها وتتطالع شريف باحتقار بينما غدير كانت تقف خائفة من فقدانها للثروة لا تعلم أيهما الآن البطاقة الرابحة بالنسبة لـها ولابنها.
تفوه شريف بِكلمة واحدة يكبح غضبه وثورانه على أبيه:
-بره.
-اطلعوا بره، ده بيتي و وجودكم مش مرغوب فيه.
أردف مالك بحدة وهو يطالع عبدالقادر:
-زرعتك خابت يا أخويا.
ثم انتقل بِبصره لـشريف وأكمل حديثه:
-بيتك اللي بتتكلم عليه، أنا و أبوك بنيناه طوبة طوبة ومش هيجي على أخر الزمن واحد زيك يأخده على الجاهز.
-حقي وحق ولادي مش هفرط فيه.
-سيبني يا بابا عليه.
ربت مالك على كتف مُراد وأردف قائلا:
-أخد الحق حِرفة يا مُراد، وأبوك عمره ما يفرط في حقه.
اتجه للخارج وخلفه جليلة وكذلك ابنته بينما مُراد طالعه بغضب وحقد كيف تجرأ وأخذ حق ليس مِلكه، كيف تمكن من الإيقاع بِهم جميعا في شِباكه.
أردف شريف بحنق وهو يتقدم من خزانته يلتقط حُلة لـه:
-يا ريت على أخر النهار لما أرجع مشوفش حد هنا، ولو أنتوا الاتنين عايزين تفضلوا معنديش مانع بس بأدبكم.
صرخت فيه أمه وهي تقول:
-دِ أخرة تعبي وتربيتي ليك!
ألقى بالحُلة بعنف وألتفت لها يقول بغضب:
-تعب وتربية إيه اللي بتتكلمي عليهم! ده أنا ولد وحيد وكسلتي حتى تهتمي بيه.
-كل اهتمامك للبيه اللي جمبك و البيت والعائلة و ولاد أخوه، أما أنا؟ كمالة عدد موجود زينة أهو الاسم إنك خلفتي.
-أخر الكلام، أنا خدت حقي خدته أملاك وفلوس دول هما المستقبل عايزين تقعدوا هنا أنتوا الاتنين تقعدوا بكل احترامكم مش عايزين وجودكم زي عدمه.
دلف للمرحاض وصفع الباب من خلفه لتنتفض إحسان ويطالعها عبدالقادر بِـلوم وعتاب وغادر الغرفة لتتبعه وتتساءل وقد انهمرت الدموع من مقلتيها:
-هنعمل إيه يا عبده؟ الواد بيضيع مننا.
-الواد ضاع يا بنت خالي.
ذهب لـغرفة أخيه وطرق بابه ليفتح مالك وقد أبدل ثيابه لأخرى بدلا من ثياب نومه لينظر لأخيه بضعف و تِيه ربت مالك على كتفه وهو يقول:
-أنا هنزل البلد أوصل الجماعة هناك عشان أكون متطمن عليهم وهرجع هرجع عشان حقي يا عبدالقادر، البيت ده انا وأنت بنيناه طوبة طوبة ومش هسمح لواد زيه يأخده مننا حتى لو كان ابنك أحنا اللي تعبنا وأحنا اللي شقينا.
-و زي ما هو ليه حق خده بزيادة بزيادة أوي كمان، ولادي ليهم حق وحقهم عليا أرجع ليهم وِرثهم.
-وأنا معاك يا أخويا.
احتضن مالك أخيه الصغير و ربت على كتفه ينظر لإحسان بإطمئنان يخبرها بنظراتها بألا تقلق، سيجد حلا لـتلك المعضلة.
كان الجميع يجهز ثيابه والأشياء الأساسية الخاصة بِه استعدادا للرحيل، بينما غدير كانت تلعن وتسبّ شريف بداخلها تتمنى أن تقبض على عنقه وتسلبه روحه لقد حرمها من تلك الأموال التي عادت من أجلها.
هتف شريف باسم الخادمة التي أتت لـه تضع رأسها أرضا تلبيةً لندائه:
-عايز أرجع ملقيش حد في البيت هنا غيرك، فاهمة؟
هزت رأسها بالإيجاب ليشير لـها أن تغادر ويقف في منتصف المنزل يفرد ذراعيه كالجناح يطالعه بانتصار ها قد حقق مُراده وامتلك كل ثروات عائلة المهدي، لا يهم أنه استخدم حيلة قديمة للإيقاع بِهم وخدعهم بأنه يعمل على صفقة مهمة ويحتاج لتوقيعهم؛ فجميعهم يمتلك نسب في تلك الشركة وأقنعهم بأنها صفقة رابحة ولكنها كانت الأكثر خسارة على الإطلاق بالنسبة لهم وبذلك الأسلوب الرخيص والقديم نقل كل أملاك العائلة باسمه ولم يتوقف عند ذلك الحد كان يختلس أموال دون علمهم من الشركة.
غادر المنزل بعدما اِستقل سيارته، كان يطالع مالك المنزل وهو يهبط درجة تلو الأخرى حتى توقف في بهو المنزل يتذكر كل عُمره الذي قضاه هنا منذ أن كان في العشرين شق طريقه وأتى إلى هنا يعمل بِكل جهده وقوته ليكسب قوت يومه على الرغم من ثِراء عائلته ولكنه يحب الاعتماد على الذات ليتبعه أخيه عبدالقادر ويصنعوا اسم لهم في القاهرة كان يختفى بالشهور عن زوجته ولكن سرعان ما وصل للقمة وأتى بها إلى هنا ليرزقهم الله بفرحته الأولى غـدير وكم كان سعيد بِها وليس هو فقط بل أخيه و زوجته أيضا على الرغم من إنجابهم لـشريف ولكن لطالما كان عبدالقادر يحب أخيه وكل ما يخص أخيه حتى وإن كان على حساب حُبّه لابنه.
وقفت خلفه جليلة تحزن على ما أصابهم، كانت تقاسمه كل شيء منذ البداية الألم والفرح لذا تعلم ماهية شعوره يشعر بأنه مُجرد من أحلامه الذي بناها وحققها بعد صبر طال لأعوام.
جهز الجميع ليستقلوا السيارة بينما مُراد أبى أن يعود معهم سيبقى هنا و يسعى لإيجاد حل حتى يعود أبيه، ليحذره أبيه بقوة من التصرف بتهور وأنه سرعان ما سيعود ولكن أولا يجب عليه الاطمئنان على أمه وأخته.
حرك رأسه بالإيجاب ولكن بداخله يتوعد لـشريف سيفتك به بالتأكيد ويعيد كل الثروة لأبيه وعمه هؤلاء الذين ضحوا بعمرهم لتجميعها.
____________________________
كانت تجري هنا وهناك تبتسم بقوة تتمنى ألا تنتهي تلك الرحلة، لتقترب منه تسير بجواره تتشابك أصابعهم سويا وتسعد بكل المعالم الأثرية من حولها بينما هو كان يطالعها وحدها تكفيه ماذا يتمنى وهي بجواره؟ لقد تمناها هي وها هو يحتضن حُلمه بين ذراعيه.
أشارت لـه على مَعلم سياحي لتجذبه خلفها وتتقدم منه تطالعه باندهاش لم تراه يتفاعل معها لتنظر لـه ويا ليتها لم تفعل، لقد هوى قلبها بين قدميها أثر نظراته الصادقة والمليئة بالحُبّ كانت ترى الحلم بين عينيه لطالما كانت تتمنى أن تجد أحد يراها وكأنها أحد إنجازاته وها قد وجدته بين ذراعيها وما زاد خفقان قلبها اِبتسامته التي تزيده جاذبية، كيف لرجل مثله يكون بِـكل هذا الصدق!
قاطع اِنبهارها جذبه لـها نحوه ليسمح للمارة بالتحرك لتفيق من شرودها وتطالعه بابتسامه خجولة هم بالحديث ولكنها قاطعته:
-عايزة أيس كريم.
حرك رأسه بالإيجاب وجذبها ليتحركا ويتجه باحثا عن محل بيع مثلجات حتى وجد، ليسمح لـها بالبقاء خارجا كانت تطالع المارة من حولها بابتسامة وبعد قليل من الوقت ولم يأتي بعد سيف لِكثرة الطلبات بالداخل كادت أن تدلف لِلمحل حتى وجدت من يتمسك بِـ بنطالها لتنظر لأسفل حتى وجدت طفل صغير يبكي لا يتعد عُمره الخمس السنوات لتهبط لمستواه وتحيط كتفيه بكلتا يديها تتساءل عن ماهيته:
-أنت مين؟
أجاب الطفل بتلعثم لِصغر سنه وهو يبكي:
-يوسف، كنت مع بابا و روحت استخبى منه ولكنه مجاش ليا.
استطاعت ترجمة حديثه وفهم مقصده، لتتساءل:
-وبابا اسمه إيه؟
-عادل.
-للدرجة دِ اتأخرت لدرجة إنك خلفتي!
نهضت لتطالع سيف الذي يحمل في كلتا يديه مثلجات بنكهة التوت البري ويقف على درجات المحل ليصبح في مستوى أعلى منهم ويتقدم منها بينما هي أجابت:
-الولد تايه من والده.
تقدم سيف منهم وأعطاه المثلجات الخاصة يها وتقدم من الطفل ليجثو لـه ويصبح قريب من مستواه وابتسم لـها يطمئنه ويتساءل:
-وبابا اسمه إيه؟
-عادل.
-عادل إيه؟
صمت الطفل؛ فهو لا يعلم اسم والده كاملا كل ما يعلمه اسم أبيه فقط ربت سيف على كتفه وأعطاه المثلجات الخاصة بِه ولكن يوسف أبى ليقول سيف:
-مش أنت عايز تلاقي بابا؟
حرك رأسه بالإيجاب ليكمل سيف قوله:
-خلاص يبقى تسمع الكلام وتأخدها من ايدي.
أخذها يوسف وقام سيف بتقبّيله وحمله على ذراعه الأيمن وتقدم من غـرام التي ابتسمت له وعبثت بخصلات الصغير وقالت:
-متقلقش هنلاقي بابا.
ذهب سيف بِه وهي بجواره من يراهم يظن بأنهم أسرة حقيقية كانت تطعمه من مثلجاتها الخاصة ويضحكان سويا وشاركهم الطفل في الضحك والحديث وقد أخبرهم بالمكان الذي اختبىء فيه من أبيه ليتجه لـه سيف كان يسير يبحث عن والد الطفل لعله يراه يوسف ويتعرف عليه.
أردفت غـرام متساءلة:
-هنعمل إيه؟
-مقدمناش غير نروح القسم، أكيد زمانه عمل محضر وسأل عنه هنا كتير.
تحركا في طريقهم لمغادرة المكان لتقديم بلاغ، توقفا حينما استمعا لصراخ رجل من على بُعد يهتف باسم يوسف الذي صرخ هو الأخر هاتفا باسم أبيه ليتركه سيف ويجري يوسف بقوة نحو أبيه الذي كان قلقا وخائف عليه يشعر بالضياع والتِيه.
جثى على ركبتيه يدعوه لحضنه ليندفع يوسف داخل أحضان أبيه بقوة، ابتسمت غـرام ونظرت لـسيف الذي جذبها لأحضانه يحيط كتفيها بذراعه يبتسم لـها يتمنى أن يرزقهم الله طفل شبه ذلك الصغير كم يبدو جميلا.
قبض يوسف على ذراع أبيه يجذبه نحو سيف وغـرام ليخبرهم بمساعدتهم لـه، صافح عادل سيف وشكره كثيرا وتمنى لـهم الذرية الصالحة بينما غـرام شردت قليلا حتى أفاقت على قبّلة سيف لتلتفت لـه وتتساءل عما حدث.
-مش نفسك في قرد صغير زي يوسف كدة!
أردفت بابتسامة وهي تتحرر من قبضته:
-مش كفاية أنت عليا.
عادا سويا للفندق لتلقي غـرام بجسدها على الفراش وقد عبس وجهها يينما سيف خلع سترته كاد أن يقترب من غـرام حتى تعالى رنين هاتفه كان سيتجاهله ولكن ما أن علم بهوية المتصل حتى انتفض من مكانه ليجيب سريعا.
-مساء الخير.
-مساء الخير، ديڤيد.
-أهناك خطب ما؟ أمي على ما يرام؟
صمت ديڤيد قليلا لا يعلم بما سيجيبه لقد وضعها أمانة بين يديه قبل مغادرته، أعاد سيف سؤاله:
-أمي بخير ديڤيد؟
-حسنا، لن أكذب عليك.
-لقد تعبت مساء أمس ونقلناها للمشفى.
-هي بخير للآن، لا تقلق.
-ولكنها تريد رؤيتك كنت تخبرني طوال الليل بأنها تريدك أن تكون بجوارها وألا تترك يدها.
-هل بإمكانك العودة قريبا؟
-عِدني أن تبقى أمي بخير حتى أعود.
-أعدك.
أغلق سـيف المكالمة وجلس على الأريكة يضع رأسه بين قبضتيه ينظر للاسفل يدعو لأمه يتمنى ألا يصيبها مكروه حينها لن يسامح نفسه؛ لأنه تخلى عنها في أيامها الأخيرة بينما هي كانت الأكثر حاجة لـهُ.
رفع رأسه حيث غـرام التي أبدلت ثيابها لأخرى قصيرة تظهر ساقيها يعلوها شال خفيف قطبت حاجبيها حينما وجدته عابس الوجه لتتقدم منه وتجلس بجواره تتساءل:
-في إيه يا سيف؟
-لازم أسافر ألمانيا.
-قلقتني، في حاجة؟
-ديما هانم تعبانة وفي المستشفى.
ابتلعت لعابها و ربتت على كتفه عدة مرات بحنية وهي تنظر للأمام بشرود تفكر ماذا عليها أن تفعل، لتجده يعود بجسده للخلف ويقول:
-معاكِ الباسبور مش كدة؟
حركت رأسها بالإيجاب بدون وعي ليكمل حديثه:
-هحجز التذاكر من هنا، وبعدين نبقى نفهمهم سبب سفرنا المفاجيء.
-تمام؟
لم تجيب عليه لينظر لـها ويجدها تشرد في الطاولة أمامها ولا تستمع لـه، ليهتف باسمها وتستجيب لندائه ليتعجب من حالتها ويربت على وجنتها اليمنى يقول:
-أنا عارف أني مضطر أقطع أجازتنا ولكن.
قاطعته وهي تقول:
-متقولش كدة يا سيف دِ والدتك.
حاول تكذيب تلك الدموع في عينيها يكفيه مرض أمه المُفاجيء وعمله المتعلق نهض يتجه لخزانة الثياب يبدل ثيابه ويذهب للفراش يستعد للنوم لتتقدم منه غـرام وتنام بجواره تطالع السقف تتمنى أن ينتهى كابوسها المُطارد أصبحت تخشاه لطالما كان عائقا في طريقها.
في صباح اليوم التالي، استيقظ سيف وأبدل ثيابه ليغادر الفندق ويقوم بحجز تذكرتين لكلاهما إلى ألمانيا، يدعو ربه كثيرا أن يمد في عُمر أمه حتى يستطيع رؤيتها والشبع منها يتمنى أن تهدىء تلك الثورة بداخله؛ فهو في حيرة من أمره منذ أربع سنوات لم يذق طعم الراحة عدا تلك الأيام الماضية خائف أن يفيق من حُلمه.
ما أن خطى لداخل الغرفة حتى وجدها تقفز أمامه وتطالعه بهجوم وأردفت بنبرة لم تعجبه:
-كنت فين؟
-كنت بحجز التذاكر.
-بكرة الصبح هنسافر.
هدئت قليلا وابتعدت من أمامه تتقدم حيث الفراش تجلس عليه وتجذب خصلاتها بعنف وقدميها تُهز بعنف تتمنى أن تحفر حُفرة وتدفن نفسها بِها لعلها تتخلص من ذلك الشعور، شعور أنك خائف لا تشعر بالأمان لا يضاهيه شعور أخر، فمن اعتاد الظلام ظن شعاع النور وهمًا.
وجدته يجلس أمامها على الفراش لتعتدل في جلستها وكادت أن تنهض حتى وجدته يقبض على يدها يمنعها من القيام وينظر لوجهها يتساءل:
-في حاجة مضايقاكِ؟
حركت رأسها بالنفي بينما هو اقترب منها يحيط وجنتيها بكفيّه ويقبّل جبينها، ليدنو منها ويميل على وجهها تضرب أنفاسه الخافتة بشرتها يهتف بصوت خافت وقد أغمض عينيه:
-غـرام أنا بحبك.
-و لو أطول أشيل كل الحزن اللي في قلبك وأحطه في قلبي أنا بس أنتِ تبقي مبسوطة ومرتاحة معنديش مانع.
-بلاش أشوف في عينيكِ النظرة دِ، نظرة الخوف دِ بتحسسني أني عاجز عن حمايتك وسعادتك.
-شايفاني عاجز عن حمايتك وسعادتك، يا غـرام؟
أجابته بقبّلتها، تمنعه من تكملة حديثه لطالما كان معها في المُر قبل الحلو يحمل عنها أعباء السنين ويخبئها بداخله ولا يشكو بل يستمر في حُبّها رغم رفضها المستمر لـهُ أو غيره ومع ذلك صبر عليها وتمناها في كل ليلة ولكن يبدو بأنها كلما حاولت التحرر من قيودها تشابكت بشكل مُعقد أكثر من ذي قبل.
ألتمعت عينيها بالدموع لتغلقهم وتقول بداخلها:
-أسفة، ولكن لـقصتنا منحنى أخر سيف.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
________________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Acakيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك