نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٣٦..
____________________________
كانت تبحث جليلة عن غدير ولكنها لم تجدها فقد أخبرتها الخادمة أنها غادرت منذ الصباح وتركت مالك الصغير بحوزتها، لـتشعر جليلة بالقليل من الخوف والريبة والشك على الرغم أنها سعيدة بعودة ابنتها لأحضانها مرة أخرى ولكنها ترى نظرات غريبة داخل عينيها لـم تعتاد عليهم بعد.
نقلت غـرام بصرها بين أختها وتلك السكين في يدها قبضت على حمالات الحقيبة الصغيرة التي ترتديها على ظهرها وكان الصمت هو سيد الموقف ولـكن النظرات كافية تلك تشعر بالحيرة متساءلة عما إن كانت أختها هنا لتُحررها أو لـقتلها! أما الأخرى كانت ترى أنها الفرصة المناسبة ستتخلص من مصدر تعاستها ربما سينهرها شريف وبقوة ولكن لا يهم ستحصل على المال عاجلا أو آجلا.
ابتلعت لـعابها وتراجعت للخلف لتتقدم غدير للداخل وتنظر لـ زينة التي تقف تشاهد ما يحدث بصمت وعينيها كادت أن تتدلى للخارج من شدة صدمتها.
كان أول من قطع الصمت غـرام بسؤالها:
-جاية ليه، يا غدير؟
أردفت غدير بلـهجة آمرة لـ زينة:
-اخرجي بره.
اقتربت زينة من غـرام تقبض على ذراعها وتقول:
-أنا هخرج من هنا مع الست هانم، مستحيل أسيبها ليكِ وأنتِ شايلة اللي في إيدك ده.
اِبتسمت غدير اِبتسامة صفراء وأردفت:
-حتى الخدامة عايزة تحميكِ.
-مش مشكلة جثة من جثتين.
نظرت غـرام لـ زينة بامتنان وأردفت:
-تقدري تمشي، يا زينة.
كادت أن تعترض ولـكن غـرام أكملت حديثها:
-أحنا أخوات مهما حصل أحنا أخوات يا زيتة، والأخوات عمرها ما تأذي بعض.
أنهت حديثها وهي تنظر لـغدير التي كانت ترفع يدها الحرة أمام وجهها تستعرض أظافرها اللامعة ونظرت لـهم بملل، بينما زينة كانت تقدم قدم و تؤخرها خائفة أن تختلي غدير بـغرام وتتخلص منها حينها لـن تسامح نفسها أبدا.
ولـكن غـرام ابتسمت لـها بأمل واطمئنان تحثها على المغادرة، لـتغادر على مضض ويبقى غديـر وغـرام فقط.
كانت تدور غدير حول غـرام التي تنظر لساعة يدها تتمنى أن ينتهي ذلك الحوار سريعا قبل عودة شريف، لتتساءل غدير وهي تراها تقبض على حقيبة الظهر بقوة:
-الشنطة دِ فيها إيه؟
-ميخصكيش، قولي الكلمتين اللي أنتِ عايزاهم خليني أخلص اللي وراكِ.
-أنتِ بايعة حياتك أوي كدة! بقولك الشنطة دِ فيها إيه؟
لـم تُجيبها غـرام لتتقدم منها وتحاول جذب الحقيبة ولكن غـرام كانت تمنعها بكـل قوتها حتى أن غدير جرحت ذراعها لتتمكن من أخذ الحقيبة لـتصرخ غـرام بألم وتتطالع الدماء وهي تتناثر أرضا لـتقاوم ذلك الأمر وتنجح في جذب الحقيبة بعيدا عن غديـر التي زاد إصرارها في أخذ الحقيبة.
كانت غـرام تقبض على ذراعها بقوة تحاول منع الدماء تطالع غدير بصدمة وتقول:
-أنتِ اتجننتِ!!
-طبعا اتجننت واحدة زييّ هتفضل عاقلة إزاي!
-خدتي كل حاجة فلوس وحب.
تساءلت غـرام بضيق:
-قصدك إيه؟
-نصيبي زي نصيبك في الورث وشريـف أستولى على الاتنين.
-وفلوس سـيف؟
أردفت غـرام بـكل غضب وهي ترى الجميع يحقد على ما بيد سـيف زوجها:
-أنتوا عاوزين منهُ إيه؟ هو عملكم عليه عشان تحقدوا عليه بالشكل ده.
-هو أكتر واحد ساعدك لـما الزفت يزيد تخلى عنك وطلقك دخلك بيته وحماكِ أنتِ وطفلك.
-عشان كدة بحسدك عليه، أنا وأنتِ قابلنا نفس الظروف لكن أنتِ الدنيا ضحكت ليكِ أوي وأنا كنت بتعامل كل يوم بمعاملة أحقر و أسوأ من اليوم اللي قبله.
-مش أنتِ اللي اختارتِ يزيد باسم الحب!!!
-وأنتِ اختارتِ شريف باسم الحب زييّ.
-اشمعنا مصيرك وحياتك كانت أفضل مني، كنتِ بتأكلي أحسن لبس وتشربي أحسن شرب كنتِ بتخرجي وتتفسحي مش عندك مسؤوليات.
-كنتِ كـل يوم جمالك بيضيء أكتر وأنا كنت كل يوم جمالي بيطفيء.
صمتت غدير تلتقط أنفاسها بينما غـرام تناست الألم قليلا حتى يمكنها مضاهاة نوبة غضب أختها، لـتقول:
-عارفة إيه اللي كان بينطفيء؟، روحك مش جمالك يا غدير.
-أنتِ شيلتي كل النور اللي في قلبك وحطيتي مكانه غـل وحقد وسواد.
-هتوديني درس في الأخلاق! على أساس أنتِ ملاك طاهر نازل من السماء!
-مين أتفق مع يزيد عشان يهرب معايا؟
-وأنتِ كان عندك قابلية أنا كنت سبب بس، متبرريش غلطك.
استندت غـرام على الطاولة بجوارها تحاول استعادة توازنها فالدماء لا تتوقف نظرت حولـها تبحث عن قطعة قماش توقف بِـها النزيف، بينما غدير أردفت:
-أنتِ عارفة مين اللي ساعد شريـف؟
نظرت لـها غـرام ياهتمام وقد انتبهت كل حواسها خائفة مما هو قادم أيعقل أنها هـي؟
-أنا.
-أنا اللي اتفقت معـاه عشان نخلص منكم كلكم.
-أنا أستحق شريـف وثروته.
أردفت غـرام بغضب:
-ما أنتم شبه بعض فعلا.
-والثروة دِ مش ملكهُ لوحده، الثروة دِ مِلك لبابا وعمي وعائلة المهدي مش هو لوحده واللي عملهُ ده نصب وحقنا هيرجع هيرجع بس ساعتها هتبقي لوحدك.
-تفتكري هو هيحميكِ؟ تبقي اتجننتي.
-اللي يرمي بنت عمه ومراتهُ في الغـربة ميقدرش يحميكِ يا غديـر أنتِ اختارتي الجهة الغلـط زي كُل مرة و زي ما اختارتِ يزيد وكانت النتيجة طفل ملهوش ذنب أنه يعيش في حياة شبهكم وأنتِ خسرتي كل حاجة زي ما قولتي.
صرخت فيها الأخرى وهي تقول:
-برضو مُصرة تطلعيني شيطان رغـم أنه أنتِ اللي دفعتي ليزيد عشان يأخدني ونهرب.
-كل واحد بيتحاسب على قراراتهُ، أنا مضربتكيش على إيدك أنتِ مسؤولة عن قرارك.
-أنا كـنت سبب بس.
-وأنتِ لـو مكنتيش عايزة ده لا أنا وألف كمان كان هيجبرك.
-عـندك حق وأنا جاية أصحح غلطاتي.
لـترفع السكين بينما غـرام جحظت عينيها وحاولت الفرار منها ولكن الأخرى جرت نحوها بأقصى سرعة تطعنها بعشوائية ولكن الأخرى كانت تدافع عن نفسها رغـم حالة يدها الحرجة.
سقطت غـرام أرضا بينما غدير تعتليها تحاول طعنها كثيرا في أماكن متفرقة وغـرام تمسك معصمها تمنعها من الحركة بحرية وكانت تصرخ لـعل أحد الحراس يسمعونها، لـتقول:
-غديـر متخليش الغضب والحقد يعموكِ أنا غـرام أنا أختك.
-فوقي أنا أختك.
-كُل المشاكل هتتحل بموتك.
دفعتها غـرام بقوة تراجعت للخلف بجسدها تطالعها بخوف وريبة ما تراهُ أمامها بالتأكيد ليس حقيقيا، أختها كانت كـلما رأت جرح فيها تداويه ولا تزيدهُ كانت تخبرها بأنها هُنا من أجلـها من أجـل حمايتها وليس إيذائها حركت رأسها بالنفي لا تصدق أن من يحاول قتلها اليوم هي تلك التي كانت تحميها منذ الصغر، لـقد تغيرت كثيرا.
تداركت الوضع وعادت لصوابها لتنهض من مكانها تبحث عن مفر لـتقول:
-متضيعيش حياتك وعُمرك عشاني يا غدير وعيشي حياتك عشان خاطر ابنك مالك واللي جاي في الطريق.
-هو أنا مقولتلكيش؟
ظهرت اِبتسامة صفراء مريضة على وجهها وهي تحيط بطنها بكلتا كفيها:
-مش أنا قتلته؟
-وخلصت منه.
-مش تقوليلي مبروك؟
تحولت اِبتسامتها لـضحك هيستيري يدل على مدى الخلل في عقلها وأردفت:
-قتلته بإيديا دِ.
لـترفعها أمام وجهها تتذكر كيف ظلت تقفز من الفراش للأرض في منزل جدها ولـكنه يبدو أنه متمسك بالحياة كثيرا لتوصي على أدوية تسبب إجهاض وقد أخذتهم على دفعة واحدة ليسقط مغشيا عليها والدماء تسيل من حولها بينما مالك يجلس بجوارها يبكي بصمت يحاول الصراخ بصوت مرتفع ولـكن بلا فائدة.
اقتربت غـرام من تلك الستائر المعلقة لتحاول قطع جزء منها لتوقف الدماء بِـها، لتعقد قطعة القماش على الجرح عدة مرات، يا لـقوتها كانت تتحمل الألم ببراعة مرددة بداخلها بأن موعد الرحيل قد قرب وأنها ستتحرر من قيد شريـف وسجنهُ.
كانت غدير تضحك وتبكي في آنٍ واحد حزنا على ما أصابها مرددة بداخلها أن الحياة لـم تكن عادلة معها بينما كانت عادلة مع أختها، أفاقت من نوبتها وانتبهت لـغرام التي كادت أن تعبر من جوارها لـتهرب لتقبض على شعرها بقوة وترفع السكين إلى عنقها بينما غـرام توقفت عن الحركة حتى لا تجرحها غدير وأردفت:
-غدير.
أردفت غـدير بدون وعي:
-أنتِ لازم تموتي لازم أخلص منك.
حاولت نحرها ولـكن يدها لم تطاوعها، إنها لـم تقتل أحد من قبل رُبما لا تعتقد أن التخلص من جنينها قتل!!
كانت تقبض غـرام على كلا معصميها تحاول إبعادهما قدر المستطاع عن عنقها، حاولت الصراخ وهي ترى أختها لا تستجيب لـكلماتها أردفت غـدير:
-مشيتهم كـلهم، أنا وأنتِ بس اللي هنا.
شحبت ملامح غـرام مرددة بداخلها أتلك النهاية!! لـن تكون قادرة على الاعتذار من سـيف.
أغمضت جفنيها تتمنى لـو أن تحصل معجزة الآن ولكنها بين قبضتيها والسكين على عنقها، دفعتها غدير بقوة للأمام لتتفاجيء غـرام من عدم قتلها لـتردف غدير:
-لازم تدوقي اللي أنا دوقته الأول قدامي.
-غـدير أحنا لازم نمشي دلوقتي قبل ما شريـف يجي ويأذيني ويأذيكِ.
-وأنتِ خايفة عليا أوي!
جذبتها لـتغادر غـرفة شريف وتسير في الممر المؤدي للطابق الأول استمعت لصوت سيارات تدلف للمنزل وقد عـلم شريـف بمجيء غـدير إلى هنا رغم تحذيراتهُ الكثيرة لـها و رُبما لـم يكن سيعير الأمر اهتمام ولكن حينما أخبره حارسهُ بأنها جعلتهم يغادروا بدأ الشك يراوده إنها فتاة مجنونة وليست قي كامل قواها العقلية وحينما كانت تتحدث معه عن الثروة والعائلة كان يرى الغـل والحقد في عينيها من عـرام كانت تتحدث عنها بصورة بشعة؛ لـذا أنهى عمله على الفور وعـاد اقتحم المنزل بغتةً.
كانت تقف غـدير في منتصف المنزل وبجوارها غـرام على بُعد صغير منها ترى كُـل آمالها تتحطم أرضا لـقد ذهب مخططها هباءً.
ما أن رأت غـدير شريف حتى جذبت غـرام لـها وعادت لتضع السكين على عنقها مرة أخرى، توقف شريـف حينما رأى غـرام رهينة لـها شعر بالقلق لوهلة على غـرام لـيقول بغضب:
-سيبيها يا غـدير.
-عشان تقتلني صح؟ عايز تخلص مني عشان تنعم بالفلوس وبيها لوحدك مش كدة.
-بس أنا مش هخليك سعيد يا شريـف هقتلها ليك قدام عينك لو مسبتنيش أخدها من هنا وأمشي.
-لو خدش واحد صاب غـرام هقتلك يا غـدير.
لـم يخيفها بحديثه أبدا بـل ازداد حقدها وكرهها لـغرام في تلك اللحظة لتضغط على السكين وتنجرح غـرام التي صرخت بألم رفعت غـدير السكين في وجه شريـف وقد رأى بعض قطرات الدماء عليه:
-هتعمل إيه دلوقتي؟
عادت لتضع السكين في مكانها بينما غـرام كانت قد شعرت بأنها على وشك فقد وعيها الآن في حال أن شريـف حرك رأسه لأسفل وكأنه يعطي إشارة لأحدهم وما هي إلا ثوانِ وقد اخترقت رصاصة خرجت من مسدس كاتم للصوت لـجسد غـدير.
__________________________
كانت تجلس مونيكا مع كلٍ من سـيف و صوفيا ترحب بِـهم على الرغم من رفضها لتلك الزيجة وعدم فهمها لسبب انفصال كلٍ من سـيف وغـرام وحاولت كثيرا الحديث معه ولكنه أبى، كانت تتجول صوفيا في المنزل وهي تبتسم حتى توقفت عند تلك الطاولة والتي توجد عليها بضعة صور تحمل كـلا من مونيكا وسـيف وغـرام!
كان هناك صورة قديمة قبل أن تعدل غـرام هيئتها بشعرها المجعد ونظارتها وهناك صورة أخرى بعدما أصبحت فتاة تمتلك من الجمال قدرا لـتقول بسخرية:
-بالكاد استطعت معرفتها من الصورتين.
غضبت مونيكا منها ونظرت إلى سـيف الذي ظهر الجمود على ملامحه ونهض يتجه نحوها وتساءل:
-صوفيا.
نظرت لـه تجيبه على ندائه لـها بينما مونيكا تقدمت من الصور وجذبتهم لـها تستمع لسؤال سـيف:
-هل تضمني لي أن تظلي محتفظة بجمالك مدى الحياة حتى وإن كُنتِ في السبعين أو الثمانين من عُمرك!
شـعرت صوفيا بالعجز والإحراج لـتنظر إلى مونيكا والتي كانت سعيدة بسؤال سـيف وإحراجه لـه، لتحاول صوفيا البحث عن مهرب لـكي تخرج من ذلك الإحراج الواقع عليها ونظرت لـه تقول:
-إن كنت تدافع عنها بعد اِنفصالكم، لـمَا أنت مقدم على الاقتران بي؟
-وهل إنتهاء العلاقات يُعطينا الحق للتحدث عن الطرف الأخر بِسوء!!
تغلب عليها بالحديث مرة أخرى وازداد حرجها ليتنهد ويقول:
-الوداع مونيكا، سأتي لأزورك مرة أخرى.
-هيا صوفيا.
جذبت حقيبتها سريعا قد أنقذها من إحراجها للتو، ولكنها غضبت لفكرة حفاظه على صورة زوجته القديمة ودفاعه عنها، حتى أنه لـم يطلب من مونيكا حرق الصور لِمَا؟؟ كانت تريد سؤاله وبشدة ولكنها أجلت السؤال.
على الرغم من أنه كان يقود سيارته ليوصل صوفيا لـمنزلها ألا أنه كان شارد الذهن يتذكر تـلك التي لا تُغادره أبدا.
ثوانٍ وكان ذلك الرجل خطيب مونيكا السابق مُلقي أرضا أثر لـكمة سـيف القوية التي أصابته بينما غـرام انكمشت في مكانها تشعر بالخوف والذعر، استمعت مونيكا لـصوت ضوضاء في الخارج لترتدي ثيابها على عجلة وتخرج من المرحاض لتعرف سبب تلك الضوضاء وجدت كُلٍ من سـيف وذلك المعتوه الذي كان خطيبها سابقا ولكنهُ خانها لذا قررت الانفصال عنه ولكنه ما زال يلاحقها في كل مكان تذهب إليه حتى أنها اضطرت للانتقال من مدينتها القديمة للابتعاد عنها ولكنه وجدها مرة أخرى.
قبض سـيف على عنقه ليختنق الأخير ويشعر بأنه على وشك مفارقة حياتهُ ليعتذر لـسيف من بين شفتيه بنبرة مترجية بالكاد خرجت.
-اتركني، أعتذر لـن أعترض طريقها مرة أخرى أقسم لك.
دفعه سـيف بقوة ليسقط الأخير أرضا وهو يلتقط أنفاسه ويسعل بقوة وقد أصبح وجهه أحمر اللون، كانت تقف غـرام مكانها تطالع ما يحدث بوجه خالي تتساءل بداخلها ماذا إن لـم يأتي سـيف!
اقترب منها سـيف يفحصها بنظراته متساءلا:
-أنتِ بخير؟
حركت رأسها بالإيجاب بينما مونيكا تقدمت من هارلي خطيبها السابق وأردفت:
-لا أريد أن أرى وجهك بعد اليوم، هارلي.
-وإن فعلت، سيستخدم سـيف سُلطتهُ ضدك.
-يبدو أنني كنت غبية حقا حينما تركتك دون عقاب.
-غادر منزلي ولا تعود أبدا.
هبط سـيف ليلتقط تلك السكين ويشير لـذلك المدعو هارلي باتجاه الباب لينهض ويتقدم إلى الباب وهو يحاول التماسك جيدا ألقى سـيف لـه السكين ليلتقطها ويغادر على الفور يلعن ويسبّ سـيف بداخله لطالما كان يخاف منه؛ فما هو سوى مواطن لا يحمل حتى نفقة مسكنهُ بينما سـيف يمتلك أموال وسُلطة تنهي على مستقبله في غمضة عين.
أردفت مونيكا بقولها:
-أعتذر غـرام.
ابتسمت لـها وكأن شيئا لـم يكن بينما سـيف أردف قائلا:
-غـرام.
نظرت لـه و يا ليتها لـم تنظر لقد أنستهُ الكلمات، لتجحظ عينيها عقب حديثه:
-أترغبين في العمل معي؟
اللعنة كان هذا أغبى قرار أخذه سـيف في حياته، لـم يكن عليه إقحامها في حياته بالعكس كان يجب أن يبتعد عنها قدر ما يستطيع؛ فحبها لـم يكن سوى لعنة لـقلبه.
أفاق من شروده على نداء صوفيا لـه لينظر لـها بصمت بينما هي قالت بحنق وضيق:
-ما الذي يشغل بالك حتى لا تنتبه لندائي من المرة الأولى؟
أجاب بهدوء وهو ينعطف يمينا ليقف بعد دقيقتين أمام منزلها:
-لدي بعض المشاكل في العمل، ها قد وصلنا.
______________________________
كانت تبحث عنها جليلة مرارا وتكرار تشعر بالقلق والخوف حتى أردفت صفاء الجدة متساءلة:
-مالك قلقانة كدة ليه؟
-غدير غابت كتير أوي يا أما.
-خايفة خايفة يكون طلاقها من المخبول اللي اسمه يزيد غيرها، غيرها وخلاها إنسانة تانية معرفهاش مش هي بنتي اللي حملت فيها وخلفتها وربيتها يا أما أنا خايفة اوي.
-إن شاء الله خير.
-اقعدي يا بنتي زمانها جاية، هتلاقيها راحت تزور أختها أو حاجة.
-كفاية فُراق بقى بينهم.
-طب ومالك؟
-مالك اللي شايل الطين كله على رأسه لما يسألني عنها أقوم أنا أشيله طين أكتر وأقوله مش موجودة من الصبح.
-حتى غـزل قالتلي إنها مجتش عندها وكذلك مُراد مشفهاش.
-وغـرام سافرت مع جوزها عشان والدته تعبانة.
أخفى مالـك عن الجميع ما حدث لـم يخبرها بعصيان ابنته لـه و تخليها عن زوجها من أجل ذلك الذي باع الجميع وأشترى المـال، يشعر بثقل كبير في جوفه كيف لـه أن يرى عائلته بذلك الشكل المفكك هو الذي سعى دوما لتجمعيهم ربما لذلك أخطأ حينما قرر زواج ابنته غدير بشريف ابن أخيه حتى لا تتفرق العائلة وأن يبقوا بجواره وألا يتركوه أبدا ولكن ماذا حصد الآن؟
ها هي ابنته الأولى هربت و تزوجت بأخر دون موافقة أحد لتنجب منه طفل لا ذنب لـه، وأما عن ابنته التي تليها لقد ظلمها بزواجها من ذلك الجشع ولكنه صدمته بجشعها الأكبر حينما تخلت عن خُلق سـيف لتبقى مع شـريف ولكنه على الرغم مما حدث يخبره شيء بداخله أنها لا تفعلها لا تفعلها أبدا كانت الأقرب لـه كان يحبها ويدللها دونا عن الجميع كان يستمع لبُكائها كُل ليلة بسبب كلمات من حولها تلك هي زرعته بالتأكيد لن تُخيب ظنه.
ليُجيب على نفسه بحسرة وألم ولكنها خيبت ظنه وجرحتهُ، أما عن غـزل يشعر بالظلم لكونها لـم تختار زيجتها بنفسها ولكنها وافقت من أجله فقط رُبما كان عليه الاقتراب منها أكثر والاستماع لـها؛ أما عن مُراد فلـم يعصيه يوما على الرغم من تهورهُ في كثير من الأحيان ولكنه أصبح الآن سند لـه عوضا عن كل بناتِه يا ليتهم كانوا جميعا بجواره سندا لـه لـطالما كان سندا لـهم في الصغر..
هناك دمعة حارة هبطت على وجنتيه تليها الكثير والكثير من الدموع حزنا وألما وحسرةً، أزال عَبراتهُ يدعو أن يُريح قلبه وقلب أبنائه وأن يجتمعوا مرةً أخرى كما كانوا من قبل في صِغرهم ليهتف بقوله يا ليتهم لم يكبروا أبدا.
_____________________________
جحظت عينيها وهي تشعر بالألم الشديد يخترق جسدها وخاصةً في ظهرها حيث عمودها الفقري سقطت منها السكين بينما غـرام تحررت منها لـتعطيها وجهها ترى ما سبب سقوط السكين لـترى جسد غـدير يترنح للخلف لتمسكها بقوة ويسقط كليهما شعرت غـرام بمادة لزجة ساخنة موضع يدها لترفع يدها أمام وجهها وترى الدماء تزينها إنها ليست دمائها!! لـتنظر إلى غـدير التي تسقط الدموع من وجنتيها ليس ألما بـل لـكونها أصبحت مهشمة حتى أنه اختار قتلها على حماية تلك التي ترفضهُ رفعت غـرام رأسها للأعلى لتجد أحد حراس شريـف والذي تسلل لـداخل القصر بأمر شريـف حتى يتم محاصرة غـدير وجدته يخفض سلاحه ويضعه في بنطاله خلف ظهره لـتصرخ غـرام باسمها وقد أصبحت في حالة عي تام أثر مقتل أختها، لا هي لـن تسمح للأمر أن يتم لـن تخسرها حتى وإن قامت بإيذائها ولكـنها لـن تترك أختها أحاطت وجهها بيدها تقول:
-غـدير متغمضيش عينيك متغمضيش، اسمعي كلامي هنبقى كويسين.
-غـدير.
صرخت باسمها بـقوة كادت أن تخسر أحبالها الصوتية بسبب قوة صراخها وهي تراها تغمض جفنيها تستسلم لمصيرها وذلك الظلام الذي يحيطها، بدأت في البكاء والصراخ لتنظر إلى شريـف وتقول:
-أعمل حاجة أطلب الإسعاف.
-لو حصلها حاجة مش هرحمك، يا شريف.
اقترب منها وقبض على ذراعها حيث العضد وحاول رفعها لـه ولكنها أبت أن تترك جسد أختها وأردفت بغضب:
-عايز مني إيه؟ بقولك أطلب الإسعاف أنا مش هسيبها فاهم مش هسيبها.
-مش دِ اللي كانت عايزة تقتلك من شوية!
-يا ريتها كانت قتلتني ولا أنك تقتلها، أنت عايز مني إيه ها! عايز تخلص من كل اللي بحبهم أنت حقير ومختل وهتعيش طول حياتك لوحدك هتفضل منبوذ ومكروه من الكل.
صفعها بظهر كفه بقوة على وجنتها لتدمي شفتيها أثر ذلك الخاتم الذي يزين بنصرهُ، رفعها لـه بالقوة ودفعها نحو حراسه يقول:
-ركبوها العربية وأنا جاي، وجيبوا حد ينضف مكان الجثة دِ.
اقترب أحد الحراس من غديـر ليرى إن كانت ميتة أو لا وبالفعل تفقد نبضها والذي كان ضعيف للغاية لا يُسمع لذا اقترب بوجهه من أنفها ليشعر بأنفاسها الساخنة المضطربة تضرب وجهه ليردف:
-بس هي لسة عايشة يا بيه.
أردف ببرود:
-سيبوها لما تتصفى وبعد كدة اتصرفوا في جثتها.
جحظت عيني تلك الواقفة بين يدي حارسيه تقول:
-أبعد عن أختي، يا شريف.
-أبعد عنها.
اقترب منها يجذبها نحوه يميل بوجهه عليها بينما هي كانت تشعر بالتقزز والإشمئزاز منه لتبعد وجهها وأنظارها عنه، بينما هو أردف بقوله:
-يبقى تعملي اللي هقولك عليه بالحرف لو عايزاها فعلا تفضل عايشة.
-هتيجي معايا دلوقتي ومن غير شوشرة، هتروحي برجليكِ تركبي عربيتي اللي بره وتنتظريني هجيب ورق مهم من فوق وأجي ولغاية ما أتطمن ليكِ صدقيني أختك هتبقى في أمان.
ثم أكمل بسخرية وهو ينظر لغديـر:
-دِ زي بنت عمي برضو ولا إيه!
نظرت لـه وقد حل مكان الذعر والخوف الجمود والقوة.
-أي عربية انتظرك فيها؟
-رجالتي هتوصلك.
غـادرت مع حارسه وبينما عينيها تراقب خطوتها إلى غرفته بالأعلى بالتأكيد سيكشف سرقتها لـه لتطمئن بأن الحقيبة ما زالت على كتفيها ولحسن حظها لـم يكن هناك وقت ليلاحظ شريف الأمر ويسأل عن محتواياتها.
تحججت بأنها ستقبّل أختها وتودعها وبالفعل اقتربت منها وقبّلت رأسها وقد هبطت دمعة منها على وجنتي غـدير لتنهض وتسير مع حارس شريـف حيث سيارة شريـف ولكن قبل أن تصعدها صرخ شريـف باسمها لتنتفض وتقبض على تلك السكين بقوة والتي ألتقطتها حينما تحججت بتقبّيلها لـغدير لتخبئها خلف ثوبها وتتقدم من السيارة بخُطى بطيئة وهي تراقب باب المنزل تنتظر خروجه لـتقف بجوار الباب الخاص بالسائق ها قد ظهر لا تعلم كيف أصبح أمامها في غمضة عين يقبض على كتفيها بقوة يهزها بعنف وهو يتساءل:
-فين حاجتي يا غـرام اللي سرقتيها من الخزنة؟
تصنعت عـدم الفهم لتخرج كلماتها بطيئة بينما هو تحترق روحـهُ أمامها بـل إن روحه بين يديـها الآن إن كانت تمتلك تلك الأوراق وخاصةً تلك الفلاشة.
-خزنة إيه! أنا معرفش حاجة، هو أنت عندك خزنة هنا؟
-هقتلك يا غـرام.
زادت من قبضتها على السـكين حتى أبيضت مفاصلها تريد أن تقتلع قلبه بقبضتها ذلك المختل الذي دمـر حياتها بالكـامل، لتلمع عينيها بـفكرةً مـا وتقول:
-عايز تعرف بجد فين حاجتك؟ ودليل إدانتك؟
هـز كتفها بقوة وهو يقول:
-قولي يا غـرام.
-وزع رجالتك.
-ومقابـل ما هوديك الورق هتوديني حريتي.
حرك رأسه بالإيجاب لـيشير لحراسه بالإنصراف و وضع يده على ظهره يتحسس مسدسهُ يعـلم بأنها لن تتنازل عن ذلك الورق بتلك السهولة ولكن لـنرى إن كانت صادقة وحتى إن كانت صادقة لـن يتخلى عنها سيجعلها تخضع لـه شائت أم أبت.
بالـفعل تحركت رجالهُ للداخل بينما بقيت هي و هو في تلك الساحة بـمفردهم وسلاحِها وسلاحهُ!
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
____________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Diversosيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك