نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ١٦..
__________________________
قبضت على كف يده تقبّلها و هي تبكي لتهتف بقولها:
-طلقني..طلقني بعد ما اتجوز عليا وسابني أنا و مالك الصغير حتى بعد ما عرف إني حامل.
-متكونش زيه.
أجابها بوجه جامد خالي من المشاعر و هو يدفعها نحو الخارج:
-غلطك ميتغفرش يا بنت الأكابر.
أغلق الباب في وجهها ليعطيهم ظهره وقد تبدلت ملامحه لتصبح أكثر ضعفا و حزنا، رفع يده يضغط على موضع قلبه لعله يحد من ذلك الألم الذي يشعر به حاول تصنع البرود ليلتفت لهم ويقول بعض الكلمات المقتضبة:
-اللي هعرف إنه ساعدها يعتبر نفسه مش من العائلة دِ وهتبرى منه هو كمان.
تقدمهم ليتجه إلى مائدة الطعام مرة أخرى ولكن في طريقه تعثرت قدميه ليسقط أرضا مصطدما بالأرض الصلبة يشعر بالألم يجتاحه من ذراعه الأيسر حتى موضع صدره وقلبه ليصرخ بألم جرت عليه جليلة و هي تصرخ باسمه و تبكي.
ليجري مُراد هو الأخر على أبيه بينما غزل لم يكن بيدها سوى البكاء في أحضان زين ليعدل من وقفتها و يحيط كتفيها بقبضتي يده هادرا بعنف:
-أنتِ دكتورة! في الوقت اللي كله بينهار فيه تكوني أنتِ الأقوى.
-لو مش هتقدري تقدمي يد العون للي أقرب منك قبل الغريب يبقى ملهاش لازمة شهادتك يا دكتورة.
تركها وتقدم من مالك المُلقي أرضا، أخرجت غرام هاتفها لتتصل بالإسعاف تخبرهم بالحالة و العنوان.
نظرت غزل إلى أبيها الذي يتألم أمامها لتوجه بصرها إلى زين الذي قام بفتح أول زر من قميص أبيها لتجري نحوهم بعد أن أزالت كل عبراتها وقامت بتدليك صدره وهي تهتف:
-هتبقى كويس صدقني.
أنشغل الجميع بِـمالك وتم نقله إلى المشفى سريعا لتصبح المشفى ممتلئة بأفراد العائلة وقد تكفل زين بكل المصاريف و التكلفة ليلاحظ غياب سيف و يبتعد عنهم قليلا يهاتفه ولكنه لم يجيب من المحاولة الأولى ليجيب بعد المرة الثالثة.
-ألو يا زين.
-أنت فين؟
-في مشوار.
-مشوار إيه وحماك تعبان هنا في المستشفى.
-أنت لوحدك ولا جمبك حد؟
-لوحدي.
-أنا مع غدير أخت غرام.
-أنا مش فاهم حاجة يا سيف.
-هفهمك، بس بلاش تبلغ حد.
-طيب.
-وأنت متتأخرش عشان محدش يحس بغيابك.
-طيب تمام.
على الجهة الأخرى، بينما كان الجميع منشغل بِـمالك اتجه سيف للخارج يلتقط الطفل بين ذراعيه يهتف قائلا بحدة:
-قومي معايا مفيش وقت.
نظرت له غدير بضعف لتعتدل في وقفتها و تهتف بخفوت:
-أنت مين؟ وهتوديني على فين؟
-مفيش وقت أفسرلك ولكن تأكدي إني مش هأذيكِ.
لمحت بعينيه الصدق كادت أن تخطو معه للأمام حتى اختل توازنها وانهار جسدها مطالبا بالراحة كاد أن يُغشى عليها و لكن ذراعه الأيمن أحاط بخصرها جيدا ليلعن حظه و يهتف قائلا:
-تماسكِ شوية، وساعديني أوصل للعربية.
بالفعل تحاملت على نفسها واتجهت معه لسيارته ليضعها في المقعد بينما كان الطفل يبكي ليحاول تهدئته ويحركه يمينا ويسارا ولكنه أبى ليغلق باب السيارة ويستقل مكانه واضعا الطفل على قدميه ويقودها قبل أن يراهما أحد.
اتجه إلى شقته لينادي باسم البواب الذي أتى له مسرعا ليعطيه سيف الطفل ويتجه إلى باب غدير يفتحه و يحملها بين ذراعيه ليندهش البواب قائلا باستنكار في داخله:
-أنت إيه حكايتك بالظبط كل يومين واحدة شكل!!
اتجه معه المصعد ليستقله معه بينما سيف ينظر لتلك الفاقدة للوعي بقلق خوفا من أن يصيبها أمرا ما.
اتجه لشقته وخلفه البواب الذي أخرج المفتاح من جيب سترته وقام بفتح الباب ليتجه سيف للداخل ويضعها على الأريكة وأخرج من جيبه محفظة نقوده الجلدية ليخرج منها بضعة ورقيات باهظة الثمن ليضعهم في يد البواب بعد أن ألتقط الصغير منه وأردف:
-عايزك تجيبلي دكتور و شوية طلبات و أكل للطفل ده.
اومأ له البواب تحت استغرابه وهبط للأسفل ينفذ ما أمره به سيف وهو يتساءل بداخله عن ماهية العلاقات التي تربطه بالفتيات اللاتي يأتين إلى هنا ليقصد بحديثه عن غرام والآن غدير أختها.
حاول مداعبة الطفل ولكنه كان يتألم ويبكي لا يستطيع التعبير عن جوعه وعطشه سوى بتلك الطريقة، ليتجه إلى المطبخ يجلب كوب مياه و يجعل الصغير يرتشف منه بلهفة ليعيد سيف حركته عدة مرات حتى رفض الصغير تناول المياه مرة أخرى ليصمت قليلا، بينما سيف جلب صحن عميق بعض الشيء ليضع بداخله مياة دافئة قام بجلبها من الصنبور و جلب منشفة صغيرة واتجه إلى غدير يقوم بإزالة تلك الأتربة عن وجهها عاد الصغير يبكي تزامنا مع دق الجرس ليفتح الباب ويجد البواب بصحبته طبيب في أواخر العقد الثلاثين ويحمل بكلتا يديه حقائب بلاستيكية.
ليفسح لهم المجال ويتقدم الطبيب للداخل لتقع عينيه على غدير ويتجه نحوها يقيس نبضها بعملية و يبدأ التعامل مع حالتها.
وضع البواب الحقائب على الطاولة وأردف:
-كدة تمام يا بيه؟
-جبت أكل للطفل؟
-حاولت.
-طب معلش اعتني بيه عقبال ما أشوف حالتها.
أشار البواب على ذاته باستنكار ليضعه سيف بين ذراعيه و يتجه للطبيب يتساءل عن حالها:
-سوء تغذية وحالة نفسية وصغط دم مرتفع أنتوا إزاي ساكتين على الحال ده و واضح إنها تعرضت لحالة إغتصاب وممكن تبقى حامل.
-كانت مسافرة مع جوزها وفجأة رجعت بالمنظر ده، ممكن توصف ليها على علاج وأنا أكيد أول ما تفوق هعرف أتصرف.
-دِ لازم تروح المستشفى وعناية مستمرة.
أردف سيف بنفاذ صبر وهو يرى الطبيب ينظر له بضيق وحنق وكأنه يتهمه بما وصلت له حالتها:
-هكلم ممرضة تيجي تتابعها، تمام كدة؟
-ممكن توصف علاج؟
اومأ الطبيب على مضض وكتب عدة أدوية واتجه للخارج بعد أن قبض ثمن كشفه، اتجه سيف للداخل ليجد الصغير يأكل بنهم شديد من يدي البواب و الذي يُدعى سعد رجل في أواخر عقده الأربعين مسؤول عن تلك العمارة منذ عشر سنوات بعد أبيه الذي توفى بعد أن خدم تلك العمارة وسُكانها طيلة حياته كلها.
لينام الصغير ويتنهد كلٍ من سعد و سيف، أردف سيف:
-معلش يا عم سعد تعبتك.
-ولا يهمك يا بيه.
وضع سعد الصغير على فراش في إحدى الغرف وكاد أن يغادر بعد أن ألقى التحية على سيف ولكنه أوقفه وأردف:
-أنا عارف إنه من حقك تعرف مين دِ وتستغرب لأني قبل كدة جيت مع واحدة غيرها.
-يا بيه دِ حياتك وأهم حاجة تكون مبتعملش حاجة حرام.
ابتسم له سيف وربت على كتفه وأردف:
-البنت اللي جت معايا قبل كدة مراتي ودِ تبقى أختها تعرضت لحادث وجبتها لهنا.
اومأ له البواب وتركه وغادر بعد أن دعى له و لها حتى تُشفى سريعا، اتجه سيف نحوها وحملها ليضعها بغرفة كبيرة و واسعة وقام بتغطيتها جيدا واتجه للصغير يراقبه كيف ينام بسلام بعد أن تناول وجبته بعد حرمان دام لأيام.
كانت تقف أمام الغرفة والجميع قلق ليأتي و يقف بجوارها بصمت هامسا:
-هو فين سيف؟
انتبهت لحديثه لتنظر حولها وتبحث عنه بعينيها و لكنها لم تجده لتنظر له و تتساءل بقولها:
-غرضك إيه من السؤال يا شريف؟
-كل خير.
-أنا بفتح عينك بس.
-عارفة يعني ايه يقف في صفها؟
لم تفهم مغزى حديثه لـيقول:
-يعني هيتقلب عليكِ، والله أعلم هما بيعملوا ايه دلوقتي؟
عقدت حاجبيها وهي تقول:
-أنت اتجننت! مسمحلكش تقول كدة.
تركته وابتعدت عنه لتذهب للمرحاض أخرجت الهاتف من حقيبتها و حاولت الاتصال به ولد لكنه لم يجيب في المرة الأولى لتغضب لتجده يعاود الاتصال بها أجابت على الفور:
-أنت فين؟
شعر بالغضب في نبرتها ليحاول امتصاصه بقوله:
-مالك بيه أخباره إيه دلوقتي؟
-أنت فين يا سيف؟ والأهم من ده غدير معاك ولا لا؟
يعلم بأن لا فائدة من الكذب عليها بل يجب عليها مساعدته وإنهاء خلافها مع أخته.
-أه معايا.
-ابعتلي العنوان.
-بلاش حاليا عشان محدش يحس بغيابنا أحنا الاتنين وساعتها لو مالك بيه عرف هيزعل منك.
أجابت بنبرة حادة لا تقبل النقاش:
-ابعتلي العنوان يا سيف.
غضب من معاملتها ليغلق الخط في وجهها و يرسل عنوانه يعلم بأنها ستثور عليه و على أختها بداخلها نيران قامت بخمدها مؤقتا لن تصبر عليها بعد الآن.
غادرت المشفى و أوقفت سيارة أجرة لتخبره بالعنوان، ليقود السائق نحو منزل سيف وتوقف أمام البناية التي يقطن بها لتحاسب السائق و تتجه لداخل البناية و قد تذكرت الطابق الخاص به لتستقل المصعد للطابق السابع اتجهت للشقة التي تتوسط الطابق و طرقت الباب لحظاتٍ وكان سيف فتح الباب.
علقت عينيها بخاصته عميقة تجعلها تغرق بهم و لكن ليس الآن، اتجهت للداخل ليغلق خلفها الباب بينما هي هتفت بحدة متساءلة:
-هتبطل تبقى البطل في كل القصص امتى؟
عقد حاجبيه باستنكار ليتقدم منها يحيطها بين قبضتيه و لكنها دفعته بقوة لتلقي حقيبتها على الأريكة بعنف و تقول:
-أنت عارف اللي ساعدتها دِ عملت إيه؟
-بسببها بابا في المستشفى دلوقتي في العناية وأنا اتحكم عليا أعيش تحت سجن شريف ومن بعدها أنت.
-ولكن الهانم كانت مبسوطة وهي بتهرب مع حبيبها وبيبنوا عِش الزوجية الخاص بيهم ولكن أختها وعائلتها في داهية.
كاد سيف أن يتحدث ولكن قاطعه رؤية غدير تستند على الحائط من خلف غرام التي تعطيها ظهرها وقد التمعت عينيها بالدموع، هتفت بقولها:
-دلوقتي هي راجعة طالبة الرحمة ولكني لما طلبتها ملقتهاش!
هتفت باسمها بصوت خافت بالكاد سمعته:
-غرام.
ألتفتت لها و قد تبدلت نظراتها الغاضبة لتصبح أخرى مُحتقرة وساخطة، تقدمت منها غدير و أحاطتها بذراعيها لتهتف برجاء:
-سامحيني.
-أنا أسفة.
ابتعدت عنها بنفور و أردفت:
-أسفك مش هيرجع اللي فات ولا هيخليني سعيدة.
-لما كنتِ سعيدة مع اللي هربتي معاه وبتتمتعي بكلام الحب المزيف كان شريف بيتخلى عني في بلد غريبة معرفش عنها حاجة لمجرد إني أختك.
نظرت غدير لأسفل بضعف و هي حزينة على ما جعلت أختها تمر به، لتهتف غرام بدون وعي:
-أنتِ عار عليا وعلى بابا، ميشرفنيش إنك تكوني أختي.
-هتعيشي وتموتي لوحدك.
جذبها نحوه بعنف لتتألم من قبضته عليها ليهتف بغيظ من بين أسنانه:
-اعتذري يا غرام.
-أنتِ هنا عشان نحل المشكلة مش تهينيها في بيتي وقدام عيني.
التمعت عينيها بالدموع لتتحداه بقولها:
-مش هعتذر لواحدة زي دِ.
أردفت غدير وهي تقترب منهما:
-خلاص يا أستاذ سيف مش لازم مش عايزة إعتذار.
قاطعتها غرام وقد سيطر الغضب عليها:
-وأنتِ فاكراني كنت هعتذرلك!
اشتدت قبضة سيف على ذراع غرام ليقول بحدة:
-غرام حافظي على كلامك.
-ولو مش هتقدري يبقى أتفضلِ وأنا الغلطان إني أفتكرتك عاقلة.
نظرت له بصدمة من كلماته أحقا يقوم بطردها من أجل غدير سيقف بصفها ضدها الآن!
حررت ذراعها من قبضته بعنف وغضب وابتلعت تلك الغصة بحلقها لتتفوه بكلماتها الأخيرة:
-مش مسمحاكِ.
جذبت حقيبتها وقبضت على مقبض الباب تفتحه بعنف وتصفع الباب من خلفها لتقف قليلا مندهشة من تصرفه معها لتضع يدها على فِيها تمنع شهقاتها لتستقل المصعد و تغادر البناية على الفور لتبدأ في البكاء وهي تسير في الطرقات غير عابئة بما حولها تودّ الهروب الآن ولكن إلى أين ستذهب؟
إلى أين يذهب المرء حينما يشعر بأن كل الطُرق مغلقة، ومن أين ستأتي بطبيب يعالج نزيف قلبها من الحزن يؤلم الجرح حينما يكون سببه أقرب الناس لنا.
على الجهة الأخرى، نظر إلى الباب في أثرها ومن ثم إلى غدير التي انهارت في البكاء هي الأخرى لتسقط على ركبتيها تندم على قرارها المتهور، ليتجه إلى الأريكة يجلس عليها يخفي وجهه بين قبضتيّ يده يؤنب نفسه على حديثه القاسي عليها فقط كان يريدها أن تستمع لأختها ولا تجرحها.
أردفت غدير من بين شهقاتها:
-أنا أسفة أسفة.
-أنا السبب أنا اللي عملت كدة فيا وفيها وفي عائلتي.
لتنظر للأمام وقد احتل عينيها الشر لتهتف:
-أنا اللي بدأت ده وهنهيه.
لتنهض وتتقدم تبحث عن المطبخ بعينيها حتى وجدته لتقبض على أول سكين رأته وكادت أن تطعن نفسها حتى وجدته يعترض طريقها وقد أمسك ذراعها بقوة وعينيه اشتعلت بالغضب ليقول بنبرة آمرة:
-سيبيها من ايدك.
-لو الحل في الانتحار مكنش حد غلب.
-أنتِ لما بتموتي بتزودي مشاكل.
-أنتِ اختارتِ تكوني أنانية زمان وفكرتِ في مصلحتك وساعدتك قبل الكل؛ فبلاش تكوني أنانية كمان دلوقتي.
سقطت السكين من يدها لتنهار بين أحضانه تبكي بينما هو كان يقف جامد يستند بظهره على طاولة المطبخ يفكر في غرام وإلى أين ستذهب كل ما يريده هو الاطمئنان عليها لم يستمع لغدير أو لبُكائها أو حتى الصغير الذي بدأ في البُكاء هو الأخر كل ما يفعله ينهر نفسه على قسوته معها.
_____________________________
تم نقل مالك إلى غرفة العناية المركزة ولم تكُف جليلة عن البكاء على حبيبها و زوجها قرة عينها لتربت عليها إحسان وتقبّل رأسها وهي تقول:
-الدكتور طمنا يا حبيبتي خلاص بقى متعمليش في نفسك كدة.
صُدِم الجميع من كلمات شريف اللاذعة والتي صاحبتها نبرة ساخرة و قام برفع يده للأعلى يرسم مستطيل غير مرئي:
-لو شاف بناته التلاتة قدامه مش بعيد أخر أنفاسه تطلع قدامنا.
-واحدة هربت وسابته.
-والتانية شوية معايا و شوية مع البيه التاني.
-والتالتة.
تلقى لكمة قوية في وجهه ليفقد توازنه ويسقط أرضا بينما غزل شهقت وهي تنظر لزين الذي يتنفس بغضب وينظر لشريف بغضب أكبر سيفتك به الآن، تقدم منه وقبض على ياقة قميصه يضربه عدة مرات برأسه أردفت غزل بقولها:
-مُراد ألحقه هيقتله.
كان يقوم بثني أكمام قميصه وهو يتقدم من شريف متوعدا له ليلتقطه من قبضة زين و يلكمه هو الأخر لتبدأ غزل في الصراخ وكذلك إحسان التي قلقة على ابنها الذي سيقوم بإنهاء حياته.
صرخت غزل باسم سيف حينما رأته يدلف إلى الممر الذي تتواجد بها غرفة أبيها ليتقدم من أخيه و مُراد ويحاول إبعادهم عنه بكل قوته ليصرخ قائلا:
-ابعدوا، ضربكم فيه مش هيجيب نتيجة.
هتف زين بغضب من بين أسنانه وجسد سيف يحول بينه وبين شريف الذي بالرغم من فِيه امتليء بالدم ألا أنها خرجت منه ضحكة برزت أسنانه المختلطة بلون الدم وكان يبدو بشعا للغاية.
اقتربت إحسان من ابنها و أردفت بحدة:
-اطلع بره اطلع.
دفعته عدة مرات حتى أخرجته من الممر وقد ألقت له متعلقاته التي سقطت منه أثر ضربه لتقول بحدة:
-حرام عليك خليت سمعتنا وحشة قدام عمك ومراته وعيالها.
-جدك لو عرف مش بعيد يحرم أبوك من الميراث حرام عليك بقى اتهد بقى اتهد مش كفاية غلطك اللي كل شوية بيكبر.
تركها وغادر لقد اتخذ طريقه سيحصل على ما في يد سيف ومال عائلته وحينها سيكون حقق مبتغاه ولن يعترض أحد طريقه.
كان يبحث بعينيه عنها يأمل أن تكون قد عادت إلى هنا لتحبط نظراته وهو لا يراها بينهم ليلتفت لكلٍ من زين و مُراد متساءلا عن سبب شجارهم، ليبدأ كليهما في السبّ واللعن ليهدئهم سيف ويقول:
-خلاص حصل خير، بس بلاش مشاكل مع الشخص ده.
-هو اللي قل أدبه.
-لما عم مالك يقوم بالسلامة نبقى نتكلم.
كانت جليلة تبكي قلقة على كلٍ من زوجها وابنتها غدير تتساءل ماذا حدث لها، حتى تساءل سيف بتردد:
-هو غرام فين؟
انتبهت غزل لسؤاله لتنظر حولها بحثا عن أختها التي أخبرتها بأنها ستذهب لاستعمال المرحاض وستعود لتقول:
-هي قالتلي راحة الحمام وجاية ولكنها مجاتش بقالها كتير.
قلق خوفا من أن يصيبها مكروه لن يسامح نفسه حينها هو من قام بالقسوة عليها في حديثه ولم يعطي لها فرصة للبوح عما يعتريه داخلها، ليجذب زين من ذراعه مبتعدا عنهم يهتف:
-أنت عندك رجالة تقدر تدور عليها.
عقد حاجبيه وهو يتساءل:
-أنت مالك قلقان كدة ليه؟
-هفهمك ولكن دلوقتي ألاقيها.
-ممكن يكون حصلها حاجة أو.
قاطع حديثه ذِكر غزل لاسمها كانت تدلف للممر الذي يقيم به والدها لتتقدم منهم وتجلس بجوار أمها في صمت لتتساءل غزل:
-كنتِ فين يا غرام ده حتى سيف سأل عليكِ؟
رفعت رأسها بتلقائية لتلتقي عينيها بخاصته لتبعدهم على الفور تجيب بارتباك:
-كنت في جنينة المستشفى.
لم يلاحظ أحد دموعها التي لم تجف بعد سواه إنه يحفظها يحفظ جميع تصرفاتها وحركاتها حتى أنه يحفر بداخله تفاصيل ملامحها، لينتبه على زين الذي قال:
-أنت كنت خايف عليها من إيه؟ فهمني.
أجابه وهو لا يحيد بنظراته عنها:
-أصل غرام جت ليا وعرفت إن غدير عندي.
لينظر له ويتساءل:
-هو أنت قولتلها؟
-لا مقولتش ليها حاجة.
-ها وبعد ما جت؟
-ساعتها بدأت تغلط في كلامها مع أختها وأنا زعقت ليها فسابتني ومشيت.
-اه.
-هو في إيه في أم العائلة دِ عشان مش فاهم حاجة على الأخر؟
-بعدين بعدين.
-استنى هنا مش هسيبك إلا لما تقولي.
-طب نوصلهم وبعدين نتكلم، مش أنت أصلا كنت جاي عشان الشغل.
حرك رأسه بالإيجاب ليقول الأخر:
-طيب نوصلهم الأول.
اقترب منهم وتقدم من جليلة ليجلس أمامها بعد أن جثى على ركبتيه يقبض على كلتا يديها.
-ممكن ست الكل تسمع كلامي وتروح و هو كدة كدة مهما قعدنا للصبح مش هيفوق.
-خايفة عليه أوي.
-وهو هيقوم هيقوم لو مش علشاننا يبقى عشانك يا ست الكل هو ليه كام جليلة!
-طب مش هيحتاج حاجة؟
-أحنا مش في مستشفى صغيرة هيعملوا ليه كل حاجة وبكرة الصبح نيجي كلنا هنا.
اومأت له ليعقد ذراعه في خاصتها ويتقدم للأمام ويتبعه الجميع حتى هي قبضت على حقيبتها وسارت خلفه استقلت في سيارته حتى لا تثير الريبة ولكنها فضّلت أن تجلس في المقعد الخلفي ليحترم رغبتها وجعل جليلة تجلس بجواره، بينما البقية استقل مع زين في سيارته.
ليبدأ في القيادة كان يختلس النظرات من حين لأخر تجلس مستندة برأسها على زجاج السيارة تغمض عينيها وقد تمردت دموعها على وجنتيها في صمت لتقوم بإزالتهم بكل عنف حتى لا تشعر بها والدتها أو ربما حتى لا تصبح ضعيفة أمامه أو أمام نفسها.
_____________________________
صعدت لغرفتهما سويا ألقت بحقيبتها على الفراش واتجهت لخزانتها تفتحها بعنف وتخرج لها ثياب ترتديها قطع طريقها بوقوفه أمامها هتفت من بين أسنانها و هي لا تنظر له:
-ابعد يا سيف.
-لازم نتكلم، ممكن تشوفيه أنه مش الوقت المناسب ولكن.
قاطعهم رنين هاتفها الذي ينبعث من داخل حقيبتها لتتركه وتتقدم من حقيبتها تخرجه وتتفاجيء من تلك التي تهاتفتها لتجده يتقدم منه ابتعدت عنه سريعا وهي تقول:
-لما أطلع نبقى نتكلم.
تقدمت من الباب تفتحه بقلب منقبض خائفة من تلك المكالمة إنها لن تهاتفها دون أن تُقيم الحرب عليها اتجهت للخارج وأغلقت الباب خلفها لتهبط إلى جنينة المنزل وتجيب على الهاتف ليأتيها صوتها الحاد:
-ألم تُكفِ عن إبعاد ابني عني؟
عقدت حاجبيها لتكمل الأخرى:
-أنا أعلم مخططك جيدا، تريدين أن تبعديه عني والاستفراد به وحدك لن أسمح بالأمر.
-ماذا تقولين، سيدة ديما؟
-لما عليّ أن ابعد سيف عنكِ!
قاطعتها الأخرى:
-أنتِ تعلمين جيدا ما أقوله، لقد عدتِ إلى مصر لتجعليه يهرول لكِ غير عابئا بعمله وعائلته.
نفت غرام قائلة بحدة:
-لقد أتيت لهنا لأرى عائلتي ليتبعني سيف لكي يرى عمله هنا في مصر، تعلمين بأني لا أستطيع فرض قرار على سيف إن لم يودّ.
-تفاجئت بمجيئه إلى هنا لأنغمس بعدة مشاكل ولا أستطيع العودة.
-سيدة ديما، إن كنتِ تريدين عودة ابنك، فلتتحدثِ إليه.
-يجب عليّ إنهاء المكالمة الآن.
-سأهاتفك مرة أخرى.
-تعلمين إني لن أتركك تستفردين بابني طويلا.
تنهدت غرام لتغلق معها وتجلس على ذلك المقعد المتواجد بحديقة المنزل تفكر في حياتها مُنذ أن وُلِدت، لم تعيش طفولة هادئة مسالمة كانت دوما منبوذة مِمن حولها لـتلزم غرفتها لأعوام تعمل بجد حتى تصنع لها اسم وتاريخ يتحدث عنه الناس ولكنها فشلت؛ نظرا لأنها لا تناسب معاييرهم الاجتماعية من الجمال.
____________________________
كان يرقد على فراشه في المشفى ينام بهدوء، ليشعر بحركة من حوله ليعقد حاجبيه بانزعاج ليكمل نومه ولكن ما لبث دقيقة حتى صدر صفير عالي من جهاز القلب بجواره بينما هو انتفض من مكانه لا يستطيع التنفس بانتظام ليتعرض لنوبة و يتحرك بعشوائية وشكل عدواني على فراشه حتى سقط أرضا مغشيا عليه.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
____________________________
![](https://img.wattpad.com/cover/330563900-288-k613934.jpg)
أنت تقرأ
قيود الماضي
Acakيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك