الفصل الواحد والأربعون..

463 23 0
                                    

نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٤١..
_____________________________
عادت لتعمل معه رغما عنه، لذا قرر إبعادها عنه لتعمل في قسم مجاور لـه نادرا ما يتعامل مع موظفينه وهذا كان يريحه كثيرا على الرغم أنه أخبرها ألا تأتي وأن تمكث في المنزل حتى تنتهي فترة بقاءها ولكنها أبت وأصرت على القدوم للعمل لتبقى معه لأطول فترة ممكنة كانت تختلس النظرات ولـم يفهم أحد طبيعة العلاقة التي باتت تجمعهم متساءلين بتعجب ألن تتم خطوبته عن قريب؟
كانت تتغاضى عن سلوكهم العنيف معها الغير مبرر، لتتساءل بداخلها بما فسر عدم عودتها معه وماذا ظن الأخرون؟
على الرغم من عدم وجود اتصال مباشر بين القسم الذي تعمله فيه ومكتبهُ ألا أنها كانت تتحجج كثيرا لتأتي لمكتبه لتناقشه في عدة أمور كان يرى الإصرار في عينيها.
كانت تقف تصنع لـها كوب من القهوة؛ فهو أصبح يطيل في مكوثه في الشركة حتى يعود متأخرا ولا يحدث احتكاك بينهما لتبقى معه وتجبره على إيصالها كان جوابه دوما الصمت وكأنه يحرمها من الحديث معه كـعقاب هذا ما بررته لنفسها.
أفاقت من شرودها على صوت الفتيات من خلفها وهن يتحدثن عن الملابس التي ستليق بكل واحدة منهم في خطوبة سـيف آل قاسم، توقفت عما تفعله وألتفتت لهم تعقد حاجبيها وتتساءل بحذر:
-عن أي حفل تتحدثون؟
-ألم تعلمي بالأخبار؟
-السيد سـيف سيقيم حفل خطوبته في الغد.
-كيف لا تعرفين! أم أن أمره لـم يعد يهمك الآن؟
-يقولون أنه سيتزوج من امرأة جميلة ومن عائلة مرموقة لا تشبهك، أتيتِ دون أب أو أم حتى إنني أشك أن السيد سـيف تزوجك ليكفر عن خطئِه.
تجمعت الدموع في عينيها ولكنها أبت أن تضعف وكادت أن تتحدث حتى قاطعها صوته الغاضب باسم تلك الموظفة والتي تُدعى مارلين.
ارتبك الجميع لتنكمش مارلين خوفا من غضب سـيف، بينما غـرام كانت تصب اهتمامها على تلك الفتاة فقط التي أعادت لـها شريط ذكرياتها بالكامل.
-اتركي بطاقة العمل الخاصة بكِ وغادري بهدوء من المكان.
-سيد سـيف حقا لـم أفع.
قاطعها بصوته الحاد:
-لقد سمعت حديثكن من البداية، لا داعٍ للكذب.
اقترب من غـرام ليقبض على معصمها يحثها على السير معه ولكنها أبت ليجبرها على الأمر ويجذبها خلفه للخارج توقف أمام سيارته يردف:
-اصعدي.
-هل حقا ستخطب أخرى؟
-وهل حقا الأمر يُهمك؟
رفعت رأسها لـه لتسمح لـه برؤية الدموع في مقلتيها وعينيها الحمراء لتقبض على سترته وتقول:
-فعلا هتتجوز، يا سـيف؟
أردف بسخرية:
-تتحدثين وكأن الأمر يُعنيكِ.
-اصعدي.
أغلقت باب السيارة بعنف لتتركه وتغـادر ليهتف باسمها ولكنها لـم تُجيب ليذهب نحوها وسرعان ما حملها على جذعه لتصرخ غـرام وتضربه على مقدمة ظهره وهي تقول:
-نزلني، سـيف نزلني.
-نزلني فورا.
فتح باب السيارة ليُلقيها بداخلها وقبل أن يغلق الباب أردف بتهديد:
-إن خرجتِ ستندمين حقا.
اتجه لمقعد القيادة واستقل السيارة ليدير محركها مغادرا شركته والتي كان الجميع يقف ينظر عما يدور بين كليهما.
كانت تعقد ذراعيها بضيق وتستند بظهرها على المقعد تحاول الثبات، فبأي حق تبكي أمامه على زواجه بأخرى غيرها هي التي تخلت عنه وهجرته.
توقف أمام البناية التي يقطن بها كادت أن تهبط حتى منعها بحديثه:
-انتظري.
-دفاعي عنكِ اليوم لا يعني شيئا، إن كانت أخرى بمكانك سأطرد تلك الفتاة لا تتعلقين بالأوهام.
-نعم حفل خطوبتي بالغد، أخبرتك عدة مرات ألا تأتين للعمل ألا تقحمين نفسك في حياتي مرة أخرى.
-إن كنتِ حقا تودّين الحفاظ على حياتك من الخطر في مصر وهنا، التزمي مكانك في المنزل ولا تتحركين.
تساءلت:
-هل هناك أمرا أخر تُضيفه على قائمة الأوامر؟
فتحت باب السيارة وترجلت منها لتغلقه بعنف وتصعد للأعلى حيث منزلهم، حسنا لا تنكر خطأهِا ولكن هذا لا يعني أن يذهب ويتزوج غيرها هذا ما تمنتهُ لـه طيلة فترة زواجهم ولكن لِـما نيران الغيرة تأكل قلبها الآن؟
أغلقت خلفها باب الشقة وكانت تنظر إلى الأرجاء تشعر بالتعب والدوار يجتاحها مرة أخرى استندت على الحائط حتى دلفت لغرفتها لتلقي بجسدها على الفراش بإهمال تتطلع لسقف الغرفة تتمنى أن ينتهي ذلك الكابوس الذي تحيا فيه.
هاتفت مونيكا رفيقتها الوحيدة والتي تستمع لها في تلك الغُربة، أخبرتها بما دار في الشركة.
-هل كنتِ تعلمين بخطوبته؟
صمتت مونيكا لتحصل غـرام على إجابتها وقالت:
-لما لم تخبريني؟ كان يجب عليّ أن أتركه ينعم بحياة أفضل من تلك التي عاشها معي.
-لا يمكن، غـرام.
-سـيف لـن يكون سعيد وكذلك أنتِ، لقد خُلِقتم لبعض.
-يجب أن تصبحي قوية، لقد حارب سيـف كثيرا من أجلك حان وقت حربك أنتِ.
-لن يقبلني، مونيكا.
-لا يجب عليّ إيذاء سـيف.
-الأذى الحقيقي لـ سيف هو هجرانك له وعدم اهتمامك لأمره.
-يجب أن تحاربي للفوز به وبقلبه مرة أخرى.
-سأغلق الآن، لدي عمل سأهاتفك مساءا.
أغلقت غـرام مع مونيكا وبدأت تبكي متساءلة أكان من الصواب هجرانه بتلك الطريقة المؤذية لمشاعره؟ لتجيب على نفسها أنها هجرته من أجله من أجل حمايته كان يجب عليها أن تختار البقاء على حياتهُ، ولكن الحياة في بُعد الحبيب ظلام.
____________________________
كانت غـزل تقف في غرفة الطوارئ تتطلع لذلك المُدعى ياسر لقد سئمت منه، لقد بات يتحجج بالمجيء للمشفى كثيرا حتى وإن جُرح جرحا صغير يأتي يطلبها بالاسم لمعالجته عقدت ذراعيها وأردفت بضيق بعدما غادرت الممرضة:
-مش هتبطل حوارتك دِ!
-هي المستشفى مش للمرضى ولا إيه؟
-وهو ده طبيعي! أنت كل يوم بمصيبة.
ابتسم ونهض ليصبح فرق الطول بينهم واضحا فهو يفوقها طول وقوة بُنيان، ليقول:
-قلقانة عليا؟
-اسمع، لأخر مرة هقولك ابعد عني.
-أنا ست متجوزة وبحب جوزي، كلامك وألاعيبك مش على هوايا.
-احترم نفسك، واحترم سنك و رجولتك.
تركته وغادرت بينما هو قبض على معصمها قبل أن تغادر لتغضب غـزل وتحاول الفرار من قبضة يده وتقول بحدة وهي تنظر حولها خوفا من أن يرآهم أحد:
-ابعد، ابعد ايدك دِ.
-هناديلك الأمن.
أردف بنبرة يشوبها اليأس والحزن:
-أنا كل اللي طلبته إني أكون صديق.
-دكتورة غـزل.
توقفت تلك الممرضة في الخلف تطالع وضيعة غـزل وذلك الشاب فهي كانت على مقربة منه تحاول الفرار من قبضته بجذبها بعيدا وتدفعه في صدره، ابتعد عنها بينما هي أردفت بارتباك باديء على ملامحها وتلعثم:
-نعم، نعم يا أولفت؟
-زيـن بيه مستنيكِ في أوضة المكتب.
-حاضر جاية.
تركته على الفور وغادرت لتجري في الممر نحو مكتبها غاضبة من ذلك الذي اقتحم حياتها بشكل مريب ومثير للشك هدئت أنفاسها ودلفت للمكتب بابتسامة جميلة يغلفها الشوق على ثغرها لا تظهر سوى له.
-مساء الخير.
-مساء النور.
-يلا نروح.
حركت رأسها بالإيجاب ولملمت متعلقاتها بينما هو يطالعها بحب وجذبها لأحضانه ليسيرا في الممر المؤدي للمصعد متساءلا:
-يومك ماشي إزاي؟
-حلو، وأنت؟
-يومي بيبدأ لما بشوفك، يا ست الحسن.
خجلت من كلماته ودلفا للمصعد سويا ليرى زيـن ذلك المختل في المصعد مرة أخرى لينظر إلى غـزل التي ارتبكت بشك وضيق ليقف في المنتصف ويضغط على زر الطابق الأول، كانت غـزل خائفة مرتعبة من أن يلاحظ زيـن ويبدأ في سؤالها غادر ياسر أولا ليتبعه كلٍ من زين وغـزل ولكن زين لم يعلق ليزيد من خوفها.
ومن ذلك اليوم قـل حديث زين معها، فالأمر يثير ريبته كثيرا وخاصة حديث ذلك الشاب عن قرب العلاقة بينهما وإنكار غـزل لـها.
___________________________
لم يغادر الغرفة منذ أن أتى حتى أنه لـم يتناول طعام الفطور الخاص به معهم، يعلم أنه يكسر فؤادها ولكن ألم تكسرهُ قبله؟ لِـمَ يحافظ على مشاعرها حتى بعد هجرانها لـهُ! تعالى رنين هاتفه وكان المتصل أمه والتي علمت بعودة غـرام وكانت الغيرة تنهش في قلبها هي الأخرى، فغرام لطالما باعدت بينها وبين ابنها لذا تكرهها للغاية.
-ألن تأتي للحفل؟
تعجب سـيف من نبرتها وأجاب:
-بالتأكيد سأتي أمي.
-ألن تمنعك تلك الفتاة؟
-لقد انفصلنا، أمي.
-عودتها لـن تؤثر.
-إذا لما تمكث عندك بعد انفصالكم؟
-الأمر يطيل شرحه، ولكن قريبا ستغادر ويتم الطلاق.
-إلى اللقاء.
أغلق الهاتف ونهض اتجاه ذلك الركن الهادىء الخاص به في غرفته حيث مكتب منظم للغاية ومقعد يخصه وحده ليُخرج ذلك الدفتر الجلدي بلونه البني ويبدأ في فتحه كان يحتوي على الكثيرا من الكلمات والجمل التي تحمل معاني الحيرة والإعجاب والحب وبعض الصور التي تجمعهم سويا، لقد عاش في حلم و وهم ظنا منه أن الحياة ستكون وردية بجانب حبيبهُ.
اقترب موعد الحفل ونهض ليبدل ثيابه لحُلة زيتية اللون وقميص أبيض قام بتحرير أول وثانٍ زر له، خرج من غرفتهُ ليقابلها في وجهه كانت تنظر لـه بتحدي وأردفت:
-مُبارك.
تخطته ودلفت لغرفتها بجواره وكأن الأمر لا يُعنيها، بينما هو كان يتابعها بنظراته ليلتفت مرة أخرى مكملا طريقه حتى وجد مونيكا تظهر أمامه ليقول بابتسامة:
-سأنتظرك.
-حسنا، سأفكر في الأمر.
عقد حاجبيه وتركته مونيكا لتذهب خلف غـرام ما أن أغلقت الباب حتى وجدت غـرام تفرغ كل ثيابها على الفراش تحتار أي ثوب سيليق بها وهي زوجة العريس حقا الأمر مُعقد.
غادر سـيف المنزل وحاول أن يتغاضى عن أي أمر يعرقل اليوم هو يعلم أنها لـن تأتي؛ فهي لن تحتمل هذا المشهد غـرام حساسة للغاية حتى وإن هجرتهُ هي أولا.
توقف بسيارته أمام منزل صوفيا بعد أن قام بشراء باقة من الورد بسيطة للغاية تليق بجمالها، كان يعلم بأنه لن يستطيع نسيان غـرام بتلك السهولة ولكن يجب عليه أن يقاوم ذلك الشعور بداخله كان يجب أن يعلم أنها لـن تكون لـهُ من البداية، فكيف السبيل لنُسيانها؟ يُمسح من الذاكرة كل الشيء سوى الذي نريد نسيانهُ.
خرجت صوفيا من المنزل برفقة أمها وأم سـيف وكذلك أصدقائها، كانت تبتسم بخجل وها قد تحقق مُرادها أن تتزوج بواحد كسيف هي بالتأكيد لديها حظ كبير.
حضن سـيف أمه وقبّل يدها لتربت على ظهره بابتسامة ليقترب من صوفيا ويقبض على يدها ويتجها سويا إلى السيارة ثم إلى الحفل كان الجميع يصفق بحماس عند دلوفهم لقاعة الحفل على الرغم من ذلك الفضول بداخلهم عن سر انفصال سـيف وغـرام وعن سر عودتها.
كان الحفل يسير على ما يُرام، بينما كانت ديما تنظر حولها يمينا وشمالا تتمنى ألا تظهر غـرام توقفت ببصرها عند مدخل القاعة كانت تدلف حاملة بيدها ذيل الفستان فكان طويل باللون الأبيض من يراها يظن أنها عروس كانت أكمامه مائلة من الكتف قليلة تبرز عنقها كان ثوب هادىء للغاية لا يوجد فيه تطريز، ولكن أكمامه القصيرة كانت تبرز ذلك الجرح الذي عُقد ببعض الشاش الطبي وخصلاتها على ظهرها حُرة تقدمت للداخل لخطوات بطيئة تعلم أنها ستكون محط أنظار ولكنها ليست هنا لتكون صاحبة الحفل بل أتت من أجله من أجل أن تخبره أنها لن تتنازل عن حقها فيه بتلك السهولة.
تقدمت للداخل بينما الأخير سُلبت أنفاسهُ، وكأنها حورية من المُحيط جميلة جدا ولكنها من وضعت تلك الحواجز بينهما.
ألتفت بنظره إلى صوفيا تلك التي غضبت وأردفت بضيق:
-ما الذي تفعله تلك هنا؟
-لا أعلم، بالتأكيد لم أدعوها.
-حسنا وأنا سأذهب لسؤالها.
قبص على معصمها وأردف بضيق:
-صوفيا لا تنشغلي بها، كُفِ عن هذا.
-أتت لتخرب حفل خطوبتنا، سـيف.
-لا تقلقِ.
بدلا من أن تذهب لتهنئتهم ذهبت لطاولة يوجد عليها بعض رجال الأعمال و زوجاتهم التي تعرفهم قبلا عن طريق سـيف، تحدثت إليها سيدة تعرفها جيدا:
-كيف تسمحين للأمر أن يتم؟ أليس زوجك؟
-هناك بعض الظروف تجبرنا على هذا مدام أوليفين.
-ولكن.
ابتسمت غـرام وقبضت على معصمها برفق:
-هل يمكننا تغيير الموضوع؟
تفهمت أوليفين الأمر ولـم تزيد في حديثها، كان الجميع يُهنىء سـيف وصوفيا لتتقدم منهم هي الأخرى كان يشعر بخطواتها على الرغم من تلك الضوضاء كان يراها بطرف عينيه على الرغم أنه كان ينظر لصوفيا يشعر بدقات قلبه تتعالى رفعت الثوب لتستطيع الصعود على تلك الدرجات الثلاث التي تنتهي بمقعد العروسين بحركة تلقائية قدم لـها المساعدة لتستند على ذراعه والتواصل البصري لا ينقطع بينهما مدت يدها لتصافحه وتقول بابتسامة:
-مُبارك.
نظرت لـصوفيا وكم شعرت بالغيرة من جمالها ولكنها تمتلك ثقة في نفسها كبيرة تمتد من سـيف ابتسمت لها:
-مُبارك.
تركت يدها مُعلقة في الهواء ولم تجيب عليها بل أردفت:
-لا تنسين أنك أنتِ من طلبتي الانفصال، لذا لا تتوددين لهُ الآن.
نظرت غـرام لسيف وقد عقدت حاجبيها لتجيب على كلامها:
-الانفصال ينهي الرسميات فقط، وليس الحب يا.
توقفت قليلا وهي ترى تعابير وجهها الغاضبة وتقول:
-أسفة لم أعرف اسمك بعد.
-لقد قمتِ بالواجب مدام مهدي يمكنكِ المغادرة الآن.
أغمضت جفنيها تحاول التماسك فدموعها على وشك الهبوط ابتسمت لـه ابتسامة حزينة وتركته وغادرت، غادرت القاعة بأكملها لقد ضاق صدرها وفي تلك اللحظة هناك إشارة أُعطت ليقف أمام غـرام سيارة سوداء كبيرة الحجم قليلا تراجعت غرام للخلف بخوف وكادت أن تعود للحفل ولكن هبط منها رجلين تقدما منها سريعا لتصرخ تزامنا مع تلك اللحظة قُدم لسـيف خاتم الخطوبة كاد أن يضعه في يدها حتى استمع لـصراخ يعلم مصدره؛ فالموسيقى هادئة للغاية بالكاد تُسمع.
سقط الخاتم من بين يديه بينما صوفيا نظرت لـهُ بصدمة وتركها وغـادر، كادت أن تهرب حتى حملها الأول على كتفه ودفعها في السيارة بقوة لتتألم غـرام بينما الثاني أغلق الباب واستقل المقعد بجوار السائق، صرخت باسمه ليجري نحو السيارة ولكنه لم يستطيع اللحاق بِهم ليقف في منتصف الطريق ينظر إلى مكان مغادرتهم وقلبه ينبض بعنف، إنها أتت لهنا تحتمي فيه والآن يُصيبها الأذى في حمايتهُ.
أحضر أحد رجال سـيف السيارة ليستقلها ويقودها سريعا باتجاه السيارة التي خطفت غـرام، بينما هي كانت تنظر لـهم بخوف وتلتفت يمينا ويسارا تتساءل:
-من أنتم؟ أشريف من قام باختطافي؟
أجابها ذلك القابع بجوارها بصوته الغليظ:
-لسنا هنا لنُجيب عن أسئلتك.
-وإن صرختِ سأقتلك.
ليخرج ذلك المسدس ويضعه في يديه بينما هي وضعت وجهها بين قبضتيها تبكي في صمت بالتأكيد لـن يأتي لـها، بيندا هو قدم بلاغ وأخبر صديقه الشرطي وكان يبحث عنها في كل مكان.
تقدمت ديما وعلى وجهها علامات الازعاج لتحتضن صوفيا التي بدأت في البكاء لقد تركها في حفل خطوبتها من أجل تلك الفتاة.
-يجب عليكِ العودة الآن، صوفيا.
أردف وِصال والدة صوفيا بغضب:
-هذا الأمر لن يمر مرور الكرام، مدام ديما.
جذبت ابنتها وغادرت سريعا وبدأ الحفل ينتهي ويغادر الجميع لتستقل ديما سيارتها وتذهب إلى منزلها.
ما أن فتحت باب المنزل حتى وجدتها تجلس على الأريكة هناك قطعة سوداء من القماش حول عينيها وكلتا يديها مقيدين، أردف الرجل عندما رأها:
-ها هي أمامك سيدتي.
أشارت لـه أن يغادر هو و رفاقه وأيضا الخادمة وينتظروا بالخارج، لتجذب مقعد وتجلس عليه واضعة قدم فوق أخرى تساءلت غـرام بحذر:
-من أنتِ؟
-لما جلبتيني إلى هنا؟ وماذا تريدين؟
-ما الذي أتى بِكِ إلى هنا، غـرام؟
عقدت حاجبيها هذا الصوت تعرفه تقدمت ديما منها وأزالت عصبة العين لتبدأ الرؤية توضح لـغرام تعجبت وهي ترى ديما تجلس أمامها وهي من قامت باختطافها.
-لما عُدتِ؟ ألم تنفصلي أنتِ وسيف أثناء رحلتكم لعائلتك؟
لم تُجيب غـرام لتكرر ديما سؤالها مرة أخرى بغضب وأخرجت من حقيبة يدها مسدسا صغير الحجم و وضعته على الطاولة تقول:
-لا تتعجبي؛ فأنا في النهاية أم.
-من يؤذي صغيري أقتله، غرام.
-ولكني لـم أؤذيه، هل هو أخبرك بهذا؟
-ليس عليه إخباري، أنا أعلم كل شيء.
-منذ أن اقتحمتِ حياتهِ وأنتِ تؤذيه.
اغرورقت عيني غـرام بالدموع لتقول:
-لـم أؤذيه قصدا.
-هذا لا يهم، لا تنكري أنكِ تؤذيه.
-ولكي يرتاح الجميع، يجب أن انتهي منكِ.
-يجب أن أنقذ ابني منكِ، ابني مسحور بكِ.
-ما الذي حدث في مصر؟ أخبريني بكل شيء.
-لما انفصلتم؟ من طلب؟ أنتِ أم هو.
ابتلعت لعابها وأجابت بخفوت:
-أنا.
-حقا! بعد كل ما فعله من أجلك.
-أنتِ شيطانة.
-لا يجب أن تكونين من جنس البشر.
-تخليتِ عنه هو الذي أحبكِ.
-تخليت عنه قصرا.
-كان سيعود ابنك ميتا إن لـم أتخلى عنه.
عقدت حاجبيها بضيق وتساءلت:
-ما الذي تقصدينه؟
-لا يمكنني التحدث، هذا أمى يخصني أنا وسـيف.
-حتى أن سـيف لا يعلم.
نهضت ديما و وضعت المسدس على جبين غـرام تقول بغضب:
-لا تختبري صبري، غـرام.
-الأمر يتعلق بابني، من كان يريد قتله؟
-أخبريني.
لانت نبرتها قليلا وتحدثت بنبرة أشبه للرجاء:
-أخبريني من يريد أن يؤذي ابني، يمكنني المساعدة.
-الأمر انتهى، مدام ديما.
-سينتهي حقا عندما تختفين من حياته ولا تعودين مرة أخرى، سينتهي عندما تموتين.
-أنتِ لا تستحقين ابني.
أردفت وقد هبطت الدموع على وجنتيها بينما يدها مقيدة للخلف:
-تمتلكين كل الحق.
-ولكنك لن تستطيعي قتلي.
-ولكن الرجال في الخارج يستطيعون.
-أمامك فرصة واحدة، عليكِ استغلالها.
-احكي لي ما جرى.
______________________________
كان يجلس في غـرفة منزله وطرقت أمه الباب ليسمح لـها بالدخول، أردفت بابتسامة:
-زيـن بره وعايز يقابلك.
-مش عايز أقابل حد يا ماما.
-ده صاحبك يا مازن.
-أرجوكِ يا أمي أنا مش عايز أقابل حد.
-قوليله نايم، قوليله أي حاجة.
-كدة برضو تسبني ساعة بره.
نظر كلاهما إلى باب الغرفة ليجدوا زين مستند عليه وهناك ابتسامة على ثغره، نهضت والدة مازن وأردفت:
-تنور يا زيـن، تعالى وأنا هروح أعمل غداء.
-ملهوش لزوم يا ماما.
رفع حاجبه باستنكار ينظر لـمازن الذي نهض من الفراش، ليقول زيـن:
-طب عندا فيك هقعد وأتغدى بقى.
-ظبطيني يا طنط، من ساعة ما أتجوزت وأنا بأكل مكرونة وبانية.
ضحكت سمية والدة مازن و ربتت على كتف زين قائلة:
-عينيا الاتنين.
دلف زيـن للداخل وأغلق الباب خلفه ليقول مازن:
-حضرتك عايز إيه؟
-حضرتي! حضرتي دِ هناك في الشركة أنا هنا زيـن وبس.
-زيـن وبس بصفتك مين يعني؟
-صاحبك.
ظهرت تعابير السخرية على وجه مـازن وأردف:
-صاحبي!
-أنا عُمري ما كنت صاحب ليك يا زيـن.
أكمل بسخرية:
-بيه.
-لا بقى ده الموضوع كبير، هي منكدة عليك أوي كدة!
-لو سمحت ملكش دعوة بيها.
-طب شكلنا مش هنعرف نتكلم هنا، تعالى ألبس ونخرج نتكلم بره.
قبض على ذراعه يتجه به نحو خزانة الثياب ولكن مازن دفعه بقوة ليسقط على الفراش مندهشا من تصرفات مازن الغير معهودة.
-مالك يا مازن إيه اللي مغيرك أوي كدة؟ أنا صاحبك زيـن أنت فقدت الذاكرة ولا إيه!
-لا أنا فوقت، وعرفت الحقيقة كاملة.
-أنت عُمرك ما كنت صاحبي ولا حتى كنت معتبرني صاحبك.
-أنا كنت عبد عندك، مسهل ليك كل اللي أنت عايزه.
-بيصلح علاقاتك مع كل الناس القريبين والبعيدين كمان.
-ونسيت أصلح أهم علاقة في حياتي.
-كنت كل ما أختار أكون جمبك وقت الشدة كنت بضطر أتخلى عنها.
-أنت تعرف عني إيه؟ رد عليا تعرف إيه؟
-تعرف أنا بعيش أزاي؟ أنا حياتي عاملة إيه؟
-أنت عُمرك ما لعبت دور الصاحب معايا، كل حاجة نفسك وبس.
-أنت عُمرك ما جيت سألتني مالك، عُمرك ما جيت على نفسك عشان تطمن عليا أو تكلمني عشاني صاحبك مش مدير أعمالك.
-حتى إنك جاي هنا عشان أنا قدمت استقالتي لولا كدة مكنتش هتفكر تيجي وتعبرني حتى وتسأل أنا بقالي شهر كامل مبجيش الشركة.
-ولكن ليه هتتعب نفسك وتيجي تطمن على صاحبك! في بيته المتواضع هو أنا من مستواك حتى عشان تبصله.
-في الفرح والحزن والمرض وكل الظروف كنت معاك، أنت امتى كنت معايا!
-أنت متعرفش يعني إيه صحوبية، أنت أناني.
-همك مصلحتك وبس.
-كام مرة كنت محتاجك وملقتكش، وكام مرة أنت احتاجتني ولقتني قدامك وجمبك قبل حتى ما تفكر.
-أنا دايما على الهامش، مش أنا ممشي الشغل وحياتك وكل حاجة تمام خلاص بقى هتعوز إيه تاني.
-كل قعدة كنت بقعدها معاك عشان اسمع مشكلة من مشاكلك أو موضوع يخصك كنت بكسر بخاطر نسمة اللي كنت واعدها بخروجة.
-كان كل وقتي ليك أنت وبس، باعتبار إنك صاحبي وإني مليش غيرك ولا أنت ليك غيري.
-ولكني اكتشفت إنك عندك مية غيري، إيه يعني كلب و راح.
-فضلتك على خطيبتي وحبيبتي وعائلتي واعتبرتك أخ مش صاحب.
-ولكني اخترت الشخص الغلط، أنت متستحقش تكون صاحبي.
-أنت عُمرك ما كنت موجود في الوقت اللي محتاجك فيه، عُمرك ما بصيت ليا على إني إنسان ليا حقوق كنت دايما بتبص على إني موجود معاك دايما وهفضل موجود مهما تعمل.
-ولكني خسرت نسمة خسرتها بسببك.
-أنا بكرهك يا زيـن، بكرهك.
كان يطالعه بدهشة وغرابة متساءلا من ذي الذي يتحدث أمامه، لقد تبدل مازن لقد أصبح واحد أخر وحش مخيف يكاد أن يكسر الغرفة بأكملها فوق رأسه.
شعر بوخز في قلبه قوي وكأن هناك خنجر وُضع في قلبه، لقد واجهه مازن بحقيقة لـم يلتفت لـها يتساءل بداخله أحقا قام بكل هذا أكان بهذا القدر من السوء في علاقتهما!! كان أناني لتلك الدرجة!
بينما مـازن كان يصدره يهبط ويعلو بحدة واضطراب لقد نفث عن القليل فقط ماذا إن أفصح عن البقية بداخله لكانت احترقت الغرفة بمن فيها.
نهض زيـن باضطراب واتجه نحو مـازن وقد فقد اتزانه قليلا ليرفع يده نحو كتفه ولكن الأخير ابتعد ليقول بارتباك وخفوت:
-م از ن مازن.
-تعالى ننزل نخرج بعيد عن هنا.
-أنت معندكش دم يا أخي.
قبض على ياقة قميصه ودفعه بقوة للخلف قائلا:
-أطلع بره.
اصطدم رأس زيـن بذلك الرف الزجاجي المعلق على الحائط اصطداما قويا ليتألم زيـن ويرفع يده نحو رأسه ليشعر بذلك السائل اللزج الدافيء بين يديه.
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
_______________________________

قيود الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن