نكمل روايتنا قيود الماضي.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
الفصل الـ٢٥..
___________________________
عقد حاجبيه بتعجب من عبوسها ليلتفت حيثما تنظر ليجد غدير هو الأخر، بينما مالك نهض بانفعال وغضب قائلا:
-أنتِ إيه اللي جابك هنا؟
-بابا!
-بلا بابا بلا زفت، أنتِ إيه؟ مش بترحمي!
-عايزة مني إيه تاني؟ مش أنتِ اللي اتخليتِ عني وعن اسم العائلة عشان واد جربوع ولا يسوى.
-بابا أنا محتاجة ليك.
اقتربت منه بينما جليلة بدأت في البكاء على ما يصيب عائلتها، نهض عبد القادر و هو يشعر بالغضب لا ينسى نظرات الناس في الفرح و كيف خرجت الكثير والكثير من الإشاعات التي تُسيء للعائلة واسمها.
اقتربت غدير من أبيها بعد أن وضعت حقيبتها أرضا وقبضت على يده الممسكة بـغرام لتضطر لإزالتها بينما هي قبّلت يده و أردفت بقولها:
-بابا أنا غدير بنتك حبيبتك أميرتك.
كان الجو موّتر لذا حاول سيف أن يحل الأمور بقوله:
-عمي، أنا مقدر حجم الخزي اللي حضرتك حاسس بِيه ولكنها بنتك قطعة من روحك.
-لو أحنا اللي محافظناش عليها وفتحنا ليها حضننا وبيتنا مين هيعمل كدة؟
-دِ حقيقة و واقع مش هنقدر نغيره.
نظرت لـه غرام بحدة وتركتهم وغادرت المكان وهي تقول:
-أنا مستحيل أقعد هنا طول ما دِ هنا.
شعرت شاهندا بالحرج وتمسكت بثياب أخيها الذي طمئنها بنظراته وهمس لها ببعض الكلمات التي جعلتهل تغادر و تتبع غرام للأعلى.
-أحنا أهل يا جماعة، مقاطعتك ليها وخصامك مش هيعيد حاجة ولا هيرجع اللي فاتت.
-أحنا موجودين عشان نغلط ونتعلم ونزيد في الودّ.
نظر له مالك بتشتت ولكنه سيظلم ابنته غرام بذلك الشكل لينقل بصره حيث جليلة التي ترجوه بعينيها أن يوافق لقد حُرمت من ابنتها لسنوات.
لـتقول إحسان:
-عايزين نلم الشمل من تاني، يا مالك.
تساءل مالك بارتباك:
-رأيك إيه يا أخويا؟
-اللي شايفه مناسب يا مالك، أه غلطت بس لو اتخلينا عنها دلوقتي الغلط هيزيد وأحنا عايزين نلم مش نبعد.
تنهد مالك ونظر لـغدير التي تنظر له بأمل ليهتف باسم الخادمة التي أتت لـه وأردف بقوله:
-طلعي شنطة الهانم لـفوق.
اقتربت جليلة من ابنتها وهي تبتسم بفرح واحتضنت مالك الصغير وقبّلته بقوة لتبتسم لها غدير وتلتفت إلى سيف تشكره مما زاد تعجب الأخرين وأخرجت من حقيبتها الصغيرة مفتاح الشقة وتبرر بقولها:
-أستاذ سيف ساعدني وقعدني في بيته.
نظرت لها أمها بتوجس إنها تشعر بالريبة من تصرفات ابنتها لما هناك لمعة غريبة في عينيها ثم أنها تشعر بانقباض في صدرها تشعر بأن هناك شيء سيء على وشك الحدوث.
استأذن منهم سيف وكاد أن يغادر حتى أردف مالك بارتباك:
-غرام، يا سيف.
ابتسم لـه سيف وقال:
-غـرام عندها طيبة وحُبّ لو اتوزعوا على الكل يفيض ويكفي يا عمي.
صعد للأعلى حيث غرفتها وجدها تأخذ الغرفة ذهابا وإيابا تتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة بينما شاهندا تجلس على الأريكة تتابعها بصمت، توقفت في مكانها حينما وجدته يقتحم الغرفة لتشير حيث الباب وتقول:
-أخرج.
اقترب منها أكثر لتنهض شاهندا وتغادر حتى وقف أمامها لا يفصل بينهم سوى بعض السنتيميرات اختلطت أنفاسها الحادة بخاصته الهادئة لـيقول:
-غدير بتحبك.
-والعائلة كلها شايفة حالها عامل إزاي من غيرها، محدش بينسى أول فرحته يا غرام.
-وافقي وخلي الفرح يدخل لقلبهم وكدة كدة أحنا ماشيين.
-وأنا؟
عقد حاجبيها بعدم فهم لـتكمل حديثها:
-وأنا إيه نصيبي منهم!
-أنا ليه المفروض أضحي!
-ليه كلهم بيشوفوا فرحتهم على حسابي!
-ليه مش بيسألوا نفسهم إذا كان هما ظلموني ولا لا؟
تنهد وقبض على مرفقيها برفق:
-أنتِ راجعة عشان تشوفي نظرات الندم في عيونهم؟
-أنا بس عايزة حد يصلح الكسر اللي في قلبي.
تمردت عَبراتها على وجنتيها ليضيق صدره ويجذبها لأحضانه مربتا على خصلاتها برفق وحب قائلا:
-أنا هنا، يا غـرام.
طُرق الباب ليدلف مالك للغرفة بينما سيف لم يتخلى عنها بل ازداد تمسكا بها بينما هي كانت تُخبىء وجهها بعنقه تبكي بصمت، كان مالك يشعر بالارتباك يعترف بأنه مُخطىء حينما ظن أن اسم عائلته أهم من أبنائه لا ذنب لـغرام أن تتحمل غدر أختها بِـهم ولكنه رأى حينها أن ذلك الأصوب للجميع ويشهد بأنها لم تعارضه قط لـعدة أسباب من ضمنهم حُبها لأبيها و رفض أن تُلطخ سمعته.
اقترب منهم حينها ارتخت قبضة سيف من عليها لتبتعد عنه غرام وتنظر لأبيها بعيون باكية لتجده يفتح لها ذراعيه بلا تردد ألقت بجسدها لأحضانه، أحيانا الحضن يعبر أكثر من الحديث يستطيع احتواء أحزان الإنسان ومشاعره الجياشة.
ليقبّل مقدمة رأسها ويقول بِـندم ظهر في نبرته:
-أنا أسف يا نور عيني.
-أسف؛ لأني كُنت أناني في حُبي للعائلة ونسيت أكون ليكِ أب كويس بيختار ليكِ زوج كويس.
-أسف؛ لأنك اضطريتِ تعاني لوحدك.
شهقت بين أحضانه ليربت على كتفها بحُبّ وقد امتلأت عيناه بالدموع، بينما سيف كاد أن يغادر حتى وجدها تتمسك بِه وتقبض على يده بقوة تمنعه من الذهاب لطالما كان مصدر أمان وقوة لـها؛ إنها لن تتخلى عنه بعد الآن حتى و إن لم تكن تُحُبّه سيطر على بالها تلك الفكرة متناسية تلك المشاعر الفياضة التي تدور حولها تفكر أحقا لم تُحُبّه بعد!!
أفاقت من شرودها حينما ابتعد أبيها عنها قليلا يبتسم لها وقد تمردت دمعتين على وجنتيه لترفع يدها الحرة وتقوم بإزالتهُّنْ لـتقول:
-وأنا ممتنة إن كل ده حصل عشان أقدر أتعرف على سيف وألاقيك أنت فيه يا بابا.
-ولكني مش قادرة أتخطى حُزني من غدير، أنا أسفة.
ربت على خصلاتها برفق وأردف قائلا:
-مش مهم، مع الوقت هننسى كلنا جروحنا.
-المهم في ظِل الألم نضحك، وأنتِ مش يليق بيكِ غير الفرح يا بنت مالك.
ابتسمت لـه ونظرت إلى سيف الذي بادلها ابتسامة أكثر جاذبية وجمالا من خاصتها، ليستأذن مالك ويغادر وهو يمسح على وجهه براحة حتى وإن لم تقولها صريحة ولكنها سامحته.
كانت ما زالت شاردة في ابتسامته حتى بعد أن اختفت وأصبحت ملامحه طبيعية لتنتبه لتلك النظرة الخبيثة التي تعلو وجهه لا تظهر إلا معها فقط اللعنة لمَ يطالعها هكذا، حاولت الحركة ولكنه قبض على يدها حاولت الفرار ولكن قبضته من فولاذ لن تضاهي قوتها لتقول بارتباك:
-هنادي بابا.
رفع حاجبه باستنكار بينما هي كانت قد وصلت للفراش من خلفها لتسقط عليه جلس بجوارها وما زال قابضا على يدها ليطول الصمت لدقائق حتى قاطعه:
-عايزين نجيب منصور الصغير لـديما هانم.
شهقت بقوة وألتفتت له تقول:
-منصور! أنا مستحيل أسمي ابني منصور.
-يا ستي المهم نجيب ولي العهد وبعدين نشوف الاسم.
-علفكرة بقى أنت بقيت مش حضاري و.
نظر لـساعته وقاطعها بقوله:
-فاضل تلت دقائق والشمس تغيب.
-ده معناه إيه؟
تقدم من الباب يغلقه لـتكرر سؤالها عليه ولكنه لم يجيب بدأت تشعر بالريبة حتى أنه أغلق الشرفة بالستائر وأصبح الجو مظلم قليلا لتهتف اسمه بارتباك وقد أغمضت عينيها:
-سـيف.
__________________________
فتحت باب الغرفة بعنف وغضب لقد سئمت من الوضع إنه يتواجد بتلك الغرفة مع تلك الفتاة بمفرده لأكثر من ساعتين بينما رفض بقاءها هي.
ابتعدت جود قليلا عنه بينما الأخرى توسطت يدها خصرها وهي تدلف للداخل لا تحيد بنظرها عنه وكذلك هو لتقف بجواره من الجهة الأخرى وتقول:
-لو سمحت عايزة جوزي في كلمتين.
-مراتك!!
-أه يا حبيبتي مراته.
رفعت لـها البنصر لترى خاتم ذهبي يزين إصبعها، وأكملت حديثها بقولها وقد وضعت يدها على كتف زين:
-لو مهتمة أوي بيه كان زمانك شرفتي فرحنا.
تبادل زين النظرات بين كليهما وأردف قائلا وهو يعدل جلسته ليأخذ وضعية النوم ويلقي الغطاء على وجهه:
-أنا تعبان عايز أنام.
نظرت جود لـغزل التي كانت تطالعه بدهشة أحقا الآن يود النوم حينما أتت هي!
أردفت جود وهي تطالع غزل باحتقار:
-هنتظر منك مكالمة يا زين.
غادرت جود بينما غزل ما زالت واقفة وهو يشعر بها ولكنه اصطنع النوم حتى فُوجيء بضربة قوية منها على كتفه ليصرخ بألم واعتدل في جلسته وهي تقول:
-مين دِ؟
-وأنتِ مالك!
-يعني إيه وأنا مالي! أنا مراتك.
أجابها ببرود:
-مُصِرة أوي تعرفي؟
حركت رأسها بالإيجاب وقد شعر عقلها بالخطر يؤمرها بالهرب ربما ما سيلقيه على مسامعها لن ينال إعجابها وهو كذلك بالفعل لتجحظ عينيها لما قاله:
-جود مراتي الأولى.
أيجوز لـها القتل أم أنه حلال لـه فقط؟ جملته بمثابة خنجر قام بذبحها بِـه للتو.
استندت على الطاولة الصغيرة بجواره تطالعه بدهشة لقد خذلها نعم حتى و إن لا يحبّها لقد أخفى عنها ذلك الأمر حين أتى لخُطبتها لقد سرق منها حقها في الرفض أو الموافقة حاولت استعاد توازنها كيف وهي ترى عينيه تلمع بحُبها! لقد رآته حينما دلفت تلك المُدعوة جود كان ينظر لها بكل لهفة وشوق.
كانت ستملى عليه كل الأسئلة التي تدور في بالها؛ لِمَا وكيف؟ ولكنها تشعر بأنها ستنهار أمامه وهي لا تودّ أن تظهر بذلك الجانب أمامه أخذت من تجربة أختها غرام قوة إنها يجب أن تظهر بذلك المظهر أمامه حتى وإن كان داخلها نيران تشتعل في قلبها.
وقفت باستقامة واتجهت للخارج بصمت بينما هو كان ينتظر ثورانها عليه ولكنها خيبت ظنه كـكل مرة.
عاد برأسه للخلف يتنهد بقوة متذكرا حياته السابقة.
لطالما كان يهوى ركوب الخيل ذهب لأحد الأندية وقرر امتطاء أحدهم كان حصان باللون الأسود من النوع الأصيل أمسك بـلِجامه يحثه على السير كان الحصان يركض في تلك الحلقة الدائرية كان يمتطيه بمهارة ولم يشعر بتلك الفتاة التي كانت تطالعه بدهشة؛ فهي للتو سقطت من إحدهم ولم تستطيع ترويضه بعد فترة لم تشعر بمدتها حتى وجدته يغادر الحلقة بعدما ترك الخيل وقد قبّله اعترضت طريقه ليعقد حاجبيه وهو ينظر لها متساءلا بعينيه عما تريده لـتقول بتلعثم:
-شوفتك بتركب الخيل وحقيقي حابة أمدح مهارتك.
ابتسم لـها بمجاملة وأردف بِـكلمة واحدة:
-شكرا.
اتجه لـيغادر مرة أخرى لتعترض طريقة ثانيةً وتطلب منه مساعدتها حتى تصل لمهارته؛ فهي تهوى الخيل ولكن لا تعلم كيف تروضه وأن تمتطيه بِـكل شجاعة مثله.
-حضرتك تعرفيني؟ يعني وقفتيني واعترضتي طريقي وبتطلبي مني بعشم أوي!
شعرت جود بالإحراج لـتبرر موقفها:
-علفكرة أنا مش بضايقك أنا بالفعل خليت كذا حد يساعدني ولكني لسة عندي مشكلة، ولما شوفت مهارتك قولت أعرض عليك الفكرة.
-دِ خدمة ولو عايز فلوس في المقابل معنديش مانع.
خلعت نظارتها الشمسية التي كانت ترتديها في نهاية حديثها لـيغادر دون أن يجيب عليها ولكن قلبه تعلق بعينيها كانت زرقاء اللون مُختلفة بِـها نقاء لم يراه في أحد من قبل.
كان يتردد على النادي عدة مرات من فترة لأخرى ولكنه لم يراها حتى حدث تصادم بينهما مرة أخرى حينما رأها تحاول امتطاء الخيل ولكنها كانت خائفة قبل أن يمتطي خاصته اتجه لها يمد لـه يده.
نظرت له باستنكار ولكن على الرغم من ذلك قبضت على يده لتحاول امتطائه بمساعدته كانت خائفة ليسير هو بِـها حتى وجدها تقول:
-جود.
صمت قليلا حتى أجاب بقوله:
-زين.
-شكرا يا أستاذ زين.
حرك رأسه بالإيجاب وقد ترك اللجام وهو يحث الخيل أن يركض كانت تصرخ بينما هو يطمئنها بكلماته أن تستمتع باللحظة متناسية الخوف.
ليترددا إلى النادي كثيرا في الآونة الأخيرة وقد تبادلا الأرقام ثم وقع أسيرا لعينيها بينما هي كانت تشعر بالإنجذاب الشديد اتجاهه.
كانت تحادثه في الهاتف تتساءل عن يومه:
-النهاردة هروح أخطب.
صمتت كثيرا بـدهشة لا تعلم بما تجيبه بينما هو برز ثغره بابتسامة خبيثة وقال:
-إيه مش هتباركي؟
أجابت بتلعثم:
-أه أه، ألف مبروك.
-مين؟
-هعرفك بعدين.
أغلق مكالمته بينما هي جلست على فراشها تشعر بالخزي تتمنى لو أصبحت هي تلك الفتاة المحظوظة بـحب زيـن.
توقف بسيارته أمام المنزل الذي تقطن بـه فأبيها من أهم رجال الأعمال دلفت تلك الخادمة إلى مكتب عاصم والد جود وقد أخبرته بوصول الضيف ليسمح لـه بالدخول.
تقدم زين للداخل وصافح عاصم بابتسامة بسيطة تزين ثغره وبعد الحديث في مواضيع عامة، أردف زين:
-أنا جاي أطلب إيد الآنسة جود.
نظر لـه عاصم وابتسم لـه وأردف قائلا:
-جود عارفة؟
-لا.
ليطلب عاصم من الخادمة أن تبلغ جود لـكي تأتي إليه، بينما عاصم شعر بالراحة من صراحة زين معه حيث أنه أخبره بأنه على معرفة بابنته.
أتت جود بناءا على رغبة أبيها وقد تفاجأت كثيرا بوجود زين ولكنها سرعان ما فهمت الأمر حقا!! أتى لخُطبتها هي، ابتسمت بخجل وجلست أمامه ليعرض عاصم عليها الأمر ليزداد خجلها وتطالعه بسعادة.
-اللي تشوفه يا بابا.
ضحك عاصم عليها بينما زين كان يطالعها بهدوء يرى خجلها منه، بالفعل اتفق زين مع عاصم والد جود ودعاه لـمنزله لتناول وجبة طعام والتعرف على عائلته.
كانت نازلي سعيدة بخُطبة ابنها زين فقد أخبرها بأنها ابنة أكبر رجال الأعمال في مجالهم، وقفت نازلي في استقبالهم بينما زين كان في غرفته يعدل من هيئته الأخيرة وشاهندا تقف بجواره تبتسم سعيدة بأن أخيها سيتزوج قريبا.
هبط كلٍ من عاصم وجود من السيارة وتقدمت جود للداخل تصافح نازلي التي أخذتها في أحضانها بينما الأخير ظهرت الصدمة على ملامحه؛ إنها نازلي كابوسهُ!!
شعر كأن هنالك لدغة قد لسعته ورأها تمد يدها لـه ليصافحها وقد تبادلوا النظرات سويا لقد تعرفت عليه فورا.
مر اليوم بِـسلام وعندما عاد عاصم هاتف زين ليبلغه برفضه القاطع تحت تعجب كلٍ من زين وجود والذين حاولوا معه كثيرا ولكن كان جوابه بالرفض القاطع حتى أنه قرر السفر مع ابنته للخارج حتى لا يكون هناك سبيل لِـلقائهم.
كان زين في غرفته نائم يشعر بيأس كبير بعد أن وجدها وقد شعر بالأمان في عينيها غادرت، حتى وجد الخادمة تطرق عليه الباب بطريقة مريبة أثارت فضوله وغضبه لـما تُطرق الباب الآن و ما الأمر العاجل الذي يجعلها تطرق بابه في منتصف الليل وقبل أن يتساءل أجابته بقولها:
-جود هانم تحت.
صمت يطالعها بدهشة ما الذي تتفوه بـه طائرتها صباح الغد وهي الآن في منزله!! جرى للخارج ليجد نازلي تحتضن جود التي كانت مرتبكة وتحرك قدميها بتوتر نهضت حينما رأته وهتف باسمها.
احتضنته بقوة بينما هو كان يطالع أمه التي كانت هناك ابتسامة صغيرة تزين ثغرها تدل عن مدى رضاها بما يحدث ابتعد عنها قليلا يطالعها بـدهشة يتساءل بقوله:
-جود أنتِ بتعملي إيه هنا؟
-أنا عايزة أكمل حياتي معاك.
-أنا بحبك يا زين.
توقف عقله عن التفكير إنها في منزله وتعرض نفسها عليه كاد أن يوافق ولكن رأى أخته تقف في الدور الأول أمامه وقد بُعثرت خصلاتها تنظر لـه ببراءة ابتعد عنها سريعا إن حلل الأمر لـنفسه ربما يُكرر القدر ذاته إنه لا يسمح أن تتزوج أخته دون موافقته لذا لن يسمح لـجود ولـنفسه بالأمر.
-هطلع أغير وأنزل.
صعد للأعلى أبدل ثيابه وهبط مرة أخرى قبض على يدها ليغادر بها بينما نازلي أوقفته ليقترب منها مبتعدا عن جود لتتساءل بنبرة هامسة:
-هتعمل إيه؟
-الصح.
عاد مرة أخرى لجود وغادر معها بينما هي كانت تتساءل عن ماهية المكان الذي سيذهبا لـه لم يجيبها كان يصب كل اهتمامه عما سيقوله لأبيها حتى اكتشفت الطريق لتقبض على ذراعه تقول:
-أنا اختارتك أنت يا زين.
-زين هو هيرفض جوازنا يا زين، زين احنا بنحب بعض.
-اختارتِ الجهة الغلط يا جود، أنا كنت هحارب مرة واتنين عشانك لكن مش تتخلي عن أبوكِ اللي رباكِ واللي يتمنى كل خير العالم ليكِ.
توقف أمام بوابة الفيلا ليفتح الحارس على الفور حينما رآها وجد أبيها بثياب نومه يظهر الخوف والقلق على ملامحه يدور حول نفسه يشعر بأنه على حافة الإنهيار إلى أين ذهبت ابنته قطعة من قلبه!
ترجل من السيارة ليفتح لها الباب بينما هي كانت تنظر لـه بخوف تقدم عاصم منها يتبادل نظراته بينهما حتى جذبها لأحضانه ينظر لـزين لقد استنتج ما حدث إنها هربت لـه ولكنه أعادها لأحضانه يعلم بأن زين رجل لا غبار عليه ولكنه لن يسمح أن تتزوج ابنته بابن قاتلة ومجرمة إنه يريد لها حياة هنيئة.
ابتعدت جود عن أبيها تقول بأعين دامعة:
-بابا أنا بحبه.
-صدقيني مش هتبقي مبسوطة.
اتجه زين لسيارته وقد فُتِك بقلبه أثرها؛ إنه تخلى عنها وهو الأكثر احتياجا لـها ولـحُبّها.
صرخت جود بقوة وأردفت قائلة بعد أن جذبت ذلك المسدس من حارس أبيها تضعه على عنقها:
-هموت نفسي.
حقا! إنها ستتخلى عن حياتها من أجل شخص، أبتلك السهولة التخلي عن الرُوح يبدو أننا لا نُقدر قيمة النفس جيدا.
وافق عاصم تحت ضغط كبير من ابنته إنه يراها تصوب المسدس إلى عنقها تتخلى عن حياتها من أجل رجل غريب، يجب أن يتخلى عن راحته من أجل سعادتها إنها ابنته لا يتمنى أن يرى بِـها سوء.
أردف قائلا وهو يشعر بالخزي من تصرفات ابنته:
-اختارتك.
شعر زين بارتباك وخوف لما يودّ التراجع الآن، نظرات خذلانه لابنتهُ لا يمكن وصفها شعر بالألم أثرها إنه لا يريدها الآن كان يريد الاعتراف بتلك الكلمات فلتأخذها أنت أبيها أنت أحق بها مني ولكنه دفع ابنته لأحضان زين يقول بانكسار:
-شوف كتب الكتاب امتى عشان هسافر.
بالفعل كُتِب كتابهم تحت جو مليء بالتوتر، اقتربت جود من أبيها ولكنه رفض النظر لـها وتركها وصعد للأعلى حيث غرفته وهو يقول:
-من النهاردة إنسي أنه ليكِ أب.
نظر لـها زين بضيق صدر وتخطاها للأمام لتتبعه وبالفعل سافر عاصم وأصبحت جود زوجة زين رسميًا لسنتين حتى أتى ذلك اليوم الذي اختفت فيه من حياته نهائيا وكأنها لم تظهر فيها قط.
______________________________
خرج من المرحاض وهو يرتدي ثياب غير رسمية مكونة من بنطال وقميص كلاهما بالأسود وحذاء رياضي أبيض اللون، وجدها تتألم من ذلك الصداع الذي يجتاحها ولكن انتبهت كل حواسها حينما وجدته يستعد للمغادرة لتتساءل:
-أنت رايح فين؟
-هقابل أخوكِ وبعد كدة هعدي على زين في المستشفى.
عقدت حاجبيها باستفهام:
-مراد! وأنت هتتقابل أنت ومراد ليه؟
اقترب منها يجلس أمامها على الفراش يقبض على كفيّ يدها متساءلا:
-ليه هو حرام؟
-لا ولكن.
صمتت لتتنهد وتقول:
-تمام يا سيف روح.
قام بإعادة خصلاتها للخلف قائلا:
-لسة مصدعة؟
حركت رأسها بالإيجاب ليقبّل جبهتها ويقول:
-خدي مسكن ومترهقيش نفسك كتير.
عادت لتحرك رأسها بالإيجاب مرة أخرى بينما هو ابتسم عليها ونهض يلتقط متعلقاته ويقول:
-خلي بالك من نفسك.
أجابت بخفوت وصل لمسامعه:
-هستناك.
لم يعلق وغادر بينما هي كانت تنظر أرضا خجلا من تلك الكلمة على الرغم من كونها بسيطة وعادية، ولكن لا مجال لِـلبساطة في علاقة سيف وغرام آل قاسم.
نهضت لتتجه للمرحاض وتأخذ حماما دافيء يرخي عضلاتها المتشنجة لتخرج وتبدل ثيابها لأخرى مريحة للمنزل واتجهت للفراش مرة أخرى تجلس عليه بإرهاق على الرغم من كونها لا تبذل الكثير كما في السابق.
وكأنها كانت تنتظره كاد أن ينزل الدرج حتى وجدها تهتف باسمه، توقف ونظر لـها لتبتسم لـه وتقول:
-مساء الخير.
-مساء النور.
-أخبار غرام إيه؟ لسة واخدة موقف؟
-مدام غدير ممكن مكونش وسيط بينك وبين أختك.
-الأمر يخصكم أنتم.
نظر لـساعة يده يقاطع حديثها بقوله:
-أنا مستعجل.
تركها وغادر لتهتف باسمه شاهندا التي قضت النهار كله مع جليلة التي لم تتركها للحظة وقامت بحشو معدتها بالكثير والكثير من الطعام حتى امتلئت.
اقترب من أخته وتساءل عن الأمر حتى قالت:
-هو أنا هعمل إيه دلوقتي؟
-شوفي أنتِ عايزة إيه، تقعدي هنا هستأذن عمي مالك وهو هيوافق؛ عايزة تروحي البيت براحتك؛ عايزة تقعدي في شقتي اللي هنا أنا موافق شوفي اللي هيريحك.
تنهدت بقلة حيلة إنها تخاف من البقاء بمفردها، تعالى رنين هاتفه ليجد المُتصل مراد أردفت شاهندا:
-هروح البيت.
حرك رأسه بالإيجاب وهاتف مراد ليخبره بأنه في طريقه إليه، ودعت شاهندا جليلة وغادرت مع سيف الذي استقل سيارته وقادها نحو منزل زين.
في الأعلى، كانت تجلس بأرهاق تتصفح الهاتف بـملل، طُرِق الباب لتسمح للطارق بالدلوف تبدلت ملامحها حينما رأت أختها زفرت بحنق واعتدلت في جلستها تتساءل:
-خير في حاجة؟
-ممكن أفهم حاجة؟
-أتفضلِ.
-بتتقابلي أنتِ و يزيد ليه؟
توقف الزمن من حولها لقد فُضِح أمرها سينكشف أمرها عما قريب، أيمكن أن يكون قد أخبرها بتلك الصفقة التي عقدتها معه قبل أربع سنوات؟
.
بقلم/ سلسبيل كوبك.
.
.
يتبع
___________________________
أنت تقرأ
قيود الماضي
Diversosيا لـيتني قيدت قلبي بأغلالٍ من حديد، لـعله لم يكن وقع في لـعنة كـلعنة حُبّك، فمـا كنت أنا سوى طليق لـم يقيدهُ الحُب إلا بكِ، وما كنتِ أنتِ سوى بريئة قيدها الماضي باسم الحُبّ.) رواية قيود الماضي بقلم سـلسـبيل كـوبـك