الفصل الخامس والعشرون

103 4 0
                                    




.





[ الفصل الخامس والعشرون ]



كانت جلسة جميلة في منزل الجدة ام صفاء " فاطمة " ..
نظرت إليها وهي تشعر كَ كل مرة أن في العالم أُناس بإمكانهم نشر اللطف والمحبة من خلال ابتسامتهم الجميلة ..
بل إن هذه المرأة العجوز ذات الشعر الفضي الناعم القصير جداً قد جعلتها تؤمن أن العمر مجرد رقم بالفعل ..
وأنه ليس بالضرورة أن تتخلى المرأة عن مباهج الحياة وعن لبس الملابس الجميلة العصرية أو وضع القليل من المكياج إذا وصلت لسن مُعين ..

تحب جدتها أم ابيها جداً جداً ، لكنها تشفق عليها بسبب طبيعتها الصارمة حتى على نفسها ، والناقدة لغيرها ..

مشكلة أن ينظر الشخص بعين النقد الباحثة عن الاشياء السيئة و تصيّد الأخطاء ..
لا بعين البحث عن الجمال ، وإيجاد الجوانب الرائعة في كل شيء ولو كان متناهي الصغر ..

يوجد هناك فـــارق عمري بين المرأتين يصل إلى عشر سنوات أو اكثر بقليل إلّا أنهما مختلفتان تماماً ظاهرياً وباطنياً ..
لم تسمع قط ذكر جدتها بسوء عند الجدة فاطمة لكن يوجد العكس عند جدتها ، وكلامها في ملكة اخيها طارق أقرب مثال ..
غير أن كون الجدة فاطمة لا ترتدي شال تغطي به شعرها هذا من أكثر الأمور التي تراها جدتها الغالية لا يغتفر ..
وكثيراً ما كانت تردد ألا تشعر بالخجل لأن تخرج هكذا أمام الناس ..

حسناً الأمر بسيط ، لكل شخص معاييره للأمور المُخجلة ..
وبالنسبة للجدة اللطيفة التي تجلس الآن أمامها وتضحك مع زوجها كانت ترك شعرها بدون غطاء ..
أو ارتداءها الملابس المُناسبة لسنها لكن ليس بالضرورة أن تكون جلابيات أو أثواب العجائز ..
فلا بأس بالتنانير أو البناطيل القماشية الواسعة أو حتى الفساتين البسيطة المورّدة كما هي تلبس الآن ..
ولا بأس أن تضع المكياج أو حتى طلاء الأظافر ..
كلها أمور تراها طبيعية ليست مخجلة ، الأهم أن لا تسيء إلى نفسها وتلبس ملابس لا تناسبها ولا تناسب مقامها ..

بكل صراحة ، هي تتمنى أن تكون مثلها عندما تكبر في العمر ..
عجوز لطيفة مُحبـة للحياة ، مبتسمة على الدوام ، ذات لسان معسول وقلب أبيض لا يتمنى الضرر لأحد ..
لا أن تضع نفسها في قالب معين ولا تخرج منه ، وترى أن مباهج الحياة انتهت ..


: والله الظاهر كذا إنك وصلتي مكة ، يا بنت عقلك فين راح

نبرة الصوت المرحة النـــادر جداً أن تصدر من زوجها أخرجتها من أفكارها هذه
نظرت إلى فارس الذي كان يبتسم ابتسامة واسعة
ذكّرتها بِ ابتسامة كهذه نادرة رأتها عليه عندما كانو في منزل والده أيام عيد الفطر

قالت وهي تضع يدها على شعرها تتأكد من ترتيبه : موجوده ما رحت مكان

نظرت إليها الجدة بحنان وهي تسألها مرة ثانية : كيفك يا بغداد ؟
وأضافت : وكيف الحياة بعد الزواج ؟

ابتسمت بغداد : الحمدلله
أمسكت الجدة فاطمة بيد حفيدها
وقالت بمرح لكنها كانت جادة في سؤالها : مو ملعوزك شويه معاه ؟ > معلوزك = مطفشك ، أو مضايقك <

ضحكت بغداد بخفة وهي تقول بمرح مشابه : يعني ، شويه
نظر إليها فارس باستنكار مفتعل : شويه كمان !!

جاوبته بغداد : مافي إلا أنا وجدة فاطمة ، عادي لو اتكلمت معاها بصراحة ، ومدت لسانها
بحركة فاجئته ، هل يوجد جانب لديها مثل هذا لم تظهره له بعد !

قامت بغداد وهي تكتم ضحكتها على نظرات فارس الغريبة ، أعادت ملئ فناجين القهوة
ثم أضافت قطعة حلا صغيرة لِ صحنها ، وعادت تجلس في مكانها










مرّ بعض الوقت الجميل الهادئ إلّا من صوت الضحكات
ولم يكن يدر في خلد بغداد عندما أخبرها فارس صباح هذا اليوم أنهم سيذهبون لزيارة جدته إذا لم يكن لديها مانع
أن نهاية الزيارة سيحدث أخر امر توقعوا حدوثه

كان فارس قد أخبرها أن ترتدي عباءتها فَ الوقت قد بدأ يتأخر
همّت بالفعل بأن تقوم من مكانها لكن الإعصار الذي دخل عليهم منعها من الحركة
بل هم بصعوبة اكتشفوا أنه لم يكن سوى الابنة الصغرى التي دخلت تصرخ وهي تنادي امها و اعصابها منهارة

هبّ فارس واقفاً وهو يقول بخوف
: ايش فيه ؟
اشبك جايه كذا ؟
زوجك سوى لك شي ؟

نظرت إليه سهام وهي لتوها تستوعب أن والدتها ليست الوحيدة الموجودة في المنزل
غير أنها عندما تبيّنت من هم الضيوف عبست وهي تقول : بسم الله عليا ، ليش يسوي لي شي

قست نظرات فارس قليلاً وهو يقول بحدة : أجل ليش ان شاء الله داخله وتنادي على جدتي كذا كأنو معاكِ مصيبة

تذكرت سهام الأمر الذي افقدها عقلها ، قالت لوالدتها وهي لا تثمن كلامها كالعادة ولا تراعي من هو موجود في المكان
: اميي ، عرفتي صفااااء إيش سوت ، خطبت بنتي لولدها بدون ما تستشيرني أنا أول شيء

شعرت بغداد بالقلق عندما رأت رفض سهام الصريح لأخيها ، وليس أي رفض بل هي من الواضح أنها ترفض الخطبة جملة وتفصيلا
وشعرت بالقلق أكثر وهي ترى التجهــم الذي بدأ يطغــــــــــى على ملامح من يجلس بجانبها

نظرت فاطمة لابنتها وهي تعلم هذا الأمر ف ابنتها صفاء قد اخبرتها به منذ الاسبوع الماضي
وهي لسوء حظ سهام ، أبدت موافقتها وتأييدها التام له
لكنها أحبت أن تهدئها : الموضوع كان بين صفاء وبنتك بس ، قالت عشان لو رفضت وجدان
يتقفل الموضوع بدون ما أحد يدري ولا تحصل حساسيات بينك وبينها

سهام بانفعال : فييين الموضوع بينها وبين وجدان ، اليوم قال لي ماجد إنو خالد اتصل على اخوه الكبير وخطب صقر لوجدان
وبانفعال أكبر : يعني كلكم عارفين بالموضوع وانـــــــــــــــــــــا أمها مو عارفة ، لييييش يعني ؟ ! !

قال لها فارس بصوت عالٍ قليلاً : ممكن توطي صوتك ، وتهدي نفسك عشان نفهم منك سبب الدراما هذه
بلعت بغداد ريقها بخوف ، بدأ ما كانت تخشاه

نظرت إليه سهام باستصغار : إنتا مو فاهم شي

فارس بأعلى درجات الصراحة قال : إلّا فاهم كل شي ، بس مو فاهم ليش العصبية والإنفعال هذا
لأنو عمي خالد خطب البنت من عمها بدون ما يكون عندك خبر قبلها ؟
ولّا عشانك ما تشوفي صقر يليق ببنتك ؟

زادت عصبية سهام لأن فارس قال بجمل مختصرة سبب رفضها الرئيسي
: من البداااية أمك كيف اتجرأت إنها تتكلم مع بنتي ، قبل لا تتكلم معايا أول شيء
ولّا حبت تقنعها بالخطبة بأساليبها المعروفة ، قبل لا أنا أعرف ، عشان ما ترفض صقر زي ما رفضت اللي قبله

فارس بحدة : أشوف البنت كبيرة كفاية إنها تقرر موضوع مصيري زي هذا بنفسها
إذا وجدان وافقت على صقر ، فمعناته إنها وافقت عليه من قناعتها
بالعقل إذا هي ترفض الخطاب الكثيرين اللي اتقدموا لها ، ما ارح توافق على صقر عشان امي اقنعتها
وافقت عليه عشان هي مقتنعه والظاهر كذا موافقتها مو جايه على مزاجك

لو سألتم بغداد عن شعورها هذه اللحظة ، فهي تتمنى أن تكون في بيتها ولا أن تكون في ساحة المعركة هذه الغير متكافئة
فَ فارس كانت لديه قنابل ذات جودة عالية
أما سهام فَ درعها كان ضعيف جداً لا يكفي لصد هذه الهجمات القوية
والنهاية نتيجة المهزوم إما الفرار ، أو الصراخ

وبالنسبة لسهام فكان الحل الثاني ، إذا قامت تصرخ وهي تقول
: إنتا قليل أدب أصلا وما تستحي كيف تتكلم كذا مع خالتك
طول عمرك ما تستحي وما تحشم أحد ، هذا كلام تقوله لي
ويكووون في علمك على جثتي أخلي خطبة أخوك لبنتي تتم
بعد ما رفضت أصحاب الثروات والشهادات
تجي توافق على صقر العاطل و كماااان اصغر منها
لا عنده فلوس ، ولا شغله ، ولا حتى عمره كبير وعاقل ، إلّا طايش وما يحشم أحد ، زيّك كذا بالزبط
لو اموووووت ما راح اوافق يكون زوج بنتي ، هذا الناااقص من جد


كادت الجدة فاطمة تشعر بالدوار من هذه الفظائع التي خرجت من فم ابنتها
لكنها لا تستطيع نهرها بقوة في وجود الأحفاد
أقصى ما استطاعت قوله وهي ترى وجه بغداد الممتقع : سهــــام خلاص ، الوقت مو مناسب لهذا الكلام

لكنّ سهام الثائرة لم تكن تستطيع إخماد ثورتها في ظل من يؤجج هذه الثورة
فبكلامها هذا أخرجت أسوء مافي فارس
إذ أنه ابتسم ابتسامة استفـــــــــزاز متعمّدة وهو يقول بسخرية : انتي عارفة إنو كلامك ما راح يودّي ولا يجيب
عشان كذا قاعده تبربري وتعصّبي
إذا البنت والله موافقة ، وأعمامها موافقين رأيك ما راح ينأخذ فيه

سهام حانقة : بلا سخااااااااافة أنا امهااا ، ما راح تعصيني عشان هذا الزواج

فارس قال وكأنه لم يسمع كلامها : وبعدين من هما اللي اتقدموا لبنتك ، والله صقر يسواهم ويسوى قبايلهم
المفروض تفتخري إن صقر بن خالد اتقدم لبنتك ، مو تسوي هذه الحفلة كلها

سهام : صقر ما عنده إلّا ...........

قاطعها بكل قوة : كفاية إنه ولد خالد ، أعمام بنتك ما راح يمر يومين بالكثير إلّا وهم موافقين
قالت سهام بسخرية لاذعة : والله البنت بتتزوج ولد خالد ، مو خالد

فارس بجدية ساخرة : عارفة إنتي إيش ينقال لكِ ، لا حياة لمن تنادي
ما ابغى اقول لك الابيات كاملة لأني أشك إنك راح تفهميها
بس ابغى اقول لك ، المفروض إنك تنبسطي إن بنتك إذا بتتزوج ، راح تكون عند اختك و زوجها
ناس ما بتخافي إنو بنـتك الوحيــــــدة راح تعيش باقي حياتها عندهم
بدل ما تهتمي بالمظاهر والسخافات هذه ويكون تفكيرك كله إن صقر ما عنده شي
فكّري في الإيجابيات وفكّري إيش هو اللي بيخلي بنتك مرتاحة
لمرة وحدة قدمي مصلحة بنتك على مصلحتك الشخصية

حمدت بغداد الله في سرها وهي ترى فارس يقف
ويبدو أنه قد اكتفى اخيراً من هذا النقاش ، لكنه وضع أخر لمساته عندما قال بسخرية
: و بنشوف إيش اللي بيحصل في النهاية

وأشار لها أن تقف هي الأخرى وهو يقول : يلا نمشي ، الوقت اتأخر





عندما دخلت السيارة ، أحبت أن تتكلم معه وتعقّب على ما حصل قبل قليل
لكنه قال لها بجمود : بغداد نتكلم بعدين ، ما أبغى أزعّلك إنتي كمان بالكلام

تنهّدت عندما قال هذا الكلام ، إذاً هو يعترف بشكل غير مباشر أنه تعمّد أن يستفز سهام ويغضبها عندما أغضبته بكلامها
تعلم أن كلام سهام كان خاطئ ، و كلام فارس كان صحيح لا غبار عليه
لكن بالمجمل ، ردة فعل فارس على كلامها خاطئة تماماً وهي ثائرة بهذه الطريقة ، والمصيبة أنها كانت أمامها

ما فكرت فيه عندما قال هذا الكلام أنها دعت الله في سرها برجاء أن لا يجعلها في أي يوم من الأيام في مكان سهام
فَ قبل قليل كانت خائفة بالفعل وهو يتكلم بكل جمود وقوة مع سهام
لكن بالنسبة لسهام كانت مُستفزة فقط منه
لكنها إذا كانت في نفس الموقف ، سيكون الألم والخوف هو شعورها
وهذا أبعـــــــــد ما تريد أن تشعر به تجاهه


نظرت إليه وهو يرسل رسالة صوتية إلى جدته يعتذر فيها عن ما حصل أمامها قبل قليل
ابتسمت من خلف نقابها

ثم اختفت ابتسامتها عندما بدأ عقلها يسترجع كلام سهام قبل قليل
بالأخص عندما أهانت فارس بدون اعتبار ايضاً انها موجودة وتسمع هذه الاهانات
الغريب أنها في ثوانٍ تبدل تفكيرها
عندما أعادت في عقلها أكثر من مرة ما سمعته من سهام ، بدأت تشعر بالغضب قليلاً

بل تطور تفكيرها ولم تنزل من السيارة لتدخل إلى العمارة التي يسكنوا فيها
حتى أصبحت تفكر أن سهام تستحق ما قاله فارس لها
هي من بدأت
والبادئ دائماً أظلم ..













**









صباح اليوم التالي ./


تنسى نفسها عندما تكون في هذا المكان وحولها هذه الكائنات الجميلة النقية ، تتمنى أن وقتها معهم لا ينتهي
وربما تكون هي الموظفة الوحيدة التي تستمتع جداً في عملها وتحبه وتستاء عندما ينتهي وتحين عودتها إلى منزلها

كانت تشعر بقلبها يذوووب من لطافة الطفل الصغير ذو الأعوام الأربعة الذي قبّلها
وأهداها قطعة حلوى دبقة كانت لديه قبل أن يخرج من الفصل وهو يحمر خجلاً

قالت بصوت مسموع وهي تراه يغلق الباب خلفه ولا ينظر إليها من خجله : وااااه يا رووووحي الله يحفظك ويخليك لماماتك
فتحت هاتفها وإبتسامة سعادة حقيقية مرتسمة على ثغرها

نظرت إلى رسالة جدتها الصوتية التي وصلتها قبل قليل
استمعت إليها وهي متوقعة ماذا تريد
وفعلا لم يخيب ظنها ، فجدتها كانت تطلب منها زيارتها اليوم إذا كان لديها وقت
قررت أن تذهب إليها الآن فَ الطفل الذي خرج لتوّه كان آخر طالب يخرج من الفصل
وبخروج الطلاب ينتهي دوامها بسلام كالمعتاد ..







:






بما أنها جاءت إلى جدتها بعد خروجها من المدرسة التي تعمل بها مباشرة فَ كانت لا زالت تحتفظ بالروح المعنوية المرتفعة
حتى أن جدتها نظرت إليها بشك وهم يتناولون طعام الغداء وقالت لها بِ مزحه بزرحة كما يقال
: لا يكون دي الراحة والإنبساط اللي باين في وجهك عشان العريس

ضحكت وجدان ضحكة مُجلجلة قبل أن تقول : لااااااااا يا ستو
وضحكت مرة أخرى : وربي ضحكتيني
ثم تنحنحت وقالت : يا قلبي لمن أخرج من عند الأطفال أكون لسى مبسوطة بالوقت اللي قضيته معاهم
عشان كذا شايفة واضح عليّا الإنبساط على قولتك ، حتى صحبتي غادة قد قالت لي دا الكلام من قبل

ابتسمت جدتها بحنان ، ولا تبالغ إن قالت أنها لأول مرة ترى الراحة ظاهرة في وجه حفيدتها بهذه الطريقة
سألتها : كيف دوامك ، مبسوطة فيه ؟

وجدان بحماس : مررا يجنن ، صراحة من الأشياء اللي مرره انبسطت إني سويتها
أنا حكّيتك إني دخلت كذا بالصدفة وقدمت على الوظيفة
بس أحلى صدفة والله ، لو تشوفي كيف الأطفال لمن يجو المدرسة وهما دوبهم صاحيين من النوم
واااااي يجننوا نفسك تاكليهم

ابتسمت الجدة ودعت قائلة : يااااارب تجيني بعد الزواج والراحة باينة في وجهك زي دحين

ابتسمت وجدان شبه ابتسامة وهي تؤمّن على دعوة جدتها في سرّها بلا مبالاة ، فلم تفكر في الحياة بعد الزواج
المهم أن تمشي الأمور المعقـدة الحالية بسهولة
وتخرج من كون عمها ماجد هو ولي أمرها إلى ولاية صقر ، ما بعده لا تعتقد أنه سيكون صعب



بعد ان انتهوا من وجبة الغداء
جلست مع جدتها في الصالة المُريحة ، سألتها جدتها بتوجّس : امك امس ما قالت لك شي ؟

ابتسمت وجدان بلا مبالاة ، لكنها هذه المرة تخفي خلف ابتسامتها مرارة بعد تذكرها ما قالته والدتها الغاضبة
: إلّا جات عندي في الغرفة قبل ما أنام وكانت معصبـــــة وتسب في صقر وفارس
وسألت جدتها باهتمام : أنا ما فهمت منها الموضوع طبعاً ، بس أبغى افهم منك إيش اللي حصل وإيش دخّل فارس في الموضوع ؟

حكت لها الجدة ما حدث بالأمس ، ما جعل وجدان تبتسم
شعرت بسعادة طفيفة عندما وقف فارس ابن خالتها في وجه والدتها ، و حماها مُجــــدداً

في الماضي عندما كانو صِغار ، كانت تشعر بالأسى لعدم وجود أب أو أخ يدافع عنها
عندما تحصل مشاجرات بينها وبين أبناء جيران جدتها في منزلها القديم
أو بينها وبين بنات عمها
كانت تقف لوحدها وينظر لها الجميع بنظرة الطفلة الشريرة المُشاغبة التي لا تستحق الحماية

لكن هذا الوضع تغيّر ، تذكر الموقف جيداً ، كانت في السابعة من عمرها عندما حصلت مشاجرة بينها وبين بنات الجيران كالمعتاد
الغير معتاد هو تدخّل فارس الذي كان موجود لأول مرة وقت حدوث الشجار
دافع عنها ربما بشكل عادي وطبيعي ، لكنها كانت تنظر إليه في ذلك الوقت نظرة الفارس المغوار الذي دافع عنها في أرض العدو

من بعدها وهي تحس بالأمان في وجوده
لكنه للأسف بعد هذا الموقف بسنتين سافر إلى الخارج وأصبحت لا تراه إلّا في أندر النوادر
رغم مرور السنوات على هذه الحادثة إلّا أنها مطبوعة في عقلها ، وقلبها ، فبعد جدتها وخالتها صفاء تأتي مرتبة فارس ابن خالتها

لم تكن مشاعر الحب والود التي تكنّها له مشاعر طبيعية تكنها الفتاة لرجل معجبة به
بل كانت مشاعر احترام وإجلال تكوّنت من ذلك الموقف الذي ربما هو لا يتذكره ، لكنها لم ولن تنساه

وما يجعلها لا تستطيع التوقّف عن الابتسام في هذه اللحظة ، هو كونها لم تتوقع أن تستمر حمايته حتى الآن

لكنها جفلت واختفت ابتسامتها
عندما سألتها جدتها بكل صراحة و وضوح : إنتي موافقة على صقر ، صح ؟

أخذت نفساً عميقاً قبل أن تجاوبها بكلمة واحدة : إيوه

جدتها بذات الصراحة : إنتي عارفة إنه مو متوظف
وجدان : خالتو صفاء قالت إنو راح يشتغل مع عمي خالد في المؤسسة

الجدة : وممكن تسكني مع خالتك في البيت
رفعت أكتافها وهي تقول بلا مبالاة : ما عندي مشكلة

الجدة بتحذير وهي تريد أن تتأكد من موافقتها
: في بداية سنين زواجكم ما راح يكون عندك بيت مُستقل لكِ ، متأكدة إنو عادي عندك ؟

ابتسمت وجدان بسخرية : أنا دحين ساكنة في فيلا أعرف إنو كثير يتمنوا يعيشوا فيها ، تتوقعي يا جدة إني مرتاحة وأنا عايشة فيها ؟ !
غير إني عشت طول عمري لوحدي ، فَ لو سكنت في بيت فيه ناس راح أكسر الروتين وأشوف الناس الطبيعية كيف تعيش

رغم الإبتسامة الساخرة الظاهرة عليها ، إلّا أن الجدة استطاعت قراءة الألم خلف تلك السخرية
حاولت أن تخفي تأثرها وهي تقول : دام إنك مقتنعة بكل شيء ، ما اقدر أقول إلّا الله يوفقكم ويجمع بينكم على خير

ثم ضمتها بقوة وهي تقول : لمن خالتك صفاء قالت لي انها خطبتك انبسطت لك وقلت يارب توافقي
ابتعدت عنها قليلاً ونظرت إليها وهي تقول بجدية
: صقر صح طباعه صعبة شويه لكنه طيب ، إن شاء الله تكوني مبسوطة معاه

كانت وجدان تشعر بمشاعر غريبة وهي تسمع كلام جدتها
رغم أنها هي من خططت لهذه الخطبة
أخذت تتسائل هل من المسموح لها أن تعيش الدور وتشعر بالخجل والتوتر والفرح
وكل هذه المشاعر المختلطة التي تشعر بها أي عروس طبيعية ؟









**








يوم الخميس /،


تردد ذات السؤال لكن في مكان آخر : " هل من المسموح لها " أن تضحك في هذا الموقف ؟

جواباً عليه كان أنه حفاظاً على السلامة العامة لابد لها أن تحافظ على ثباتها وتُخرج هذا الضحك المكتوم في وقت آخر
المشكلة أنه في بعض المرات عندما يكون الطرف الآخر متفاجئ أو غاضب يأتينا ضحك مفاجئ من حيث لا ندري
وهذا بالضبط ما تشعر به الآن
لكنها حاولت أن تسأله بنبرة عادية : ليش ؟ ما تبغى اخواتك يجو عندنا يعني ؟ !

رد عليها بإنزعاج : عارفة إنو مو كذا قصدي
بغداد بجدية : طيب ايش قصدك ، ممكن تفهميني

فارس بحدة : لمن تجيني دحييين الساعه 4 العصر وتقولي لي والله في عزومة اليوم عندنا في البيت و نور واخواتك حيجو عندنا
ما تبغيني اتفاجئ وانزعج من هذه العزومة المفاجئة اللي انا مو عارف عنها شي !
ما اعرف ليش هذه الحركة بالذات تحبي تسويها وبعدين تتفاجئي لمن أعصب

بغداد بتبرير : يعني انا باللهِ بكون كذا متعمّدة إني ما اقول لك شيء
واللهِ جات من جد فجأة ، لمن وصلت الجامعة الصباح وفتحت جوالي
شفت رسالة من نور تترجّاني فيها أوافق إنها هي ومرح يتقابلوا عندي اليوم
يعني الثنتين مخططين مع بعض ، وانا حزنت عليهم و وافقت ، في النهاية ما عندي شي بعد الدوام
والبنات مساكين كم لهم وهما يبغوا يتقابلوا
وبعدين قلت دام إنهم بيجو عندي مرح و نور ، أكلم كمان لينا و منار
خلاص مرة وحدة تكون لمة بنات عندنا و فرصة إنتا كمان تجلس مع اخواتك

و زفرت بصوت واضح بعد وصلة الكلام هذه ونظرت له برجاء أن لا يبالغ في هذا الإنزعاج الظاهر عليه

زفر فارس هو الآخر وقال بنبرة خفّت حدتها عن السابق : طيب مصدقك
بس برضو يا ليت لو انك كلمتيني وقت ما أرسلت لك نور وخططتي هذه الخطط معاها
إنتي ما كان عندك شي بعد الدوام
لكن أنا عندي جلسة مع اصحابي ايام الثانوي ، كم مرة يكلموني واعتذر ، واليوم أرسلت لهم إني راح أجي

بغداد مُتفاجئة : أووبس
نظر إليها بإنزعاج : هذا اللي طلع معاكِ

بغداد : واللهِ ، وسكتت قليلاً تفكر فيما ستقوله قبل أن تكمل : طيب شوف إذا قدرت تروح عندهم شويه
بعدين ترجع البيت و تجلس مع اخواتك ، أو شوف ايش اللي يناسبك

سكت فارس ولم يرد عليها ، وعقله يفكر فيما سيفعله ، يكره عندما تتداخل الأمور في بعضها مثل الآن
لا يستطيع الإعتذار من اصدقائه بعد أن وعدهم بالحضور
ولابد أن يكون متواجد في البيت لكي يجلس مع اخواته ويقوم بواجب الضيافة مع بغداد كما يجب
فهم سيزوروا منزله لأول مرة باستثناء لينا

سألها بحدة بعد أن استوعب أمراً ما : نور تاخذ الجوال معاها المدرسة ؟ !

نفت بغداد هذا الأمر بسرعة : لاااااا ، هي ارسلت لي في الليل وانا كنت نايمة ، ولمن رديت عليها
هي على الظهر كذا لمن رجعت من المدرسة قعدت تتراسل معايا

ثم نظرت إلى الساعة قبل أن تقوم من الكنبة التي تجلس عليها
تريد أن تبدأ في التجهيزات لهذه العزيمة ، ثم بعد ذلك تتفرغ لتجهيز نفسها
سألته بعد ان اعتدلت واقفة : في شي ثاني تبغى تستفسر منه ولا لا

فارس : لأ
ثم سألها باهتمام : إنتي ما تبغي شي ، ناقصك شي اجيبه قبل لا اخرج ؟

ابتسمت بغداد بعذوبة وهي تراه قد بدء يستعيد هدوئه : لا حبيبي الله يعطيك العافية ، طلبت الحلا وشويه وحيجي

ثم اتسعت ابتسامتها وهي تقول بإحراج وتردد : آممممم لو بس تسوي القهوة ، يعني أنا اتعلمت وصرت أعرف أسويها
بس قهوتك ما شاء الله مرررره مزبوطة وتكيّف ، أحسن من اللي أنا أسويها

قولها لفظ حبيبي ثم مدح جميل يخص أمراً يفعله ، لن يستطيع الرفض
بل سيقبل وهو يضحك كما يُقال
لكنه حاول أن الزهو الذي شعر به لا يظهر على السطح وهو يقول باختصار : طيب




**

رواية الــسَــلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن