الفصل الخامس والثلاثون

107 6 0
                                    


.














[ الفصل الخامس والثلاثون ]


- لا زلنا في في نهار يوم الجمعة -

( الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف )
ليس كلام يضرب به المثل عندما لا نرتاح إلى شخص معيّن فنقول هذه المقولة لكي تكون عذر لعدم تقبّلنا هذا الشخص
بل هو حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ..

لكن هل هذا القول ينطبق على وجدان الآن ؟
كانت تجلس في الصالة بعد تناول وجبة الغداء جلسة نسائية بحتة
فَ مع وجودها و وجود زوجة طارق لم يكن أحد من رجال المنزل يشاركهم الجلوس

ولكنها كانت لا تستطيع تفسير عدم تقبّلها للتي تجلس أمامها بظهر مستقيم وكأنها في لقاء تلفزيوني مطلوب منها أن تجلس جلسة راقية مستقيمة
حتى فستانها الأسود الفخم وشعرها الناعم المسترسل إلى آخر ظهرها ومصفف بإتقان كانت تراه أمر مبالغ فيه وغير طبيعي
شعرت وهي تراها أنها ضيفة دُعيت إلى حفل لا امرأة ذاهبة إلى تناول طعام الغداء في منزل أهل زوجها

كالعادة كانت تستطيع كتمان شعورها الحقيقي وإظهار غير ما تبطن وهي تسألها با ابتسامة بشوشة
: إيش السبب اللي خلّاكي يالعنود تختاري جامعة الملك عبدالعزيز تدرسي فيها مو عندكم جامعة أم القرى ؟

كان سؤالها غير مرحّب فيه لدى العنود ، بل تضايقت منه ، هل جامعة الملك عبدالعزيز حصرياً لمن يسكن جدة فقط !
لكنها هي الأخرى أصبحت ممثلة تستحق جائزة التميز في عدم إظهار شعورها الحقيقي
قالت لها بهدوء متكلّف : في الزمن هذا جدة ومكة مافي فرق بينهم في المسافة ، ما يُعتبر أصلاً سفر
و بكذب احترافي أكملت : كان عندي فكرة إني أكمّل ما جستير خارج المملكة فَ حبيت أدخل جامعة الملك عبدالعزيز لأن سمعت شهادتها أقوى عالمياً

رفعت وجدان حاجبها بتعجب من إجابتها الغير متوقعة : وإلين دحين فكرة إنك تكملي دراستك برى السعودية موجودة في بالك ولا لا ؟

لم تظهر العنود إنزعاجها وهي ترد على سؤال وجدان التي ترى أن لا داعي له لكنه فضول النساء التي تمقته هي وبشدة
: دحين اتغيرت ظروفي ، لمن اتسجلت في الجامعة ما كنت حاطة في بالي ولا واحد في المية إني بتزوج قبل لا اتخرج
لكن بما إن الوضع اختلف فَ ممكن إني أكمل دراستي هنا

نظرت إليها ام فارس بِ امتعاض و عدم تصديق لما قالته ، فهي لا زالت تمتلك فكرة أنها تزوجت طارق عن سبق إصرار وترصّد
ولا زالت حتى هذه اللحظة تشك في سلامة نيّتها من زيارتهم في منزلهم لأول مرة ، لكنها ألتزمت الصمت ولم تعلّق

قالت بغداد بلطفها المعتاد : ترى إنك تكملي دراستك العُليا في جامعة الملك عبدالعزيز فكرة مو سيئة
يعني انا بقول لك وعن تجربة بما إني كملت فيها الماجستير الدراسة حلوة والدكاترة حق قسم التاريخ معروفين بإنهم متعاونات جداً مع الطالبات
وأكيد انتي شايفة هذا الشيء بنفسك وانتي تدرسي البكالريوس

العنود وهي تفكر أنه لا يوجد لديها ضمان أنها ستظل في جدة حتى بعد التخرج من البكالريوس
فربما تنفصل عن طارق قبل ذلك الوقت : بإذن الله ربي ييسر الأمور

قالت وجدان بمزحة لاذعة وهي تعدل فستانها القصير
: سبحان الله كيف النصيب يعني لو إنك دارسة في جامعة أم القرى كان ما قابلتي بغداد ولا اتزوجتي طارق

كان بودّ أم فارس ان تقول أن الوضع كان سيكون أفضل لكنها قامت من مكانها عندما سمعت إقامة صلاة العصر
وهي تريد أن تصعد إلى غرفتها وتجلس براحتها قليلاً
فوجود هذه العنود كتم على أنفاسها

بينما العنود لم تستطع إيجاد الرد المناسب على كلام وجدان فَ اكتفت بالابتسام

قالت بغداد وهي تشعر أن وقوف والدتها المُفاجئ واستإذنها بالصعود للأعلى لأداء الصلاة دون أن تعقّب على كلام وجدان
جعل الجلسة بها شيء غير مريح : سبحان الله ربي كيف يسوق الأقدار لنا
هو صحيح إن تدريسي للعنود كان سبب خطبة طارق لها لكن ترى ربي كاتب هذا الشيء
كاتب إن العنود من نصيب طارق ، يعني حتى لو إني ما درّستها هي راح تتزوجه في النهاية
كل شيء يحصل للإنسان ربي كاتبه له ويسوق الأسباب عشان يحصل المكتوب له
إنتو عارفين إن حتى السارق لمن يسرق شي ، يكون ربي أصـــلاً كاتبه له ، لكن هو استعجل وأخذه بطريقة خطأ وصار مال حرام

قالت بغداد هذا الكلام ولم تفكر أن وقعه على زوجات اخوانها سيكون مختلف

فَ وجدان التي طلبت من نور أن تصعد معها إلى غرفتها لكي تصلي العصر هي أيضاً كانت تفكر وهي ترتدي شرشف الصلاة بكلام بغداد
هل كان من المقدّر لها أن تتزوج صقر وهي استعجلت وطلبت منه أن يتزوجها
هل لو أنها لم تحرك ساكناً كان صقر في النهاية سيخطبها بطريقة تقليدية بحتة ويتزوجوا زواج طبيعي بدون أي تعقيدات كَ زواجهم هذا ؟!

لكنها لم تنتهي من صلاتها حتى كانت تفكر أنه وكما قالت بغداد أيضاً أن الله يسوق الأقدار لنا ، ربما أنه من المقدر أن تتزوج صقر
لكن بالتأكيد أنه من المقدر أن تبادر هي بفكرة الزواج
وفي كل الأحوال ، هي ليست نادمة على خطوتها الأولى
صحيح أنه بعد مرور اسبوع على زواجهم الذي ليس هو أفضل اسبوع في حياتها بطبيعة الحال
لكنه بالتأكيد سيكون أفضل من أن تتزوج بعريس قد جاء من طرف عمها ماجد
أو أحد ابناء عمومتها من قد يكون دُفع دفعاً لهذا الزواج وكان السبب الأول والأخير طمعاً و رغبةً في مالها

عند هذه الفكرة شعرت بالسكينة في داخلها بعد بعثرة أفكارها قبل قليل
قامت من السجادة وخلعت شرشفها في نفس الوقت الذي سمعت فيه نور تقول وهي مستلقية على سريرها
: على سيرة النصيب كوييييس الحمدلله إنو العنود درّستها بغداد وبسبب هذا التدريس صارت مرة اخويا في النهاية

قالت وجدان بامتعاض : وليش كويس الحمدلله !
نظرت إليها نور بشك : ليش أحسّك ما حبيتيها
وضعت وجدان الشرشف في مكانه وجلست بجانب نور على السرير وهي تقول
: مو ما حبيتها بس صرعتييني وانتي تمدحي في جمالها وإنها غير لمن الواحد يشوفها جالسة قدامه ولمن شفتها اليوم وهي جالسة في الصالة

قبل أن تكمل كلامها قالت لها نور بانفعال : ياااااويييلك تقولي إنها مو قد المدح
ضحكت وجدان ضحكة مُستنكرة من انفعال نور الذي تراه غير طبيعي : يا بنت الحلال اهدأي اشبك ، مين وكّلك محامي دفاع عنها
نور وهي تعتدل في جلستها : مو محامي دفاع بس أحسك كذا زي ماما مو شايفة إنو جمالها ميزة ومن غير سبب ما اتقبلتيها
قالت وجدان وهي مُستمتعة باستفزاز نور ورؤية انفعالها على أمر لا يخصها
: خالتو صفاء عندها نظرة في الناس ودام إنها ما اتقبلتها زي ما قلتي معناته إن البنت من جد فيها شيء غير مُريح

قالت نور بذات الإنفعال : البنت مرره طيبة وعسل وجميييييييلة
وجدان والتي فعلاً شعرت أن العنود بها تكلّف وتصنّع أشعرها بعدم الإرتياح و لم تستطع أن تربط وصف - عسل - بها
: نوقف عند نقطة جميلة وبس ، وإذا جميلة عادي يعني يا كثر الجميلات

نور بوجه عابس من اسلوب وجدان المُستفز : زيها معلييش ما قد شفت ، جميلة وأنيقة وتعرف تلبس ، كل ما أشوفها لازم أقول ما شاء الله كم مرة
مدري إيش شعور طارق وهو يشوفها كل يوم
ثم أكملت بحماس مُفاجئ : فااااااااتك ، لو تشوفي كيف طارق يطالع فيها لمن كانو عندنا الاسبوع اللي فات

وبشعور غريب أيضاً لوجدان مُصاحب له وخزة في صدرها غير مفهومة سألت نور : كيف يطالع فيها ؟
نور : شفتي كيف المسلسلات التركية لمن البطل يطالع في البطلة وهو هيماااان فيها ، تحسيه يضمّها بعيونه ، كذا كان طارق يطالع فيها





:




دخلت العنود غرفة بغداد للمرة الثانية ، وشتــــــــــــان بين المرة الأولى والثانية
لا يقتصر الأمر على تغيّر الوضع الخارجي عندما دخلت الغرفة للمرة الأولى وهي ليست سوى طالبة لدى بغداد
بينما هذه المرة دخلتها وهي زوجة أخاها

بل كان الأمر يتعدى إلى شعورها الداخلي
أمر غريب أن تشعر بالحنين عندما دخلت هذه الغرفة فهي ليس غرفتها
ولم يكن الحنين يخصّ المكان بل كان شعور غريب يتمثّل بأنها عندما دخلت تذكرت نفسها القديمة قبل أن تلتقي بطارق
فقد تغير وضعها عندما خرجت من هذه الغرفة في المرة الأولى تغيّر غيّر حياتها 180 درجة
هل من الممكن أن تتغير حياتها أيضاً عندما تخرج من هذه الغرفة للمرة الثانية ؟ !
تعترف أن تساؤلها هذا الذي خطر في بالها الآن كان سخيف تماماً فما الذي ممكن أن يتغير
لا يوجد تغيير إلّا أن تنفصل عن طارق ولن يكون اليوم على الأرجح ، ربما في مرات مقبلة ..

كانت تقف بأدب عند باب الغرفة وتنظر إلى بغداد التي فرشت السجادة لها
فلا زالت تشعر بقلييييل من الهيبة تجاه بغداد التي كانت أستاذتها
بينما بغداد التي شعرت أن من باب الذوق أن تجعل العنود تصعد إلى غرفتها بعد أن صعدت والدتها إلى الأعلى و كذلك نور و وجدان
ولم تحبّذ أن تتركها في الصالة وتصعد هي إلى غرفتها لوحدها لكي تصلي

عندما أدخلت العنود إلى غرفتها أنتابتها نفس الذكريات ولكن بطبيعة بغداد العفوية لم تحبس هذه الذكريات في صدرها
إذا قالت للعنود عندما تعدلت في وقفتها بعد ان انتهت من وضع السجادة في اتجاه القبلة
: تتذكري أول مرة لمن دخلتي غرفتي ؟ وابتسمت قبل أن تكمل : سبحان الله كييييف الأقداار
ولا خطر في بالي إنو المرة الثانية اللي حتدخلي فيها الغرفة حتكوني مرة اخويا
ويا حلاتها الأقدار هذه اللي حتخلي وحدة زيك تصير فرد من عيلتنا
ختمت كلامها با ابتسامة جميلة ثم سألتها : كيف تشوفي حياتك مع طارق ؟
و استدركت قائلة : يعني قصدي إن شاء الله تكوني حاسة بإرتياح من البداية معاه
لو كانت سألتها هذا السؤال قبل اسبوع لكان جوابها مختلف ، على الأقل لن يكون مختصر كما جاوبتها سريعاً : الحمدلله حلوة

نظـرت إليها بغداد بنظرات متفحّصة وهي تشعر بأمر غريب
ليس بسبب جوابها السريع ولكن لأن ملامح وجهها تغيرت لثانية قبل أن تبتسم وتجاوب إجابة عادية تلقائية
لم تتعمّق في هذا التفكير إذ أن تفكيرها انتقل إلى والدتها
وأحبّت أن تستغل أداء العنود للصلاة لكي تذهب وتراها ، تعلم يقيناً أن مزاجها معكّر بعض الشيء الآن
قالت لها بلطف : بخليكِ تصلي على راحتك وانا بس بسأل ماما عن شيء وراجعة لك

أومئت العنود برأسها ومشت باتجاه السجادة
ارتدت شرشف الصلاة وهي تريد أن تغطي وجهها تماماً لكي لا تنفضح ويظهر شيء ما على ملامحها
فمع ذكر اسم طارق عادت ذاكرتها قبل ساعات
إلى الصاعقة التي ضربت رأسها عندما عاملها طارق بكل برود بعد كلامه القاسي الذي لم تتوقع أبداً أن تسمعه منه

مهما بذلت من جهد لكي لا تظهر شيء يُنبئ بما تشعر به داخلياً
إلّا أنها فعلاً تشعر بأنها جُرحت جرح عميق بنصل حاد من تصرفات طارق الأخيرة معها
عندما سلّمت من صلاتها كان هاتفها الذي بجانبها يستقبل رسالة أنارت شاشته
زفرت بارتياح عندما قرأت الرسالة والتي كانت من طارق
يخبرها فيها أنه ينتظرها في السيارة لكي يذهب بها إلى منزل والدتها كما طلبت منه باقتضاب وهم في طريقهم إلى منزل أهله
قامت وهي تفكر أنها لم تتوقع أن يُلبي لها طلبها بل توقعت أن يتجاهله كما تجاهلها طوال الايام الماضية

خلعت شرشف الصلاة وهي تبحث بعينها عن بغداد في أرجاء الغرفة
تريد أن تتأكد أنه لا يوجد أحد في الأسفل لكي تنزل وتلبس عباءتها لكن لم يكن لها أثر من الواضح أنها خرجت ولم تعد
خرجت من غرفة بغداد بتردد وهي تتلفّت
مشت عدة خطوات قبل أن ترى وجدان خارجة من إحدى الغرف وهي مرتدية عبائتها
نظرت إليها وجدان بتعابير وجه جادة و عندما اقتربت منها وجّهت لها الكلام مباشرة بدون لف و دوران
: كيف تمشي في البيت كذا بدون ما تلبسي شي يسترك وإنتي عارفة إنو البيت فيه رجال

عقدت العنود حاجبيها بانزعاج لكلام وجدان
كانت تودّ ان تتكلم بهدوء متكلّف , لكنها وجدت نفسها تقول لها بتلقائية وبنبرة مُستنكرة : كلامك هذا موجّه لي أنا ؟
رفعت وجدان حاجبها الأيمن : شايفه في أحد غيرك واقف هنا ؟ !

نظرت إليها العنود بحدة قليلاً ، وهي تجد في داخلها الرغبـــة في الرد عليها بوقاحة لكنها تجاهلت هذه الرغبة
بل وتجاهلت وجدان ومشت تنوي أن تذهب إلى الدرج
لكن وجدان مدت يدها بطولها قاطعة عليها الطريق وهي تقول بجدية : ما فهمتي كلامي يعني !
ما ينفع تنزلي كذا بدون عباية زوجي تحت

كزت العنود على أسنانها بانزعاج منها ، لم يعجبها الأسلوب الجاد الذي تتكلم معها فيه
أين الابتسامة واللطف الذي كان قبل قليل في جلستهم !
قالت لها : طارق يستناني في السيارة ، لازم أنزل أخذ عبايتي من تحت

وجدان : كان قلتي كذا من البداية طيب وفهّمتيني
ثم تركتها وهي تمشي جهة الدرج وهي تقول : بخلي وحدة من العاملات تطلّع لك عبايتك لا تنزلي

نظرت العنود إلى ظهر وجدان بتجهّم وهي مستغربة من تغيّر تعاملها معها
لكنها حاولت أن تبتسم بسرعة فائقة عندما رأت بغداد قادمة إليها من إحدى الجهات وهي تقول : معلييه العنود طوّلت عليكي
ثم عندما وصلت لها سألتها : اشبك واقفة هنا تبغي شي ؟
قالت العنود للمرة الثانية : ابغى انزل اخذ عبايتي لأني بروح بيت اهلي

بغداد بتفهّم : اهااا ، أوكي طيب دحين أنزل اجيب لك ياها

نزلت إلى الأسفل وهناك رأت وجدان وصقر واقفين عند الباب يستعدان للخروج
ابتسمت وهي تقول : انتي كمان يا وجدان رايحة بيت اهلك ؟

قبل أن ترد عليها وجدان قال صقر ساخراً : خالة سهام بترسل مروحية لو ما جبت لها وجدان اليوم
نظرت إليه وجدان بملل من سخريته التي لا تتوقف ثم قالت لبغداد : ابغى اجيب سيارتي كمان

اتسعت ابتسامة بغداد : والله ما اتحمس اتعلم السواقة إلّا لمن اشوفك وانتي تسوقي السيارة
سألها صقر بفضول : إش معنى يعني لمن تشوفيها هيا بالذات تسوق ؟ !
بغداد وهي تنظر إليه : اتحفّظ عن ذكر الأسباب لك انتا بالذات عشان ما تصبّها في أذن فارس ويهوّن عن فكرة تعلّمي للسواقة

قال صقر بِ استياء عندما لاحظ ابتسامة وجدان وهي تعض على شفاتها السفلية محاولة إخفاءها
: انتو اليوم تستغلوا الفرص عشان تفشّلوني عند زوجتي

عندما خرجوا من باب المنزل ، وهم يمشوا في الحوش الواسع ، قال لها صقر وهو يرتدي نظارته الشمسية : ثاني مرة لا تعضي على شفايفك لمن تبتسمي
عقدت وجدان حاجبيها باستغراب : ليش ؟

صقر وهو يتعداها بخطواته السريعة : وجهك يصير حلو بشكل غريب
عقدت وجدان حاجبيها أكثر وهي تحاول تفكيك جملته الـ غريبة
عندما ركبت السيارة قال لها بانزعاج : والكمامة هذه متى حتستبدليها بالنقاب ان شاء الله

نظرت إليه وهي تقول مُتجاهلة كلامه : بسألك دحين ، كلامك قبل شويه إنتا تقصد فيه إنك تمدحني ولا إيش الزبط لأني ما فهمت
قال وهو يحرّك السيارة : أحسن مو لازم تفهمي
نظرت إليه بتعجب قبل أن تجلس باعتدال وهي تلبس حزام الآمان وتقول في سرّها
" : يا مثبّت العقل والدين ثبّت علينا نعمة العقل ، ألف مرة بقول هذا الآدمي مجنون ، فيه شيء في مفكّات عقله أكيييد "

كان الصمت يلفّ السيارة بدون تعمّد لهذا الصمت
فهي لأنها استيقظت مبكراً ولم تأخذ كفايتها من النوم كانت تفضّل عدم الكلام في هذه اللحظة
وتخطط أن تجلس مع والدتها قليلاً قبل أن تأخذ غفوة تريحها

أما هو فكان عين على الطريق وعينه الأخرى على هاتفه
يتحدث في مجموعة الواتس التي تجمعه مع أصدقاءه ويرتب معهم مكان للقاء الذي سيكون بعد انقطاع اسبوع عنهم
فهو لم يقابلهم منذ يوم زفافه أي قبل اسبوع بالضبط وبالمناسبة
لشخص مثله كان معتاد على أن يقابل اصدقاءه يومياً بدون أي مبالغة كان هذا الاسبوع مدة طويلة جداً

عندما اقترب من منزل خالته قال وهو يرى سيارة وجدان المميزة بلونها الأحمر : بسألك سؤال ، ليش اخترتي هذه السيارة ؟
قالت وجدان وهي تتعدل في جلستها استعداداً للنزول : لأنها غالية وتعرفني أحب أهايط

كتمت ضحكتها وهي تراه يكشّر بوجهه من إجابتها كما توقعت
قال لها بجدية : بسألك دحين انتي من جد كذا تفكري ولا بس تطقطقي عليا
وجدان وهي تنزل من السيارة وتقول بجدية مُصطنعة : لا جد أنا انسانة اهتم للشكليات والمظاهر
ثم سألته بعد أن مشت عدة خطوات حتى صارت تقف عند جهته من السيارة : ما بتنزل تسلم على امي ؟

صقر برفض : لا بعدين لمن أرجع أخذك ، مني مستعجل على النكد
نظرت إليه بحدة قبل أن تقول : مو قلت لك اتكلم عنها باحترام
صقر بملل : وجدان روحي عند أمك واجلسي وانبسطي معاها والكلام هذا خليه وقت ثاني

زفرت وجدان وهي حقاً انزعجت من كلمته التي رماها بدون اهتمام ودخلت إلى البيت بعد ان فتحت الباب بمفتاحها الخاص
تعلم أن تصرفات والدتها تجعل الناس لا ينظروا لها باحترام كما يفترض لمن هم في سنها
ولم تهتم يوماً بنظرة الناس لأنهم لا تهتم حقيقة
لكن أن يكون صقر الذي أصبح زوجها لديه نفس هذه النظرة فهنا الاهتمام يصبح تلقائياً بطريقة غريبة

عندما دخلت إلى داخل المنزل كانت والدتها قد أعدت ضيافة لاستقبالها
وهذا الأمر بالمناسبة جعلها تشعر بالطرافة وكأنها أصبحت بعد غيابها هذا الاسبوع عن المنزل في مرتبة ضيفة بعد أن كانت مقيمة فيه

كانت الجلسة جميلة ومُريحة لولا أنها شعرت أن والدتها أثقلت العيار قليلاً وهي تشكو لها مدى اشتياقها لها
في البداية كان من الجميل أن والدتها فقدت وجودها في المنزل
لكن مع تكرار الأمر طوال الجلسة باتت تشعر أن والدتها ترى أنها مُذنبة لأنها تزوجت وتركتها
عندما فرحت أن الموضوع تغيّر قليلاً وبدأت والدتها تحكي لها عن الأحداث التي حصلت في يوم الزفاف وهي لا زالت في جناحها في الأعلى
تحوّل الموضوع بعدها إلى أمر لم يكن في حسبانها
قالت لها والدتها وهي تأكل بأناقة قطعة من الكعك : أمس كنت في بيت آمال
عندما سمعت إسم صديقة والدتها علمت أن نهاية الحديث لن تعجبها ، وبالفعل قالت والدتها
: اتقابلت مع البنات أول مرة بعد الزواج ، كلهم كانو يمدحوا تجهيزات الزواج وشكلك طبعاً ، الحمدلله
واتفاجئوا لمن عرفوا إنك انتي بنفسك صممتي فستان زواجك

كادت وجدان تشرق بالقهوه التي كانت تشربها
وضعت فنجان القهوة على الطاولة الصغيرة بجانبها وهي تقول بتعجب
: بس انا ما صممته لوحدي ، انا قلت للمصممة إيش المواصفات اللي ابغاها في الفستان وهي اللي في النهاية صممته

قالت سهام بدون اهتمام : بس برضو إنتي كان لك لمساتك في الفستان واضحة
و كمان مره اتفاجئوا لأنك ما رحتي شهر عسل مع عريسك
بصراحة أنا فاتتني هذه النقطة لو اني عارفة إنو صقر مو مرتب للسفر كان انا بنفسي رتبت لكم سفرة لو على الأقل لمدة اسبوع
ولا إنو ما تسافري بالمرة ، انتي عارفة إنو كل ما أكلم وحدة تتفاجئ إنك في جدة وما سافرتي مكان

تضايقت وجدان : وإيش دخلهم إذا سافرت أو لأ
سهام : كيف ايش دخّلهم ، هذا أصلاً أساء لسمعتك ، بعد حفلة الزواج اللي الكل صار يتكلم عنها ما سافرتي
جبتي الكلام لنفسك ، كلهم صارو يقولوا إنو اكيد العريس لسى في بداية حياته وما عنده حق السفر عشان كذا ما سافرت

تنهدت وجدان قبل أن تقول بضيق أشد : إيش الكلام هذا الفاضي
نظرت إليها والدتها قبل أن تقول بحدة : والله هذا الكلام شكله هو اللي صح في النهاية ، ليش ما سافرتي ؟

نظرت وجدان إلى والدتها نظرة طويــــلة قبل أن تقول لها
: ماما لمن انتي تقولي لي هذا الكلام ، هل تبغيني أرجع البيت واعمل مشكلة مع صقر عشان نحنا ما سافرنا
ثم تنهدت مرة أخرى وقالت : أنا ما همني هذا الكلام ، انا كان اللي يهمني حفلة الزواج وصارت زي ما أبغى
بعد كذا حياتي مع زوجي محد يتدخل فيها سافرت أو لا ، إيش دخلهم الناس

سهام : كان ما شديتي حيلك في تجهيزات الزواج ، انتي تفكري الناس ايش بيقولوا أكيد بعد الحفلة هذه بتروح شهر عسل مميز
لكن لمن تكوني في جدة بتخلي الناس يجيهم فضول ليش ما سافرت ويصيروا يركزوا على حياتك

نظرت إليها وجدان بعدم اقتناع ، هل فاتتها هذه النقطة حقاً ؟
قالت لكي تغلق هذا الموضوع : ماما إنتي شايفه كيف وضعي مع صقر قبل الزواج ، كيف أسافر معاه دولة ثانيه وانا لسى ما اعرفه كويس ولا أعرف طباعه
لاحقين إن شاء الله نسافر لمن نتعرف على بعض أكثر

نظرت إليها والدتها هي الأخرى بعدم اقتناع لكلامها قبل أن تقول : وكيف صقر معاكي
وجدان : تمام
نظرت إليها والدتها بنظرات متفحــــــصة : بس تمام
وجدان بعدم ارتياح لنظرات والدتها : إيوه إيش تبغيني اقول يعني
سهام : ابغاكي تقولي لي فين رحتي وجيتي ، وهو كيف يتعامل معاكي كويس ولا لأ
حاولت وجدان ان تبتسم وهي تقول : ماما اتوقع إنك عارفه فين رحت وفين جيت بما إنك أول وحده تشوف لمن أنزل أي سنابه

قالت سهام : أبغى اطمّن عليكي طيب ، ما أصدق إنك تنزلي سناب على طول أشوف
نظرت وجدان إلى والدتها وهي تحاول فهمها ، هل هي قلقة عليها فعلاً
قالت لها بمزاح : دام إنك كذا قلقانة حأسوي لك قصة خاصة في السناب لوحدك وأصور لك فيها يومي كيف عشان تكوني مطمّنة عليا طوال الوقت
راقت الفكرة لوالدتها ، قالت لها بسعادة : من جد
شعرت وجدان بالتورّط : إيوه إذا انتي تبغي ، لكن تعرفيني ما أصور كثير ممكن أنسى ما أصور كل شي ، بس بحاول

ابتسمت والدتها لكلامها ثم سألتها مرة أخرى : وكيف صقر معاكي ؟
وجدان : ماما صقر يتعامل معايا كويس ، ترى هو مو إنسان سيئ زي ما انتي شايفته
سهام بكل صراحة وشفافية : انا هذا الولد ما أحبه ، شايف نفسي ما أدري ليش ، وأوقات أحسه جدّي بطريقة غريبة
بسألك من جد يعني ، هو يتعامل معاكي برومانسية و رقّة ، أحس مو راكب عليه

شعرت وجدان بالخجل من كلام والدتها وفي نفس الوقت لم تستطع أن تكتم ضحكتها بسبب طريقة كلامها
قالت لها والدتها وهي تبتسم : جاوبيني من جد ، لا تسوي نفسك تضحكي وخلاص بتضيع الهرجة
وجدان باختصار : كل شي تمام ، خلاص ماما لا تسألي عن أشياء خاصة زي كذا ما أحب

كانت تتوقع أن الكلام سينتهي بعد أن تكلموا في كل شيء تقريباً لكن والدتها بدأت شوط آخر عندما قالت لها
: لو تشوفي كيف هدى كانت تطالع في القاعة بحسد يوم الزواج

علمت أن الكلام لن ينتهي قريباً بما أن والدتها بدأت بالكلام عن ضرتها
نظرت بطرف عينها إلى الساعة وهي قد باتت متأكدة أن تخطيطها لأخذ غفوة قد أصبح من المستحيلات

مرّ الوقت حتى حان وقت عودتها إلى المنزل ، كان الوقت قد تأخر بالفعل فقد تجاوزت الساعة منتصف الليل
ولكن صقر الذي قد اصرّ بطريقة غريبة أنه هو من سيأتي إلى اصطحابها رغم انها لن تركب معه في السيارة
فهي ستعود إلى بيتهم بسيارتها لكنه أصرّ على أنه تنتظره لكي يرافقها في طريق العودة وإن كان كلٌ منهم في سيارته

عندما دخلت إلى سيارتها استنشقت بقايا رائحة عطرها بشوق فقد افتقدت سيارتها بشدة هذا الاسبوع
فعلاً سيارتها هذه عزيزة جداً على قلبها
لم تبدأ في تشغيل السيارة حتى كان صقر قد وصل ويقف على مقربة منها
عندما خرجت من موقف السيارة رفعت حاجبها بتعجب عندما رأت اتصال من صقر
ردت على الإتصال وهي تنظر إليه وهو في سيارته ، قال لها باختصار شديد : امشي بسيارتك قدامي ،، وأغلق الخط

مشت أمامه كما طلب منها وهي مستغربة طلبه
دقائق قبل أن تقول بصوت واضح وهي قد فهمت مقصده : يبغى يشوف سواقتي يعني !

سارت في طريقها وهي تسمع أغانيها المفضلة وتقود سيارتها بمهل ليس لأن صقر يمشي خلفها
لكنها كانت في حالة مزاجية رائقة جداً بسبب أنها تقود سيارتها الآن بمفردها وتنعم بلحظات الهدوء وهي لوحدها فقط

عندما دخلت إلى داخل الحي الذي به منزلهم كان صقر وكأنه قد تأكد من سلامة قيادتها للسيارة قد تجاوزها
حينها وجدت في نفسها رغبة طفولية في أن تسبقه وتكون متقدمة عليه
بالفعل زادت من سرعتها قليلاً وتجاوزته
دقيقة قبل أن يتقدم صقر ويمشي بمحاذاتها تماماً فتح النافذة لتفتح النافذة هي أيضاً قال لها بتعجب : اشبك ؟!
نظرت إليه وهي تقول بفكرة خطرت لها من وحي اللحظة : اتحداك تسبقني
ومشت بسرعة أعلى بالسيارة ، لم تتوقع أنه سيزيد سرعته أكثر بكثير ويتجاوزها دون أن ينظر إليها
لتزيد سرعتها هي أيضاً وتفاجئه بتجاوزها له بمسافة شبه طويلة
كان تصرّف متهوّر جداً من قِبلهم لكنهم مع حماس اللحظة لم يدركوا ذلك
وصلت وجدان إلى المنزل قبل صقر ولكنها عندما أوقفت سيارتها كان صوت احتكاك الكفرات بالإسفلت نتيجة السرعة التي كانت تسير بها عالية جداً
ثانيتين قبل أن يصل صقر وسيارته تصدر نفس الصوت
خرجت وجدان من السيارة وعيناها تلمع بحماس قالت بنغمة موسيقية فور أن خرج صقر من السيارة : أنـــــا فــزت

كان صقر مُتفاجئ جداً من جرأتها ، توقع أنها لكونها فتاة ستخاف ولن تتحداه فعلياً لكنها تحدته بل وفازت عليه حقاً
كان يريد كتم الإبتسامة العريضة التي ارتسمت على شفاته ولكنه لم يستطع قال لها بشبه ضحكة وهو يقترب منها
: يا هبلة ، واللهِ انك مجنونة من جد ، إش الحركات ذي

أعادت وجدان نفس كلامها مرة أخرى وابتسامة عريضة هي الأخرى مرتسمة عليها : أنا فزت عليك

كان صقر سيرد على كلامها وهو ينوي أن يقول أنه جعلها تفوز عليه ليسَ إلّا
لكنه تفاجئ عندما رأى والده يأتي بسيارته
قال وهو يرى والده يدخل بسيارته إلى داخل باحة المنزل ليوقفها في المواقف : الله يستر لا يكون شافنا

دخلت وجدان خلف صقر الذي فتح باب المنزل بمفتاحه
بمجرد أن دخلوا كان زوج خالتها يقف عند الباب بانتظارهم كما يبدو وعلى وجهه نظرة لم تريحها

عندما اغلقت الباب خلفها سأل خالد صقر بشك : إنتو اللي كنتو تتسابقوا قدامي ؟
قال صقر بسرعة : الطريق كان فاضي

كان خالد غاضب جداً من التهوّر الذي رأه مباشرة أمامه
يعلم أن صقر لديه جانب متهور ولكن لم يتوقع أن يكون لدى وجدان نفس هذا الجانب
لاعتبار أنها ما زالت عروس لم يحب أن يتكلم بعصبية أمامها لذلك قال لصقر : بكرة بعد الظهر تعال عندي المكتب

قال صقر باستنكار ظناً منه أن والده سيجعله يقطع إجازته و يعود إلى العمل : في المؤسسة !

نظر إليه والده بحدة وقال بين أسنانه : في مكتبي اللي في البيت
ثم دخل إلى داخل المنزل وأغلق الباب خلفه في إشارة واضحة إلى غضبه منهم

قال صقر وهم يمشون باتجاه مدخل المنزل الثاني الخاص بهم
: يا ليييييييل النكد اللي بكره بيحصل ، شايفه النظرة اللي في عيونه ، والله ما راح يخلي الموضوع يعدّي على خير
ثم التفت عليها وهو يقول : كلّه بسببك

ابتسمت وجدان وهي تقول بأعصاب رائقة غير مهتمة فعلاً بغضب زوج خالتها لسبب واحد
هي لم تره يغضب ويصرخ من قبل ابداً فكانت ترى أن صقر يبالغ : خايف من أبوك يعني وانتا في هذا السن

قال صقر بصدق وهو قد بدأ يشعر بالقلق : والله لو إني شايب بخاف منه
لا يغرّك الهدوء حق أبويا تراه لو عصّب عصّب

قالت وجدان بعفوية غريبة عنها وهم يصعدوا الدرجات الأولى للسلم للصعود إلى شقتهم الموجودة في الطابق الثاني
: ممكن نحنا اتهورنا شويه بس كان تهوّر حلو صح

نظر إليها صقر الذي كان يسبقها بدرجتين : تستهبلي صح ؟
قالت وجدان والتي بدأ عقلها يستعيد أحداث المغامرة التي قامت بها قبل قليل
: لا والله ما استهبل كان تهوّر حلو ، تجربة أول مره أسويها في حياتي ، أول مره اتسابق و أول مرة أمشي بالسيارة بهذه السرعة آمم حسيت إني سويت مغامرة

كان صقر قد توقف ينظر إليها بينما هي كانت تتكلم وهي تصعد الدرج مكملة طريقها إلى الأعلى
قالت منهية كلامها : وأهـــم شي طبعاً إني فزت عليك ، أحس لازم تعطيني جائزة بسبب هذا النصر

عندما انتهت من كلامها ألتفتت عليه وهي تقول بتعجب : اشبك واقف

قال لها صقر وهو يصعد الدرجات حتى وقف في نفس الدرجة التي تقف عليها : مستغرب من تفكيرك ، ما خفتي من ابويا ، كل تفكيرك في اللي سويتيه دحين

وجدان : وليش أخرّب اللحظة على نفسي لأني خايفة من أبوك أو إني أشيل هم بكرة إيش بيحصل
خليني مستمتعة باللحظة اللي انا فيها دحين وخلّي الخوف لبكرة

نظر إليها صقر وهو مستغرب من تفكيرها ، ولكنه استغرب من نفسه أكثر لأن تفكيرها نال على استحسانه
بالفعل شعر ببعض الحكمة في كلامها ، ابتسم و قال أول ما خطر على باله فوراً : من جد خذوا الحكمة من أفواه المجانين

عقدت وجدان حاجبيها بإستياء ، لم يعجبها ما قاله ، قالت قبل أن تصعد بقية الدرجات بخطوات سريعة غاضبة
: تحب تخرّب لحظات الصفاء اللي بيننا

ناداها صقر عندما رأى استياءها لكنها لم ترد عليه
فتحت باب الشقة بسرعة دون أن تلتفت إلى نداءته

لحق بها صقر وأوقفها عند نهاية الصالة ، حاولت أن تفلت يدها منه وهي تقول : صقر سيبني
قال صقر وهو يشعر بالندم على ما قاله وهو يرى ملامح وجهها العابسة بعد أن كانت تفيض بالسرور قبل قليل
: مو قلتي تبغي تستمتعي باللحظة وما تبغي شي يخرّبها ، ليش قلبتي مزاجك

قالت وجدان بحدة وهي لازالت تحاول أن تفلت يدها منه دون جدوى : بسببك ، داايماً تقول كلام ماله داعي

فلت يدها صقر عندما قالت هذا الكلام
لكنها فتحت عيناها على وسعها عندما وضع يده على خصرها ورفعها قليلاً ، قالت بعصبية : صقر لا تسوي حركات مالها داعي كمان

قال صقر وهو ينظر إلى عيناها : زي ما قلتي ، السباق اللي سويناه قبل شويه كان تهور حلو
أشاحت وجدان بوجهها عنه وهي تقول بضيق : نزّلني أول بعدين كمّل كلامك
صقر دون أن ينفّد ما طلبت منه : إيش تبغي بمناسبة هذا النصر على قولتك

قالت وجدان بنفاذ صبر : أبغاك أول شي تنزلني ، انا مو بيبي تشيلها كل شويه
أنزلها صقر وقال وهو يراها لا زالت عاقدة حاجبيها بعبوس : خلاص فُكيها ، حتقعدي اليوم كله وانتي مكشرة

نظرت إليه وجدان بضيق وهي تتذكر كلام نور السابق عن طارق و زوجته وكيف أن نظراته تعبر عن حبه العميق لها
هي لا تقارن لأنها تعلم أنه لا مجال للمقارنة أولاً
ولأنها لا تقارن نفسها بأحد مطلقاً ثانياً
لكنها تذكرت ايضاً في نفس الوقت كم كانت تودّ أن تجعل صقر مجنوناً بحبها
قبل قليل عندما كانت مبتهجة بعد التجربة الغير مألوفة وسمعت كلام صقر الساخر كالعادة أحسّت بالغضب وجاءها شعور لماذا هم هكذا
ولماذا وضعهم غريب بهذه الطريقة
ودّت أنه ليس صقر من هو مجنون بها بل تمنّت لو أن هناك علاقة حب وعاطفة قوية متبادلة فيما ما بينهم
رغبة غريبة مُفاجِئة جاءتها في هذا الوقت الغريب

قال صقر برجاء وهو يضمّ رأسها إلى صدره : خلااااص وجدان ، لا تخلي الليلة تقلب نكد
عندما أحسّت بذراعه تلتف حولها وتضم جسمها إلى صدره أكثر صدرت منها تنهيدة إرتياح لا إرادية
ما جعل صقر يبتسم وهو يقول : من أول كنتي تبغيني اضمّك يعني ؟

وجدان التي لتوها شعرت بالسكينــــة أحست أن قواها خائرة على أن تغضب من كلامه
ونعم ، هي عندما ضمها إلى صدره العريض تمنت لو أنه ضمها في وقت أبكر من هذا
قالت له بصوت كسول : أبغى اقرصك على كلامك هذا بس مافيني خلاص

اتسعت ابتسامة صقر وهو يقول : وإيش تبغي كمان ؟
قالت وجدان وهي ترفع نفسها قليلاً لتضع رأسها على كتفه : شيلني وديني السرير لأنو مافيني حيل أمشي

رفع حاجبه وهو يحملها بالفعل ويقول : مو قبل شوية قلتي ما أشيلك لأنك مو نونو
وجدان : إيوه هذا لمن تشيلني بدون إذن
قال صقر وهو يضعها على السرير : لا تزعلي لمن أقول إنك مجنونة ، إيش التناقض هذا

رفعت وجدان رأسها تنظر إليه وهي تشعر بالنعاس الشديد ، ومع شعورها بالنعاس تبدأ تصدر منها تصرفات غير طبيعية
هي قد بدأت بالفعل إذ أنها قالت له بغنج هو طبيعة فيها لكنها زادت العيار فيه : كنت ابغى اتدلع عليك شويه إيش فيها ، مو مسموح يعني ؟

شعر صقر بنبضات قلبه تزيد عندما وجّهت له هذا الكلام ، وهو الذي توقع أن تثور عليه
قال بهمس وهو يراها تقف وتخلع عباءتها : انتي تبغي تجننيني معاكي صح ؟

لم تسمع ما قاله ، علّقت عباءتها في مكانها وقالت وهي تخلع حذائها : خلاص لا تطالع فيني كذا ما بعيد الحركة هذه مرة ثانية
رفعت أنظارها تنظر إليه لكنه كان ينظر إليها بهدوء بدون أن يعلّق على كلامها
عقدت حاجبيها مستغربة لكنها لم تتكلم أكثر ، ذهبت إلى دورة المياه وهي تنوي أخذ حمام دافئ قبل أن تنام نومة عميقة جداً لا يزعجها فيها أحد

جلس صقر على السرير بهدوء وهو يحاول أن يفهم ما حدث قبل قليل
هذه الفتاة بالفعل باستطاعتها أن تجعله يعيش العديد من اللحظات في وقت واحد
حسناً هي مجنونة ، متهورة ، يعلم بهذا من قبل ، لكنه عندما خاض تحدي سباق السيارات قبل قليل
ورأى كيف كانت مبتهجة لدرجة أن عيناها كانت تلمع بطريقة لم يراها من قبل ، انتقلت هذه البهجة إليه
ثم عندما غضبت من كلامه وتحوّل وجهها للعبوس شعر فعلاً بالحزن و الأسَف لأنه كان هو السبب في تغيّر مزاجها
لم يكن يريد لتلك البهجة الاستثنائية أن تنطفئ
ثم ماذا ، تريد أن تتدلع عليه !
عضّ على شفاته وهو يحاول أن يكتم ابتسامته ، لكن الابتسامة ظلّت على شفاته حتى بعد أن فتح هاتفه وبدأ في تفقد مواقع التواصل الاجتماعي الخاصّة به

عندما خرجت من دورة المياه رأته قد تمدد على السرير وفي يده هاتفه
ارتدت منامتها وجفّفت شعرها الرطب وهو على نفس الجلسة لم يتحرك

عندما انهت استعدادها للنوم توجّهت إلى السرير ، فور أن تمددت بجواره وشعرت بالراحة قالت بـتأوه : اليوم كان طويييل
أبعد صقر هاتفه قليلاً وهو ينظر إليها : تعبانة ؟
التفتت على جانبها الأيسر لتكون بمقابلته وهي تقول : مرره ، ناسي إني نمت أربعة ساعات بس ، بلييز صقر لو نمت لا تصحيني أبداً إلين ما اقوم من نفسي
ابتسم وقال وهو يقول : إيش التهديد الدلوع هذا

عندما لم ترد عليه ، قال لها : طيب تعالي عندي
قال هذا الكلام وهو يفتح يده لتأتي إليه ، نظرت وجدان إليه بتردد قبل أن تتحرك قليلاً وتضع رأسها عليه
قالت بأمر وهي تسند رأسها إلى صدره : لا تفتح مقاطع فيها صوت ، ابغى انام
صقر وهو يسخر فعلاً من طريقة كلامها : حاضر

كانت تشعر بالنعاس لكن بما ان هاتفه مفتوح أمامها كانت تشاركه النظر وإن لم تكن مركّزة تماماً
عندما بدأت تدخل في عالم النوم
سمعته يقول وهو يطبع قبلة على شعرها وإن لم تكن متأكدة هل هو قال هذا الكلام فعلاً أم هذا الكلام كان من خيالها : ريحة شعرك عشـق


رواية الــسَــلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن