الفصل التاسع والعشرون

141 5 0
                                    


.















مساء الخير
قبل كل شيء
شكراً على إطرائكم على فقرات التاريخ جداً انبسط لمن اقرأ كلامك إنكم استمتعت فيها
فيما يخص كتاب فارس
لأمانة النقل العلمي أنا ناقلة كثير منه
من الموسوعة الصوتية -التاريخ السياسي للدولة الأموية - للدكتور أحمد الدعيج
طبعاً اللي راح أذكره في الرواية شيء جداً بسيط من التاريخ الكبير للدولة ، من أراد الاستزادة أنصح بها ..






/









[ الفصل التاسع والعشرون ]




تجلس في غرفة اخواتها ، تحديداً على سرير اختها مرح وتُرضع ابنتها بهدوء ظاهري ، لكن في داخلها الكثير من الإنفعالات

لا زالت إلى الآن غير مستوعبة أن رائد قد فعلها فعـــــلاً وسافر مع اصدقائه
وعقلها لا يفكر سوى أنه من الممكن يخونها هناك ، من الممكن أن يرى امرأة جميلة تسلبه عقله ويصبح مصيرها كوالدتها ..

دخلت عليها منار وهي غارقة في هذه الأفكار فلم تنتبه إلى دخولها وإغلاقها الباب من خلفها

جلست منار تتأملها قبل ان تقول بتهكم بعد أن يأست من أن تنتبه لوجودها : بنت ، ليناااااا ، انتي نايمة وفاكّه عينك ولا إيش بالزبط ؟ !
انتبهت لينا إليها لكنها لم تستمع إلى ماذا كانت تقول : هاا ، إيش قلتي

قالت لها منار بسخرية : لسى ترى مالك إلّا نص يوم عندنا ، من دحين تفكري في زوجك !
تنهّدت لينا بصوت واضح وقالت وهي تضع ابنتها برفق على السرير بجانبها : ما أفكر فيه

ضحكت منار : بعد التنهيدة هذه اللي خارجة من قلب مستحييل اصدقك
طيب ما سألتي سِيد السيد وصل ولا لسى واطمّنتي عليه بدل لا تكوني قلقانة كذا

لينا بحدة : قلت لك ما كنت افكر فيه ليش ما تفهمي
ثم سكتت قليلاً قبل ان تقول بنبرة أهدئ قليلاً : غير كذا ما ينفع ادق عليه بسرعة ، حيفكر اني بأزعجه من بداية السَفرة

منار : عاااااادي اش فيها لو كنتي مزعجته من جد
مو كفاية إنو سايبك انتي وعيالك هنا وما اعطاك خبر إلّا قبل السفر بساعات ، أقل شيء دحين تزعجيه

لينا بإنزعاج حقيقي من معرفة أهلها بجهلها بموعد سفر زوجها المُفاجئ
حتى والدتها التي لا تعلق ابداً على أي شيء عادةً كانت غير مُصدقة أن زوجها سافر رحلة سياحية
دون أن تعلم عن هذا السفر إلّا قبل ذهابه بوقت قصير : ترى هذا الكلام اللي تقوليه ليا اسمه تخبيب ، تعرفي إيش يعني تخبيب ولا أشرح لك

تعدلت منار في جلستها وهي تقول : يا بنت الحلال اشبك انا اتكلم عادي مو قصدي شيء

قالت لينا بجدية : قصدك شيء أو لأ ، إذا انا ما اتأثرت بكلامك ممكن إذا قلتي لوحدة ثانية كلام زي كذا
تتأثر بيه وتحصل مشكلة بينها وبين زوجها بسبب هذا الكلام اللي تقولي عادي مو قصدي شيء

اتسعت عينا منار بدهشة : لينا اشبك , ترى من جد هوا كلام عادي انا مزحت معاكي وانا واثقة انك ما بتتأثري بيه

لينا : انا اقول لك ، عشان مستقبلاً تنتبهي وما تتدخلي بين الحرمة و زوجها ، الشيطان شاطر
منار بدهشة وانزعاج من إنحراف الموضوع : لينا باللهِ اهدأي ، ويااااا كلمة ارجعي مكاانك
اووف ما صارت كلمة وانقالت المهم ابغى اقول لك شيء قبل لا تجي مرح

نظرت إليها لينا باهتمام : إيش فيه ؟

منار بتردد : واللهِ هو مو عارفة الموضوع عادي ولا لا ، بس كذا ابغى اقول لأحد ، ما كلمت امي ولا مرح ، بس دحين جا في بالي اقول لك
لينا بخوف : ايش فيه ، لا يكون سويتي مصيبة

منار بانزعاج : مصيبة ايييش يختي لا بسم الله ، هو موقف حصل لمن رحت عند صحبتي وفاء قبل فترة ، تعرفيها اللي بيتها قريب مننا ، في نفس الحارة

هزت لينا رأسها بإيجاب لتكمل منار : هي كانت معايا في الثانوي بس علاقتي فيها قويت لمن صارت في قسم التمريض معايا
المهم لمن كنت عندها ، اتخيلي ونحنا جالسين في الصالة انا وياها إلّا دخل اخوها

تعدلت لينا في جلستها وهي تنظر لاختها بخوف : إيييش ؟ !

قالت منار بسرعة لتهدأتها : ما حصل شيء لا تقومي كذا وتفجعيني
لينا بجزع : يعني اخوها شافك ، اصلاً انتي هبلة كيف جالسة في الصالة مو في المجلس او في غرفة صحبتك

منار مدافعة عن نفسها : البيت كان فاضي مافي إلّا هي واختها عشان كذا كنت جالسة في الصالة ومطمّنة ، هو اللي درعم علينا فجأة

كتمت لينا الكثير من الكلام الذي تودّ قوله وسألتها
: طيب بس يعني الموقف وقف على كذا ، دخل ولمن شافك خرج وانتهى الموقف على خير

منار : إيوه ، هوا اصلاً لمن دخل كنت معطيته جنبي ، يعني ما شاف وجهي تمام ، بس انتبه على شعري ، تخيلي منار سمعته يقول ما شاء الله تبارك الله
ولمن خرجت وفاء قال لها هي شعرها كذا طبيعي ولا اكستنشن
مررره استحيت ، وهو قلك اخوها ذا ملتزم ، بس واضح فررري يعرف الاكستنشن حتى

عضت لينا على شفاتها تحاول بقوة فظيعة محاولة منع كلماتها من الخروج ، صدرت منها همهمه فقط

لكن منار لم تنتبه إلى حال لينا ، كانت تود إلقاء مافي جعبتها
و أن تتحرر من الموقف المُحتــــل عقلها لعدة أيام بالتحدث عنه لأي شخص ، ولا يوجد أفضل من لينا الكتومة
: هو الموقف في وقتها مرره كان مُحرج وخفت شويه بس أحس عادي المواقف هذه ممكن تحصل
أخوها اصلاً مملك ويجهزوا لزواجه ، يعني لمن سأل عن شعري بس جا له فضول طبيعي مو إنو نظرته كانت مو كويسه صح ؟

قالت لينا بأكبر قدر من الهدوء : الموقف بكبره غلط ، مافي شيء اسمه موقف عادي ، الرجال شافك بكامل زينتك وانتبه لشعرك ، كيف تقولي عادي

قالت منار مُبررة : انا قصدي إنو موقف مو متعمّد

لينا : إذا كان الموقف متعمّد كانت من جد مصيبة وقلة أدب
اساساً انتي كيف جالسة في صالة بيت الناس عادي ، حتى لو البيت فاضي ماينفع تجلسي في مكان
ممكن أهل البيت يدخلوه بدون اسئذان ، الغلط غلطك انتي مو غلط الآدمي اللي داخل بيتهم ويتفاجئ ببنت جالسة في الصالة

منار وهي مصرة على تبرئة نفسها وأن الغلط غلط الرجل
: وهو ما شاء الله اذا انتبه انو فيه شيء غلط يخرج بسرعة ، مو يطالع وينتبه لشعري وهو طويل ولا لأ

لينا ببرود : ليش ما تعرفي إنو الرجال من نظرة بس يقدر ينتبه لتفاصيل الحرمة
قم اكملت بحزم : المهم ان شاء الله يكون موقف عابر
وثاني مره يا ويلك لو تروحي عند صحبتك واخوانها شباب في البيت ، تبغي تتقابلي معاها قابليها هنا في بيتنا

منار بدون اهتمام وهي تشعر أن حِمل انزاح عن كاهلها بعدما أخبرت لينا بالموقف كامل : طيب ان شاء الله

ثم نظرت إلى سمآ النائمة بعُمق : والحلوة نااااايمة في العسل ما شاء الله ، ما صحيت
نظرت لينا إلى ابنتها ، تبدلت نظراتها ورقّــت ، قالت وهي تمسح على شعرها بحنان : ما أخدت غفوتها كاملة دحين يا عمري تعوّض

ثم رفعت رأسها تنظر إلى منار وسألتها : زياد في الصالة صح

قالت منار بسخرية : دام إنو صوت التلفزيون عالي يفجّر الراس فأكيد إنه في الصالة
ثم قامت من مكانها وهي تقول : بخرج انا وياه في الحوش بدال ما هو جالس قدام الشاشة زي الصنم

خرجت منار ، وخرجت لينا خلفها
ابتسمت وهي تشاهدها ترغّب زياد في أن يخرجوا ليقيموا مسابقة دراجات في الحوش
وترغيبها كان في محلّه فزياد أغلق التلفاز و جرى يسبقها بحماس إلى الخارج

جلست بجوار والدتها على الكنبة ، ثم قالت بمزاح : حركاات يا امي ، صرتي حتى تفتحي منصة أضواء في السناب
نزعت والدتها نظارة القراءة وهي تقول بانزعاج : مرح ارسلت لي مقطع وفتحت ذي الاضواء
حسبي الله ونعم الوكيل ، الوقت مشيء بدون ما أحس فيه

قهقهة عالية صدرت منها على والدتها التي دائما ما تقول أنها لا تريد ان تفتح مواقع التواصل الإجتماعي
وعندما تفتح أحد هذه المواقع ويمضي الوقت عليها دون أن تشعر ، تشعر بالغيض منها وتحذف التطبيق الذي كانت فيه ، مثلما تفعل الآن
قالت لها بضحكة : دحين يا امي ليش حذفتي السناب

قالت والدتها : أخذ وقتي ، ساعة ونص انا جالسه اتصفحه بدون ما أحس ، هذا الوقت اللي يضيع بدون فايدة نحنا محاسبين عليه
ثم قالت بصوت عالٍ قليلاً : مرح هذه كلها قهوة تسويها !

في ذات الوقت الذي خرجت مرح من المطبخ وهي تحمل صينية خشبية وتقول بتذمر
: انا باخذ منكم فلوس ، راتب شهري ثابت كمان افضل ، ما صارت كل يوم لازم انا أسوي القهوة

قالت والدتها بملاطفة لها : لأن قهوتك حلوة ، حتى أحسن من قهوتي أنا

مرح : دايماً تضحكوا عليا بهذا الكلام ، وأصير كل يوم اسوي قهوة وحلا
ولااااااا ، إذا ما سويت تسألوا كأنوا المفروض أسويها بدون ما أحد يقول لي

قالت لها لينا بمزاح : وهوا لازم نحنا نقول لك سوّي ، سويها من نفسك وخلاص

قالت حانقة : لاااا والله
ثم زفرت بصوت واضح وقالت : المهم اعطوني راتب وانا اسوي لكم كل يوم ما عندي مشكلة

لينا : اعتبريه أجر وبرّ في أمي
مرح : لو بأعتبره برّ ، حأسويه لها لوحدها

لينا بطوالة بال وهي تشعر أن ضيقها الذي كان كاتم على انفاسها اختفى قليلاً عند جلوسها مع والدتها
: إنتي سوي لنا كلنا ، لأنه برّ في أمي ، ولّا تبغي امي تتقهوى وتحلّي لوحدها

حرّكت مرح حاجبيها باستفزاز : عادي انا بتقهوى معاها
لينا : لا إله إلّا الله ، هذا ونحنا اختين عندك بس ، كيف لو كنا زي اخوات رائد ما شاء الله ايش بتسوي
مرح برفض سريع : ما أبغى افكر في الموضوع ، ما شاء الله تبارك الله مرره كثيرين ، اتوقع ثلاجة قهوة وحده ما تكفيهم أكيد يعملوا ثلاجتين

ام لينا بتأنيب : سيبوا الناس في حالهم
مرح بضحكة : امي لسى ما لحقنا نحش فيهم
ام لينا : و مو لازم نحش في الناس ، روحي نادي اختك خليها تجي تتقهوى معانا

قالت لينا بسرعة : لا باللهِ أمي ، خليها تلعب مع زياد هي مبسوطة معاه ، وانا خليني اتقهوى وانا رايقة واشرب القهوة وهي حارة
مرح بمزاح : يا شريرة ، كيف تقدري تتقهوي وتحلّي ومنار برى مع ولدك في الحرّ هذا

لينا ببرود وهي تراها تضع فنجان قهوتها لكي تقوم من مكانها وتنادي منار : اقول خليكي جالسة في مكانك بس
هي من نفسها قالت لزياد انهم يلعبوا برى انا ما اقترحت عليها حتى هذا الإقتراح

ثم وجّهت كلامها لوالدتها : يا امي حتروحي زواج اخو فارس ولا لأ كمان زي الزواج اللي قبله

قالت ام لينا بتعب من هذا السؤال الذي تكرر كثيراً هذا الاسبوع : من اول قلت لكم ما ابغى أروح وعندي أسبابي
إنتو حابين تروحوا وتوجّبوا اخوكم و زوجته روحوا ، انا ما أمنعكم

مرح باستياء من رأي والدتها الذي لم يتغير رغم إلحاحهم عليها : بس يا امي إذا انتي ما بتروحي نحنا كمان ما بنروح
قالت والدتها بحدة خفيفة : والله انتو بنات كبار ، مو أطفال لازم أروح معاكم في كل مكان

زفرت مرح بانزعاج قبل ان تقول : مرره نفسي أروح الزواج
تقول لي نور حيكون أحلى من زواج اخوها اللي كان قبل شهر

سألتها لينا : وكيف حكمت نور إنو حيكون أحلى من الزواج اللي قبل

رفعت اكتافها : مدري ، بس تقول لي إنو زوجة اخوها مهتمة بكل شيء
وهي اصلاً وحيدة أمها فإيش تتوقعي ، حيكون الزواج اكيد مرره مرتب

ثم سألت لينا : طيب انتي ما بتروحي الزواج ؟
لينا : ممكن ، بغداد دقت عليا قبل يومين وعزمتني مرة ثانيه على الزواج فَ منحرجة إني أردّ عزيمتها وما أروح

قالت لها والدتها : دام إنها عزمتك مخصوص كذا ، عيب لازم تروحي
قالت مرح بسعادة : إذا بروح لازم اشتري فستان للزواج

ام لينا : نشوف في اليومين هذه ننزل السوق ونشتري لك فستان ولمنار إذا تبغى تروح
قالت هذا الكلام بثقة وليس كالعادة عندما تأتي مناسبات كهذه تفكر كثيراً في ميزانية الشهر وكم ستتأثر بمثل هذه المصروفات
لكن مع المصروف الشهري الذي أصبح ابن زوجها يرسله بانتظام ، أمورهم المالية أصبحت أفضل بكثير







**







ليست المرة الأولى التي يسافر بها لخارج البلاد ، لكنها المرة الأولى يسافر بدونها بعد أن اقترن بها
ورغم أن السفر هذا كان المقصد منه الإبتعاد ، واختبار مشاعرها
إلّا أنه أول من تضرر من هذا البُــعد ..

كان يتقلب في سريره الوثير يمنة ويُسرى يريد أن ينام بعد هذا اليوم الطويل لكنه عاجز عن إغماض جفنيه
تفكيره كله فيها ، وأنها لم ترسل له رسالة تطمئن فيها على حاله
هو لم يُرسل متعمداً ، يريد أن يعرف هل سيكون من اهتمامتها أم لأ
كان يتحرق شوقاً لأي رسالة أو اتصال منها لكي يتأكد أن شكوكه نحو مشاعرها ماهي إلّا شكوك فقط ، ويوجد لديه مكان في قلبها
لكن ، ربما هذه الشكوك ، كانت حقيقة غافل هو عنها ، منذ وقت طويل جداً ..

في النهاية رفع راية الإستسلام ، واتصل بها ..

كانت هي قد استعدت للنوم بعد أن نام زياد على فراش وضعته بجانب سرير مرح الذي تنام عليه
بينما مرح ذهبت تنام في غرفة والدتها
وسمآ أيضاً قد نامت أخيراً للتوّ ، فكانت هي في لحظة الهدوء بعد العاصفة التي تسبق نوم الأطفال عادةً

عندما رنّ هاتفها بمكالمة واردة ورأت إسم المتصل ، خفق قلبها بشكل سريع
نظرت إلى سرير منار الفارغ منها فهي ما زالت تشاهد التلفاز في الصالة
ثم أجابت على الاتصال بنبرة خافتة : ألو

وصلها صوته الهامس أيضاً المثقل بالمشاعر : وحشتـــــيــني

عندما سمعت هذه الكلمة الوحيدة فقط ، تنفست بارتياح
ارتياح غريب يُصاحبها لأول مرة ، إذ أنها عادة تشعر بالضيق والإرتباك عندما يعبّر زوجها عن مشاعره لها
وتفكر في كيفية الرد المناسب على هذه المشاعر
عندما سمع التنهيدة الصادرة منها بثّت فيه بعض الأمل سألها : الشعور متبادل ولا لا ؟
شعورها بالإرتياح والإطمئنان لإتصاله جعلها ترد عليه بعفوية : وحشتنا كلنا ، زياد ما نام إلّا بعد ما سألني عنك ألف مرة

تعدل وتمدد على ظهره ، وضع يده اليسرى خلف رأسه وهو يقول : عارف إن عيالي نظر عيني مشاقين لي
السؤال لكِ إنتــــــــــــــي لينا عبدلله
سكت لثوانٍ ثم أكمل ببطئ وترقّب : اشتقتي لرائد ولا لا ؟

حجزها في الزاوية ، لم تستطع هذه المرة أن تتجاهل سؤاله
أغمضت عيناها وكأنه سيراها ، ضغطت الهاتف على أذنها أكثر وهي تجيبه بهمس : إيوه

لم يرد عليها بسرعة ، كان يريد أن يستــطــعـــم ردها المختصر
لكنه كَ قطرة ماء نزلت على أرض عطشى ، لا تروي ، لكن تفرح الأرض بنزولها
سألته عندما شعرت أن الصمت أصبح غير مُريح : غريبة ما نمت إلين دحين ، اتوقعتك حتكون نايم هذا الوقت ؟
قال لها بهمس هادئ : ما قدرت أنام ، متعود أنام وانتي جنبي

أغمــــــضـــت عيناها بتأثــــــــــــر عندما سمعت جوابه لتنزل دمعة كانت تترقرق في عينيها
لا تحب أن تفكر في المشاعر العاطفية ، ناهيك في الكلام عنها
لكن الحصون المنيعة المُحيطة بقلبها تشعر بأنها بدأت تضعـــف ، و هي دائماً تفكر أنها لا تريد هذا الضعف
لا تريد أن تشعر بالثقة بمكانتها في قلب زوجها لكي تتفادى أي مصيبة قد تحصل لهم لاحقاً
لكنها الآن وفي هذا اللحظة الغريبة ، وهي تسمع هذا الكلام منه بدون أن تراه
أذنها تقبّلــــت هذا الكلام
عروق قلبها بدأت تتســــــع وهي تسمعه يعترف بكل سهولة أنه لم يستطع النوم لأنها ليست بجانبه

تمنــــت أمنية غريبة ..
تمنت السهولة هذه أن تنتـــقل إليها
أن تتبادل هذا الكلام معه وتستمتع به ، وتُشبـــع الجانب العاطفي الذي يريد في هذه اللحظة أن يأخذ كفايته
خرجت تنهيدة حارة منها ، مثقلة بأفكارها ورغباتها المُتضــادّة ..

و رُغم أنها تنهيــــــــــــدة فقط ، لكن صداها أثــار قلب رائد
بل و في هذه اللحظة ، أذابت بعض الجدار الجليدي الذي كان يفـــصــل بينهم هذه الفترة
قال لها ما خطر في عقله بكل صراحة بدون تزييف أو تلميـع : ياليتك جنبي دحين
كنت مسكت يدك
و لعبت في شعرك
قبل لا اضمّــك لصدري بكل قوة ، لينا ابغى اضمك بقــــوة إلين ما أدخّلك جوى جسمي ، كيف ؟

احمرّت خجلاً ، واختلجت انفاسها وهي تسمع هذا الكلام وكأنها فتاة بتول ، ليس وأنها حقيقة أمٌ لطفلين
للمرة الأولى تخجل من أن ترد على كلامه ..
و ليس كَ المعتاد تسمع كلامه وهي تفكر فقط كيف ترد عليه رداً مناسب ..
وهذا هو الأمر حقيقةً ، لأنها سمعت كلامه بدون أن تفكر إلّا في الكلام فقط ، أثّر فيها ..

الرد الصامت منها جعل رائد يبتسم ، على الرغم من أن الصمت هو الذي يغلب على ردودها له
إلّا إن إحساساً بالدفئ كان يُزيّن هذا الصمت ..

سألها بمرح : لينا ، معايا على الخط ولا نمتي ؟
أجابته بخفوت وهي لا زالت متأثرة بما قاله لها قبل قليل : معاك

تنهد : آه ، يا ليتك معايا من جد وجنبي
ثم قال وهو في نيته يريد أن يسمع صوتها تتكلم بتلقائية بدل هذه الردود الخافتة لعله يُطفئ بعض شوقه لها
: طيب حكّيني كيف كان يومك ، إن شاء الله زياد ما يكون طفّشك ؟

عندما سألها عن زياد ، تعدلت في جلوسها وكأنها تريد أن تُعدّل عقلها الذي في هذه اللحظة يفكر بأمر غريب وغير مسبوق
تفكير غريب أنها لا تريد أن تسمع منه أي سؤال يخصّ زياد أو سمآ ، لا تريد سوى أن تسمع اسمها بين شفتيه الآن

لكن هذا التفكير الذي كان لجزء من الثانية محـــــــــــــتـه فوراً وهي تجاوبه : لا الحمدلله وضعه كويس لأن لسى اليوم جينا بيت اهلي
ثم سألته بعفوية مُصطنعة هي أبعد ما تكون عنها في هذا الوقت : إنتا قد ايش حتكون سفرتك هذه ؟ بتطول ولا لا ؟

قرر أن يرمي الكُرة في ملعبها فسألها : تبغيني اطوّل ولّا لا ؟
قال هذا الكلام وهو يريد أن يسمع منها أنها تريده ، يقسم أنها لو أخبرته أن يأتي غداً فسيأتي على جناح السرعة

لم يكون جواب السؤال سهل على لينا إذ أنها تحيّرت وترددت
بالطبع تريده أن يعود ، لا تريده أن يُطيل في هذه السفرة المشبوهة بالنسبة لها
في نفس الوقت لا تريده أن يفكّر فيها كَ زوجة شكّاكة ومعقّدة
أطالت التفكير ولم تنتبه إلّا عندما قال رائد بخيبة أمل عميقة : لهذه الدرجة كانت إجابة السؤال صعبة ، الظاهر إنك تبغيني أطول في السفر قد ما أقدر

ردت عليه بسرعة : لااااا مو كذا قصدي
جلس على السرير وهو يقول بإنفعال مكتوم : قصدك إيش يا لينا ممكن أفهم ؟

شعرت بالفـــــــزع وهي تسمع الغضب في صوته المكتوم
ريقها جفّ فجأة وهي تفكر في ألف فكرة وفكرة في هذه اللحظات

قال رائد يستحثها على الرد : قصدك إيش يا لينا ، مو مهم إني أكون موجود صح ؟
سواءً كنت في الشغل أو في البيت ، في جدة ولا في غابات افريقيا ما راح يفرق شيء في حياتك

قالت بألم من هذا الإتهام : رائد لا تقول كذا

رائد بذات الألم الذي كان يزيده الغضب وإحساسه بالجرح في هذه اللحظة : لا أنا مو قصدي كذا ، لا لا تقول كذا
هذا هو اللي تقدري تقوليه يا لينا بس
أنا متصل عليكِ مشتاااااق
أقول لك مو قادر أنام على إني مهلووووك عشانك مو جنبي
وإنتي مو راضية تقولي كلمة تبرّد خاطري
الظاهر إني كنت أفكر نفسي غالي عندك وطلعت رخيص








**








اليوم التالي ، في مكان آخر ، بعيــــد جداً ..

تجلس باسترخاء تحت أشعة الشمس الكسولة فلا زال الصباح في بدايته
و على صفحة وجهها ترتسم ابتسامة جميلة
تنبع من شعورها بالرضا التام لكيفية مرور الأيام الماضية عليها

رأته وهو يخرج من الفيلا الصغيرة التي سكنوا فيها ويمشي إليها بخطوات هادئة تشبهه
ابتسمت ابتسامة مُرحّبة به عندما تلاقت أعينهم ليبتسم لها ابتسامة واسعة ويقول وهو ينحني ويقبّل خدها : صباح الخير

ردت عليه وهي تتابعه بعينيها يجلس بجوارها : صباح النور
أمسك يدها برقة وهو يقول : اكيد بيكون صباحي نور و سرور وانتي أول ما شافته عيني
قبّل يدها بذات الرقة و سألها باهتمام : كيف كانت نومتك امس ، ارتحتي فيها ؟

أجابته وهي تعلم أن سبب سؤاله لأنهم بالأمس وصلوا لهذه الجزيرة بعد أن قضوا ثلاثة اسابيع في اوروبا
وكان يخشى أن لا تشعر بالإرتياح والفيلا التي سكنوا بها أمام البحر مباشرة : الحمدلله نمت تمام

نظر إليها وهو متشكك من إجابتها ، فهو قد شعر بالقلق عندما أفاق من نومه
ولم يجدها بجواره رغم أنهم قبل ساعات قليلة فقط دخلوا إلى الفراش بعد رحلة جوية طويلة

فهمت العنود نظرته ، قالت له بتوضيح أكثر : لأن المكان جديد عليّا فنومتي كانت خفيفة وصحيت على صوت البحر
ثم وضعت يدها على فمها تخبّئ ضحكة خجولة : وما قدرت اقاوم المنظر والشمس دوبها طالعة

نظر إليها نظرة مطولة دون أن يرد عليها جعلتها تشعر بالفضول قليلاً : فيه شيء على وجهي ؟

وضع طارق ذراعه على ظهر الكرسي من خلفها ، قرّبها إليه وهو يقول : لأ بس كنت أفكر
ثم أمسك ذقنها ورفع رأسها إليه وهو يقول بنبرة تساؤول حقيقية : الشمس طالعة من وجهك ؟
النور هذا والجمال يشع من الشمس اللي في السمآ ولا منك ؟!

ابتسمت ابتسامة جميـــلة وهي تشعر بداخلها بالزهو والسعادة من هذا الغزل الرقيق الذي لا يفارق لسانه
ويُشبع رغبتها التي لا تنضب تجاه تمجيد جمالها

نظر طارق إليها ، إلى من أسرت قلبه بهذا الجمال
كانت تلبس فستان أبيض بسيط التصميم عاري الأكتاف والظهر
شعرها الأسود الطويل الذي يصل إلى خصرها كان مجموع على كتفها الأيمن بطريقة أنثوية رقيقة
ومكياج بسيط جداً جعلها كأنها خارجة من غلاف أحد المجلات لعارضة على أحد الجزر الاستوائية

لكن المُفارقة أن العارضة هنا ملامحها ليست كباقي العارضات
بل ملامحها عربية أصيلـة
البشرة الحنطية ، الشعر الأسود الحريري الطويـل ، العيون الواسعة الكحيلة
الشفاة المكتنزة بحمرة ربانية طبيعية
أما الجسم فكأنه مرسوم رسماً

جمالها فتنة ، وشخصيتها الواثقة من نفسها فتنة أخرى
نظرة الثقة في عينيها لفتاة تعرف ما تريد زادته إعجاباً بها
بالنسبة له وهو الشاب الهادئ ، كان ارتباطه بفتاة جريئة تتمتع بطلاقة الكلام وفنّ الحديث نقطة لصالحه

معها يشعر أنه يتغير ، هو الآخر يصبح شاب حيوي يحب الكلام والبهجـــة ويستمتع بكل مباهج الحياة
وجودها إلى جواره في هذه الأيام القلائل جعله يخرج من قالب الهدوء والصمت الذي دائماً كان جزء لا يتجزء منه
كأنه كان ينتظر أن يتواجد شخص ما بجانبه بهذه الشخصية ، ليخرج جانب جديد منه بدأ يتعرف عليه

أسندت العنود رأسها على صدر طارق بأريحية اكتسبتها سريعاً خلال هذه الاسابيع القليلة لتسمع فور أن ألتصقت اذنها بصدره نبضات قلبه المتسارعة
رفعت انظارها له مُتسائلة ، ليبتسم وهو يضع يده على شعرها ويلصق خدها بصدره أكثر ويقول بنعومة : شايفه كيف قلبي يصير وانتي جنبي

و أكمل بنبرة أكثر عُمقاً : هذا القلب اللي من أول نظرة خطفتيه ، صار أسيــر لكِ بكل سهولة
ابغاكِ توعديني إنك تحفظي هذا القلب اللي ما حبّ مخلوق قد ما حبّك
ونظر لها وهو يقول بنبرة جادة تماماً : توعديــــنـي

هنالك لحظات قليلة تكون مأسورة لهذا الصدق الواضح في عينيه ، في نبرة صوته ، في كل جزء منه ، اجابته هامسة : أوعدك

أهداها عندما همست بما يريد ابتسامة جميلة نابعة من عُمق أعماقه ، أتبعها بقبلة رقيقة على جبينها وأخرى على وجنتيها
كان ينوي أن يكمل مشواره الذي بدأه بكل شغف
لكن صوت نغمة اتصال من برنامج السناب شات أخذت ترنّ بكل إلحاح قطعت عليه ما كان ينوي فعله

ابتعد عنها قليلاً وهو يشعر بالضيق من هذا الإتصال المُزعج ، كشّر عندما رأى الإسم الموجود على شاشة هاتفه
قال بصوت منخفض : أكيد ما بيكون المزعج غيرك يا صقر

تعدل في جلوسه و أسند ظهره على الكرسي دون أن يبعد رأسها عن صدره وردّ على اتصاله بجمود : ألو
أتاه صوت صقر المستنكر وهو من انتبه سريعاً إلى نبرة صوته الجامدة : لسى ما قلت شيء اشبك

قال له طارق بملل : عارف ما عندك شيء بس متصل إزعاج
صقر : افاااا ، غيّرتك الحرمة من أول شهر كذا بسرعة ، فين طارق الرايق

قال طارق وهو متجاهل الشطر الأول من كلامه : وتتوقع إني حكون مروّق وانتا كل يوم تسألني متى راجع
صقر بكل برود : إي والله ، متى راجع كأنك طولت بزيادة ، لا يكون ما عندك نية تحضر زواجي

طارق : وهو انا أقدر
ثم زفر قبل أن يقول : برجع يوم الأربعاء ان شاء الله ، خلاص لا عاد ترسل لي كل شويه ولّا تتصل فُكني من ازعاجك

قال صقر بارتياع : إييش ، من جدك اتنا حترجع قبل الزواج بيومين بس ، لا يكون تبغوني اداوم إلين يوم الخميس
طارق حاول ترجع أقلّها يوم الثلاثاء عشان الخميس تقدر تداوم ، أنا ما بداوم الخميس لو إيييييش
هذا الناقص اداوم إلين قبل زواجي بيوم
إنتا لو تشوف كيف ابويا مكرّفني ما يخليني اخرج من المؤسسة إلّا المغرب
حتى خلّاني اروح موقع واجلس مع العمال تحت شمس الظهر إلين ما دوّخت

كان طارق يسمع شكوى صقر التي ليست بالجديدة وهو يلعب بشعر العنود بكل نعومة وابتسامة بسيطة مرتسمة على ثغره
وكأنه يسمع أغنية رومانسية لا ثرثرة مُزعجة من أخيه الأصغر

قال صقر عندما لم يسمع رداً منه : إشبك ما تتكلم

ابعد طارق العنود عنه برفق ثم قام مبتعداً عنها قليلاً وهو يقول بهدوء ممتزج بجديــة : واللهِ عاجز عن الرد صراحة
يعني صقر شوية ذوق لو سمحت وبطّل الإزعاج هذا
اتصل على فارس ولّا بغداد واشتكي عندهم إلين ما تشبع
خلّصوا الناس عشان تتصل عليا وتشتكي وانا في اخر الدنيا وما ابغى ازعاج
انا دحين ماخذ إجازة شهر وعارف إني راح انضغط بعدها
مستكثر عليا الشهر هذا إني اقضيه بعيد عن الشغل ومشاكل الشغل ولا إيه يعني مو فاهم ؟!

كان صقر مُتفاجــــئ من كلام طارق الجاد ، هو هكذا قليل الكلام دائماً
لكن تأتيه بعض الأوقات عندما يصل إلى آخر حدّه ويتكلم كلام طويل مثل الآن
غير أنه أُحرج بحق من كلامه وأحسّ بالفعل أنه كان عديم الذوق في اتصاله بطارق هذا الوقت
قال باختصار : مو قصدي أزعجك
سكت قليلاً قبل أن يقول : معليش طارق وبقولها لك مره ثانية ما كان في نيتي ازعجك ، بس لأني انكرفت في الشغل بزيادة اليوم
ثم قال ليدفع شعور الإحراج عنه : متى بتوصل يوم الخميس عشان ارتب وقتي واجيبك من المطار ؟

قال طارق بهدوء كعادته : بتأكد من الوقت وبرسل لك
ودّعه صقر عندما سمع اجابته بسرعة وأنهى الاتصال

نظر طارق إلى شاشة هاتفه بحيرة وهو يفكر هل قسى بكلامه مع صقر قبل قليل ؟

فكّر لثواني قبل أن يفتح هاتفه ويتصل على بغداد التي ردت على اتصاله بسرعة
وهي تقول بمرح ظهر في صوتها : الله العريس داق عليّا يا بختي
ابتسم طارق تلقائياً عندما سمع صوتها
ألقى السلام عليها وسألها عن أحوالها قبل ان يسألها باهتمام : بغداد ، صقر ايش مسوي دحين مع قُرب زواجه ؟

استغربت بغداد وفهمت بدون أن يصرّح أن هذا السؤال هو سبب اتصاله ، لم تسأله عن سبب سؤاله
بل جاوبته قائلة : والله يا حبيبي تقدر تقول النفسية لك عليها على قولة ماما كأنه حرمة تتوحم مو طايق شيء وبس معصب

طارق بواقعية : طيب مو هو أغلب الوقت كذا اصلاً منفّس
بغداد : إيوه بس دحين بزيااادة ، أحس إنه متوتر مع قرب الزواج اللي اصلاً صارت ترتيباته بسرعة
ثم زفرت قائلة : أنا قلت لماما وبابا إنو مو لازم يحددوا الزواج بسرعة ، بس بابا زي ما إنتا عارف كان مُصرّ إن الزواج ما يتأخر أكثر من ثلاثة شهور
المهم ما علينا ، انتا انبسط يا حبيبي في سفرتك وخلّي صقر على جنب ، إذا حصل الزواج حيهدأ وبيشوف إن التوتر ما كان له داعي

طارق : إن شاء الله تكون عاقبة أمره خير ، طيب انا مضطر أقفل توصّي شي ، محتاجة شي
بغداد : لا يا قلبي سلامتك
ثم استدركت قائلة : طارق تبغاني اروح مع العاملات ننظف بيتك قبل لا تجي ، الشقة لها قريب الشهر مقفلة وأكيد غبّرت

لم يفكر في هذا الأمر لكن عندما أبدت بغداد هذه الخدمة استحسنها ، قال بتردد : واللهِ ما ادري ، ما أبغى اتعّبك
وصله صوتها بنبرته الودودة المعتادة : لا تعب ولا شيء ، قول لي انتا متى جاي ؟ و قبلها بيومين نروح ننظف البيت
قال بذات التردد ممزوج بخجل : بغداد بجد يعني ما ابغى اتعّبك ، كفاية التعب اللي تعبتيه لمن جهزتي للعنود شنطة السفر ، ودحين تبغي تنظفي الشقة

ردت عليه بغداد بذات النبرة الودودة لكن كان بها بعض الحزم : طارق ! إيش الكلام هذا الله يهديك ، ما بين الاخوان حساب
اكيد بيجي يوم وحأحتاج خدماتك ، مو معقولة بتحسب إنتا إيش سويت لي صح
وترى انا بشرف على العاملات فقط ، ما بسوي شيء

بعد هذا الكلام أخبرها بموعد رحلته ، ثم ودعها و أغلق منها
عاد إلى زوجته وعلى ثغره بقايا ابتسامة من حديثه القليل مع بغداد ، وتفكيره في اخته المميزة عن باقي الناس من حوله ..

كان يمشي بمهل و هو ينظر إليها وهي تعبث بهاتفها اثناء انتظاره
تنـهد وابتسامة بسيطة ارتسمت عليه لا تنبئ عن الحب العميق الموجود بداخله تجاهها
فاتنة وكل شيء فيها يفتنه حتى وهي جالسة لا تفعل شيئاً سوى أمر عادي كالعبث في هاتفها بدون اهتمام

سألها وهو يجلس بجوارها وهو يعتقد إن اجابتها ستكون بديهية : تعرفي تسبحي صح ؟
العنود التي تفاجئت من سؤاله الذي باغتها فجأة ، التفتت عليه وهي ترفع حاجبيها : لأ
تفاجئ من اجابتها البسيطة الغير متوقعة قبل أن تطل نظرة حنونة من عينيه وهو يسألها : تخافي من المويه ؟

كان استنتاجه مُخالف للسبب الحقيقي ، فهم عند موت والدهم المبكّر لم يكن لديهم وقت أو مال للترفيه العادي
مثل أن يذهبوا إلى الشاليهات أو النوادي التي يوجد بها المسابح ، أو حتى الذهاب إلى شاطئ مدينة جدة التي لا تبعد عنهم كثيراً
مما سيجعلها تتعلم السباحة بشكل تلقائي إذا لم يكن لديها خوف فعلي من الماء

لكن بما ان هذه الأمور كانت بعيـــــــــــدة المنال في سنوات عمرها الماضية ، فلم تتعلم السباحة ابداً ، ولم يخطر لها تعلّم السباحة من الأساس
لكنها لم تخبره بهذا السبب بالطبع ، بل قالت له بكذب موافقة على استنتاجه : إيوه ، وانا صغيرة كان عندي خوف فظيع من المويه

ابتسم طارق : وانتي صغيرة ، طيب و دحين ؟

أمسكت ذراعه بدلال بدأت تعتاد عليه معه وقالت
: اممم دحين لو إنك مُعلم جيد و ما عندك نية تخوفني أكثر من المويه ، أحس إنو عندي قابلية إني ابدأ اتعلّم السباحة حبّة حبّة

طبع قبلة رقيقة بجانب أذنها وهو مستمتع جداً بنبرة الدلال في صوتها وهي تتكلم معه
: من هذه الناحية أطمّني انا مو من النوع اللي يتلذذ بتخويف الناس
ثم اقترح عليها قائلاً : ايش رايك نخرج نفطر اول شيء ، وبعدين نرجع هنا .. وغمز قبل ان يقول : ونبدأ في تعليم الدروس

احمرّت وجنتاها خجلاً من النظرة الملتهبة التي أطلت من عيناه عندما نطق اخر كلماته
هناك أوقات لا تستطيع السيطرة فيها على هذا الخجل الفطري الذي يرافقها كعروس شابة لا زالت في أيامها الأولى

ذات الخجل أحسّت به بعد ساعات عندما أنتهت من ارتداء ملابس السباحة التي تظهر أكثر مما تستر
رغم أنها عندما اشترتها قبل عدة أيام عندما كانوا في اوروبا ، بالتحديد في اخر يوم لهم فيها
اشترتها بثقة أنها ستتمكّن من ارتداءها أمامه بكل جرأة ، بل هي كانت متشوّقة لكي ترى تأثير هذه الملابس عليه

لكن الآن وهي ترتدي الكيمونو الأسود فوقها لم تستطع دفع شعورها بالخجل أنه سيرى ما يُخبّى هذا القماش الرقيق

و شعرت ببعض التردد ، لكنها كعادتها دائماً عندما تشعر بهذه المشاعر الطبيعيـــة ، تحاربها بكل قسوة
هي ليست في موضع يسمح لها بالخجل ، الآن كل ما تريده أن لا يستطيع التنفس إلّا وهي بجواره ، أن تتغلل فيه أكثر ، وتنسيه حتى اسمه ..

عندما خرجت إليه ، بخطوات واثقة وهي تنظر إلى عينيه بجرأة
لم تستطع التقدّم في خطواتها وهي ترى عينيه تنظر إليها بنظرات حانية
لكن طارق الذي كان جالس على إحدى الكنبات ، قام من مكانه وأكمل الخطوات إليها
أمسك يدها بكل رقة وهو يقول لها بمرح : مستعدة ؟

أومئت إليه وهي ترسم ابتسامة بسيطة على ثغرها
بحركة باتت تلقائية قبّل طارق يدها بنعومة قبل أن يمشي إلى المسبح الموجود داخل أسوار الفيلا

كان يمشي وهو ممسك بها بكل حرص ، يخشى أن يمسك يدها بقوة فيؤلمها
حتى دروس السباحة التي يريد إعطاءها لها ، ينوي أن يعلمها إياها بكل حذر

هو لا يراها سوى أنها أنثى رقيقة جداً وكأن ما يحيط بها غلاف من الزجاج الرقيق
يجب أن يتعامل معه بحرص بالغ لأن أمر خدشه بالغ السهولة

رواية الــسَــلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن