الفصل التاسع والثلاثون

55 6 0
                                    




.










[ الفصل التاسع والثلاثون ]


كانت تشعر بشعور جيد منذ أن استيقظت من النوم ، وكأن بعض من بهجة الحياة اندفعت في دمها لتجعلها ترى الحياة بمنظار التفاؤول قليلاً
بعد قضائها الأيام الماضية بثياب النوم الفضفاضة ، قررت بعد استحمت بماء دافئ أن ترتدي ترتدي فستان لطيف مورّد بألوان فرائحية

جلست على كرسي التسريحة وبدأت تجفف شعرها وهي تنظر إلى طوله الذي اصبح لمنتصف كتفها
شعرها يطول بسرعة جداً وكانت معتادة على تقصيره كل ستة أشهر
لكنها بناءً على رغبة أحدهم قررت أن تتركه بدون قص منذ أن تزوجت ، أي منذ ثماية أشهر

خرجت تنهيدة منها وهي تفكر بعدم تصديق أنها قد أكملت هذه الشهور وهي متزوجة رغم أنها تشعر أنها متزوجة منذ فترة أطول بكثير من هذه
و رغم أنها في بيت اهلها تشعر أنها محمولة على كفوف الراحة و لا تحمل همّ شيء مطلقاً
لكنهـــــا ..
لكنها بعد قضائها هذه الأيام هنا ، بدأت تشعر بالحنيـن الشديد لبيتها ، لغرفتها ، لصالتها ، لمطبخها الذي تحمّل الكثير من تجاربها ولحسن الحظ لم تكن كارثية
لكن ما فائدة الحنين إذا كان صاحِب البيت غير راغب بوجودها

هزت رأسها وكأنها تنفض شيء ما عالِق في شعرها وهي تقول بصوت واضح : خلاص ما ابغى أفكّر في هذا الموضوع

فتحت هاتفها ، وفتحت المجموعة الخاصة بصديقاتها منذ المرحلة الثانوية وهم صديقاتها المقرّبات جداً إلى الآن
ابتسمت ابتسامة واسعة وهي تقرأ كلامهم لها بعدما علِموا بخبر حملها
واتفاقهم في النهاية أن تحدد يوم يناسبها لكي يأتوا لزيارتها

ردت على كل واحدة فيهم قبل أن تخبرهم أنها سترى اليوم المناسب ثم تخبرهم به
أغلقت الهاتف ثم خرجت من الغرفة وهي تفكر أن والدتها لم تطلّ عليها كعادتها كل يوم
عندما وصلت إلى الصالة كانت خالية كذلك ، نظرت حولها بحيرة وهي تفكر هل هي في المطبخ بالأسفل
وهي لا زالت واقفة ، عقدت حاجبيها بدهشة عندما رأت نور تصعد الدرج وهي مرتدية عبائتها وتحمل كيس في يدها قالت لها فور أن رأتها : هاآآآي بغداد

بغداد بتعجب وهي تنظر إلى كتفيها التي لم تكن تحمل حقيبتها المدرسية : اهلاً ، إنتي ما رحتي المدرسة اليوم !
نور بتلقائية وهي قد اقتربت من بغداد : لا رحت اشتري فستان لزواج منار

اتسعــــــــت عينا بغداد لأعلى حد وهي تنظر لنور ورددت بعدم تصديق : زواج منااار !!!!!!!!!!
قالت نور بدهشة : إنتي ما عندك خبر !
ثم التفتت تبحث عن والدتها وهي متأكدة أنها كانت تمشي خلفها
كانت والدتها قد وصلت الدرجة الأخيرة قادمة من الأسفل سألتها بسرعة : بغداد مو عارفة إنو زواج منار يوم الخميس ؟!

ثم تحولت تعابير وجهها للخوف عندما رأت نظرات والدتها الغاضبة قالت بدفاع عن نفسها : انا ما كنت عارفة إنك ما تبغيها تعرف
شعرت ام فارس بصداع حقيقي في أسفل رأسها من هذه الفتاة التي لا تعرف كيف تغلق فمها
قالت لها بهدوء لكنه يحمل غضباً حاداً : نور روحي غرفتك وصلّي الظهر

حتى وإن كانت لم تخبرها هذا الكلام كانت ستفرّ إلى غرفتها كعادتها عندما يزلّ لسانها بشيء لم يكن من المفترض أن تتكلم به
قالت بغداد بنبرة حادة نوعاً ما وهي ترى نور تذهب إلى غرفتها بسرعة : ليش مو لازم أعرف عن الزواج ، حتى الزواج سرّ مو لازم أعرفه ؟!

زفرت ام فارس عندما سمعت كلامها وقالت بصدق : لا تتحسّسي أو تفهميني غلط
بس لأن الدكتورة حرّصت إننا نبعدك عن الإنفعالات عشان كذا ما كنت حابّة أقول لك

لم تركز بغداد في كلام امها الغريب بشأن موضوع الإنفعالات ، كان كل تركيزها على أنه حتى زواج اخته لم يخبرها به
وهذا ما صرّحت به عندما قالت : يعني فارس ما عرف كيف يقول لي إنو زواج اخته قريب
ثم قالت بألم ظهر موجعاً في عينيها : وكأنه أصلاً يتكلم بشي

كانت ام فارس قد تقدمت خطوة لتقترب أكثر من بغداد ، لكنها توقفت عندما نظرت إليها بغداد وقالت بذات الألم : ليش اجبرتيه يتزوجني ؟ !

نظرت إليها ام فارس بألم مماثل لها قبل أن تمسك يدها وتقول : دام إنك فتحتي هذا الموضوع ، تعالي غرفتك عشان نتكلم فيه

تركتها بغداد تتقدم في خطواتها عليها حتى دخلت غرفتها وأغلقت الباب
خلعت ام فارس عباءتها التي لا زالت ترتديها و وضعتها على الكنبة الوحيدة الموجودة في غرفة بغداد ، ثم قادت بغداد نحو السرير وأجلستها عليه قبل أن تجلس بجانبها
قالت بغداد قبل أن تتكلم ام فارس : اجبرتيه لأنك شايفتني قرّبت الثلاثين بدون ما اتزوج و صرت حِمِل عليكِ ؟!

اتسعت عينا ام فارس دهشةً من كلام بغداد قالت بانكار سريع : لا لا لا ، إيش الكلام هذا يا بغداد
ثم امسكت يدها بقوة وهي تقول بصدق : ما عمرك كنتي حمِل عليا يا بغداد ولا راح تكوني

نظرت بغداد إليها وهي تقرأ الصدق في عينيها ، قالت بوجع : طيب لييش ، ليش خليتيني أكون في هذا الموقف اللي اتمنى إني مــــــــتّ ولا اكون فيه
قالت ام فارس بسرعه : بغدااااااد الله يهديكِ لا تقولي هذا الكلام

بغداد ودموعها بدأت في النزول : ليش إنتي ما قد كنتي في هذا الموقف ؟!
ولّا صح بابا إنسان حنون ومتفهّم ويحبك ، ومستحيل يقول لك هذا الكلام اللي عارف إنه بيموّتك من الوجع
سحبت يدها من يد ام فارس لتمسح دموعها وهي تكمل : بس فارس مو زي بابا ، فارس اوقات تكون فيه قساوة قلب اتعجّب من فين تجيه

نظرت إليها ام فارس وهي تقول : بس فارس يحبك
بغداد : كنت اشوف إنه يحبني ، بس دحين أنا شاكة في هذا الموضوع ، اللي يحبّ ما يوجَع اللي يحبّه

تنهدت ام فارس قبل ان تقول : فيه أشياء اوقات تضغط على الإنسان وتخليه يقول أشياء بدون ما ينتبه على نفسه وبعدين يندم عليها
فارس حكّاني كل شي حصل في ذاك اليوم ، بس ابغاك تسمعي منه مو مني ليش قال هذا الكلام اللي وجعه قبل لا يوجعك
ثم سألتها : ليش طلبتي منه إنك ما تقابليه ؟

بغداد بحدّة : اكيد إني وقتها بقول له ما ابغى اشوفك ، وهذا أقل شي اصلاً اقول له
ثم عضت على شفاتها التي ترتجف وهي تقول بغضب : كأن الموضوع أصلاً أثّر فيه ، ما اتوقع هزّ فيه شعرة ، بالعكس هو دحين مبسوط إنه قال لي هذا الكلام

عادت أم فارس للإمساك بيد بغداد وهي تقول : طيب اهدأي ، حاولي تهدّي نفسك ولا تنفعلي
بغداد بألم : تتوقعي إني قادرة أهدأ ! ، انا لو مو القرآن والإستغفار والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم كان سقّطت الثاني اللي في بطني ولحق أخوه

نهرتها ام فارس قائلة : بغدااد ، إنتي اخر انسانة أعلّمها الأشياء اللي ينفع واللي ما ينفع تقولها
ثم تنهّدت قائلة : ودحين ابغى افهم ، ليش تفكّري إنو فارس مبسوط لأنه قال لك هذا الكلام ، هل شفتيه انبسط و واضح إنه سعيد بعدها

كانت بغداد تنظر إليها ، لكنها في الحقيقة تتذكر غضب فارس وقتها حتى بعدما وصلوا إلى المنزل
ظلّ يطرق باب الغرفة حتى نامت دون ان تفتح الباب له

عندما رأت ام فارس سكوتها ، قالت لها : من وانتي صغيرة وانا اشوفك لايقة عليه وهو لايق عليكِ ، كل واحد فيكم يكمّل الثاني
الموضوع مو إني اجبرته إنه يتزوجك ، بس فارس كان شايل فكرة الزواج تماماً من راسه بدون سبب و ما نفع معاه إلّا هذه الطريقة
و انا عارفة إنو فارس حبّك بعد الزواج وشايفك إنسانة جات له من الجنة

نظرت إليها بغداد بعدم تصديق لتقول لها ام فارس بإصرار : انا متأكدة من الشيء هذا
وبسألك دحين بصراحة قبل ما تسمعي هذا الكلام من فارس كان عندك شك في هذا الموضوع
بنفسك قبل شويه قلتي إنك كنتي شايفته يحبك
قالت بغداد بهمس : ما قد قال لي احبك ، أو حتى أي لفظ تحبب

ام فارس : ومين قال لك إن كل الناس يقدروا يعبّروا عن مشاعرهم بالكلام ، فيه ناس يعبّروا عن طريق الأفعال ، أو عن طريق الهدايا ، أو عن طريق الاهتمام
كل واحد وعلى حسب ، ما قد حسيتي فارس يعبّر عن حبه لكِ بطريقة ثانية ؟

تذكرت بغداد بعض المواقف ، عندما كان يحتضنها بقوة بدون سبب وكأنه يعبر عن حبه أو أسَفـه بهذه الطريقة
وإن كان شحيييح التعبير عن ما يجول في خاطره في تلك اللحظات

لكنها لأنها لا زالت متألمة منه قالت : إنتي لأنك امه تبغي تقنعيني إنو الشيء اللي سواه عادي وتبغي تحطي له العذر
عقدت ام فارس حاجبيها : مين قال لك إنو الكلام اللي قاله عادي ، لأ غلطان وستين غلطان ، ومن حقك تكوني زعلانة منه وتخليه يتأدب ويندم على اللي سواه

ثم مسحت على شعرها وهي تبتسم وتقول : أول مرة تتكلمي عن فارس وتقولي إنو علشاني امه
بس تعرفي ، فارس طوااال الوقت يشوف إنو انتي بنتي وانتي مقدَمة عليه

عادت بغداد لتصمت مرة أخرى ، لتقول لها ام فارس : انا ما اقول لك الموضوع يستاهل الزعل
ازعلي وعيشي مشاعر الزعل هذه ، بس لا تخليها تأثر عليكِ ، حاولي تهتمي قد ما تقدري في نفسك وفي ولدك عشان يجي بالسلامة إن شاء الله

خرجت من غرفة بغداد بعدما شعرت أنها هدأت قليلاً
أغلقت الباب خلفها وهي تتمنى لو تغلق باب ذكرياتها ، لا تنكر أنها شعرت برعشة عندما أخبرتها بغداد أن فارس يمتلك قساوة قلب

لكنها هي بالذات تعلم أن هذه القساوة تمشي في دمه وماهي إلّا جينات اكتسبها للأسف من والده لكنه يعلم كيف يسيطر عليها
بينما والده يتفنن في إظهارها في شتى المواقف
وأبرز هذه المواقف طلاقه لها من غير سبب رغم أنه يعلم أنها يتيمة الأب وكانت حالة والدتها المادية ضعيفة جداً بالكاد تؤمّن احتياجاتها
لكنه بكل قساوة قلب طلقها لأنه أكتفى منها ويريد زوجة أخرى

صحيح أن زوجها الثاني خالد حنون جداً ومتفهم لأبعد حد ولم تسمعه منه ما يؤلمها كما قالت بغداد
لكنها قبل هذا التفهم والحنان كانت تسمع من والد فارس كلام في منتهى القساوة حتى أُتخمت منها

تنهدت بأسى وهي تفتح باب غرفتها لماذا تعمّد فارس أن يخرّب حياته بهذه الطريقة
إذا كانت هي تحمّلت الكلام القاسي الذي كانت تسمعه سابقاً ومضت في حياتها حتى جائها عوض الله على هيئة زوج متفهم مثل خالد
فإن بغداد الرقيقة لن تتحمّل كلام مثل هذا
أكثر ما تخشاه الآن أن يعلم أي شخص في المنزل بمشكلة بغداد وفارس و أسبابها
أمّا إذا علم خالد بالأمر فهي تعلم يقيناً أن هذه المشكلة ستنتقل إلى مستوى أعلى ..




**



دخل إلى منزل أهله من دون سابق إنذار ، ومن دون تخطيط
فقد كان متوجّه إلى منزله وفي اللحظة الأخيرة انعطف في طريقه وتوجّه إلى منزل والده

كانت الصالة خالية ، لكنه كان يسمع أصوات عالية قادمة من الأعلى
صعد الدرج وعندما وصل إلى صالة الطابق العلوي احتاج عدة ثوانٍ لكي يستوعب ان الصرخات التي نتجت من عدة أشخاص
ما هي إلّا تنبيه لوجود زوجة أخاه صقر في المكان
نزل فوراً درجتين وهو مولّي الجميع ظهره ، ثوانٍ أخرى قبل أن يسمع صوت والدته تدعوه ليأتي إليهم

عندما اقترب من الجلسة قال بإحراج وهو يسلم على والدته : ما كنت عارف إنو فيه أحد عندكم
لم يقترب من صقر الذي كان متكتّف وينظر إليه بغضب
قبّل رأس والده ثم جلس بجانبه وهو يقول لصقر الجالس على كنبة مُفردة : ما كنت عارف إنك موجود إنتَ وأهلك هنا

لم يتكلم صقر لأنه يعلم لو تكلم أمام والده سيوبّخه على الكلام البذيء الذي سيخرج منه في هذه اللحظة
لكن نظراته الحاقدة كانت تحكي الكثير

قام مرة أخرى عندما رأى بغداد قادمة إلى الجلسة وهي تقول بترحيب : منوّرنا طارق اليوم
سلّم عليها قبل أن يسألها باهتمام : كيفك دحين ؟ احسن ان شاء الله ؟

قالت له بابتسامة تزيّن ثغرها : الحمدلله أحسن ، وإنتَ كيف حالك وكيف العنود مرره مختفية بعد الزواج ، اتوقعت حشوفها أكثر من كذا
قال بهدوء يخفي خلفه اضطراباً لذكر اسمها : الحمدلله كلنا تمام ، والعنود مشغولة مع الجامعة
تعرفي اليوم كله يروح في دوام الجامعة ولّا تذاكر وتشوف واجباتها

بغداد بتفهم : حبيبتي الله يعينها، كمان هي حياة جديدة دخلتها وهي لسى تدرس وحوسة ، لكن مرحلة وتعدّي ان شاء الله
إنتَ اهم شيء خليك متفّهم تقصيرها الفترة هذه معاك أو في البيت ، أكيد هي من دون شي حاسّة بالضغط

قال طارق وهو يتذكر وضع زواجهم الذي أصبح حرفياً زواج مع وقف التنفيذ : طيب انا متفهّم الوضع ومو ملزمها بشي مخليها على راحتها
ابتسمت بغداد : عارفة إنك متفّهم الوضع بس حبيت اقول لك هذا الكلام للتذكير فقط

قالت ام فارس بغير نفس فَ ذكر اسم العنود لوحده قادر على تعكير صفو مزاجها : كيفها عمتك - أي والدة زوجتك - ؟
نظر طارق إلى والدته وهو يجاوبها : الحمدلله بخير

قالت بغداد لام فارس بتفكير : والله يا ماما يبغالنا نكلم أهل العنود في يوم يجو عندنا ونسوي لهم كذا عزومة بسيطة
من وقت ما خطبنا العنود ما قد عزمناهم عندنا
ام فارس بتأييد وهي قد أحبت حقاً والدة العنود : إي والله ، نحنا مع زواج صقر انشغلنا ولّا الفكرة كانت في بالي

قال خالد وهو يتذكر هذا الأمر الآن : إنتو ما عزمتوهم لزواج صقر ؟
جاوبته بغداد : إلّا طبعاً بس من وقتها ام العنود اعتذرت لماما

صقر وهو الغاضب الآن ، قال بغير نفس وهو يُريد صُنع مشكلة : وليش اعتذرت يعني ؟
قالت ام فارس باستغراب : وانت ليش زعلان يعني ؟!!
صقر : لا ابغى اعرف ليش ما حضروا الزواج
ضحكت بغداد قبل أن تقول : أحسك تبغى تضارب مع أحد وانتا تتكلم إشبك ؟!

بكلامها هذا وكأنها ذكّرته بسبب غضبه ، نظر إلى طارق بغضب قبل أن يقوم من مكانه وهو يقول : ولا شي
ذهب إلى غرفة نور وطلب من وجدان أن ترتدي عبائتها

وجدان التي رأت هيئته الغاضبة ، نفّذت ما يريد بدون أن تجادله
قال لها وهو يخرج من الغرفة : ارمي الطرحة على وجهك
بلعت وجدان الرد الذي تودّ قوله و غطت وجهها بطرف طرحتها قبل أن تمر من الجلسة التي فيها خالتها و زوجها بدون أن تودعهم فمن يدري ما هو تصرف صقر

كان صقر يمشي خلفها ، لذلك توقف عندما توقفت هي عن المشي فور أن خرجت من المنزل
التفتت عليه بعد أن أبعدت الطرحة عن وجهها وهي تقول : إيش الحركة هذه اللي سويتها دحين ؟

رفع صقر يده اليمنى وهو يقول بتنبيه : لا تتكلمي معايا دحين ، أحسن لي وأحسن لك
رفعت حاجبها الأيمن بعدم إعجاب لما قاله ، نظرت إليه نظرات حادة صامتة لكن صقر لم يعرها إهتماماً
توجّه إلى مدخل المنزل الآخر لكي يصعد إلى شقتهم ، صعد الدرج وهي تمشي خلفه بخطوات غاضبة ، عندما وصلوا إلى الشقة وأغلقت الباب خلفها
دخلت إلى داخل الصالة لتجده قد فتح التلفاز وفتح البلاستيشن الذي أنضمّ إلى منزلهم كعضو أساسي فيه

قالت بهدوء وهي تخلع عبائتها : ما أحبّ أحلل كل موقف يحصل ، بس الموقف هذا ممكن حتى في المستقبل يحصل لي أو يحصل لك
مو معقولة كل ما حصل بتقعد معصب بالطريقة هذه

صقر بحدة بدون أن ينظر إليها : اسكتي
وجدان : لا ما راح أسكت ، معليش ترى حركتك مرره بايخة

نظر إليها صقر بغضب : يعني ابغى افهم انتي ما عندك نية تنقلعي عني دحين
وجدان بعناد : لا ما عندي نية انقلع ، لو حصلت عزومة وأحد شافني حتخرّجني من وسط العزومة زي ما سويت قبل شوية
وكأني متعمّدة اني اخرج قدام أحد

اقترب صقر منها وهو يصرخ بغضب : ما يحتااااااااج احد يشوفك مو كلهم شايفينك قبل لا اتزوجك
انا نفسي عيني شبعت منك من قبل لا نتزوج كيف غيري

قالت وجدان بغضب مماثل وكلامه استفزها جداً : إذا حتقعد تخلي موضوع الكَشف في بالك وكأني خارجة عن الإسلام لأني أكشف
وحتقعد واقف عند هذه النقطة أحسن نوقّف هذا الزواج
لأنو مالنا مستقبل مزبوط مع بعض وانتا تقعد تفتح الموضوع هذا كل شويه إلين ما جبت لي القرف

نظر إليها صقر قبل ان يزفر بغضب ويقول بصوت أهدئ قليلاً : انقلعي ادخلي الغرفة ، ما ابغى اشوفك دحين

قبضت وجدان على يديها من حراااارة الغضب التي بدأت تعمل الحرائق في صدرها
جلست على إحدى الكنبات وهي تقول : مني منقلعة وريني إيش بتسوي يلا

نظر إليها صقر قبل أن تحتد نظراته ويتقدم إليها بخطوات مسرعة جعلت وجدان تظنّ أنه قادم ليضربها
لكنها فوجئت عندما حملها على كتفه مثل كيس الأرز ومشى متوجّه إلى غرفة النوم
متجاهل كلماتها الغاضبة : نزللللني ، صقر بلا قلة الأدب هذه نزلني

وضعها على السرير ثم قال : لو خرجتي من الغرفة بكسر رجولك

خرج من الغرفة و وجدان تنظر إليه بنظرات حاقدة وهي تقول بصوت واضح : قليل أدب ، ما يحترمني شايفني بزره عنده
قامت من السرير ونظرت إلى انعكاسها في مرآة التسريحة وقالت مقلدة صوته : بكسر رجولك
ثم عادت إلى صوتها الطبيعي : انا اللي نفسي أكسر رجولك افففففف

ثوانٍ قبل أن تتبدل نظراتها إلى نظرات خبيثة وهي تقول بتفكير : ما اقدر اكسر رجولك بس اقدر أهزمك بشي ثاني


جلس صقر على الكنبة وهو يزفر غضباً منها ومن عنادها الذي يأتي في أوقات غير مناسبة دائماً
كان يتوقع أنها في اقل من خمسة دقائق ستأتي إليه لكن الوقت تجاوز العشر دقائق دون أن تظهر نفسها ، أحس حينها بارتياح و بدأ يلعب
لكنّ الإرتياح لم يدم كثيراً فبعد أقل من ساعة سمع صوت نقرات الكعب على أرضية الصالة الخشبية
وثوانٍ قبل أن تقف بالقرب منه وجدان
لم يلتفت عليها متعمداّ لكن وجدان نادته بنعومة : صقر

كان عقله يأمره " لا تلتفت ، لا تلتفت " ، لكنه وهو يرى طرف فستانها الأحمر لم يتحمل أن يلف رأسه ليرى باقي الفستان
اتسعت عينه بتعجب عندما رأها تقف بكاامل أناقتها أمامه
مشت عيناه على الفستان الذي أبدى مفاتنها بدئاً بفتحة الساق التي تصل إلى أعلى الفخذ
وانتهائاً بأكتافها ونحرها الذي زاده لون الفستان صفائاً وإشراقاً

شعرها البني المموج كانت قد وضعته على كتفها الأيمن بنعومة
ومكياجها الذي تبرع فيها دائماً كانت قد تفننت بوضعه فبدت في غاية الجمال والعذوبة

كان صقر قد وقف بذهول وهو يرى مظهرها الذي لم يتوقعه أبداً
نظرته هذه أرضت غرورها وجعلتها تقول بغنج وهي تنظر في عينيه بثقة : عينك شبعت من المنظر هذا يا صقر ؟

مد يده يريد أن يلمس أطراف شعرها
لكنها تراجعت خطوة وهي تسأله مرة أخرى : ما جاوبتني ، عينك شبعت من هذا المنظر ولا لا

صدرت تنهيدة واضحة منه وهو قد فهم مقصدها تماماً ، قال : لأ

وجدان : طيب ليش قلت الكلام السخيف قبل شويه
صقر : قلتيها سخيف ومن البداية قلت لك أبعدي عني لأني بقول كلام بدون أي فلتر
وجدان : وكلامك هذا اللي بدون فلتر ما تعرف إنو فيه حدود ما ينفع تتجاوزها
يعني لمن تقولي انو عينك وعين غيرك شبعت من شوفتي حسستني كأني بنت مو كويسة الرجال كلهم شافو شكلي بالطريقة هذه

عندما رأت عيناه تشتعل غضباً وكأنه تخيل لو أن غيره رأها بهذا المنظر
قالت وهي توصل له غايتها من إرتداءها هذا الفستان الآن : مافي رجال غيرك يا صقر شافني كذا
ولمن أي رجال يشوفني بهذا المنظر ذاك الوقت بقول يحق لك تزعل وتعصب وتفرقع الدنيا
أما أنا جالسة في أمان الله مع أهلك بلبس محتشم وجا أخوك ودخل المكان
وانا متأكدة إنو ما شافني كويس بس لمح إنو انا موجودة
تقوم انتا تعصب ونخرج من بيت اهلك وتخلي فيه حساسية بينك وبين اخوك عشان موقف عابر ليش ؟

قال صقر وهو يرى غضبه له مبرر : لا تهوّني الموضوع وتقولي موقف عابر ، أنا دمي حااار ما اتحملت إنو اخويا شافك بدون غطى
وجدان بِ ابتسامة صفراء : تغار عليا يا عمري

جلس صقر على الكنبة التي خلفه وهو يقول : إيش رايك
وجدان بجدية : رأيي إنك تحاول تتحكّم في غيرتك هذه
وقالت بتعجب حقيقي : انا مدري كيف الوحدة تنبسط لمن تسمع من زوجها إنو يغار عليها

لم يرد عليها وهو يُعيد إنتباهه إلى اللعبة التي يلعبها
نادته وجدان وهي تجلس بجواره لكنه لم يلتفت عليها
نادته مرة أخرى وهي تزيد عيار الغنج في ندائها ما جعله يقول دون أن ينظر إليها : لا تنطقي إسمي بهذه الطريقة

وجدان بخبث : ليـــــش ؟
صقر وهو يمسك يد التحكم بقوة : تلخبطــيني

وجدان وهي تكتم إبتسامة انتصارها فلم تتوقع أن يعترف حقيقةً بهذا الأمر : طيب طالع فيني ، ليش عينك مركّزة على التلفزيون بزيادة
زفر صقر بتعب وهو يلتفت عليها : إنتي جايه وفي عينك شرّ ، إيش تبغي مني
وجدان : إنتَ عارف إيش ابغى
نظر صقر مرة أخرى إلى التلفاز وهو يحاول أن يعيد تركيزه في اللعبة دون جدوى

يعلم أنها تريده أن يعتذر لها على ما حصل قبل قليل لكنه لا يريد أن يعتذر
يعترف أنه تهوّر قليلاً في الكلام الذي قاله لها لكنها هي من اجبرته عليه
من البداية أخبرها أن تبتعد عنه وثم عندما أذاها تريده أن يعتذر وهي السبب أصلاً في كل ما حصل

كانت وجدان واثقة أن صقر في النهاية لن يقاوم مظهرها الفاتن الذي بذلت فيه جهد كبير لتظهر بهذه الصورة
لكنه فاجأها عندما أصرّ على موقفه ولم يلتفت عليها
عندما تأكدت أنه لن يلتفت عليها رفعت راية الاستسلام ، قامت من مكانها وذهبت إلى الغرفة بهدوء

ولو أنها كانت منتبهة للعبة أيضاً ولم تركّز إنتباهها على صقر فقط لعلمت أنه لم يلعب كما يجب بسبب وجودها بجانبه
عندما قامت من عنده اتكئ على ظهر الكنبة وهو يتنهد بتعب ، مقاومتها من اكثر الأمور الصعبة التي يواجهها هذه الفترة
لكنها هذه المرة جاءت بجميع أسلحتها لتهاجمه وهو العبد الضعيف كان يقاوم مقاومة لا تُذكر

تنهد وهو يتذكر كلامها وما فعلته لتثبت صحته ، لا يحب أن يقول هذا الأمر أمامها أو أمام أي أحد
لكنه بدأ يُعجب بشخصيتها التي كان يراها مجنونة ومتهورة
لا زال حكمه هذا عليها ، لكنها تفاجئه بعض الأحيان بكلام جميل و حكيم يظهر في بعض المواقف بطريقة غير متوقعة

كلامها الذي قالته تعقيباً للموقف الذي حدث في بيت أهله كلام لا غبار عليه ، وغضبها من كلامه الذي قاله لها يراه في محلّه
لكن بات الآن صِراع بين طبيعته المتعجرفة الغير مهتمة
وبين اهتمام غريب ناحية وجدان وهذا الاهتمام يفرِض عليه أن يراعيها ، يفرض عليه كرهه لرؤيتها حزينة
يفرض عليه شعوره بالبهجة عندما يرى الابتسامة تزيّن ثغرها ..




رواية الــسَــلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن