الفصل السابع والثلاثون

118 7 0
                                    










[ الفصل السابع والثلاثون ]



ألم الـــروح
هو شعورك بأن الدنيا كاملة تغلق أبوابها في وجهك
هو شعورك بأن جبل ضخم يقبع على صدرك ، ويكتم على أنفاسك
يجعلك مشتت الذهن ، خائر القوى ، ذا طاقة سلبية تجعلك تكره الحياة ومن فيها ..
ويجعل سؤال واحد يتردد في ذهنك ، لماذا أنا على قيد الحياة الآن والأرض قد ضاقت عليّ بما رحُبَت ؟!

تتعدد الأدوية لمعالجة الآم الجسد ، لكن ما السبيل لمداوة الروح إذا مرضت ؟


نامت الليلة الماضية بمزاج سيئ وبكاء لا يكاد ينتهي لتستيقظ في الصباح ونتائج معارك البارحة ظاهرة على صفحة وجهها
تلقّت الكثير من الأسئلة من الطالبات ومن طاقم التدريس فيما إن كانت بخير
وكم كانت تودّ أن تقول بأنها ليست بخير
لكن المجاملات الإجتماعية كانت سيطرتها أقوى عليها

عندما ركبت السيارة معه بعد انتهاء اليوم الدراسي ، وفور أن رأته تذكّرت ما جعل الألم يسكن صدرها ويرسم ملامحه على وجهها
هي قد لاحظت عليه غيابه الطويل المتكرر عن المنزل الفترة السابقة
ثم يعود بأعذار كانت تصدقها في البداية ثم أصبحت تراها أعذار واهية ليست حقيقية
خصوصاً في آخر يومين كان يدخل المنزل بدون أن ينظر إليها حتى
ويتوجّه إلى غرفة مكتبه بكل برود ويحبس نفسه فيها حتى تضطر في النهاية أن تنام من دونه

تصارعت الكثير من الأفكار في رأسها لكن الفكرة الأبرز التي بدأت تتسيّد على جميع الأفكار الأخرى
أن هناك إمرأة أخرى في حياته
المشكلة أنها ما إن وصلت إلى هذه الفكرة المرعبة حتى أصبحت ترى إحتمالية صحتها عالية جداً
كانت تشعر أنها ستُجن والفكرة تكبر أكثر وأكثر في رأسها

استرقت النظر إليه وهو يقود السيارة بملامح مُتجّهمة تجذبها بشكل غريب إليه دائماً
ولكنها هذه المرة كانت تفكر بخوف ، هل تفكيره عند إمرأة اخرى بالفعل
وهي متعمقة في هذا التفكير توقفت السيارة في زحمة السير كالمعتاد في هذا الوقت
لكن من غير المعتاد أن يتصرف فارس بطريقة هي بالنسبة لها همجيـه لا تصدر من إنسان مثقف مثله
عندما حاولت أن تتكلم لكي تُهدأه ، شعرت منذ أن التفت عليها أنه ليس في وضعه الطبيعي
الغضب والكثيــر الكثير من الغضب موجود في عينيه

ومهما كان هذا الغضب ، لم تتوقع أن تسمع منه بلسانه إعتراف ليس بأن هناك إمرأة أخرى في حياته
بل أنه لم يُردها هي بغداد في حياته من الأساس

امي غصبتني على الزواج منك
امي غصبتني على الزواج منك
امي غصبتني على الزواج منك
امي غصبتني على الزواج منك
امي غصبتني على الزواج منك

أخذت هذه الجملة تتردد في رأسها ، لا إرادياً وضعت يديها على أذنيها وكأنها لا تريد سماع كلام آخر
عيناها مفتوحة على وسعهـــــا وهي تنظر إلى الأسفل بصــــدمة ، إلى حذائها الأبيض الرياضي الذي تلبسه
ولا يوجد غير هذه الجملة المقيتة تتكرر في رأسها
بدأت الرؤية لا توضح عندها
و بدأت تشعر أنها تدخل عالم آخر لا يوجد إلّا هي ونفسها فقط
انفصلت عن العالم الخارجي تماماً

كانت تشعر أن السيارة قد بدأت تسير بسرعة متهورة
وأن فارس يسب ويشتّم بعصبية كل من يقف في طريقه
لكنها لا تستطيع إستيعاب ما يقول حتى

عندما توقفت السيارة في مواقف العمارة السكنية التي يقطنوا بها خرجت فوراً من السيارة وهي تجري
تريد أن تفرّ منه ، لا تريد أن تقع أنظارها عليه

لم تستقل المصعد ، بل صعدت الدرج
صعدت إلى الطابق الثاني ، وفتحت باب الشقة بسرعة وهي تسمع خطواته خلفها
دخلت إلى الصالة ومن ثم إلى غرفة النوم وأغلقت الباب بالمفتاح خلفها

انهارت جالسة على السرير وهي ما زالت بعبائتها ودموعها لا تتوقف
كانت تسمعه يطرق الباب بقوة ويطلب منها ان تفتح ، وربما لو أنها في وضعها الطبيعي
لكانت فتحت الباب الذي من الواضح أنه سيُكسر لو استمرّ فارس بممارسة العنف ضدّه
لكنها لم تهتم ، صدمتها أكبر من خوفها منه
كانت تربط جميع الأحداث التي بدأت من خطوبتها ، حتى عقد قرانها الذي لم يرسل لها فيه رسالة واحدة

شهقت وهي تشعر أن جسمها يرتجف أثر الألم الذي تشعر به يمزّق قلبها بلا أي شفقة

جموده في حفلة الزفاف ، وجموده في الأيام التي تلت ذلك
رؤيتها مئات الحواجز التي تظهر في بعض المواقف والتي تراه يخبرها فيها بتصرفاته أنه لا يريد رؤيتها الآن
إنفعالاته التي تظهر في بعض الموقف البسيطة
أصبحت تراها الآن منطقية ، بالطبع سينفعل على أتفه الأمور لأنه مغصوب عليها من الأساس

تذكرت جميع التصرفات وتذكرت أيضاً مشاعر حبها التي سكبتها عليه ، بالتأكيــــد أنها أشعرته بالإختناق والضجر
مع مرور الوقت دموعها لم تتوقف بل زادت وهي تفكر في حين أنها كانت تتعامل معه بكل حب بل وعــشـق
هو كان لا ينظر إليها سوى أنها فتاة أُجبر على الزواج منها

لا تدري كيف نامت وهي على السرير
لكنه كان نوم سيئ بالتأكيد إذ أنها استيقظت والشمس قد غربت
كانت تشعر أن جميع أجزاء جسمها تؤلمها

حاولت أن تقوم من السرير وتفتح الأنوار لكنها منذ أن وضعت قدمها على الأرض حتى شعرت بالدوار
وبالتعب الشديـــــد
بعد عدة محاولات استطاعت أن تقوم وهي تسحب جسمها بالقوة
أمسكت الجدار عندما وصلت له وهي تلهث ، تشعر بحرارة عالية في جسمها وبرودة في أطرافها
لم تفتح الأنوار بل فتحت الباب بالمفتاح وخرجت من الغرفة ، تريد شرب بعض الماء فمها جافّ تماماً و ربما الرجفة التي تشعر بها تهدأ

عندما خرجت من الغرفة تسنّدت على أول كنبه رأتها في الصالة وهي مستغربة الحال الذي هي فيه
هل الصدمة سحبت القوة التي في جسمها وتركتها مُنهكة خائرة القوى لهذا الحد !

حاولت أن تتعدل بصعوبة عندما رأته قادم من جهة غرفة المكتب
غرقت عيناها بالدموع فور أن رأته
سمعته يقول لها بهدوء هذه المرة : بغداد اسمعي
مرة أخرة وضعت يديها بسرعة على أذنها وهي تقول بصرخة : ما ابغــــــــــــى اسمع شي
و سرعان ما أعادت وضع يدها على الكنبة لأنها شعرت بالدوار
ثم بغضب خلعت عبائتها التي لا زالت ترتديها ورمتها أرضاً وهي تقول مرة اخرى : ما ابغى اسمع ولا شي منك
حاولت أن تمشي بخطوات بطيئة حتى لا تقع
ولم تنتبه إلى نظراته المصدومة الموجّهة لها
سمعته ينادي عليها مرة أخرى لكنها لم ترد عليه
نظرت إليه بغضب عندما وقف أمامها وقال وهو يمسك يدها : أجلسي على الكنبه
فلتت يدها منه بقوة وهي تقول بحدة : ما ابغى اشوفك يا فارس قدامي

لم يرد عليها بل اقترب أكثر وحملها مسافة خطوتين وهي تحاول بكل قواها الضعيفة أن تبعده عنها
عندما أجلسها على الكنبة قالت له بعصبية ودموعها تعاود النزول : قلت ما ابغى اشوفك يا فارس قدامي ، كيف تفهم

بشكل غريب ، هو لم يبادل عصبيتها بعصبية أكبر ، بل قال لها بهدوء يخفي فيه خوفه : حاولي تهدأي
نظرت إليه بغداد بسخرية حادة وهي تكاد تطلق ضحكة هستيرية لكلامه هذا : اهدأ ! شايف الوضع الزفت اللي أنا فيه وتبغاني اهدأ

نظر إليها فارس وهو يحاول أن يُخفي ذهوله من شكلها الذي جعل قلبه يتفتّـــــت
شعرها المبعثر ، بشرتها الشاااحبة جداً ، عيناها المنتفخة التي تحمل نظرات حااادة بعكس الهدوء واللطف التي تكون عليه عادةً
والأهــــــــم هو ما يلوّث ثيابها والذي بشكل غريب لم تنتبه عليه
قال لها : إيوه اهدأي .. وسكت قليلاً قبل أن يقول : ليش ملابسك كلها دم ؟

نظرت إليه بعدم استيعاب لما قاله قبل أن تطرق برأسها وتنظر إلى الأسفل
كانت التنورة البيج التي ترتديها قد تلوّثت بالدماء ، كمية كبيرة من الدماء حتى القميص الأبيض قد صعدت إليه هذه الدماء
وكأنها برؤيتها لهذه الدماء استطاعت أن تحلل الآم جسمها التي تشعر بها

نظر إليها فارس بحيرة وفــــــــــــزع من منظرها ، يعي حجم الكلام الذي قاله لها
لكنه لم يتوقع أن تكون أثاره قوية إلى هذه الدرجة ، خلال ساعات فقط أصبحت تبدو بهذا المنظر الذي يُفطر القلب
فكّر قليلاً قبل أن يقرر أن يدخل إلى الغرفة ليجلب روب الحمام لكي تبدل ثيابها على الأقل
لكنه عندما دخل إلى الغرفة راعه منظر السرير الذي كان مضرّج بالدماء أيضاً
خرج إليها وهو يقول يصرخ بخوف : يا بنت الناس إيش اللي حاصل ، من إييش كل هذا الدم ؟

رفعت بغداد رأسها تنظر إليه بحدة ، هل يريد أن يُظهر إهتمامه وخوفه عليها الآن وهو من تسبب بكل هذا !
قالت له بعدم اهتمام لكمية هذه الدماء ، أو ربما هي لا زالت لم تستوعب الموقف بعد : أكيد العادة الشهرية جات ، وانا ما انتبهت
حاولت أن تقوم من الكنبة لكنها لم تستطع
تعب شديد يغزو جسمها بأكمله يجعل من الصعب عليها أن تقوم مكانها

اقترب فارس منها عندما رأى محاولاتها الفاشلة
وضع يده على كتفيها لكي يساعدها لكنها ما إن وقفت بمساعدته حتى صرخت قائلة : أبعـــــد عني
مع صرختها وابتعادها عنه وهي بقواها الضعيفة هذه سقطت جالسة على الكنبة مرة أخرى

انفجرت بالبكاء وهي قد بدأت تشعر أن الوضع الذي هي فيه غير طبيعي
مع استيعابها اكثر للموقف بدأت الآم جسمها تشتـد ورجفتها تزيد
وهــي ، لا تريده أن يراها في هذا الوضع البائس ولا تريده أن تأخذه الشفقة عليها فيساعدها وهو من كان رافِض وجودها في حياته
تنهد وهو يقول لها : ممكن تنسي كل شي دحين وتخليني اساعدك تغيري ملابسك ونروح المستشفى

نظرت إليه من وسط دموعها وهي تقول عاقدة حاجبيها : المستشفى ليش ، انا ما فيني شي

حاولت أن تقوم مرة أخرى لكنها فشلت ايضاً
فارس الذي لم يعد به صبر وهو يراها بهذا الحال
وضع يده على كتفيها وأوقفها ثم حملها سريعاً وهو يقول : غيري ملابسك على الأقل بعدين نتفاهم على كل شيء

وضعها عند دورة المياه التي تسنّدت على بابها وهي تشعر أن رأسها يدور
قال لها فارس : تبغي ادخل معاكِ
هزّت رأسها بنفي ودموعها لم تتوقف حتى انها اصبحت تسيل بلا أي صوت
رغم كل شيء تشعر بالإحراج والغضب لأنها في هذا الموقف وهي في أضعـــف حالاتها

دخلت إلى داخل الحمام وأرادت أن تغلق الباب خلفها
لكن فارس أمسكه وهو يقول : لا تقفلي الباب ، انا بستناكِ هنا إلين ما تخلصي ،، ثم جعل الباب موارب
تنهدت وهي تمسح دموعها التي تأبى التوقف ثم بدأت في نزع ملابسها بهدوء شديد لكي لا يزيد الدوار
دخلت تحت الدش وهي قد تأكدت أن هذه ليست عادتها الشهرية ، بل هو نزيف
عقلها قد بدأ يصل إلى استنتاج المشكلة لكنها لا تريد التصديق
دموعها اختلطت مع المياه المنهمرة فوق رأسها حتى بدأ صوت شهقاتها يعلو ، بصعوبة اكبر كانت تكتم صوت شهقاتها بيدها
حتى لا يسمعها من يقف خلف الباب ، والذي للأسف اختلطت جميع أفكارها ومشاعرها تجاهه
لكن أبرز فكرة مسيطرة عليها الآن أنها ترثي نفسها وحالها المثير للشفقة

بصعوبة انهت استحمامها ، ثم ارتدت روب الحمام بدون أن تجفف جسمها أو شعرها
فور أن فتحت الباب رأت فارس يقف أمامها ونظراته القلقة تلفّها
مدّ يده لها لكنها لم تمسكها بل وضعت يدها على الجدار ثم بدأت تمشي ببطئ وهي تتسنّد عليه
قال وهو يشير إلى السرير : خلينا نروح المستشفى هذا الوضع مو طبيعي

عندما وقعت أنظارها على السرير خافت من منظر الدماء واجتاحتها نوبة غثيان جعلتها تشيح بوجهها وتجلس على كرسي التسريحة بتعب
فتح فارس الدولاب واختار لها بجامة لم يهتم حتى كيف شكلها لكن وجد ما أراده فيها وهو لون داكن غير ملفت من تحت العباءة
وضعها على التسريحة بجانبها وهو يقول : ألبسي وخلينا نروح المستشفى ونطمّن عليكِ ، واضح فيكِ شي مررره تعبانة

قالت له بغداد بصوت منخفض لا حياة فيه : بتصل على طارق يجي
نظر إليها فارس بعدم فهم : يجي ليش ؟
بغداد : يجي يوديني المستشفى
سكتت قليلاً قبل أن تقول : كفاية الغصيبة اللي انغصبتها على الزواج مني ، مالو داعي اضغط عليك أكثر
تنهّد بصوت واضح قبل أن يقول : البسي دحين ملابسك لا تبردي وخلينا نروح المستشفى ، بعدين نتفاهم

لم تعاند وترفض أمر ذهابها للمستشفى لأنها تأكدت أن هناك خطب ما بها ، لكنها لا تريد أن تذهب معه هو
هزت رأسها برفض وهي تقول بخفوت : ما بروح معاك ، بتصل على طارق وبروح معاه

اقترب منها وهو يقول بحدة : لازم من الفضايح يعني
غطت بغداد وجهها بكفيها وهي تقول بصوت متقطع وهي تعود لنوبة بكاء أخرى : انتا مو حاس قد إيش قاعد تضغط عليا وانتا واقف جنبي هنا
ما ابغى ارووح معاك يا فارس لو بموت من كثر الوجع

هدأت حدة فارس فوراً وكسى الألم ملامحه وأصبح ظاهراً عليه لأول مرة وهو يسمع كلامها
لن يبالغ إن قال أنه شعر وقتها بغصة كبيرة تسكن أعلى حلقه وهو يسمع صوتها الذي بُــحّ من كثر البكاء
في داخله شعر أنه يبكي لبكاءها ، لم يهتم بكلامها الموجّه له وهي ترفض أمر ذهابها معه
لكنه كان مهتم بها أكثر ، خوفه عليها جعله يقترب منها ويجلس على ركبتيه أمامها
سحب كفيها من على وجهها ليرى الألم والحزن متجلّي على ملامحها
قال بهمس وبنبرة تحمل من الرجـــاء الشيء الكثير : الله يخليكي خلينا نروح المستشفى دحين
معليش اضغطي على نفسك واركبي معايا السيارة ، وفي المستشفى كل اللي تبغيه بيصير

تعلقت عيناه بعيناها لأول مرة ، قال لها بذات الهمس : عشان نفسك وعشان مصلحتك خلينا نروح دحين وبعدين لكل حادث حديث





:





نـظر إلى الطبيبة بعدم فهم وهو يردد ما قالته : اجهضـت !
قالت له الطبيبة وقد لفتتها ملامح الصدمة وعدم الفهم على ملامحه : ايوه المدام اجهضت الجنين
قال لها وهو يحاول استيعاب الأمر الذي لم يتوقعه مطلقاً : إيش السبب ؟

الطبيبة : ارتفاع في الضغط ، بنحاول نسوي اللي نقدر عليه عشان نحافظ على الجنين الثاني

شعر بصعوبة إلتقاط انفاسه وهو ينظر إلى الطبيبة بجمود : فيه جنين ثاني ؟
قالت الطبيبة بشرح أكثر : كانت حامل بتوأم ، اجهضت واحد ، والله يعوضكم بالجنين الثاني
بنحاول نعمل اللي نقدر عليه لكن الله أعلم إيش بيحصل ، جسمها ضعيف ونزفت كثير

كان يرمش عدة مرات ليحاول استيعاب هذا الأمر وهو مطرق برأسه إلى الأرض
رفع بعدها رأسه لينظر إلى الطبيبة وسألها : أهـــم شي هي حتكون بخير ؟
الطبيبة بنبرة عملية : ان شاء الله بتكون بخير

ذهبت الطبيبة ليضع هو كل ثقله على أحد الكراسي
ارتفاع في الضغط !
ماللذي فعله فيها ، بل ماللذي أصابه ليقول لها ما قاله
وهو من كان يعلم في قرارة نفسه أنها لن تتحمل بطبيعتها الرقيقة هذا الكلام
شعوره بالغضب من نفسه يزيد وَ يزيد
كلما يتذكّر كيف خرجت من غرفة النوم وهي بتلك الحالة الذي كان هــــــــــو من أوصلها لها


بعد منتصف الليل كانو قد نقلوها إلى غرفة لتنام هذه الليلة في المستشفى تحت ملاحظة الأطباء

كانت نائمة بالفعل في هذه اللحظة ، وهو يجلس على كرسي بجانب سريرها مُمسك بيدها و ينظر بهدوء إلى وجهها والتعب الواضح عليه
عاجز عن تصديق أنها كانت حامل بِ تــــوأم ، وهو بكل صفاقة تسبّب بفقدان أحد الطفلين

في هذه اللحظة هو خائـــف ، بل يكاد يموت خوفاً لأنه موقن تمام اليقين أنها لن تعود إلى حياته بعد كل ما حصل

شعوره متمزّق بين خوفه عليها وعلى صحتها ، وبين خوفه منها عندما تستيقظ
والأهــم كان وهو ينظر إلى بطنها المسطحة ،،، هل ستسامحه على تسببه بفقدان أحد اطفالها

ضغط على يدها التي بين يديه وهو يفكر أنها حـــتى لو سامحته ، هو لن يُسامح نفسه مُطلقاً على أذيتها بهذا الشكل
وهو يعلـــم أنها بغـــــــداد ، التي تشع رقِـــة وبهاء
وتنثر لطفها ومحبتها أينما حلّت
والمهـــــــــم التي لا تستحق أن تسمع هذا الكلام بالذات منه

تفاجئ عندما رأى قطرة ماء على كفها الذي بين يديه ، ليتفاجئ أكثر أنها دمعة خرجت منه دون أن يشعر
رفع رأسه فوراً ليمسح عينيه ويمنع دمعة أخرى تخرج منه
بلع ريقه وهو يحاول أن يُبعد الغصة التي في حلقه ، لم يبكي منذ أن كان طفلاً
منذ أن كان تحديداً في السابعة من عمره عندما أخبرته والدته أنها ستتزوج

بكى وقتها بظنه أنها ستتراجع عن هذا الزواج لكنها لم تتأثر ببكاءه كما كان يتوقع
بل و أخذت تحاول أن تزيّن له الفكرة وأن حياتهم ستكون أفضل بوجود أب جديد له من حينها لم يبكي ابــــــــداً
علم أن البكاء لا ينفع ولا يؤدي إلى أي نتيجة

تنهـد تنهيدة عميقة و مد يده يمسح على وجنتيها الناعمة وهو متأكد أن دموعه العصيّـة على النزول ، نزلت لأجلها ، لا لأجله


قبيل الفجر بقليل وهو لا زال يجلس على الكرسي بجانبها ينتظرها أن تستيقظ لكي يطمئن عليها
فتحت عيناها ببطئ ليشعر هو بالإرتـــــــباك لأول مرة في حياته
ارتبك أكثر عندما نظرت إليه وهي تستوعب وجوده قبل أن تعقد حاجبيها وتشيح بوجهها عنه

لم يستطــع ان ينطق بحرف ، في هذا الموقف لم يعرف حقاً ماذا يقول فَ فضّل الصمت
لكن بغداد لم ترحّب بهذا الصمت إذ أنها قالت بهمس : كانو توأم

شعر أن الغرفة تطــــــبق عليه وهو يستشفّ الحسرة في صوتها
أكملت قائلة : كنت حاسّة إني حامل ، بس ما اتوقعت اني بكون حامل توأم

تفاجئ عندما سمع كلامها ، سألها : ليش ما قلتي لي ؟

بغداد بذات الهمس الهادئ بدون أن تلتفت عليه : انشغلت بأمور ترتيب زواج صقر وكنت مخططة إني بعد الزواج أروح المستشفى
بلعت ريقها بصعوبة وهي تتذكر كم من تحاليل الحمل التي جربتها منذ أول شهر بعد الزواج
كانت متشوّقة ولا تكاد تطيق صبراً على ان تكوّن عائلة خاصّة بها بمشاركة الشخص الذي تحبّ

حتى الشهر الماضي قررت أن تتوقف ولا تجرب هذا الشهر
لكنها عندما تأخرت عادتها الشهرية جاءها يقين أنه من الممكن جداً أن تكون حامل بالفعل هذه المرة
وانشغلت مع ترتيبات زواج صقر وهي مأسورة لهذه الفكرة ، وخائفة من أن تجرب تحليل الحمل وتكون النتيجة سلبية مثل الشهور الماضية
كانت تريد أن تعيش مع هذه الفكرة لعدة أيام قبل أن تتأكد

عندما حصل لها النزيف في المنزل جاءها ذات اليقين السابق أنها حامل ، لكنها هذه المرة علمت أنها قد فقدت طفلها
ولم تتوقع أن يكون هناك جنين آخر ما زال متشبّث بالحياة

بلعت ريقها مرة أخرى وهي تقول بهدوئها الذي استعادته بصعوبة لكن مع نبرة ألم تذيب القلب : اليوم نحــــــرت روحي يا فارس
نظر إليها فارس بجمـــــود
جمود يخفي تحته مئات الأحاسيس التي يودّ لو يستطيع أن يظهرها لها

أكملت بغداد كلامها قائلة : ماما ليش غصبتك على الزواج مني ؟ شفقة منها لأنها شافتني كبيرة وقربت ادخل الثلاثين

هذه الفكرة التي توصّلت لها ببساطة
لكن فارس قال لها سريعاً وهو يحمد ربه في داخله أن هذا ما فكّرت فيه
من المستحيل أن يخبرها أن والدته بكل أنانية وحب تملّك أرادت أن تحتفظ بها لأنها لا تريد لثمرة جهدها تذهب إلى منزل آخر
وأنها هددته إذا لم يتزوجها سترفض خطاّب بغداد حتى تصبح عانساً لديها ويكون هو السبب
: كانت تبغاكي تكوني زوجة ولدها بس

قالت بغداد بقهر : بإنها تغصبـــك عليا ؟

تنهد فارس وهو يقول : بغداد انا ما كنت رافض الزواج منك لعيب فيكِ
صدقيني اللي يتزوج إنسانة زيّك يحمد ربه ليل نهار لأنها زوجته

بغداد بألـــــم : إلّا انتا كنت شايفني بنت انغصبت غصـــب على الزواج منها ولّا انت رافضها

فارس بسرعة : رفضتك لعيب فيني ولّا انتي
عضّ على شفاته بقوة ولأول مرة في حياته يشعر أن العَبرة تخنقه وأنه من الممكن لدموعه أن تنزل في أي لحظة
يشعر أن بعد هذا الحوار لن يراها ، أكمل قائلاً : انتي كاملـــة يا بغداد والناقص هو اللي بيرفضك

طوال هذا الحوار وبغداد تنظر أمامها ولا تنظر إليه مطلقاً
لكن بعد آخر كلام قاله ، التفتت عليه وهي تقول بتماسك تجاهد على الحفاظ عليه بينما في داخلها تشعر أن هناك جرحاً نازفاً في قلبها يؤلمها بشدة
: ليش طيب ؟ ابغى اعرف اسباب رفضك

أطرق برأسه ينظر إلى الأرض وهو لا يريد الإجابة

عندما طــــــــــــــال الصمت بدون أن يجاوب على سؤالها ، قالت له بصعوبة : فيه حرمة ثانية في حياتك
رفع رأسه ينظر إليها بصدمة من هذا الاستنتاج : إييييش ؟ ! !

أعادت بغداد سؤالها : في حرمة ثانية في حياتك عشان كذا كنت رافض الزواج مني
فارس : بغداد باللهِ إيش التفكير هذا !

نظــــرت إليه بغداد نظرة طويلة قبل أن تعاود النظر أمامها وقالت
: دام إنك حتقعد كذا ما تبغى تتكلم زي دايماً أجل أخرج يا فارس من عندي لا تزيد همّي همّ

سكتت قليلاً قبل أن تقول : انتا ما تعرف قد إيش انا كنت اضغط على نفسي عشان ما ابيّن لك إني مو زعلانة من الصمت حقتك
طوال فترة زواجنا وانتا تختار بعناية الأشياء اللي تبغى تقولها ليا ، كتوم كتمان يتعّـب
فجأة مزاجك يقلب وما تبغاني أزعل لمن يقلب ، فجأة تقرر تكون ساكت وما تبغاني اسألك
طبعك صعب وكان يضغط عليا بشكل مو طبيعي لكني كنت أحاول أمشّـي لأني ابغى حياتنا تمشي
مسحت دمعة تمرّدت عليها وسالت على خدها وهي تقول : لأني حبيتـــك ، حبيتك من كل قلبي ، وكنت ابغاك قريب مني
حتى وانتا ساكت وقريب لكني أحسك بعيد ، كنت ابغاك برضو تكون موجود في حياتي
وما كان عندي نية اني استغني عن هذا الوجود
لكن اتوقع إلين هنا وكفاية ، لو اني ابغى احافظ على اللي في بطني ، الأفضل عيني ما تشوفك يا فارس

قالت هذا الكلام الذي لم يكن من السهل قوله ، ولم تتوقع أنه بالفعل يقوم من كرسيه وهو يقول : قلت لك من أول اللي تبغيه بيصير
ثم قال لها قبل أن يخرج : بتصل على طارق يجي

نظرت إلى الباب عندما سمعت صوت إغلاقه بصدمـــة
خرج !
خرج بالفعل وتركها لأنها طلبت منه ذلك ، بكل بساطة !
بدون أن يحاول معاها ولو لمرة واحدة أن تعود إلى بيتهم معه ، وبدون أن يخبرها كالمعتاد أن مكانها هو البيت وبجانبه

بدون أن يضمها إلى صدره لأنها فقدت طفلها ويهوّن عليها ويواسيها
بدون أن يطلب منها أن تسامحه أو تضع له العذر ، أيّ عــــذر لكي تنسى ما زلّ به لسانه
بل بكل برود يخبرها أنه سينفّذ ما تريد ، وكأنه يخبرها برسالة مبطّنة أن طلبها جـاء على ما يريده هــو بالضبط !

وللأســف بدون أن يخبرها أنه أحبها كما صرّحت بحبها له لأول مرة أو حتى يُبدي تأثّره بهذا الكلام على الأقل لمرة واحدة بدل هذا الجمود

قالت بصوت واضح والدموع قد أخذت مجراها وسالت على وجنتيها بغزاااارة : مغصوب عليكي يا بغداد مغصووووب ، متى حتستوعبي الشي هذا



رواية الــسَــلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن