الفصل الواحد والثلاثون

81 5 0
                                    











[ الفصل الواحد والثلاثون ]



يومٌ جديد ..

لا يعلم هل ما حصل اليوم كان صدفةً أم لا
لكنه مع هول ما حصل معه بالأمس نسي حتى جدول محاضراته
لذلك تفاجئ عندما علِم أن اليوم لديه محاضرة لشعبة طالبات في المستوى الثالث أي في عمر اخته منار تقريباً

لم يكن بكامل تركيزه وهو يلقي المحاضرة
بل كان كلما يسمع صوت إحدى الطالبات يتذكر اخته منار فوراً ، ويتذكر ايضاً قرار والده بمنعها من إكمال دراستها
قرار لا يمتّ للعقل بصلة طبعاً ، كان كل ما يريده أن ينتهي من محاضراته بسرعة لكي يذهب إلى منزل والده
يشعر بالقلق الشديد أن يكون والده قد عاد وأجرم في منار كما كان يريد بالأمس ..

انتهى من دوامه ، وأقلّ معه بغداد من الجامعة لكي يُعيدها إلى المنزل

وهم في السيارة ، بعد أن مشوا في طريق العودة عِدة دقائق
شعر بيدها الناعمة تمسك بيده وهي تسأله بتردد : يا عمري فيك شيء ، وجهك مو عاجبني ؟

شدّ على يدها وهو يقول بخفوت : إرهاق بسيط بس ، ما نمت كويس امس
بغداد وهي تتأمّل ملامحه من خلف النقاب : إيوه ، حسيت فيك كنت تتقلّب طوال الليل

اغتصب ابتسامة بسيطة ظهرت على فمه بدون أن يعلّق
بعد وقت قليل ، ومع انغماسه في التفكير بشأن منار وإيجاد حل للمشكلة لم ينتبه إلى التجهم الذي أصبح ظاهراً عليه

لكن بغداد التي كانت كل حواسها مركزة معه ، كانت منتبهة إلى تعابير وجهه المتجهمة
إحساسها يخبرها أن هنالك شيء غير طبيعي يحدث
لكنه عندما يكون متجهم بهذه الطريقة تشعر وكأن هنالك حاجز رُخامي بينها وبينه يمنعها من قول أي شيء له
حاجز لا يُرى بالعين المجرّدة لكنها تراه بعين قلبها ، وكم يؤلمها رؤيته لمرات كثيرة منذ أن ارتبطت به


عندما اوقف السيارة أمام باب العمارة وليس في الموقف المخصص له سألته بتعجب : ما راح تنزل ؟!
جاوبها بسرعة : لأ ، عندي مشوار ضروري بسويه وبعدين برجع البيت

زمّت شفتيها بضيق وإحساس في داخلها ينبئها أنه من المرجّح أن يتأخر مثل الأمس
هل من الغريب القول أنها مُشتاقة إليه رغم أنه يجلس بجانبها تماماً
وكانت تأمل أن يعود مزاجه إلى طبيعته لكي تستطيع قضاء بعض الوقت معه ..

عندما خرجت من السيارة ، أنحنت قليلاً لتنظر إليه وقالت : بكلم السواق يجي ويوديني عند ماما ، طيب ؟
رد عليها فارس بسرعة : تمام ، وأنا إذا خلصت باخذك

مشيت بخطوات بطئية وهي مستغربة من موافقته على اقتراحها
في العادة كان سيوافق لكن ليس قبل أن يخبرها على الأقل أن ذهابها لا داعي له وهم ما زالوا في منتصف الاسبوع
التفتت عندما فتحت باب العمارة لتجده ما زال ينتظرها لكي تدخل إلى الداخل
زفرت وهي تدخل و تستودعه الله في قلبها








/







اتصل على زوجة والده قبل أن يخرج من الجامعة وأخبرته أن كل شيء على ما يُرام ولم يعُد والده إلى المنزل منذ الأمس
لكنه الآن شعر بالتوجّس عندما دخل الحارة و رأى سيارة والده متوقّفة أمام باب منزله

أوقف سيارته بجانب سيارة والده ونزل من السيارة على عجل
عندما دخل إلى داخل المنزل كانت الصالة خالية لكنه ما أثار رُعبه الأصوات العالية التي تصدر من غرفة زوجة والده

دخل إلى الغرفة و وجد ما كان يخشاه
والده ممسك بشعر منار ويصرخ بها ، و زوجة والده ممسكة بيد والده وهي تصرخ فيه : حرااام عليك خاف ربك وسيبها
كانت مرح بنفس المنظر الذي رأها بالأمس ، تقف بوجه مليئ بالدموع ، مليئ بالعجز والخذلان ، أما لينا فلم تكن موجودة في الغرفة

اقترب بخطوات سريعة وامسك بيده والده التي على شعر منار وهو يقول له : اتعوّذ من الشيطان وسيب البنت

كان ابو فارس على الرغم من طول قامته إلّا أنه أقصر من فارس بقليل ، رفع انظاره إليه وهو يقول : بنتي أسوي فيها اللتي تبغاه
نظر إليه فارس بنظرات غاضبة ، لكنه قال بهدوء : سيب شعرها

على الرغم من أنه لا زال بقوته ، إلّا أن ابو فارس شعر بقوة ابنه عندما أمسك بيده
شعر أن هذا الابن الذي أصبح شاب قوي وليس بطفل صغير يستطيع التغلّب عليه لو أراد ، ما جعله يفضّل أن يتراجع في الوقت الحالي

أفلت يده من شعر منار وقال بغضب : تدافع عنها الملـ ......
قبل شويه مشيت في الحارة والناس كلهم يطالعوا فيني بسببها ، وطّت راسنا كلنا الـ .......

عندما أفلت والده منار أمسك بها ، رأى على وجهها علامات أصابع والده ، قال بغضب
وهو يرى والده ينفض شعرات منار التي علقت بين أصابعه بدون أدنى إحساس : تضربها عشان الناس طلّعوا عليها إشاعة مالها أساس

قال والده باقتناع وهو يخرج من الغرفة بعد أن شعر أنه برّد قلبه قليلاً بضربها الذي كان ينوي عليه منذ الأمس
: جزاتها ، الناس ما بيتكلموا إلّا على شيء شافوه

كان فارس ينوي أن يخرج ، لكنه التفت على منار التي قالت بصوت باكي لوالدتها وهي تصرخ
: لو الناس عرفوا إني بريئة تتطلقي منه ، ما ابغااااه يدخل بيتنا خلااص اكرهه ، اكرررررهه

تنهد وهو يخرج ، لم يجد والده في الصالة لكنه سمع إنغلاق باب المنزل الخارجي بقوة
وكأنه يثبت أنه ما جاء إلى هنا إلّا لسبب واحد ، أن يضرب منار بما أنه لم يستطع بالأمس
وعندما نال مُراده لم يعد هناك حاجة للجلوس وخرج من المنزل ..

خرج بسرعة ولحق بوالده الذي كان يشغّل سيارته
فتح باب السيارة ما جعل والده ينظر إليه بانزعاج من خلف نظارته الشمسية : إش عندك ؟

قال فارس وهو يضيق عينيه قليلاً بسبب نور الشمس
: بعيد عليك نفس الكلام اللي قلته أمس ، لو ظهر إن منار بريئة تماماً من هذه الإشاعة بتعتذر لها ، وبتعتذر لخالتي وداد ؟
قال والده بكبرياء ذكوري : اعتذر ليش ، بعّد بس لا تعطلني عن أشغالي

ابتعد فارس وهو يشعر بالغضب العااارم من ردّه وإن كان متوقع نظر إلى والده الذي ابتعد بسيارته ، ثم دخل إلى المنزل مرة أخرى
عندما دخل إلى الصالة ، كانت زوجة والده مرتدية عبائتها
ومرح بجانبها تحاول أن تثنيها عن شيء ما : ماما طيب استني شويه ماله داعي تروحي بيتهم في هذا الوقت

سألهم فارس : إيش فيه ؟
التفتت عليه مرح وهي تقول : كلّمها ، مُصرّة تروح بيت الرجال اللي طلعوا عليه الإشاعة مع منار وتبغى تتكلم مع أمه

قالت وداد وهي تلف طرحتها على رأسها : إيوه بروح وأشوف إيش معنى طلعت الإشاعة مع ولدهم هذا بالذات
الله أعلم لا يكون هوّا اللي مطلع الإشاعة على بنتي ومشوّه سمعتها
ثم نظرت إلى فارس وقالت بحزم : فارس رجاءً لا تمنعني من الروحة لبيتهم ، انا احترمك واعزّك بس ما ابغى أسمع أي اعتراض منك

قال لها فارس : امنعك ليه ؟ بالعكس انا بوصّلك وبتكلم معاكِ عند أمه
شعرت وداد بالإرتياح لتأييده لما تريد فعله

سأل فارس مرح بقلق : فين منار ؟
أجابته : دخلت تتحمم ، وأكيد إنها كمان تكمل بكائها اللي ما خلّص
زفر فارس وهو يشعر بالحُرقة الشديدة عليها ، ثم سألها : طيب ولينا فينها مالها حِس ، لا يكون روّحت بيتها ؟

مرح : لاا في الغرفة مع عيالها ، انا وياها كنا في الغرفة لمن سمعنا صوت ابويا وهو يضرب منار
بس لينا ما خرجت عشان لا ينفجع زياد ، كفاية عليه أمس

تغضّن جبينه وهو يتذكر بشكل مشوّش الطفل الصغير الذي كان مُختبئ خلف ثوب أمه
بالتأكيد شعر بالهلع والخوف وهو يُشاهد أمامه عنف بشكل مباشر ، والله وحده يعلم كم من الممكن أن يظل هذا الموقف عالِق في ذاكرته

قالت مرح وهي تنظر إلى والدتها و التي كانت لا تعتقد مثلها إن الرجل من الممكن أن يكون هو صاحب الإشاعة
وفي نفس الوقت تشعر بالإحراج لكون والدتهم ستقتحم منزل جيرانهم في هذا الوقت : بتروحوا دحين في الظهر !

قالت وداد وهي تتأكد من أن هاتفها في حقيبتها الصغيرة : أجل استنى الوقت المناسب عشان اتناقش في سمعة بنتي
كل ما اتحركنا أسرع كل ما خلّصنا من هذه المصيبة اللي طاحت فوق راسنا
ثم نظرت إلى فارس الذي لا زال واقفاً ولم يجلس وقالت له : يلا

مشى فارس خارج من المنزل وهو في داخله متعجب من زوجة والده الذي كان دائماً ما يصفها بالمرأة الثلجية لهدوء أعصابها دائماً
لكنّ المصيبة العظيمة التي كما قالت وقعت فوق رؤوسهم جعلتها كَ كرة نارية مُلتهبة
حالها الآن أشبه بحال اللبؤة المكشرة عن أنيابها التي ستفعل كل ما يلزم لحماية صِغارها

في السيارة لم يتبادل الحديث مع زوجة والده التي كانت تتمتم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم طيلة الدقائق القليلة
وهي المسافة بين منزل والده ومنزل الجيران المعنيين بالأمر
عندما طرقوا باب جيرانهم فتح لهم الباب صبي في بداية مراهقته لايزيد عمره عن الرابعة عشر
أخبرته وداد بلطف أن يُخبر والدته أن ام لينا تُريدها عند الباب

دقيقتين على الأكثر قبل أن تأتي المرأة مُلتفة بشرشف صلاتها وترحّب بأم لينا
وإن كانت لم تستطع إخفاء تعجبها من هذه الزيارة المُفاجئة بدون سابق إنذار

قالت لها ام لينا بعد أن سلّمت عليها : يا ام مُعاذ اخو بناتي واقف عند الباب ، وأنا وياه جايينك في موضوع ضروري نبغى نتكلم معاكِ فيه

توجّست ام معاذ وهي ترى من خلف الباب الظل للرجل الطويل الذي تسائلت عن سبب وجوده قبل حتى ان تقترب وتسلّم على جارتها البعيدة
أما وقد أخبرتها أن سبب زيارتهم موضوع يريدوا أن يتكلموا فيه ، في هذا الوقت ، فقد شعرت أن هنالك خطبٌ جلل

دعتها للدخول إلى مجلس الرجال ، ثم استأذنت لكي تلبس عباءتها وتعود إليهم
لم تأخذ الكثير من الوقت قبل أن تعود إليهم مرة أخرى
نظرت بدهشة إلى وجه جارتها بعد أن خلعت غطائها واكتفت بحجابها
كان وجهها صارم و خالي من المكياج تماماً ، فهي لم ترها بوجهها الطبيعي من قبل
فنظراً لأن علاقتهم سطحية تماماً كانت لا تقابلها إلّا في المناسبات

سألتها وهي تشعر بخجل طفيف من الشاب الجالس في طرف المجلس ولم ينظر إليها مُطلقاً
: خير يا ام لينا ، إيش هو الموضوع اللي تبغي تكلميني فيه ؟

سألتها ام لينا سؤال لم تتوقعه : كيف تشوفي بنتي منار يا ام معاذ ؟

نظرت إليها بتساؤول ، هل يوجد مشروع خطبة أم ماذا ، قالت لها بصدق : واللهِ منار ما شفنا منها إلّا كل خير
سألتها ام لينا مرة أخرى : ما شفتي منها شيء يستدعي إنك تشكي في تربيتها وأخلاقها صح ؟

تفاجئت ام معاذ وهتفت قائلة : لا أعوذ بالله إيش الكلام هذا ، بالعكس بنتك من البنات اللي ارتاح لمن أعرف إن بنتي جالسة معاها
انا ما قد جلست معاها تمام لأنها لمن تجي تكون هي و وفاء يا في مجلس الحريم أو في غرفة وفاء
منار معزتها من معزة وفاء و واثقة فيها
ثم سألتها بقلق : ليش لا يكون سمعتي كلام خطأ إني أهنت منار ، والله ما قد أذيناها و ولا أحد غلط عليها وهي في بيتنا

نعم هذا هو ما جاء في بال هذه المرأة في النهاية ، أن تكون ام لينا جاءت إليها لأن ابنتها قد اشتكت من شيء حصل لها في منزلهم
ربما ابنتها الكبرى - اخت وفاء - قد أذتها بالكلام فهي أحياناً تكون ذات لسان سليط و لا تلقي بالاً لما تقوله

لكن ما سمعته من ام لينا فاق كل توقعاتها ، وما أثار حفيظتها وجعلها ترفع صوتها قليلاً عندما أنهت ام لينا كلامها بقولها
: أنا ما اتهم ولدك بشيء ، بس ابغاكِ تتأكدي لا تكون الإشاعة خرجت من بيتكم سواءً من ولدك أو من وحدة من بناتك

ردت عليها سريعاً : اعوذ بالله لاااااا ، اعوذ بالله مستحيييل الكلام هذا يخرج من بيتنا ، مستحييل

قالت لها أم لينا بقهر : ومن المستحيل طبعاً إن الكلام هذا يطلع من بيتي ، وإذا ما طلع من بيتك من ميين ممكن يطلع ؟
أكييد في كلمة من هنا ولا من هنا خرجت وخلّت الجيران يتكلموا فيها

ام معاذ : الله أعلم من فين الكلام الزِفِــر هذا خرج بس مستحيل يكون معاذ له يد في الموضوع
معاذ ولدي اللي ما يخلي فرض ما يصليه في المسجد ، حافظ القران ، مستحيل أصدق فيه كلام زي كذا

ام لينا : وبنتي منار مستحيل أشكك في أخلاقها وفي تربيتي لها
ومستحييل كمان أخلّي الموضوع زي كذا يعدّي بدون ما أسوي شيء

قالت ام معاذ بنرفزة : يعني إنتي جايه يا ام لينا وفي راسك إنو عيالي هما الناس الوسخين اللي طلّعوا الكلام عن بنتك

قالت ام لينا بصوت قوي لم يتأثر بالغضب البادي على من تجلس مقابلتها
: انا ما اتهمت أحد بشيء ، انا اقول لك ابحثي في الموضوع واسألي بناتك و ولدك

كانت تنوي أن ترد عليها ، لكن من كان يجلس بصمت ، قرر أن يتخلّى عن صمته عندما قال لها بهدوء غاضب :
قبل لا تفكّري تعصبي من كلام خالتي ، فكّري في مصيبتها وفي مصيبة بنتها
ترى انتي وياها في الهوا سوا ، وكل وحده فيكم ، الحارة يتكلموا في عيالها
و قبل لا تفكري تهاجميها وكل همك إنك تنفي تهمة إن الإشاعة خرجت من بيتك
شوفي اسألي بناتك إذا كان لهم كلام مع أحد من الجيران
أوقات كلام نحنا نشوفه عادي بس الشيطان شاطر ويخلي اللي قلبه فيه مرض يحوّله لكلام سيء ما يخطر على البال

قالت برأي لم يتراجع : مستحيل الكلام يخرج من بيتنا
فارس : منار خرجت من بيتكم قبل يوم ، ومن بعدها الإشاعة هذه صارت على كل لسان ، مافي إلّا إن الكلام خرج من عندكم
مع كامل إحترامي لكم ، مافي إلّا هذا الحل

كانت تغطي وجهها ، لكن فارس استطاع أن يرى من خلال عينيها الظاهرة من نقابها أنها غاضبة جداً من كلامه
لم يهتم ولو قليلاً وأكمل كلامه : نحنا من أمس نحاول نسأل الجيران بس ما عرفنا مين اللي بدأ الكلام
وعشان خاطر العشرة اللي بيننا بنحاول نحلّ الموضوع بدون تدخل الشرطة لأن ممكن سبب الموضوع كله سوء تفاهم وشيء انفهم غلط
لكن إذا ما فهمنا الموضوع هذا كيف بدأ ، ما راح يكون فيه حل إلّا إننا نشتكي كل الجيران للشرطة بتهمة القذف
وهم عاد بيعرفوا كيف يتصرفوا ويطلّعوا مين المجرم في هذا الموضوع

قالت وهي تشعر بالغضب لأنها لوحدها تواجه هذا الشاب
لو كانت تعلم بهذا الموضوع لكانت انتظرت زوجها او ابنها لكي لا تكون وحدها في مواجهته : تهددنا يعني ؟
روح اشتكي ما بمنعك ، انا واثقة في أهل بيتي ومستحيل أصدق ولو واحد في المية إن التصرف هذا يخرج منهم

أشار لزوجة والده ان تقوم وهو يقف ويرد على كلامها بقوله : انا ما هددت ولا اتهمتكم بشيء
كل اللي قلته اتأكدي لا يكون أحد من أهل بيتك خرج منه كلام عادي لكنه كان السبب في هذه الإشاعة

خرجوا من المنزل بدون أن تخرج معهم أم معاذ لتوديعهم

دخل فارس إلى السيارة و فور أن استوى في جلوسه خلع العقال والشماغ والطاقية و وضعهم بترتيب في المقعد الخلفي
قالت له وداد وهي مقدّرة جداً وقفته معهم منذ الأمس : معليه يا ولدي أشغلناك معانا من أمس

قال فارس وهو يحرّك المقود بيد ، وبيده الأخرى كان يرتّب شعره القصير جداً : إيش الكلام هذا يا خالة ، الله يهديكِ بس
غصباً عني مو بكيفي بنشغل في الموضوع هذا ، الموضوع يمسّ اختي اللي سمعتها من سمعتي
واللي يضرّها يضرّني أكيد

قالت له وهي مُعجبة جداً بشخصيته القوية والواثقة مما تفعل : الله يحفظك لأمك ولزوجتك ولأخواتك ، ويجعلك سند لهم دايماً
على قد محبتي الكبيرة لبناتي وأشوفهم من أجمل نِعم الله علي
إلّا إني كنت أتمنى دايماً لو إن عندهم أخ ينسـندوا عليه إذا الدنيا قلبت عليهم زي الموقف هذا اللي نحنا عايشين فيه
ما كنت ناسية وجودك ، بس كنت طول وقتك بعيد يا فارس
لكنك من وقت ما رجعت وبدأت تداوم على زيارتنا وانا شايفه كيف البنات فرحانين فيك
و وقفتك من أمس معانا ، خلتني أقول تسلم يمين صفاء اللي ربّت رجال أفعاله ترفع الراس و يخلّي أهله فخورين فيه
تهدّج صوتها وهي تكمل : واللهِ من أمس وأنا أدعي لها ، أقول الله يحرم وجه ام فارس من النار ويجزاها الجنة
ما تدري يا فارس قد إيش وجودك في حياتنا أنا وبناتي خلّانا ما نحسّ إننا لوحدنا
على إني مُعلمة و قادرة أدير أمور حياتنا ، بس البيت يحتاج رجال يكون موجود في هذه المواقف

على الرغم من أنها شخص لا يُبدي عواطفه ، إلّا أنه لم تستطع منع نفسها من قول هذه الكلمات لهذا الشاب
الذي لا تريد التفكير فيما كان سيحدث لها هي وبناتها إن لم يكن موجود عندهم

تأثــّـــــــــــــــــــ ــــر فارس جداً جداً بهذا الكلام ، حتى أنا عينيه امتلئت بالدموع
منذ عودته للإستقرار هنا ، وعودته بشكل خاص إلى منزل والده واختلاطه القليل بِ اخواته وهو يشعر بالتقصير تجاههم
يشعر بالذنب لكونه تركهم لسنوات طويلة دون أن يطمئن على أحوالهم على الأقل
لكن هذا الكلام كان كالطبطبة على ظهره
لم يسعد بإشادة على عمل فعله ، مثلما شعر بالسعادة لإشادة زوجة والده على ما فعله لأجلهم
وإن كان يرى أن ما فعله أمر سيفعله أي رجل طبيعي



**

رواية الــسَــلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن