[ الفصل الواحد والأربعون ]
يُقال أن بعض النساء تسعَد وهي تتجهز للخروج أكثر من الخروج نفسه
وضع مستحضرات التجميل بعناية والحيرة بين لونين من أحمر الشفاة
إختيار أقراط الأذن والخواتم الناعمة ، التأنّق بحد ذاته يجعلهن في مزاج جيد جداً ، وهي كانت من هذا النوع
لكن اليوم كان هناك استثناء ، كانت تشعر بأنه واجب مُجبرة عليه
وقفت بعد ان كانت جالسة على كرسي التسريحة بعد ان انتهت من ارتداء كعب عالي كالعادة باللون البيج ناعم يتناسب مع فستانها الأحمر الأنيق
نظرت إلى المرآة الطويلة لتلقي نظرة أخيرة على شكلها النهائي بملامح عابسة
ركزت انظارها على ساقيها التي من الممكن أن يخبرها صقر أنه لن يرضى بأن تكون مكشوفه بهذه الطريقة
ولأن الفستان الذي ترتديه لا تنوي ابداً تغييره قررت ان تلبس عباءتها بسرعة قبل أن يفاجئها بدخوله الغرفة مثلما يفعل في بعض الأحيان
ارتدت العباءة ووضعت الطرحة على كتفيها ثم اخذت حقيبتها الصغيرة قبل ان تخرج من الغرفة
نظرت إليه وهو مستلقي على إحدى الكنبات وينظر بتركيز في هاتفه
تأملته قليلاً ثم أكملت مشيها متوجّهة إلى باب الشقة
قبل أن تُمسك يد الباب سمعت صوته العالي يأتيها من خلفها بنبرة مستنكرة : على وين ان شاء الله ؟!
تأففت وجدان بصوت واضح قبل ان تستدير وتنظر إليه ، كان يقف خلفها بخطوات بسيطة ، جاوبته بعبوس : بخرج
صقر وعيناه تتأملان ملامح وجهها المختلفة بالمكياج : فين بتروحي ؟
وجدان بملل : قلت لك من الظهر بروح عند عمتي في الليل
صقر بانزعاج من منظرها الجميل زيادة عن اللازم كما يرى : وبتخرجي بالمنظر هذا
ابتسمت وجدان ابتسامة صفراء : إيوه لازم اخرج بالمنظر هذا مو أنا لسى عروسة
ثم قالت والضيق واضح عليها : تبغى شي ضروري يستدعي إنك توقفني بالطريقة هذه قدام الباب ؟!
صقر بضيق من تصرفها : يعني انتي شايفه انو عادي تخرجي من قدامي بدون ما تستأذني مني وتقولي انك خارجه
شايفتني رجل كرسي قدامك ولا إيش ؟
وجدان بانزعاج هي الأخرى لكنها كانت تتكلم بنبرة هادئة : شوف صقر ما احب الاستعباط هذا
إنتا سامع صوت الكعب من قبل ما أجي الصالة وعارف اني من اول في الغرفة اتجهّز ومن الظهر أساساً انا مكلمتك ومعطيتك خبر
فَ بلييز حركات انك تسترجل عليا دحين وما استأذنتي وما عملتي مررا مو رايقه لها ، عندك شي تبغى تتكلم معايا فيه خليه لمن أرجع
نظر إليها بمشاعر مختلطة ، غاضب من تجاهلها له عندما مرّت من الصالة
بل هي كانت تنوي الخروج دون أن تتفضّل بالكلام معه وإخباره أنها ستخرج الآن من المنزل !
وفي نفس الوقت كان ينظر إليها باهتمام ،يدقق في هذا العبوس الساكِن في ملامح وجهها ، الضيف ثقيل الدم الذي استطاب له السكَن عندها منذ أيام
ملامح وجهها بالمكياج جعلته يتذكر منذ متى بدأ هذا العبوس والفتور ،كان ينوي أن يتكلم معها بشأنه لكنه رأى أنها لا تريد حقاً الكلام معه الآن
ولأنه يعلم أصل هذا العبوس قرر أن يتجاهل طبعه المتعجرف الذي يخبره أن يرد على كلامها الوقح بنظره
و حاول إخماد مشاعر الغضب وتنحيتها بعيداً وهو يقول بنبرة هادئة قليلاً : أنا بوديكِ بيت عمتك
وجدان برفض : لأ بروح بسيارتي
رفع حاجبه الأيمن وقد استفزّه رفضها وهو من لا يحتاج أن يستفزّه أي شخص أساساً : خييير ! ايش عندك ما تبغيني اوديكِ ؟!
وجدان وقد قررت ان تتكرم عليه بشرح وافي : بمرّ على بيت ماما اول شيء باخذها بعدين بروح بيت عمتي
غير إني ابغى متى ما قررت ارجع البيت اشغل سيارتي وامشي مو انتظرك إلين ما حضرتك تخلّص جلستك مع اصحابك بعدين تجيني
عندما رأته ينظر إليها بدون أن يرد على كلامها الطويل قالت بهدوء : ممكن أخرج من البيت دحين ، اتأخرت
خرجت تنهيدة عالية من صقر قبل ان يقول : انتبهي على نفسك وسوقي بشويش ، ثم سكت لثوانٍ قبل ان يكمل وهو ينظر إلى عيناها مباشرة : وغطّــي وجهك
عندما رأى الإنزعاج واضح على وجهها من كلامه الأخير قال بجدية : لو كشفتي وجهك انا مو راضي عنك وبكيفك انتي سوي اللي تبغيه
ثم مشى خطوتين وفتح باب الشقة وقال قبل ان يخرج من الباب : لمن توصلي بيت عمتك ارسلي لي انك وصلتي ، ولمن تكوني راجعة البيت اعطيني خبر
خرج من المنزل وهو متأكد أنها تقف خلفه وعبوسها قد ازداد
عندما ركب السيارة وشغّلها ، خرجت منه تنهيدة عالية مرة أخرى وهو يشعر بالضيق والإنزعاج
اليومين الأخيرة التي مرّت عليهم كانت هادئة بشكل موحِش
ولو أراد أن يكون دقيق حقاً لقال أن الأيام كانت هادئة بسبب هدوء وجدان والتي منذ الموقف الأخير الذي حصل في منزل أهله
عندما دخل طارق إلى المكان وكانت موجودة وما ترتّب عليه من أحداث أصبحت لا تتكلم معه إلّا فيما ندر
وهو وياللغرابة ، لم يعد يشعر بالضيق من هذا الموقف ، بل يشعر بالضيق لأجلها
وربما هذه من المرات النادرة في حياته التي يشعر بالضيق والإنزعاج من أجل شخص آخر
:
لا تفضّل المناسبات والعزائِم ، تراها ظاهِرة إجتماعية الغَرض منها التفاخر بين النساء ونشر القيل والقال
ولأن مزاجها سلَفاً كان معكّر بشدة فهي حالياً تشعر أنها في حفرة من حفر الجحيم
كانت المناسبة عشاء عائلي بسيط ، لكنه فعلياً كان أبعد ما يكون عن البساطة
فالمظاهر الإجتماعية أصبحت من سيء لأسوء بالنسبة لها ، رغم وجود خادمات في المنزل
إلّا أن عمتها كانت قد جلبت صبابات بزيّ موحّد لكي يقدموا لهم الضيافة ، تقديم الحلا بحد ذاته كان بطريقة أنيقة مبالغ فيها جعلها لا تشعر بأي أُلفة في المكان
كانت تتأمّل بنات عمها المتزوجات ، إحداهن كانت لا تنفكّ أن تحرك أساورها في معصمها
وكأنها تريد أن تخبرهم أن ينظروا إلى أساورها التي من إحدى البراندات الفاخرة جداً
في داخلها ترى أن محاولاتها في لفت انتباههم حركة رخيصة جداً
ذكّرتها بالممثلة عبلة كامل في إحدى المسلسلات القديمة التي كانت تحرك أساورها الذهبية لكي ينظر الناس جميعاً إليها
أما إبنة العم الأخرى كانت تتباهى بأبنائها الذكور الأربعة وكأنها قد أنجزت واجب اجتماعي مهم
والثالثة منذ بداية الجلسة وهي تتحدّث عن سفرتها الأخيرة إلى أوروبا رغم أن أغلب الموجودين قد سافر إليها
ولكنها كانت تصرّ على أن سفرتها هي بالذات كانت مميزة نظراً إلى الأماكن الفخمة التي كانت تقطن فيها أو زارتها
تأففت في داخلها وهي تنظر إلى ساعة هاتفها بخفة ، لقد مرّت ساعة فقط منذ وصلت إلى هنا
كيف ستتحمل أن تجلس ساعتين على الأقل قبل أن تستأذن لتعود إلى منزلها
إحدى عماتها والتي كانت صاحبة المنزل رأتها وهي تنظر إلى هاتفها لتقول لها بخفة دم كما تعتقد
: من وقت ما جيتي وانتي تشوفي الجوال مو عاجبتك الجلسة يا وجدان ولّا مو قادرة تصبري عن حبيب القلب
اغتصبت ابتسامة وهي تقرر أن تتجاهل كلام عمتها ، هي عروس ولا زالت هذه أول مرة ترى أهل والدها بعد زفافها
من المفترض أن تكون عروس مؤدبة
لكن إحدى زوجات أعمامها ، والتي كانت بالمناسبة ضرّة والدتها أيضاً قالت بابتسامة ملتوية
: شكلها مو قادرة تصبر عنه ، إلّا صح غريبة يا وجدان ما سافرتي شهر عسل بعد الزواج ؟!
نظرت وجدان إليها وهي تفهم جيداً الغَرض من كلامها
قبل أن ترد عليها ، قالت ابنتها وهي تضحك بإحراج مفتعل : ماما اشبك تسأليها هذا السؤال المُحرج ؟
كانت والدتها تجلس بجانبها ، والتي كانت هادئة جداً على غير العادة
قالت لها بهمس وهي تعلم طباع ابنتها جيداً : وجدان طنشّي كلامهم ، انتي عارفة إنهم يبغوا يستفزّوكِ
لكــن وجدان تجاهلت كلام والدتها وابتسمت ابتسامة واسعة : سؤال مُحرج ! ليه ؟
نظرت إليها ابنة عمها وقالت متظاهرة بالارتباك : يعني آ آ عارفين وضع زوجك كيف
اتسعت ابتسامة وجدان : كيف وضع زوجي ؟
ابنة عمها بوقاحة : يعني عارفين إنه موظف على قد حاله في شركة أبوه وياااالله بيلم القرش على القرشين
هل تضايقت من كلامها ؟ ، نعم لكنها وجدت أخيراً ما يجعلها تستفزهم ، قالت لها:
أول شيء بصحح لك المعلومة ، هي مو شركة أبوه ، هي مؤسسة أبوه ، يعني حق أبوه بس مافي معاه شريك
وغير كذا بنفسك قلتيها موظف عند ابوه يعني هو يشتغل مع ابوه في حلالهم
ولو انتي تشوفيه موظف على قد حاله معناته إن أغلب الشباب في العائلة عندنا موظفين على قد حالهم ، ورغم انهم موظفين على قد حالهم
ونظرت إلى ابنة عمها التي كانت تتباهى برحلة سفرها قبل قليل والتي تكون متزوجة من إحدى ابناء عمها
وأكملت : لكن هاذولا الموظفين قادرين يسفّروا حريمهم ويودوهم أي مكان يبغوه
إيش معنى حكمتي على إنو صقر لأنه موظف ما قدرنا نسافر شهر عسل ، يعني استنتاج غبي بصراحة ما ادري كيف خطر على بالك ؟!
قرصتها والدتها في ذراعها لكي تصمت ولا تتكلم أكثر ، خصوصاً أن المجلس هدأ والكل أصبح ينظر إلى وجدان
لكن وجدان لم تقل ما تريد قوله بعد ، ابنة عمها هذه بالذات هي من قالت لها قبل عدة أشهر أن شباب العائلة جعلوها كَ الكرة
كل منهم يرميها على الآخر ولا يريد أحد الزواج منها
قالت وهي تبتسم بلطف لابنة عمها ولكل الموجودين و تنظر لهم بِ نظراتها البريئة
: آممم بس عشان أجاوب على فضولك ما فكرتي الفكرة هذه إلّا إنك أكيد قعدتي تفكّري في سبب يمنعني من السفر
أنا يا روحي ما فكرت في السفر أصلاً لأني أولاً شبعاانة من السفر و زوجي برضو
ما كانت فكرة السفر في بالي قد ما كنت أفكّر كيف أعيش أيام رايقة بداية الزواج مع حبيبي في بيتنا ونفهم بعض شويه في بداية حياتنا مع بعض
وأكملت بفلسفة الغرض منها استفزاز الجميع : غير كذا أنا اشوف الناس المهووسين بفكرة شهر العسل
هم الناس اللي عارفين انها بتكون افخم سفرة في حياتهم بعد كذا ما بيكون سهل عليهم إنهم يدبّروا مبلغ محترم لسفرة محترمة
لكن زي وضعي أنا ،حرفياً ما فكرت فيه لأني أنا عارفة إنو متى ما قررت أسافر ، أقدر في نفس الساعة أسافر ، ومافي شي يمنعني الحمدلله زي ما انتـــــي عارفة
الأغلب امتعض من كلامها هذا لأنه كان أشبه بأن تخبرهم بكل صراحة أنها هي بشخصها وضعها المادي أفضل منهم جميعاً
وعدم ذهابها إلى شهر عسل بسبب قِلة المال هذا دليل على غباء منقطع النظير ..
قالت لها إحدى بنات عمها بغيض والتي استفزّها كلامها : كلامك خطأ ، شهر العسل الغَرض منه تكوني مع زوجك لوحدكم بعيد عن الناس
نظرت وجدان إليها وهي تقول باستغراب : مو انا لمن اكون معاه في بيتنا طبيعي بنكون لوحدنا بعيد الناس ، إيش الفكرة الغريبة هذه ؟!
عمتها التي مزحت معها من البداية شعرت أن الجو العام أصبح مضطرب جداً
الأغلب منزعج و وجدان في وضع التحفّز و من الواضح أنها لن تسكت إذا لم يعجبها الكلام
لذلك قالت في محاولة منها لتهدئة الوضع وهي تصب بنفسها لوجدان فنجان قهوة : ما علينا دام انك متفاهمة مع زوجك الله يسعدكم و يوفق ما بينكم
ثم اكملت بسرعة : كيف خالتك صفاء وبنت زوجها بغداد ، كأني سمعت انها صارت معُيدة ؟
نظرت وجدان إلى عمتها وهي تأخذ منها فنجان القهوة وتضعه على الطاولة الصغيرة التي أمامها
فهمت من سؤالها أنها تريد للموضوع أن يُغلق
تنهدت بخفوت وابتسمت ابتسامة بسيطة
رغم أن الضيق الشديد الذي تشعر به بداخلها يجعلها لا تتنفّس بشكل جيد : إيوه مُعيدة في جامعة الملك عبدالعزيز
عمتها بفضول : هي قربت تكمل سنة من وقت ما اتزوجت ، الين دحين ما حملت ؟
لم تحب وجدان طريقة سؤالها لكنها أجابتها : إلّا هي حامل دحين
العمة : ما شاء الله ، في الشهر الكم ؟
نظرت إليها وجدان ببرود : ما ادري بس لسى في البداية
لم تهتم إذا كان انزعاجها ظاهراً عليها أم لا ، فَ اخر اهتماماتها هي الاهتمام بمشاعر أهل والدها نظراً لماضيهم الوردي معهم ..
لكن والدتها لاحقاً وهم في السيارة لم تكفّ عن تأنبيها وهي كانت تجاهد نفسها لكي لا ترد عليها
والدتها و جدتها وخالتها صفاء هم الاستثناء الوحيد أما بقية الناس فهي ترد عليهم بدون أي تفكير ومبدأها مع الجميع أن ترد الصاع صاعين لمن يريد أذيتها
بعدما أوصلت والدتها إلى المنزل ومضت في طريقها عائدة إلى منزلها لم تستطع ان تكتم تأففها وصرخة حنق خرجت من فمها
أكثر ما تكرهه في طِباع والدتها عندما تتغير شخصيتها إذا كان الأمر متعلق بزوجها الحالي ، تتغير شخصيتها 180 درجة و تصبح ضعيفة جداً
و إذا تطاول البعض عليها في المناسبات العائلية لا تفعل شيئاً مطلقاً ولكنها تذهب نائحة إلى عمها وتخبره عن اخواته الشريرات و زوجات اخوانه
اللاتي يجعلون كل مناسبة سعيدة ، تعيسة النسبة لها
وبعد أن يخبرها ببعض الكلام الفارِغ عن أنها افضل منهم لأنها تجاهلتهم تبتسم بسعادة متناسية كل الكلام السيئ الذي صُب في أذنها
المصيبة العظمى أنها تريدها أن تكون مثلها ، تتجاهلهم !
لماذا ؟!
إذا كانت والدتها لا تستطيع استجماع شجاعتها لكي تقف في وجه عائلة زوجها
فهي باستطاعتها ان تقف لوحدها وترد كيدهم في نحرهم
تذكرت عندما اقتربت من الحي أنها لم ترسل لصقر أنها قد خرجت من منزل عمتها
اتصلت عليه وهي متوقّعة أن يغضب من هذا الأمر لكنها فاجئها أنه موجود في منزل والدته ، وينتظرها !
نظرت إلى الساعة بعد ان اغلقت المكالمة وهي تريد ان تتأكد
يوم الجمعة وصقر موجود في المنزل قبل الساعة الواحدة صباحاً ، ماللذي حدَث في الدنيا !!
**
تشعر بالملل رغم وجود أكثر من شخص حولها لكــن كُلاً يسبح في عالمه الخاص ..
بغداد التي منذ أن خرجت من غرفة فارس وهي شاردة بتفكيرها ولم تكن عنصر متفاعل طوال الجلسة بعد ذلك
أما والدتها بعد ان انتهوا من تناول طعام العشاء لبست نظارة القراءة وأخذت تتصفّح هاتفها
حتى صقر الذي فاجئهم بدخوله المنزل قبل قليل لم يكن وجوده أكثر من وجود الكنبة الذي هو مستلقي عليها الآن
يتصفح هاتفه وعلامات الإنزعاج مرتسمة على ملامحه ، وهذا الإنزعاج قلمّا يفارقه منذ أن وعت على الدنيا !
تأففت قبل أن تقول بحنق لاختها : بغداااد إلين متى حتكوني في عالم آخر
بغداد التي كانت فعلاً في عالم اخر تفاجأت من صوت نور العالي الذي ظهر فجأة ، التفتت عليها وهي تقول بدهشة : بسم الله اشبك ؟!
نور وهي عاقدة حاجبيها باستياء : اشبك ! بكل برود تقولي اشبك ، طفشااااااااانة بموووت وانتي اليوم كله
قامت بتقليد جلسة بغداد ووضعت خدادية صغيرة في حضنها وهي تقول مقلّدة صوت بغداد الهادئ : كذا جالسة
ثم اكملت بانفعال : انا طفشانة و زهقاانة ومحّد حاسّ فيني
بغداد المُتعجّبة من نور التي صبّت عليها جام غضبها فجأة : نور !
قبل ان ترد عليها نور ، انتبهت ام فارس إلى انفعالها ، نظرت إليها من فوق نظارة القراءة وهي تسألها بحدة : نور اش فيه ؟
نور بصوت باكي : ماماااا لنا كــــــــــم ما نخرج من البيت خلاص جاني زهــق وطفش
رفعت ام فارس إحدى حاجبيها وهي غير راضيه عن دلال ابنتها هذا
: طفشانة من إيش ! مو كنا جالسين كلنا مع بعض الظهر ، عشان بعد المغرب صار البيت فاضي والكل خرج وانتي ما خرجتي طفشتي ؟!
نور وهي قد غرقت عيناها بالفعل بالدموع : مو بس عشان اليوم ، نحنا لنا كم اسبوع ما نخرج من البيت مررا طفشت
أمس قلت لك ابغى اروح مع صحباتي سينما وما رضيتي واليوم قلت لكم نخرج كوفي بعد المغرب وبرضو ما رضيتي
إلين متى بقعد محبوسة في البيت خلاص انخنقت ؟؟؟
ام فارس بتعجب : يعني الفلم هذا كله عشان رفضت انك تخرجي مع صحباتك امس !!!
نور : إذا ما تبغيني اخرج مع صحباتي خرّجوني انتو طيب ، الناس كلهم يخرجوا وانا محبوسة في البيت
اتسعت عينا ام فارس بغضب : يعني الفترة البسيطة هذه ما قدرنا نخرج عشان اختك تعبانة خلاص صرنا حابسينك في البيت !
نظرت بغداد إلى اختها التي بدأت بالفعل بالبكاء، تعلم ان السبب نفسه تافه
لكن نور النشيطة جداً ولا تحب الجلوس في المنزل ربما كانت هذه الفترة خانقة بالنسبة لها
قالت بمحاولة منها لتهدئة الوضع : ماما نور مو قصدها شي
ام فارس تجاهلت ابتسامة بغداد التي تعلم انها تريد ان تهدّىء الوضع : لا انا فاهمتها كويس
ثم وجّهت كلامها إلى نور : الطفش هذا بسبب انك جالسة في البيت ما تسوي شي ، لكن من بكره راح نشوف لك شي تسوّيه ويشغل وقتك يخليكِ ما تفكّري بالطفش
نظرت نور إلى والدتها بصدمة ، علمت انها تريد ان تعاقبها على تفكيرها
تحوّلت صدمتها إلى حنَق عندما تأكدت ان كلامها لم يؤثر بهم وقامت من الكنبة صاعدة إلى غرفتها
جلست على السرير بعد ان اغلقت باب غرفتها وهي تمسح دموعها
هي اجتماعية جداً لكن في عائلتها لا يوجد الكثير ممّن هم في سنها
للأسف لا تملك اخوات كُثر أو حتى بنات خالات تجتمع معهم في عطلة نهاية الاسبوع
توجد كم واحدة في سنها من بنات اعمامها وعماتها لكنهم لا يجتمعون بشكل دائم
ما يجعل تسليتها الوحيدة في نهاية الاسبوع هي الخروج من المنزل
حضنت دمية دب كبيرة جداً كانت هدية نجاحها في إحدى سنوات دراستها في الابتدائية وهي تفكر هل بالغت عندما قالت انها محبوسة !!
كلا لم تبالغ لكن أي ردة فعل صاخبة منها تثير غضب والدتها دائماً ، في أعماقها تعلم أن والدتها تتمنى أن تكون مثل اختها بغداد
لكـــــــــن لا ، هي ليست مثل بغداد ولن تكون
تحب اختها الكبرى جداً ربما احيانا اكثر من والدتها ، لكن أن تكون نسخة منسّخة عنها هذا ما لا تريده
وهي في تفكيرها هذا وصلتها رسالة على هاتفها
( نور يا روحي لا تبكي ولا تزعّلي نفسك انا حاسّة نفسي اليوم احسن ، إذا بكرة كنت كذا برضو خلينا نكلم بابا نطلع نتغدا مع بعض اوكي )
نزلت دموعها مرة ثانية عندما انتهت من قراءة الرسالة ، هي بالتأكيد ليست مثل بغداد ، لا تملك قلب واســــع مثلها ..
أنت تقرأ
رواية الــسَــلام
Romanceهل كل إنسان يأخذ من اسمه نصيب ؟ بغداد ، مدينة السلام .. كانت مدينة ذائِعة الصيت في عهد العباسيين القديم تجمع بين العلم، والجمال، والثقافة، والرُقيّ .. حسناً ماذا إذا كانت هناك بغداد أخرى، ولكن ليس في العراق، بل في جدة ، عروس البحر الأحمر! وقد لاق بت...