.
[ الفصل الثاني والثلاثون ]
مرّ قُرابة الاسبوع وهو لم يسمع صوتها ابداً ، هو لم يتصل ، وبخيبة مُتوقعة هي لم تتصل أيضاً أو ترسل لتطمئن على حاله ..
في الأيام الماضية كان كلما يفكر فيها ، يفكر فيها بغضب ، غاضبٌ جداً من عدم إهتمامها به
في آخر مكالمة بينهم كان هو من أغلق الخط بعد أن أكال عليها الاتهامات
ويرى أنه من المفترض أن تكون المُبادرة منها ، والإتصال منها ، لتنفي على الأقل هذا الإتهام لكن كان فعلاً لا شــــــــــيء من طرفها
لا توجد أي ردة فعل ، ما يثبت صحة هذا الاتهام للأسف ..
لكنه اليوم استيقظ من النوم ومشاعره الغبية غلبت على غضبه ، وكل تفكيره كان أنه مشتاق جداً إليها
كان يرتب حقيبته استعداداً لرحلة العودة وهو يفكر كيف سيتعامل معها عند مقابلتها ، هل يدعّي البرود أو يتصرف كعادته دوماً
لكن رسالة وصلته من اخته الكبرى جعلت كل هذه الأفكار تُنسف نســـفاً
نسى أمر غضبها منه ، ونسى عدم اهتمامها به ، أصبح كل تفكيره فقط ، كيف حالها الآن ؟
الساعات التي مرّت عليه بعد ذلك لم يشعر بها وهو يفكر فيما أخبرته به اخته
لذلك عندما وصل إلى مطار جدة قبل العصر بقليل ، استقل سيارة أجره لتقلّه إلى منزل والدته أولاً
عندما وصل ، دخل إلى المنزل وهو يضع حقيبته متوسطة الحجم عند الباب ويسلّم بصوت عالٍ كتنبيه لدخوله
ابتسم عندما دخل الصالة وهو يرد على عبارات الترحيب ويسلم على هذه ويردّ على تلك
كانت الصالة ممتلــــــــــئة تماماً باخواته اللاتي يأتون يوم الخميس مبكراً ليتناولوا طعام الغداء مع والدتهم كعادة اسبوعية
وصل إلى والدته بعدما سلم على جميع اخواته ، سلم عليها و جلس بجانبها يسألها عن أحوالها
بعد أن فرغ من الإطمئنان على والدته ، التفت على اخواته وهو يقول لهم برجاء : خلّوا البزورة يروحوا مكان ثاني ، ما شاء الله بالقوة سمعت كلام امي
هتفت إحداهن بسرعة للاخت الصغرى : جوري خلّي العيال يلعبوا سوني في غرفة التلفزيون
وقالت أخرى ممازحة له : أول كنت تسميهم العصافير ودحين منزعج منهم
ابتسم رائد لها وهو يقول : وما زالوا عصافير لكني مصدّع والله ، مافيني اتحمل ازعاجهم دحين
سألته اخته التي تجلس على الكنبة التي أمامه بحنان : طيب يا قلبي تبغى اجيب لك غدا تتغدا وتاكل بندول يبعّد لك الصداع ، ولا متغدّي
رائد : اتغديت في الطيارة بس جيبي لي سندوتش خفيف أكله احسن قبل ما اخذ بندول
قامت اخته من مكانها و ذهبت فوراً إلى المطبخ لتحضّر ما أراد
بينما قام بعض الفتيات الاخريات لكي يُشغلوا الأطفال قليلاً ويرتاح رائد في جلوسه
التفت رائد إلى والدته و وضع يده على يدها وهو يسألها بعدما شعر بهدوء المكان : ايش المصيبة اللي سمعتها عن أهل لينا ؟
عقدت والدته حاجبيها بدهشة وقالت : وانت كيف عرفت !
ثم التفتت إلى بناتها وهي تقول بغضب : مو قلت لكم ولا وحدة تقول له إلين ما يعرف من زوجته
قالت الابنة الكبرى والتي أخبرت رائد بنفسها : انا قلت له ، ما ينفع الحارة كلها تعرف وهو يكون آخر من يعلم
ام رائد باستياء : وعساه يكون اخر من يعلم ليش تتدخلي في هذا الموضوع يا هند
قالت هند وهي متأكدة من صحة تفكيرها : عشان يا امي يتفهّم وضع زوجته وأهلها قبل لا يقابلهم
ثم التفتت إلى رائد وسألته : زوجتك جابت لك سيرة على الموضوع ؟
باختصار قال لها رائد : لا
نظرت هند إلى امها وهي تقول : شفتي ، كنت متأكدة إنها ما بتقول له الموضوع
يكون عارف ويتفهم الحالة اللي هي بتكون فيها أحسن من إنه ما يكون عارف شيء
شعر رائد بالضيق عندما سمع كلام شقيقته
قال لها باسيتاء نادراً ما يُرى عليه ، فهو أغلب الوقت إنسان مرح وذا بال طويل ولا تُرى عليه إمارات الغضب إلّا فيما ندر
: و ممكن أعرف من فين جبتي التأكّد هذا يا ام احمد ؟!
ارتبكت هند عندما رأت عُقدة حاجبيه : رائد لا تفهمني غلط الله يهديك
تعدل رائد في جلسته وهو يشعر بالإنزعاج فعلاً ، كلام اخته أشعره بأن أهله ايضاً يعلمون بأن لينا لا تكنّ أي مشاعر تجاهه
وهذا يعني من وجهة نظره هو ، أن زواجهم ليست له أساسات قوية راكِزة
سألها مرة أخرى : طيب فهّميني من فين جبتي الثقة إن مرتي ما بتقول لي الموضوع ، إيش افهم من كلامك ؟
قالت هند وهي تحاول أن تدافع عن مقصدها من كلامها : والله مو قصدي شيء
لكن تعرف كيف طبع لينا ، هادئة ورسمية زيادة عن اللزوم في تعاملها مع الناس ، قلت أكيد إنها ما راح تقول لك موضوع حساس زي كذا
قالت ام رائد مُدافعة عن كنتها الوحيدة : الحرمة العاقلة هي اللي ما تقول لزوجها أي شيء عن أهلها
هند : بس الموضوع مو سرّ أبداً ، كل الجيران يهرجوا فيه
قال رائد وهو لا زال يشعر ببعض الغضب بداخله وهو لا يرى سوى أمر واحد يريد إثباته لنفسه قبل أي أحد
: لينا مو رسمية زيادة عن اللزوم ، هي زي ما قلتي هادئة وما تتكلم كثير عند الناس لكن عندي أنــــــــــا زوجها تتكلم عادي
وأشوف إنه من العقل والحكمة إنها انتظرت و ما قالت لي موضوع زي كذا وأنا برى جدة
قالت له هند بعتب : يعني قصدك أنا قليلة عقل لمن وصّلت لك كلام زي كذا وانتا لسى ما رجعت !
انتبه رائد لما قاله ، قال بتراجع سريع : محشومة يا أم أحمد
ثم لم يشعر بالإرتياح ، قام من مكانه وقبّلها على رأسها وهو يقول باحترام لاخته التي تكبره بأكثر من عشرة سنوات
: لا تاخذي في خاطرك من كلامي ، ترى ما أقصد شي ، وإذا زعلتي من كلمة قلتها اسف وحقك علي
رغم أنها تأثرت قليلاً لكون اخيها يقول لها كلام هكذا بهذا الأسلوب ، والسبب دفاعاً عن زوجته
إلّا أنها عندما رأت إعتذاره السريع تأثرت فوراً وقالت بحب عميــق لهذا الأخ : لا يا حبيبي ما زعلت و ما عاش اللي يزعل منك
قالت له بإعجاب إحدى الاخوات الأصغر سناً ولم تتزوج بعد : تصدق رائد ، ما شاء الله رحيمك - اخ زوجته - ما عنده وقت
بس عرف عن الموضوع ما خلّى بيت ما راح له وهدد كل الجيران لو بس سمع إن فيه أحد اتكلم على منار راح يشتكيه للشرطة
قالت أخرى مؤيدة لما فعله : أحسن يستاهلوا ، الناس ما يبغالهم إلّا كذا
أنا داخله في القروب حق حريم الجيران ولو تشوفوا كيف الكلام على منار سبحان الله صار الكل ملائكة منزّلة من السما وبيت أهل لينا شياطين
حتى خالة وداد اللي حالها حال نفسها ما سابوها في حالها
قالت ام رائد بدفاع عن جارتها القديمة : غيرانين منها كل الحريم لأنها موظفة حكومية ما شاء الله وبناتها متربيات و محد قد اشتكى منهم
بس هم دايما يقولوا القافلة تسير والكلاب تنبح
ضحكت إحدى الفتيات وهي تقول : حركات يا امي دُرر وأمثلة كمان ، ما شاء الله هذا الحب كله لنسيبتك
قالت أم رائد : هذا حب وكلمة حق ، الأصيل يا بناتي ما يستنى الزلّة من الناس الكِرام
الأصيل لمن يسمع بس كلام الشياطين هذا يقول زي ما قال ابو ايوب الأنصاري لمن سمع الناس تتكلم على عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك
: سُبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سُبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ
مرّت لحظة صمت عليهم ، ولعلهم جميعاً كانو يفكروا في نفس الموضوع
عندما ربطت والدتهم ما يحدث بحادثة الإفك المعروفة التي حصلت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم
قالت الأخت الكبرى هند بتأثر : يالله ، يا حبيبي يا رسول الله دوبني من جد استوعب لمن ربطتي يا امي اللي صاير دحين باللي صار له زمان
باللهِ إيش كان موقفه والناس كلهم يتكلموا في عِرضه
قال رائد : موقف صعب أكيد ، حتى الوحي انقطع ، الموقف كان صعب لدرجة إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لِ عائشة
تخيلوا بس إنه قال لها إذا انتي بريئة فالله راح يبرّئك وإذا انتي أذنبتي فاستغفري وتوبي
قال إحداهن بتأثر بالغ : إيوووووه اتذكر هذا الموقف حتى إنها لفّت على ابوها ابو بكر الصديق وأمها ام رومان وقالت لهم وهي زعلانة إنه ينقال لها هذا الكلام جاوبوه عنّي
أبو بكر الصديق وأمها كانو في كرب عظيم قالوا من هول الموقف اللي صاير لهم وإن المدينة كلها تتكلم في بنتهم ما ندري إيش نقول له
فقالت عائشة ما راح أقول إلّا اللي قاله أبو يوسف - يعقوب عليه السلام - صبر جميل والله المستعان على ما تصفون
قالت إحدى الفتيات : اتذكر أبلة الدين في المدرسة قالت لنا القصة هذه ، إلين دحين اتذكر كلامها لمن قالت عائشة رضي الله عنها ما اتوقعت إنه راح ينزل فيني قرآن
وكانت تشوف رضي الله عنها نفسها أحقر من إن الله سبحانه وتعالى ينزّل فيها قرآن يُتلى
وكان أقصى أمانيها إن الرسول يشوف رؤية تثبت براءتها ، حتى إنه لمن نزل الوحي على الرسول أبو بكر وأمها كانو بيموتوا من كثر الخوف إن الكلام يكون صح على بنتهم
لكن هي سبحان الله لأنها شريفة عفيفة وعارفة إنها ما سوت شيء غلط فكانت واثقة إن الله راح يثبت براءتها
وضحكت قبل أن تكمل : حتى إن ابلة الدين وقتها قالت إنو كيف الصحابة هم بشر في النهاية
لمن الرسول صلى الله عليه وسلم نزلت عليه الآيات ألتفت عليها وهو يضحك وقال لها أبشري يا عائشة فقد برّأك الله
أمها قالت لها قومي إليه ، يعني قومي للرسول صلى الله عليه وسلم
وهي لأنها يا عمري لسى أثر الموقف الصعب اللي كانت فيه ما زال فيها قالت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله
قالت أخرى : أنا الموقف اللي علق في ذاكرتي في هذه الحادثة لمن عرفت عائشة عن الموضوع انصدمت و قعدت تبكي بكاء شديد لعدة أيام
وتقول إن فيه امرأة من الأنصار استأذنت تدخل عندها وقعدت تبكي معاها
يعني من جد شوفوا كيف جبر الخواطر ، هذه الحرمة مو مذكور هي مين وما كان بإيدها تسوي شيء
بس تصرّفها و وقفتها المعنوية مع عائشة لا زالت بعد سنين طويلة معروفة وأهو نحنا نذكرها
وعشان الواحد من جد يتذكر إنه يوقف مع الناس في مصايبهم ، والناس في عزّ المصيبة تتذكر مين اللي وقف معاها و واساها
قالت هند وهي تنظر بطرف عينها إلى رائد : والله انا كنت حابه أوقف مع لينا وأهلها معنوياً لكنها الله يصلحها ما بيّنت لي حتى إنو فيه شيء من الأساس
أسألها كيف حال أهلك ، كيف حال اختك وهي ترد بكل هدوء الحمدلله بخير ، ما قدرت اسألها حتى كيف حالكم دحين بعد اللي حصل
ثم نظرت بغيض إلى اخواتها اللاتي يضحكن عندما تكلمت وقالت : تضحكوا على إيه أبغى أفهم !
قالت لها إحدى اخواتها بين ضحكاتها : والله عارفين مقصدك لكن لينا يمكن ما حبّت إن أحد مننا نحنا أهل زوجها يتدخّل في الموضع
قالت أخرى : الله يستر لا يكون بس حسّت إنك داقة عليها لقافة مو لأنك تبغي تطمّني عليهم
قالت والدتهم بضيق من أن الموضوع عاد مرة أخرى للحديث عن لينا : سيبوا البنت في حالها ، اللي فيهم كافيهم دحين
قالت إحدى الفتيات بضيق قليلاً : يا امي طيب نحنا ما قلنا شيء ولا اتكلمنا فيها
ثم نظرت إلى رائد : ترى مو بس عشان قدامك ، لكن أمي كل ما نتكلم في الموضوع وهي على طول كذا تتضايق وتخلينا نسكت وما نتكلم فيه
ابتسم رائد وهو يشعر بالإرتياح لأنه وبالرغم أن الأمر ليس بعادي بل هو أمر خطير جداً
ولا يريد حتى أن يتخيل ماذا كان سيحدث إذا كان الكلام عن إحدى اخواته ، إلّا أن طريقة تعامل والدته مع الأمر نالت استحسانه
قال وهو يقبّل رأس والدته : الله يحفظك يا ام رائد لو نص عقلك يتوزع على الناس كان الكل بخير
قالت من هي بداخل مجموعة الجيران وتنقل لهم أخر الأخبار المتعلّقة بهذا الموضوع
: ترى ممكن نحنا البيت الوحيد اللي ما نتكلم في أهل زوجتك لكن الجيران كلهم وإذا مو الكل 99% يتكلموا فيه
وعشان أكون دقيقة في معلوماتي ، كانــــــــو يتكلموا في الموضوع لكن من أمس وهم هاجدين
بعد ما كان القروب مشعلل صار الكل ساكت والبركة في اخو زوجتك هجّدهم كلهم
قالت لها اختها ممازحة : أهم شيء إنك تقولي عشان أكون دقيقة في معلوماتي ، شايفة نفسك المحقق كونان
ردت عليها بضحكة : آه يا ريتني المحقق كونان وأعرف مين بدأ هذه الإشاعة
بس اللي كذا فهمته بعد تفكير عميق إن الإشاعة خرجت من بيت أم معاذ
نظر إليها رائد متفاجئ : كيف كذا ؟ !
قالت له : والله مو متأكدة طبعاً بس أشوف الموضوع بدأ من بيتهم ، لأن أصلاً أساس الهرجة إيش
إنو منار كانت عندهم وهذا معاذ قابلها هناك بس إن اخواته قفطوهم ، الإشاعة بالحرف كذا كانت
**
بعد صلاة العصر ..
كان يسير في الحوش الواسع وهو يمسك بيده اليُسرى يُمناها
أما يده الأخرى في هذه اللحظة كان ينسف فيها شماغه الأبيض للأعلى و يقول لها : نورتي المكان يا قلبي
قالت له وهي تسترق النظر إلى المكان الذي أثار إعجابها منذ زيارتها الأولى له
: منور بأهله يا روحي ، الحديقة ذوق مررره عندكم عامل خاص لها ؟
توقف قليلاً لينظر إلى الحديقة و الأشجار المقلّمة بترتيب
كان يمرّ بها دائماً دون أن يدقق النظر فيها لكنه عندما سمع كلامها تمعّن بها قبل أن يقول
: فيه عامل إيوه يجي يرتّبها و ام حسن كمان لها دور في ترتيبها من وقت ما صارت ساكنة عندنا
سألته بفضول : مين أم حسن ؟
ابتسم وهو يضع يده خلف ظهرها ليستحثها على المشي وإكمال طريقهم وهو يجاوب على سؤالها
: آمممم أم حسن أقرب من إنها تكون وحدة من المعارف وساكنة عندنا لأن مافي أحد يعولها
لا عندها زوج ولا ولد وهي شويه كبيرة في السن ، لكن عشان توافق إنها تجي وتسكن عندنا امي جابتها هنا على أساس إنها تكون طباخة
العنود وهي تشعر ببعض الإستحقار للمرأة التي لم تقابلها بعد لكنها فهمت أنها عاملة بأجر وليست من العائلة
: آها ، طيب هي تطبخ من جد ؟
قال طارق بمشاعر ودّ واحترام للمرأة التي تعيش عندهم لأكثر من عَقد من الزمن : تطبخ طبخ أوووف بس ، ذوقي أكلها وراح تدمنييييه
عليها نفَس ما شاء الله تبارك الله
نظرت إليه العنود وهي تلاحظ بإستغراب الإحترام وهو يتكلم عن هذه المرأة لكنها قالت له بعدم إهتمام
: آمممم ما شاء الله ، ثم قالت بما يهمها الآن : طيب حبيبي لمن ندخل بيت أهلك على الصالة على طول
وأنا ابغى اتأكد من شكلي قبل لا أهلك يشوفوني ، كيف ؟
رفع طارق يُمناها التي لا زال ممسك بها ، وقبّلها برقة
قبل أن يقول بِ هُيام وهو يشعر أن لفظ " حبيبي " التي صدرت منها دغدغت مشاعره
التي لا تحتاج إلّا أقل القليل من أي قول أو فعل يصدر منها لتتفاعل معها سريعاً
: يا حياتي ما يحتاج ، بكل حالاتك جمييلة والعين تسعد بشوفتك
ابتسمت بطرب لغزله الذي يُعجبها ويغذّي فيها إعجابها بنفسهــــــا ، قالت له بدلال : بس برضووو ، لازم أشوف شكلي كيف
ابتسم طارق وهو يصعد الدرجتين ليصل إلى الباب الداخلي للمنزل لكنه حاول أن لا يتأثر ظاهرياً على الأقل بهذا الدلال
وهو يقول لها : والله يا قلبي مالك إلّا الحاصل ، خلاص إن شاء الله شكلك مرتّب
ثم نظر إليها وهو يقول بتنبيه : لا تفتحي نقابك ممكن أخواني يكونوا في الصالة
في نفس الوقت الذي فتح الباب بمفتاحه الخاص دخل وسلّم بصوت جهوري
كان في الصالة والده وأخيه فارس وبغداد التي قامت على الفور وهي ترحّب به بحفاوة : يا هلااااا والله بالعرسان
اقتربت منه وهي تسأله : العنود معاك صح ؟
أجابها بالإيجاب ، لتقول له : كان خليتها تدخل من باب مجلس الحريم أحسن ، بس مو مشكله
سلمت عليه ، ثم اقتربت أكثر من الباب وهي ترحب بالعنود : يا هلا وسهلا بالعروسة ، تعالي يا قلبي بس لا تفتحي غطاكِ
مشى طارق إلى داخل الصالة بعد أن اطمئن إلى أن بغداد اهتمت بزوجته
سلم على والده ثم على فارس الذي قال له بمزاح : ما شاء الله أشوف الوجه منوّر وبااااينه الراحة فيه
جلس طارق على إحدى الكنبات وقال وهو فعلاً لا يستطيع إزالة الإبتسامة عنه
فهو يكاد يطير من السعادة لكونه يدخل إلى هذا المنزل مرة أخرى ويده ممسكة يد من يُحب
: لي شهر مرتاح من الشغل ومشاكله أكيد بكون مروق
قال فارس غامزاً : مرتاح من الشغل ومن الناس كلهم ، ما عندك إلّا الحبايب متفرّغ لهم على الاااااخر
حاول أن يدّعي الإنزعاج وهو يضحك في داخله على مقاصد فارس الخبيثة : إنتا حتستلمني يعني اليوم
ضحك فارس وهو يشعر ببعض السعادة أخيراً منذ أيام عصيبة : يعني على خفيف إلين ما ينزل عريس الغفلة ونستلمه بدالك
ضحك طارق والتفت على والده الذي يسأله عن أحواله ، أجابه بشكل مختصر
ليقول له قبل أن يعود بنظره إلى الآيباد الذي بين يديه : جهّز نفسك السبت تبدأ تداوم
انصدم طارق مما قاله والده ، بشكل طبيعي فكّر أنه سيستأنف دوامه يوم الأحد وليس بعد زواج صقر فوراً
قال لوالده بتردد : ما ينفع لو بدأت الدوام يوم الأحد ، يمكن مرتي تبغى تروح لأهلها السبت ولازم أوديها
رفع والده رأسه لينظر إليه من فوق نظارة القراءة
لم يستطع الرفض لأن طارق عادة لا يرفض العمل يوم السبت رغم أنه إجازة لأغلب موظفين المؤسسة الخاصة به
ولكن وضع طارق الآن مختلف ، ما جعله يفكر في أن الطاعة المُطلقة خاصة في أمور العمل من قِبل ابنه ربما ستحظى ببعض التغيرات
قال له : الأحد الأحد ، بس لا تتأخر
ثم نظر إلى ساعة يده قبل أن يقول بإنزعاج طفيف لتأخّر الغدا عن وقته المعتاد : بيأذن المغرب ولسى ما اتغدينا
قالت بغداد التي جاءت لتوها من مجلس النساء و وقفت خلف الكنبة التي يجلس عليها والدها
: ماما حبيبتي من الظهر وهي في المطبخ كله عشان العرسان
ثم سألت طارق : كيف شهر العسل إن شاء الله انبسطت
: لازم ينبسط وهو فالّ أمها له شهر
نظر طارق بإنزعاج إلى صقر الذي ينزل درجات السلم بملابس خفيفة وشعره رطب من الواضح أنه أنهى إستحمامه لتوه : إنتا عاد حاسبها لي حساااااب
صقر بغيض بعد أن سلم عليه سلام سريع : لازم أحسبها لك
ثم جلس على الكنبة بجوار فارس : إليين اليوم وأبويا خلّاني أداوم خلااااااص قررفت
بغداد بهمس : هيييه لا تقول كذا قدام بابا
صقر بعدم اهتمام : دام إنه ماسك الأيباد ويقلّب في أوراق الشغل معناته إنه مقفل الإرسال ما يسمع شيء
هزت بغداد رأسها بعدم إعجاب لكلامه
ثم جلست بجوار طارق وقالت له : كيف أوروبا ؟ على حضك رحت في سبتمبر والجو حار
طارق : بالعكس أحسن شي مين يبغى يروح اوروبا في الجو البارد
ضحكت بغداد قبل أن تقول : الظاهر أنا الوحيدة اللي تستمتع بالثلج والأجواء الباردة
في نفس الوقت الذي سأل فارس صقر بهمس : عارف مو وقته ابداً بس دحين لمن سمعتك تتكلم عن الشغل
اتذكرت موضوع مشروعك ، إيش صار عليه ؟
زفر صقر بصوت واضح : إلين دحين ما حصّلت راس المال ، ومع الشغل مع ابويا ولخبطة الزواج انشغلت وخليته على جنب شويه
فارس : الله يعينك
صقر بجدية : من جد والله ، الله يعينني ، مستحيل أنا أكمّل شغل في المؤسسة مع ابويا
ابويا الشغل عنده كررف ما يلعب ، أتوقعت إن الشغل عنده بيكون خفيف بحكم إني ولده ولسى جديد على الشغل
لكنه طلّع عيوني ، متخيّل إلين اليوم خلاني أداوم وانا زواجي بكرة
ابتسم فارس على حلطمة صقر وقال له مرة أخرى : الله يعينك ، والله لو إني أقدر اساعدك كان ما قصرت
صقر : أحمد ربك إن تخصصك تاريخ ، صدقني لو تخصصك هندسة ولا إدارة كان ابويا ضمّك للقائمة و خلّاك تكرف معانا
بس تخصصك تاريخ مافي منك فايدة في المؤسسة للأسف
ضحك فارس قبل أن يقول : للأسف ليش إلّا الحمدلله
صقر : إيوه والله لازم تحمد ربك ، هذه نعمة تستحق الحمد
ثم التفت إلى بغداد وقال لها بمزاح يظنّه ظريف : خلااااااااص بطّلي لقافة الحريم لازم يعني تستلميه و تعرفي إيش سوّى في السفر
نظرت إليه بغداد بغيض لأن الكلام كان أمام فارس
ما يزعجها أحياناً أن صقر و نور بالذات لا يوجد لديهم أي مراعاة أن فارس أخوهم
هو نفسه زوجها الذي لا تحب أن يُقال أمامه أي شيء مثل هذا المزاح السخيف التي تفوّه به صقر لتوّه
قالت وهي تقوم من مكانها : أحسن لا أرد على كلامك
ثم ذهبت متوجّهة إلى المطبخ
قال صقر بعدم اهتمام : دحين اشبها زعلت
طارق الذي فهم على الفور ما أغاض بغداد لكنه لم يحب أن يتكلم ، سأل صقر مغيّرا الموضوع : متى بتروح الحلاق تضبّط لحيتك
صقر ببرود ، وهو نفسه مستغرب من هذا البرود و الفتور الذي يشعر به منذ أن استيقظ من نومه قبل قليل : مدري ، أفكر بكرة
طارق باستنكار لكلامه : تستهبل صح ! إيش بكرة هو حيكون عندك وقت أصلاً
فتح هاتفه يعبث فيه وهو يقول بعدم اهتمام : ليش إيش حيكون عندي ؟ !
قال فارس لطارق المصدوم من حالة اللا مبالاة المتلبّسة صقر : سيبك منه ، بعد الغدا نوديه نفس الحلاق اللي رحته وقت زواجك ونخليه يضبّطه
صقر وهو لا زال يعبث بهاتفه : ترى كلها ترتيب الشعر وتعديل الذقن ، بكره بعد صلاة الجمعة أروح وأخلص أموري بسرعة
طارق بجدية وهو يحاول أن يتذكر في عقله الأمور التي يجب أن تكون جاهزة بعد صلاة العصر غداً
: أقول تروح الحلاق اليوم أحسن ، وسوي تنظيف لوجهك كمان
شخر صقر بسخرية ورفع أنظاره لطارق باستهزاء : إيش رايك أسوي حمام مغربي كمان
طارق بذات الجدية : هذا اللي بيصير أصلاً
نـظر إليه صقر بصدمة قبل أن يقول بنرفزة : تعرف تنقلع ، ذا الناقص أسوي أشياء الحريم
طارق بنرفزة هو الآخر من ردة فعله : ومين قال لك يا صاحب التفكير الجاهلي إن التنظيفات هذه خاصة بالحريم بس
زي ما الحرمة تجهّز نفسها لزوجها ، حتى الرجال لازم يجهّز نفسه لزوجته
بعدم اقتناع قال بحدة قبل أن يعود للعبث بهاتفه : بسوي نفسي ما سمعت كلامك أحسن
في نفس الوقت ، قالت بغداد لوالدتها التي انتهت من تجهيزات وجبة الغدا وبدأت بأمر الخادمتين بتحضير سفرة الطعام
: ماما تعالي سلمي على البنت ، مرره اتأخرتي عليها وهي من أول تنتظر في المجلس
قالت ام فارس وهي تخرج من المطبخ ومن خلفها بغداد : أنا دحين كنت متعمدة إني ما أسلم عليها لمن دخلت البيت ؟! ، كنت مشغولة في المطبخ
بغداد : عارفة إنك مو متعمدة ، بس مو حلو إننا ما جلسنا معاها من البداية
توقفت ام فارس ونظرت إليها : إنتي ليش ما كنتي جالسة معاها من أول ؟
بغداد بتبرير : كنت جالسة معاها بس بعدين جاها اتصال من اختها ف قلت اخرج عشان تاخذ راحتها في الكلام
بس دحين حاسة إنو مررا طولنا على البنت وهي لوحدها
قالت ام فارس بملل ساخر من اهتمام بغداد الذي تراه مبالغ فيه بمجيء العنود لمنزلهم لأول مرة بعد حفل الزفاف
: طيب دحين بنروح نسلم عليها الشيخة بنت الشيوخ
مرت على الجلسة في الصالة و سلمت على طارق أولاً بسلام سريع ، لاحظت الراحة البادية على وجهه
هذه الراحة وإن كانت لم تتقبل سببها إلّا أنها تجعلها تغضّ الطرف عن كثير من الأمور
أكملت طريقها إلى مجلس النساء ، تأكدت من ترتيب شكلها عند مرآة المغاسل قبل أن تدخل إلى المجلس
فهي قبل وصول طارق والعنود بوقت كانت قد صعدت إلى جناحها واستحمت ورتبت نفسها جيداً لملاقاة كنّتها الجديدة التي لم تتقبّلها بعد
ثم عادت إلى المطبخ لتشرف على تجهيزات الغداء الأخيرة
عندما دخلت إلى المجلس رحبت بالعنود ترحيب هادئ ولكن بنظرات حادة متفحّصة لكل شبر منها
كان مظهرها كالعروس فعلاً ، تلبس فستان أوف وايت محتشم مبرز تفاصيل جسمها بطريقة غاية في الروعة
يُطلق عليها فعلاً القالب غالب ، إرتداءها لهذا الفستان هو ما جعله يبدو أنيق جداً وجميل جداً عليها
لم تكن ترتدي عقد بسبب فتحة رقبة فستانها الضيقة قليلاً لكن أقراط الذهب الطويلة كانت تغني عن العقد
وشعرها الطويل كان مسترسل على ظهرها بدون أي تموجات
جلست ام فارس بعد السلام عليها بجانب بغداد التي كانت تسأل العنود عن المواد التي أخذتها هذا الترم
والعنود ترد عليها بهدوء لكنها لم تغفل عن نظرات ام زوجها المتفحّصة ، ولم تغفل أيضاً عن مظهر الثراء البادي عليها
فهذا الفستان الذي ترتديه من أجل غداء بسيط قد رأته في أحد التطبيقات الخاصة بالماركات الفخمة ، لا تتذكر سعره جيداً ولكنها تتذكر أنه باهظ الثمن
وطقم الذهب الثقيل والأساور الذهبية التي ترتديها في يديها تخبرها بالمستوى المادي الذي نشأ عليه زوجها
لم تتضايق من المظهر الفخم الذي كانت تبدو عليه أم زوجها رغم أنه لايوجد أحد سواها
وكأنها قد تعمّدت أن تتكلف في مظهرها من أجلها لتثبت لها أنها ليست من أهل المنزل بل هي بمقام ضيفة
فهذا المظهر وهذا الجو هو ما تريــــــــــده وما تحبه
بعد دقائق أنضمت لهم في المجلس نور التي لم تكن بمظهر أقل من والدتها وإن كانت النوايا مختلفة
فَ نور المتحمسة للقاء زوجة أخيها الجميلة بذلت كل ما في وسعها لتظهر أمامها بمنظر جميل
جلست بجانبها وهي سعيدة جداً بوجودها هنا في بيتهم بصفتها أحد أفراد العائلة ، سألتها بعفوية : كيف كان السفر يجنن صح
خافت بغداد أن تفهم العنود سؤال نور بشكل خاطئ قالت لها بتنبيه : نوور
نظرت إليها نور وهي تقول بعدم اهتمام : إيش فيه ؟؟؟
ثم سألت العنود مرة أخرى : إيش عجبك أكثر ، أوروبا ولا المالديييييف ، شفت المكان اللي سكنتو فيه في المالديف
طارق صوّره لنا في القروب شي خرااافي
ابتسمت بغداد على ثرثرة نور مع العنود وهي التي تجلس معها لأول مرة ، واندماجها معها بشكل سريع وكأنها تعرفها طوال عمرها
أما ام فارس لم تستطع الجلوس أكثر ، تشعر أن الدقائق البسيطة هذه كانت ثقيلة جداً عليها
قامت من مكانها ، وقالت لبغداد التي نظرت إليها متسائلة : بروح أشوف العاملات كيف رتبوا سُفرة الغدا
وعندما همّت بغداد بالوقوف قالت لها بهمس : اجلسي مع البنت ، دقايق أصلاً وبنجلس مع بعض على السُفرة
تعدلت بغداد في جلوسها ونظرت إلى العنود التي كانت تجاوب على سؤال نور بقولها
: اوروبا حلوة بس طوال اليوم مشي فَ لمن رحنا المالديف كانت بعد اوروبا استرخاء وهدوء وروقان مررا
بغداد بمشاركة في الحديث : المالديف تجنن ، حسيت من جد لمن كنا هناك تخليكِ كذا ريلااااكس وعقلك صاافي
بس مو مره عاد ريلاكس مع نور اللي صرعتنا وهي تبغى تعمل كل فعاليات الجزيرة وختمتها بالتان
قالت أخر كلامها بمغايضة لنور التي قالت باندفاع : طيب هوا من جد المكان فيه فعاليات كثيير
وإنتو تقهروا من وقت ما رحنا جالسين قدام البحر طواااال اليوم
نظرت بغداد إلى العنود وهي تقول لها بمرح : هيا إيش رايك ، باللهِ وإنتي هناك وقدام البحر تبغي تسوي شي ثاني ، اكييد لأ ، صح ؟
ابتسمت العنود وهي تتذكر دروس السباحة التي كانت الفعالية الوحيدة التي قاموا بها
ولكنها لم تخبرهم بالطبع ، بدلاً من ذلك وافقت بغداد على كلامها
عندما انتهوا من تناول وجبة الغداء وهي واقفة تغسل يديها ، دخل طارق إلى المكان
اقترب منها وهو يسألها بهمس : كيفك
رفعت انظارها إليه وقالت وابتسامة عذبة تزيّن شفتيها : تمام
طارق باهتمام : وكيف الوضع ؟
العنود وهي تنشف يديها بإحدى المناشف البيضاء الصغيرة الموضوعة بجانب المغاسل : تمام طارق ليش تسأل ؟
أمسك طارق يديها برقة عندما فرغت مما تفعل وقال : عادي يا قلبي لو اتأخرتي شويه هنا في بيت أهلي ، بروح مع فارس و صقر الحلاق
وأكمل بتبرير : تعرفي بكره زواجه قلنا نروح معاه اليوم
رغم شخصيتها القوية إلّا أنها اكتفت من النظرات الحادة التي ترمقها بها ام زوجها لذلك كانت تفضّل أن تعود إلى شقتهم
لكنها قبل أن تبدي اعتراضها وصلهم صوت بغداد التي تنادي على طارق من بعيد وكأنها تنبههم إلى اقترابها من المكان
عندما وصلت إليهم بغداد قادمة من الصالة سألتهم : جالسين لسى صح ؟
قال لها طارق ممازحاً : ليش تسألي ؟ تبغينا نمشي ؟
نظرت إليه بغداد بأعين مُتسعة : لااا طبعاً وي ! سألت ابغى اتأكد لأنو جدة فاطمة جايه في الطريق وتبغى تسلم عليكم
سألها طارق : جايه عشان تسلم علينا مخصوص ؟
بغداد : لا هي جايه أصلاً بتنام هنا عشان زواج صقر بكره
طارق : على طاري صقر بروح له ، ثم نظر إلى العنود وكأنه يسألها إذا كانت موافقة على الجلوس هنا
عندما رأى ابتسامة موافقة بسيطة تظهر عليها قال لها : ما بتأخر ساعتين بالكثير وراجع
بغداد بمرح وهي تمسك بيد العنود : لا تخاف عليها ترى ما نعض
بغداد وهي توجّه حديثها للعنود بعدما جلست على إحدى الكنبات مبررة اختفاء والدتها بعد الغداء
: ماما طلعت تريّح شويه في غرفتها قبل لا تجي جدة فاطمة ، شويتين وحتنزل
ابتسمت العنود وهي ترد عليها بمجاملة وتمتدح جهد والدتها بإخراج سفرة الغداء بشكل جميل
لكنها في داخلها تحمد الله أنها صعدت إلى الأعلى ، بل هي تتمنى أنها لا تقابلها حتى خروجها من المنزل
بعد قليل أنشغلت العنود بهاتفها قليلاً ، لتهمس نور لبغداد وهي التي كانت من بعد وجبة الغداء تجلس بصمت في المجلس ومشغولة بهاتفها
: فااااتك ما شفتي إيش عمل طارق لمن كان واقف هنا قبل شويه
قالت لها بغداد باستنكار : وإنتي واقفة تتفرجي عليهم زي برج المراقبة
وعندما كانت نور تهمّ بالرد عليها ، قالت لها بغداد بهمس وهي تنظر إليها بتحذير : اسكتي لا تسمع البنت كلامك
لكن نور لم تستطع أن ترتاح إلى بعد أن أرسلت لبغداد في الواتس ( لو تشووفي كيف ماسك يدها ، كأنه ماسك ألماسة ، وعيونه قلووووب وهو يطالع فيها )
أرسلت لها بغداد وهي تحاول أن تكتم ضحكتها على نور الفضولية ( ما شاء الله هذا وانتي بعيدة وانتبهتي لنظراته وكيف يطالع فيها )
ردت عليها نور ( الأعمى بيشوف نظراته كيف ، والله ما اتوقعت طارق بيكون رومانسي زي كذا)
تنهدت وهي تفكر كيف تغيّر الجيل فَ نور التي لم تتجاوز السادسة عشر تستطيع بكل جرأة أن تعلّق على نظرات اخيها لزوجته
دون أن تشعر بالحرج لكونها رأتهم من الأساس ولم تغض البصر
لم تعقّب على رسالة نور ونظرت إلى العنود وقالت وهي تفتح موضوع جديد : إيش بيكون لون فستانك يالعنود في الزواج بكرة ؟
/
عندما خرج طارق إلى الصالة ، نظر إلى صقر الذي يقف بتبرّم ، كان ينوي أن يصرّ على موقفه ولا يذهب إلى الحلاق اليوم
ولكن والدهم عندما علم بنيتهم للذهاب إلى الحلاق أخبرهم أنه سيرافقهم أيضاً
فلم يجد صقر بداً من الصمت وعدم الاعتراض ما دام والده قد دخل في هذا الأمر
جاء فارس أيضاً من الخارج بعد ان اتصل على زوجة والده وأطمئن على أن والدهم لم يشّرفهم بزيارته اليوم وجميع الأمور مستتبة
كان بودّه أن يذهب اليوم إلى حي والده ويتكلم في المسجد برفقة معاذ والجيران مجتمعين بأن اخته منار بريئة ومن تسوّل له نفسه بأن يتحدث عنها سيلقى جزاءه
لكن معاذ أخبره بأن ينتظر يومين آخرين لكي يبحث بنفسه هو أيضاً في الموضوع أكثر
غير أن والدته فاجأتهم بهذا الغداء الذي لم يكن في مخططاته لهذا اليوم كان يريد إنجاز بعض الأمور الهامة لكن مع كلام والدته
وطلب بغداد بأن يجتمعوا للجلوس مع طارق بعد السفر وأيضاً اليوم جعله يوافق على مضض أن يأتي إلى هنا
حسناً حضوره إلى هنا و رؤيته لصقر وهو بهذا المزاج النزق كالمعتاد جعله يفكر بجدوى حضوره
على الأقل لن يتحمل طارق وحده هذا المزاج سيشاركه هو أيضاً هذه المهمة الصعبة
نزل خالد من الأعلى ويبدو عليه إستعداده للخروج من المنزل سأل طارق : الحلاق قلت لي وين مكانه ؟
جاوبه طارق بدهشة وهو يرى استعداده المبكر : بتروح من دحين معانا ؟ !
انا كلمت الحلاق قبل شويه وقال قدامنا أربعة قبل لا تجي أرقامنا ، أحسن لمن يقرّب الدور نكلمك تجي بدل لا تنتظر وقت طويل
خالد : نروح من دحين أفضل عشان نختصر الوقت و نخلص بسرعة ، عندي موعد بعد صلاة العشاء
طارق وهو لم يستوعب بعد مقصد والده : موعد إيش ؟
خالد : موعد مع أصحاب الثانويه لازم بعد الحلاق أرجع هنا أخذ لي دش قبل لا أروح أتعشى معاهم
ثم قال يستعجلهم وهو يرى صقر لا زال واقف في مكانه : حتقعدوا تحققوا معايا !! يلا امشوا قدامي
مشى صقر وهو يفكر كم أن والده يبدو بمزاج صاااافي جداً سيذهب إلى الحلاق ثم يذهب إلى العشاء مع اصدقائه القدامى
وغداً زفاف ابنه من ابنة صديقه ، كم يبدو خالٍ من الهم ولا شيء يكدره
بينما هو عندما بدأوا يتحدثوا عن تفاصيل ترتيبات حفل الزفاف غداً وهم جالسين على وجبة الغداء ، بدأ يستوعب أنه بالفعل الزفاف المنتظر غداً
ومع تفكيره في الزفاف جاء في عقله بالطبع زوجته وأفكارها المريبة بشأنه ما جعله يقول في داخله طوال الوقت بعد ذلك " اللهم سلّم سلّم "
قال طارق بتشكك لوالده وهو يفتح باب سيارته : أبويا زواج صقر بكره وإنتا رايح تتعشى مع أصحابك كيف ؟
خالد بانزعاج : إيش هو اللي كيف ؟
طارق : إيوه يعني الله يستر لا تتأخر وبكره الزواج و وراك سهرة طويلة
قال خالد وهو يتذكر حديث زوجته قبل قليل في غرفتهم المُشابه لما يقوله طارق : ما بتأخر إن شاء الله
ثم نظر إلى صقر الذي حرّك سيارته بسرعة وقال بغضب : دحين إش فيه اخوك ، تصرفاته مو عاجبتني بس قلت مع ضغوطات الزواج
لكن مو معقولة إلين قبل الزواج بيوم وهو مادّ البوز كأننا غاصبينه غصب على هذا الزواج
طارق كان لديه نفس هذا التفكير لكن لم يدر في خلده ابداً أن صقر من الممكن أن يُجبره أحد على فعل ما لا يريد
لكنه لم يفهم بعد سبب مزاجه السيء وأعصابه المفلوتة طوال فترة ما قبل الزواج هذه
قال لوالده بغرض تهدأته : غصب إييييش يا ابويا ، اخر انسان في الحياة ممكن ينغصب صقر
خالد وهو يشعر بالإرتياب قليلاً : أجل إيش فيه
طارق وهو يسير بهدوء في الطريق : صدقني مافيه شيء ، ممكن بس حاس بثقل المسؤولية اللي راح تكون على كتفه بعد الزواج
غير أصلاً تعرف كيف صقر ومزاجه ، مو شي جديد عليه اللي دحين بيسويه
ثم عندما رأى تنبيه لسنابة أرسلها فارس المرافق لصقر في سيارته فتح هاتفه
ابتسم عندما رأى فارس يصور صقر الذي فتح سقف سيارته الرياضية ويسير بسرعة متهورة قليلاً وصوت أغنية حماسية يظهر في خلفية الفيديو
مدّ الهاتف لوالده وهو يعيد تشغيل السنابة مرة أخرى وقال بشبة ضحكة : شوف ، باللهِ هذا إنسان ينغصب
أنت تقرأ
رواية الــسَــلام
Romanceهل كل إنسان يأخذ من اسمه نصيب ؟ بغداد ، مدينة السلام .. كانت مدينة ذائِعة الصيت في عهد العباسيين القديم تجمع بين العلم، والجمال، والثقافة، والرُقيّ .. حسناً ماذا إذا كانت هناك بغداد أخرى، ولكن ليس في العراق، بل في جدة ، عروس البحر الأحمر! وقد لاق بت...