بعد ثلاث أيام من بقائهم في المزرعة قرروا اليوم يرجعوا بسبب إصرار من أبو عبدالله ...
تنهد عبدالله وهو يضع الحقببة الصغيرة الي ارسلتها خالته كوثر ... وضعها في حثيبة السيارة ...
ليلج بعدها طالبا من بسمة استعداد لذهاب ...
سبقها ليركب في مقعد السائق ...
وهو يسرح من النافذة في المنظر أمامه ...
لم يستطع فهم ما بها ولما كل هذا الحزن من الليلة الناما فيها متوسدان أحضان بعض ...
ما ان اصبح الصبح حتى أنغلقت بسمة عليه رغم مروغته لها في حديث ...
لكن لا فائدة ...
فقد كانت لا تتحدث معه إلا إذا أصر و الاهم انها لا تنطق سوى بكلمة او كلمتين فقط ...
نعم بقي ينمان في نفس الغرفة لكن انتقلا لغرفة بسريرين ...
وهذا ما جعله يتأكد أنها تتعذب من قربه ومن زواجها به ...
اغلب الظن أن قلبها مملوك لغيره ...
لكنه لا يقوى على تحريرها ...
حتى التفكير يخنقه فكيف بتجسد هواجسه على أرض الواقع ...
تنهد طويلا وقلبه أثقله الألم ...
لم يعد يقوى على فرقاها...
فقد نهشه الشوق قبلا حتى التهم جوفه... فلم يبقى منه سوى هيكل تسيره نسائم عطرها كما أرادت ...
زعزع فكره وكيانه فتحها للباب لتجلسةبجانبه ورائحة عطرها الخفيف جعل خلاياه ترتجف ...
دفء قربها هذا يجعله كالمخبول لا يفقه شيء ...
خرجت منه زفرة حارة وجسده يئن مطالبا بقربها ...
التقط كفها مرقربا إياه لشفتيه ليطبق عليه قبلة عميقة طويلة أفقدته هو أنفاسه ...
تأمل وجهها وهو يحاول أخذ كفايته بملمس حرير كفيها ...
حمرة وجهها وارتباكها النابض من مقلتيها المرتجفين اجبره أن يخفف قليلا عنها ...
فحررها من شفتيه لينطق بعدها بصوت عميق متدفق بالمشاعر : صباح الخير ...
تلك كانت تذوب من قربه وما كان ينقصها الا قبلته التي افقدتها عقلها ...
فملمحه من بعيد يجعل قلبها يقفز دونها راجيا قربه ...
فما بالك وهو بهذا القرب والوسامة ...
فالمؤكد أنها سترتمي بحضنه طالبة المزيد ...
لكن رجع القليل من رباطة جأشها عندما نطق ...
لترد هي بصوت خافت محبب لأذه سامعه : صباح النور ...
ليرد ضاحكا وقلبه يرفرف من ملمسها وصوتها العذب : جعل كل أيام نور كذا ...
ليعيد الكرة بقلبة خفيفة مرددا بهمس لا يصل لمسامعها : الله يحفظك ويخليك لي يابعد روحي ...
منذ حرك بروية الي المنزل ...
أما هي فقد غاب عقلها ومسمعها وكل حواسها عما قال ...
فمنذ أمسك يدها تحس أن كل نبض وكل إحساس انتقل الي اين يضع يده فقط ...
فقدت نفسها وهي تئن بخفوت من تظغم مشاعرها انهنت قليلا ليقطر مطر عينيها بدون دراية أو فهم منها ...
لما سمع أنينها عقد حاجبيه منتبها لانحنائها وما ان ادرك انها تبكي جزع ليوقف السيارة بعنف ...
نزل مسرعا متجها لباب سيرتها ... ليفتحه ملتقطا إياه بعنف دون أن يسأل عن رأيها ...
حضنها بقوة حتى أصبحت تقف على أطراف أصابعها ...
لينطق بصوت فضح مشاعره : بسمة حبيبتي وش فيك ..
ليبعدها قليلا كي يرى وجهها متفحصا إياه بأصابع أنامله الباردة عائثا في كيان بسمة التي لم تستجب لأي شئ قاله أو فعله ... تخدر جسدها تماما وأصبحت كالدمية بين يديه ...
استغرب سكونها ليبعدها مجبرا عن حضنه ...
يريد قراءة ملامحها ...
لكنه لم يستطع ووجهها ملطخ هكذا بالحمرة ودموع متناثرة على وجنتيها .. .
تحدث بلطف كأنه يسكت طفلا صغيرا بقطعة حلوة : خلينا نتمشى شوي يمكن تتحسن حالتك ...
نظرت حولها باستغراب فليس هناك شيء سوى الكثبان الرملية متوزعة على مد الأفق ..
سحبها بلطف وراءه وهو يردد لعل ذلك يريحها: تعالي منظر الغروب مافي احلى منه ..
تبعته بصمت ليجلس هو على حجرة بارزة من وسط الكثبان الرملية ...
جلس ويده ما زالت تقبض على يدها ...
نظرت لوجهه لتذوب في تلك الابتسامة التي تداعب شفتيه ...
احست بقدميها تتحرك بخفة لتستقر اخيرا بين أحظانه ...
قال مبراا وهو يلتمس الخجل على وجنتيها: شوفي المكان مافيه شيء تجلسين عليه ... ربت على فخذيها ليكمل بصوت يتخلله البخبث : هنا اريح لك ولي ...
حاولت التحرر من سيطرته على مشاعرها وهي تستسلم له وتنظر في الأفق لتسرح في ذكرياتها ...
بين سكون الجو الجميل وتدفق المشاعر بينهما كل منهما يقول أن آخر يسترق السمع لنبضه من قوته وعلو صوته ...
عندما قارب الشمس أن تغيب نطق عبدالله لبسمة المتوسدة لحضنه وكانت مغلقة عينيها : حبيبتي خلينا نروح لسيارة ...
قاطعته بهدوء: عاجبني الجو كذا ...
ربت على رأسها ليطبع قبلة على جبينها : خلينا نجيب شيء نجلس عليه ونشعل النار قبل تغيب الشمس ...
هزت رأسها وهي تنتزع نفسها عن حجره أحست كأن الأمان ابتعد عنها ...
لكنه أمس كفها باحكام وهو يمشي معها نحو السيارة ويتحدث عن جمال الجو في هذا الوقت...
سرحا في ملامحه التي تعشقها ... مفكرة متى كانت بهذه الراحة والاستقرار والأمان من قبل ... لا تتذكر متى يمكن في الفترة التي كانت تعيش مع والدتها فقط ... رجف قلبها عندما تذكرت ندى كيف لها ان تنساها وتعيش حياتها كأن شيء لم يكن .... حقيقة ابتعادها عن عبدالله بعد تلك الليلة هو عقاب لنفسها أن تعيش براحة وهي لا تعلم الحقيقة عن الكذب ...
متخبطة هي بين هواجس وتوتر وعدم أمان وثقة ...
منذ أخبرها حمزة بما جرى وهي تكاد تتمزق ألما ...
كيف لإخوتها أن يطعنوها في الظهر هكذا خاصة وليد ورائد ...
كان قد وصل لسيارة منذ مدة ومنذ ترك يدها وهي تحدق في الفراغ أمامها ...
نطق مناديا وهو يحمل الاغراض من السيارة : بسمة شفيك ...
ردت بعد لحظات موقنة بمكانها ومع من هي: موب شيء ... تحتاج مساعدة ...
هز رأسه بالرفض وهو يكاد يصرخ فرحا أنها استجابت له : لا يا قلبي بس تعالي معي ...
هذه الكلمات التي تعهدها تجعلها كالحجر لا استجابة لها لكنها تمنحعا شعور أنها ملكت الدنيا ومن فيها ...
فرش عبد الله بساطا ووضع معه وسائد مريحة على مقربة من سيارتهم ... ليشعل النار بعدها ...
راجعا لسيارة ليحظر ما تبقى وهو يدندن بسعادة : الحمدلله ما شلت أغراض القهوى والشاي من السيارة...
فهو دائم السحر مع أصدقائه في البر لذلك مثل هذه الأمور لا تغيب عن سيارته ...
التفت لها متسائلا : انت وش تحبين ...
كانت ستنطق انت لكنها تستوعب نفسها وقالت بحرج استغربه : قهوى ...
عاد منحيا لها مقبلا أياها على خدهة لينطق بخفوت لا يسمعه سواهما ووجها قرب من وجهه وأنفاسهنا تتعانق : تأمرين يا قلب عبدالله ...
عبدالله كان سعيدا بقربها يحس أنه فاز بالدنسا والآخرة وأرض ربه لأنه انعم عليه بالشعور بدفئها ...
بدأ بوضع ابريق القهوى علي النار نتظرا اياها لتنضج ...
ليعود لجانب بسمة التي لا تزال تحت تأثير قربه وكلماته ...
لتنطق ما ان لمحته : عبدالله ...
قاطعها مصفرا: يا بعد قلبه ما احلى اسمي من ثغرك ...
انقلبت ملامحها وهي لم تكن تعي ما تقول بسبب تذكرها المفاجيء لسهى ...
ندم أنه اسكتها بعد ان تحدثت اخيرا ...
فجلس بجوارها يحثها على الكلام ...
لم تلتفت إليه لكنها تحدثت متساءلة بخفوت وخجل: انت ندري عن صديقتي ...
نظرت ناحيته حين نطق بتأكيد : اي اخت ليث ... وش فيها ...
ترددت لتنطق برجاء لطيف أخرق قلبه : اريد اتكلم معاها ...
لتسأنفة مبررة : من يوم كسر ابو ناصر تلفوني ما تواصلت معها ...
قاطعها رنين هاتف عبد الله ...
رد بهدوء: هلا يمة السلام عليكم ...
: وعليكم السلام وينك...
نطق بتبرير: يمكن اليوم ما نجي خليها بك..
ضرخت فيه بغضب : ان ماجيت الليلة لنت ولدي ولا اعرفك ...
ثم اغلق الهاتف في وجهه ...
لتنهي ليلتهما قبل ان تبدأ ...
أنت تقرأ
ما بينَّ الأيام ... بقلم: بسمة اللوتس.
ChickLitاخطو بقلمي في رواية " ما بينّ الأيام"... لأنثر عبرات أرواح كسرها جبروت ظالم ... هوس عاشق... وأنانية متملك... ففي صمت الليل وهدوءه تلك البسمة... تعطي الكلمة لجروحها لتدمي ... كل ليلة تغلق باب غرفتها لتمطر وسادتها بعبرات ... لعل جفاف قلبها يرتوي...