في اول يوم دراسي ، اجد نفسي خارج الصف .يا لها من بداية جيدة ، أليس كذلك؟
الان يجب علي البقاء في قاعة المراجعة ، انتم تعرفونها ، تلك القاعة التي يتواجد فيها صنفين لا ثالث لهما من الطلاب ، الصنف الاول هم العباقرة المهووسون بالدراسة و المراجعة خارج اوقات الحصص ، و الصنف الثاني الذي انتمي اليه " المطرودون من الحصص" . و لكن لا يهم هذا الان ، ما يهم هو انني تمكنت من الحصول على تصريح الالتحاق بالحصة الموالية .صحيح ان الامر كلفني بضع دقائق من التذلل في مكتب القيم المشرف على التصريحات ، بعد ان اخبرني هذا الاخير بأن التصريح يمنح فقط بحضور ولي أمري .كنت قد سردت له قصة معاناتي و معاناة والداي مع ظروف هذه الحياة في العمل دون تغيب لتوفير ابسط مقومات العيش و ان حضور احدهما هنا في هذا التوقيت بالذات سيسبب له مشاكل في توفير القوت اليومي . و رغم من ان ذلك الرجل البدين ذو الشارب الكبير لم يكن مهتما بكلامي ، او بالاحرى كان يتظاهر بالاهتمام ، فإن التصريح الذي منحه له لم يكن نابعا من تأثره الشديد بما حدثته به ، بل اعتقد حتما انه كان منزعجا بكثرة كلامي و خير ان يمنحني تلك القصاصة الصغيرة دون ان يضطر للاستماع لخواطري حول عبثية هذا العالم التي يصل مداها نحو استحالة وجود احد والدي هنا و في هذا التوقيت بالذات .
مرت الساعة الاولى خارج الصف و انا جالس في صمت كالجثة داخل قاعة المراجعة .الى ان اتت الساعة العاشرة و بدأت منها الفسحة الصغيرة داخل ساحة المعهد اين يتمتع الطلبة بخمس عشر دقيقة من الراحة قبل الالتحاق بالحصص الموالية .
كنت تائها وسط هذا التجمع الكبير ، و لم اكن ادري اطلاقا الى اين اذهب او كيف سأتمكن من معرفة رقم القاعة ، لم اكن اعلم حتى ماذا سأدرس الان ! اترنح بخطوات ثقيلة ، و من ثم لمحتها مجددا و هي قادمة .
تلك الفتاة النحيفة تبتسم طوال الوقت و كأنها تعيش النعيم على هذه البسيطة ، بدا لي من لغة جسدها ان تبحث عن شخص ما ، لقد كانت تلتفت يمينا و يسارا و من ثم تحدق نحو ساعتها اليدوية التي ترتديها و كأنها تسارع في البحث ، تبدو كشخصية مهتمة بجميع التفاصيل التي تدور حولها على الرغم من ابتسامتها الدائمة ، لو كنت مكانها لما ابتسمت للحظة واحدة في حياتي ، لأن الابتسام ينبع من اللامبالاة ، و لكنها شخصية مبالية جدا ..على الاقل معي .
ذلك ما ادركته عندما ايقنت بأنني الشخص المنشود الذي تبحث هي عنه ، ما ان لمحتني حتى ترجلت نحوي و هي تخرج من محفظتها ورقة متوسطة الحجم ..في خضم ذلك الضجيج من المائات من الاشخاص المحاطين بينا كنت اسمعها ..
- لماذا تأخرت عن الحصة السابقة ؟ سألتني .
حتى قبل ان ارتب بعض الكلمات كي اجيبها ،كانت بالفعل قد واصلت الكلام : اعتقد بانك لا تملك جدوال المواد و المواعيد , اليس كذلك؟
- نعم .قلت لها .
- حسنا ، الحصة القادمة ستكون رياضيات في القاعة رقم تسعة .خذ هذا الجدول و قم بطباعته في المكتبة العموميو امام المع و لكن لا تتأخر .
- شكرا.
- بالمناسبة ، هل تحصلت على تصريح الدخول ؟
- نعم ، هاهو ( اشرت اليه في جيب بنطالي )
- حسنا ، اذهب سريعا الان و لا تتخلف عن حصة الرياضيات .
لقد كانت تلك المحادثة السريعة غريبة بالنسبة لشخص ما مثلي ، كيف حدث ذلك و كيف تحاورنا بتلك السلاسة و الفعالية في خضم كل هذا الصخب و العشوائية ؟ لا اعتقد بأنني اشير للعشوائية من منظور الاشخاص المحيطين بي ، بل كنت استدرك العشوائية كجزء لا يتجزأ من كياني ، و لكنني الان استطيع التواصل به ! يا لها من خواطر عبثية تخالجني في وقت يجب علي التوجه خلاله الى المكتبة .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romantikانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .