"لا" تنفي بها شهور من الوهم الذي ظننت انك صنعته لنفسك ، و لكنها هي و الوهم من صنع الاخرين ..
احيانا تخالج الانسان اسئلة وجودية حول ماذا يصنع في هذا العالم الشاسع و ما سبب معاناته التي لا تتوقف الا في نهاية القصة ..و لكنها اسئلة سهلة الاجابة مقارنة بما يفعله هذا المحيط الاجتماعي بك ، فعندما تسأل نفسك سوف ترضي ذاتك بأجوبة مستنبطة من عقلك حتى تتمكن من مواصلة العيش ، اما هؤلاء الناس يكتفون بالنفي عندما تسألهم ، و لا يسردون الواقع و الحقيقة عندما تواجههم بها ..
قالت هيام " لا" ، بدون اطالة او تفسيرات في رسالتها عندما سألتها ما ان كانت تعلم بحقيقة مشاعري تجاهها ..امر يخلق لك تلك الاسألة التي يحتكر اجوبتها الاخرين ، صفاء تحتكر اجابة عن سؤال لطالما خالجني في ذلك الوقت و ما بعده ..عدا انني لم اتجرأ عن اخبارها بالسؤال "لماذا فعلتي ذلك بي؟" ..ظننت انه من الافضل ان تصارحني هي بكل ما اقترفته في الماضي عندما ضيعت عني فرصة الحب الضائع في مستنقع الكذب ..
اخبرت هيام في تلك الليلة انني افترضت ان صفاء اخبرتها و لم اكن متأكدا من ذلك ، لم استطع في ذلك الوقت الحساس ان اصنع بلبلة او شوشرة ،فالامتحانات النهائية على الابواب و الدراسة هي ما يهم الان مقارنة بمثل ترهات المراهقة هاته ..اخبرتها ان لا نتحدث عن الامر مجددا ، صحيح انني احببتها و لكن كان الوقت قد تأخر بالفعل ...فقررت حينها ان نواصل الدراسة دون الحديث عن الماضي ، لقد رميت الماضي ورائي لدرجة انني لم احاول مرة اخرى مع هيام ، لم احاول للمرة الاولى بالاحرى معها ..
تتوالى الايام و اصبح الاصدقاء غرباء تجمعهم فقط طاولة الدراسة مرة او اثنان اسبوعيا ..كانت الاجواء سامة جدا ما بيننا نحن الثلاث ، و حتى رابعنا احمد على جهله بكل ما حدث فإنه كان يشعر بأن شيئ ما على ما يرام ..و كان يكرر سؤالي عن انفراد حول الاجواء الغريبة التي تحيط بنا و لكنني كنت اكرر دائما جهلي حول الامر ..
نادرا ما كانت هيام تحدث صفاء ، بل و ايضا كانت تتجاهلها في بعض المواقف و تدعي انها كانت شاردة الذهن و انها لا تسمع ما تقوله الاخرى لها ..كنت ارى ذلك و ادعي انني لا ارى شيئا ، فالامر متوقع جدا من فتاة احرجتها صديقتها امامي و من ثم اكتشفت انها كذبت عنها ايضا في تفاصيل اخرى كمثل حبي لها ..
كانت هيام فتاة قوية الشخصية لدرجة انا لم اكن اصدقها ، ظننت انها مجرد طفلة باردة المشاعر و لكني ارى الان امرأة تتعامل بحرفية و ذكاء مع شخص تكرهه بشدة ، و على الرغم من ان صفاء اعتذرت لها اكثر من مرة حول ذلك الموقف فإن هيام كانت قد.غفرت و لكنها لم تنسى ابدا ..عدا ذلك فإن صفاء مجرد زميلة يستفاد منها دراسيا كما تستفيد هي منا ..
و لئن كنت اترجى ان تفسد احداهن الامر و تبادر بكسر ذلك الجو الغريب ، فإن ذلك لم يحدث ابدا ..
في ذلك اليوم عندما خرجنا نحن الاربعة من المكتبة العمومية بعد ساعة صامتة و هادئة ، قررت صفاء انها لن تعود مباشرة الى المنزل فإقترحت علينا ان نبقى في الكافيتيريا المحاذية للمعهد حتى نروح قليلا عن انفسنا ، و يبدو بانها كانت تعرف الاجابة مسبقا ..
وافق احمد على البقاء ، و لكنني رفضت متعللا بداوم العمل في المقهى ،و تبقت هيام اخر من يجيب ..و لأنني كنت اطوق بشدة لمعرفة كيف ستتعامل هي مع ذلك المقترح ، كنت اراقبها بشدة عندما سكتت قليلا و ابتسمت لاول مرة منذ فترة طويلة جدا ، على فكرة هيام ليست من نوع الفتيات اللاتي تبتسمن ، هي دائما معدومة الملامح ، و لكن في تلك اللحظة ابتسمت لدؤجة ان عيناها الكبيرتان اغمضا كليا و من ثم قالت و بكل بساطة "لا".
في تلك اللحظة شعرت برغبة شديدة في الانتقام من صفاء و اغاظتها ، حيث اردفت قائلا : " هيام هلا غادرنا؟" و لم اكن لأتوقع ان تقبل هيام اصلا مرافقتها لي بعد كل ما اكتشفناه ، و لكن بطريقة ما كانت هيام ايضا تسعى نحو انتقامها الخاص عندما التفتت لي مبتسمة و قالت :" هيا بنا يا وسام" .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romanceانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .