يوم الاحتفالات ، او ما يعرف عنه باللهجة العامية التونسية " الدخلة" ، هو يوم خاص جدا في حياة تلميذ الصف الدراسي الاخير " البكالوريا" ..
و لا اعتقد بأن يوم "الدخلة" موجود في اي معهد اخر اجنبي ، بالمقابل هو موجود تقريبا في كل ملاعب كرة القدم من الشرق الى الغرب .
يوم الدخلة مستنبط بالاساس من اهازيج مدرجات الملاعب اللاتينية ، قبل ان تبدأ مباراة كرة قدم تجد معلقات ضخمة فيها صور كاريكاتورية او مجسمات ثلاثية الابعاد تختلف اشكالها و لكن المهم هو المغزى منها ..فتعبر اذا هذه الاشكال و اللوحات المرسومة الضخمة عن رسائل معينة بعضها ثورية و البعض الاخر ناقدة و احيانا ايضا تكون ساخرة من اوضاع معيشية او كليشيهات سياسية ..و لا تتوقف الدخلة عن بسط المجسمات و اللوحات الضخمة و لكنها تتوسع لتكون اجواء كرنافالية بحتة اين تعلو اهازيج الجماهير بأغاني عامية ثورية من صنعهم للتشجيع و تأجيج ذروة الحماس ..و من ثم تبدأ مرحلة اشعال الشماريخ لكي يصبح الملعب اذا مغطى باللون الناري او الاحمر مع استمرار الغناء و التشجيع ..
لربما بعضكم يعرف القليل عن الدخلة ، اذا كان متابعا لكرة القدم ، انها ثقافة اكثر من كونها مجرد احتفال ..ثقافة متفشية على وجه الخصوص في دول شمال افريقيا ..و لكن ما لا يعرفه الكثير منكم انها في تونس ثقافة يصل صداها نحو المعاهد الثانوية حتى ..و الان في عصرنا الحالي اصبحت موجودو ايضا في اي شكل من اشكال الاحتفالات مثل حفلات الزفاف .اعتذر عن الاطالة و لكن اردت التفسير لكم ان غاب عنكم الفهم .
من اساسيات يوم الدخلة في المعاهد الثانوية، ان يتم حياكة قميص خاص موحد يرتديه جميع تلاميذ السنة الاخيرة ، لانه يومهم هم بالفعل ، يجب عليهم ان يحتفلو و يعرضو مهرجانهم امام تلاميذ الاقسام الادنى الذين سيحضرون للمعهد فقط للمشاهدة و التوثيق.
و لئن لم يكن يوم الدخلة اجباريا في حضوره ، و لئن كان ايضا يوما ممنوع الحدوث من قبل ادارات المعاهد .فإنه يوم خاص من المستحيل لشخص عاقل تفويته او منعه في الاصل ..انه يوم يتفق فيه الجميع على الاحتفال لساعات عدة من اجل تشجيع انفسهم اولا و الترفيه على النفوس قبل الفترة الصعبة القادمة في المقام الثاني .
و كانت قد بدأت بالفعل التجهيزات الخاصة لذلك اليوم المرتقب ، و ان تحدثنا عن تجهيزات فنحن نتحدث عن مصاريف لن تمولها اداراة المعهد التي بالكاد قبلت حدوث الاحتفال ..و لهذا يتوحب على تلاميذ البكالوريا التبرع لمشرفي هذا الاحتفال من اجل تحقيقه ..حيث يتم اختيار ممثل عن كل صف دراسي موكل بجمع التبرعات التي ستذهب لمصنع النسيج الذي سيحيك لنا القمصان الموحدة ،و البقية تذهب الى الزملاء المشرفين عن اللوحات و المجسمات .
في ذلك اليوم الذي رأيت فيه صفاء و طارق منسجمان و كأنهما عصفوري حب ، كنت في المقام الاول هناك من اجل صفاء ، و لكن بما انها رفضت وجودي ، كنت قد تجاوزت الامر مشيرا الى يوم الاحتفالات سائلا احد اصدقائي عن هوية المشرف عن جمع المصاريف في فصلنا ..و طبعا ستتوقعون بكل سهولة انها صفاء ..لو لم تكن صفاء لما اطلت الحديث عن ذلك اليوم المميز و الخاص الذي يلوح في الافق .
كنت في حيرة من امري , احيانا اقرر ان اعطي المال لاحد زملائي و يقدمه هو نيابة عني ، و احيانا اقول في نفسي انني سأتوجه اليها مباشرة ..و بالفعل بعد تردد طويل قررت ان اقطع عنهما اجوائهما الشاعرية و الحميمية ..اقتربت حذوهما و ألقيت التحية ، اجابني طارق بكل سرور و لكنها هي لم تتكلم معي ..هل ظننت يا صفاء انك كسرتني بتجاهلك ؟ قمت بإستخراج عملة ورقية بقيمة خمسون دينار و لوحت بيها امام ناظريها قائلا :" تفضلي ..تواصلي معي عندما يجهز قميصي "
اخذت صفاء مني المال و ذهبت في حال سبيلي حاملا في قلبي عدة اشياء اردت البوح بها في تلك اللحظة حتى استوقفني عقلي و اجبرني عن الدوران مجددا و مناداتها و الابتسامة تعلو محياي : " صفاء ،اراك يوم الدخلة " ..و من ثم غادرت في صمت .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romanceانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .