بقيت صفاء على حالها ، تتجاهلني كما كانت عليه بقية الايام الموالية ، و كأننا لم نكن ابدا اصدقاء ..و ظلت اعترافتنا حبيسة لكلينا لا يتجرأ احدنا على المبادرة بسردها ..منذ تلك المحادثة التي جدت بيننا عندما صرحت هي اننا لم نعد اصدقاء بعد الان ، انقطع تواصلنا كليا لأيام ..حتى اتى اليوم الذي يسبق يوم الاحتفالات، تحديدا يوم الجمعة ، كنت في ذلك الوقت من الصباح في المكتبة العمومية ادرس لوحدي صابا كل تركيزي على مادة الرياضيات..حتما هي اصعب مادة يمكن للمرئ دراستها ..في تلك اللحظة رن هاتفي على غير عادته و كانت صفاء من تتصل بي ، استغربت قليلا في سبب اتصالها و لكن سرعان ما اجبتها ، و بدون مقدمات او تحية قالت لي : " اين انت؟"
- في المكتبة ، لماذا ؟
= هلا خرجت لنتحدث ؟
- حسنا انا قادم .
كنت خارجا و في عقلي الاف الاحتمالات و الفرضيات حول ما تريد صفاء اخباري به على عجلة من امرها ، هل ستعترف اخيرا ؟ هل سنعيد فتح كتاب الماضي و تشطيب الخواطر الخاطئة في صفحاته ؟ و لكن لا يبدو ذلك ..كانت بالفعل تنتظرني في الخارج هي و طارق ، و هيام ..مهلا هيام ؟ مالذي تفعله معهما ؟ هل تصالحا و عادا لكونهما صديقتان ؟ هل كنت انا الغريب الوحيد في ذلك الوقت ؟ شعرت بذلك و انا اتوجه ناحيتهم بخطى ثقيلة قيدتها عدة مشاعر و كتل من التساؤلات ..هل حان وقت الاعتراف ؟ ..لم يحن بعد .
- صباح الخير ، القيت التحية عليهم .
بادرت صفاء برد التحية و من ثم دون مقدمات قالت : " طارق يريد اخبارك بشيئ ما "
- اعتذر يا وسام ، لقد اهملت في تعاملي معك في الوقت السابق ، لم اكن اعرف انك و صفاء كنتما مقربان جدا .
= فهمت ، لا عليك اخي ، لو كنت مكانك لفعلت ذات الشيئ فلا تقلق (اردت فقط التملص منهم و المغادرة) .
و لكن استوقفتني صفاء قائلة :" بما اننا على وفاق الان ، هلا طلبت منك معروفا ؟"
اجبت في دهشة من امري : " خير ان شاء الله ؟"
- هل تعرف شخص ما اسمه "فلان" ؟
كانت صفاء قد سمت لي احدى معارفي في الحي ، فأجبتها ب "نعم ، لماذا ؟"
- هل صحيح انه يبيع الشماريخ ؟
= شماريخ ؟ الهذا اردت الحديث معي؟ (ظننت انني تسائلت في نفسي و اذ بلساني ينطق لوحده )
- نعم ..( كانت تبتسم بطريقة مستفزة )
= حسنا ، مالمطلوب مني ؟
- نحن الثلاث ( تشير لنفسها و طارق و هيام) ، نريد شراء شماريخ من ذلك الرجل ..
= فلتذهبو لشرائه اذا ( اجبتها بنبرة غاضبة )
- ذهبنا بالفعل و لكنه رفض متحججا بأن الشرطة تراقبه و لا يستطيع التعامل مع الزبائن ..فهلا تكون وسيط البيع بيننا ؟
= وسيط بيع ؟
استخرجت صفاء من حقيبتها عملات ورقية من المال و قدمتها لي ، و من ثم قالت : " انها 100 دينار ، قم بشراء الشماريخ من عنده بقيمة 80 دينار و ال20 الباقية ستكون اتعابك "
لما ؟ لماذا ؟ لما تتم معاملتي بهاته الطريقة الحقيرة و الوضيعة ؟ من اشخاص ظننت في وقت ما من الاوقات انهم اعز الناس و اقربهم الى قلبي ..صديقتي المقربة و حبي الاول ..اهكذا اجازى ؟ اصبحت غريبا بينهم و تقبلت ذلك ، و لكنني لن اتقبل اهانة كرامتي و خدش كبريائي ! 20 دينارا اتعاب ؟ هل تظن تلك الفتاة انني سمسار ؟ لقد كرهتهما بشدة في ذلك الوقت , الاولى تهينني بطريقة غير مباشرة و الثانية تتفرج في صمت عىى عرض تدميري ، و الثالث شاهد على ذلك ..يا لهم من مجموعة من الحمقى المراهقين ، حتى و ان ارادو الانتقام مني فهنالك اللاف الوسائل الارقى من ذلك التصرف الصبياني ..
كنت افكر في الرفض القاطع لطلب تلك الفتاة الغريبة ، نعم اصبحت في مخيلتي فتاة غريبة عني ، و لكن سيكون رفضي مجرد تقبل غير مباشر لإهانتها لي ، و لهذا كنت قد عددت الاموال و استخرجت ورقة نقدية بقيمة 20 دينار و لوحت بها عاليا بين يداي : " حسنا ، سأجلب لكم ما تريدونه ، اما هاته العشرون دينارا أنا في غنى عنها ، ثم تركتها تطفو مع الرياح ، شأن تلك العملة الورقية شأن صفاء و هيام و ذلك الفتى المتعجرف ..بالنسبة لي في ذلك اليوم كانو قد ذهبو مع الرياح .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romanceانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .