ها قد حل ذلك اليوم ، يوم السبت الذي يوافق يوم "الدخلة" ..
لم استطع كبح نفسي فوصلت للمعهد على الساعة السابعة صباحا قبل ان تبدأ التحضيرات حتى ..اخبرونا سابقا ان ذلك اليوم سيتم عرضه مباشرة على العديد من صفحات الفيسبوك الكبيرة ، كانت تظاهرة ضخمة جدا في اكبر معهد ثانوي في افريقيا و كانت التوقعات متداولة على ان ذلك اليوم ستكتسي فيه مدينتا باللون الاحمر و سيسمع صدى الالعاب النارية على بعد اميال عدة ..
و بالفعل كان المعهد شبه ممتلئ بالبشر سواء كانو طلاب او غرباء اخرون اتو لتوثيق الحدث بالكاميرا ..
تبدأ الاحتفالات على الساعة الثامنة صباحا ، تحديدا بعد ترديد النشيد الوطني ..ما تلى ذلك النشيد الذي استمع اليه الجميع في صمت ، كان عبارة عن اربع ساعات من الصخب و الجنون ..
الغرباء و طلاب الصفوف الادنى في المعهد و حتى من اعضاء ادارة المعهد ، كانو جميعا متجمهرين في تلك الساحة الواسعة ، ساحة المعهد ، لعلها اكبر ساحة معهد ثانوي في هذا العالم ..و كانت مكتظة بالبشر في ذلك الوقت ..
كنا نحن طلاب الباكالوريا بمختلف شعبنا متجمعين امام ابهاء المعهد التي تحيط بمختلف القاعات فوق الجميع الذين يشاهدوننا ، بقمصاننا الموحدة ننتظر طرق الطبول من اجل بدأ الطقوس ..
كان هذا الكرنفال عبارة عن عدة عروض فنية و ترفيهية ، مثل الرقص و الغناء و الحركات البهلوانية ..كان الجميع في الساحة يحيطون بتلك الرقعة المدورة التي شهدت مختلف العروض الممتعة و الشيقة على انغام الاغاني الثورية و اهازيج الجماهير ..
و لكنني لم اكن موجودا من اجل ذلك ، كنت موجودا لفقرة واحدة فقط ، و هي فترة عرض "الدخلة" ..لأنني اردت بشدة ان اتعرف عن رسالة رسامي الغرافيتي لطلاب الباكالوريا هذا العام ..
و لقد بدأ العرض الرئيسي و الاهم على الساعة العاشرة تحديدا..العرض الذي فتح كل من في ساحة المعهد هواتفهم من اجل توثيقه على الهواء مباشرة ..عندما بدأت "الدخلة " في الظهور على جدار المعهد الكبير ، و لقد كانت واحدة من افضل اللوحات التي يمكن للإنسان رؤيتها ..لوحة ضخمة تعكس قيمة و ثقافة بني وطني ، تعكس تشبثهم بجذورهم و سعيهم نحو المعرفة ، كانت لوحة تعكس درجة الوعي الكبيرة التي وصل اليها شعبنا بعد الثورة الوطنية و ما تلتها من ايام صعبة زعزعت استقرار و امن بلادنا ..لقد كانت لوحة مستلهمة من مقولة العالم العبقري "البرت انشتاين" : "العلم دون دين اعرج ، و الدين دون علم اعمى" .
و لقد اتت رسالة طلاب المعهد تزامنا مع احداث ارهابية تعرضت لها بلادنا في ذلك الوقت اين سفكت دماء الابرياء و استشهد فيها جنودنا البسلاء تحت اسم ما يسمى "الجهاد" ..امر استنكره العديد في ذلك الوقت و لكنهم ايضا القو بالتهمة على الدين و تطاولو عليه في برامج التلفزيون و الاذاعة و حتى على مواقع التواصل ..كان يتصيدون للإسلام، اولئك العلمانيون ارادو ان يدمغجو الشباب على ترك دينهم و اتباع ايدولوجيات اخرى ..لكن ها هو الشباب الواعي و المثقف يرد عليهم جميعا ..يرد على الهمجيين الارهابيين و يرد ايضا على العلمانيين المتطرفيين ، في رسالة من الشباب ان الدين و العلم يتساويان و لا يتنافران ، بالدين نعيش و بالعلم نتطور ..فلن يغير اذا اولئك الفرادى الارهابيين نظرتنا نحو ديننا المسالم و لن يغير اولئك المثقفون المزيفون ان الدين و العلم يتقدمان سويا ...
و طبعا كانت هنالك لوحات كاريكاتورية اخرى تحمل رسائل عدة متعلقة بتاريخ هذا المعهد العريق و بتاريخ مناضلينا ايام الاستعمار الفرنسي و عدة رسائل قيمة اخرى جعلت من حدث الاحتفال ارقى بكثير من ان يكون مجرد رقص و غناء و عروض عشوائية..
ما ان غطت اللوحات و المعلقات اسوار المعهد ، تلتها بعد حين عروض الشماريخ و الالعاب النارية ..لقد كنت احمل معي شمروخا واحدا اردت اشعال فتيله و المساهمة في تحويل السماء الى اللون الاحمر ، و بالفعل قد اشعلته و طبعا هي ليست المرة الاولى ..لأنني تعرضت في السابق لمثل هذه الاجواء في ملاعب كرة القدم...
و لكن كان يبدو لي بأن المعهد صحيح تلون باللون الاحمر ، لكن شيئ ما كان خاطئ حول احتفال الشماريخ ..!
بدأت اسمع صيحات فزع و هلع و هالة من التوتر في البهو ..لقد فهمت الان ! اغلبهم يشعلون الشماريخ لاول مرة في حياتهم ! خصوصا الاناث منهم ! ..حينها تذكرت تفصيلة واحدة غابت عن ذهني في اليوم الذي يسبق يوم الاحتفالات ! اليوم الذي جلبت فيه الشماريخ لهيام و صفاء ! نسيت ان اخبرهم كيف يشعل الفتيل و متى يجب عليك القاء الشماريخ من يديك حتى لا تحترق ..حينها ادركت ان كارثة ما ستحصل بعد حين .او قد حصلت بالفعل .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romanceانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .