كم من مرة تعرضت فيها للرفض ؟ لربما بدأ ذلك قبل ان اولد حتى !
لربما في تلك الليلة زفت امي خبر حملها لأبي فرفض ذلك ! بالكاد هو يعيل زوجته و صغاره الثلاث ،فما بالك بالضيف الجديد؟ لطالما راودتني هذه الفكرة طيلة حياتي عندما عرفت من امي انها توقفت عن كونها ربة بيت و خرجت لتكدح في مصنع الاحذية بعد ميلادي بسنتين ، تستذكر اماه ماضيها و كفاحها مع ابي في قالب من المزاح و التسامر ما قبل النوم ، عندما كنا صغارا و لا نملك ما يرفه عنا ، كنا نستذكر الماضي بسخرية ، تلك اقصى مقومات الرفاهية المجانية .و لكن تلك القصة حول خروجها للعمل بعد ميلادي لم استطع بلعها لهذه اللحظة ! هل كان ابي قادرا على اعالة اربع انفار بالطوب و الاسمنت و لكن النفر الخامس اضطر امي للكفاح ؟
اتسائل ما ان رفض ابي ايامي الاولى داخل احشاء امي و اخبرهها ان تجهض؟ و طبعا لن نعرف ذلك ابدا لأن الخوف كان يقتلني من طرح هكذا سؤال و في هكذا ظروف ، يجب علي التزام الصمت و التظاهر بأنني لم اكن مرغوبا به و لولا عاداتنا و تقاليدنا و ديننا فلما وجدت اصلا .
و لكن الرفض الحرفي بطابع ال "لا" الطاغية كان موجودا و بكثرة في حياتي ، لعل اقسى رفض تعرضت اليه هو رفضي من الفريق المحلي لكرة اليد ، كنت امتلك الموهبة و لا ازكي نفسي ، اولئك الذين لم يستطيعو مجاراة تسديداتي في ملعب المدرسة هم من تناقلو الحديث الى مدرب الفريق ..و هو من اقنعني بعد عناء شديد ان انضم للتدريب و من ثم رفضني لأنني العب بيدي اليمنى و الفريق في حاجة الى شخص اعسر ..انت من جلبتني هنا و انت من طردني تحت هذه العلة الرخيصة فقط لينضم احد معارفك ، انت تمنحني الامل ثم تقتله امامي ، لم و لن انساك يا رجل .
و لم انسى و لو لمرة واحدة كيف وصل مستوى الرفض في اوجه لدرجة انني رفضت قبل ان اتكلم حتى ، رفضت في دردشة الفيسبوك عندما اخبرتني صفاء ان هيام لا تحبني كما احبها و انها لا تراني رجل حياتها .
يمكنني تفهم حماس الشباب عندما يحلق بك في السماء ثم يلقي بك على الارض باقصى قوته .حماس الشباب هو من اوهمني بأن الحب من النظرة الاولى ملزم على الشخصين ، كنت اظن انني اذا احببتها فستحبني و انني اذا دعوتها فستأتي .و لكنها لم تأت ابدا .
يوم الاثنين الموالي ، كنت قد قررت بالفعل ان اضع حدا لحماس الشباب و ان اذهب لكي يتم رفضي بطريقة ملائمة ..حينها ترجلت نحوها بكبرياء مزيف و كاريزما متصنعة و قلت لها : " هيام ، استاذ الرياضيات لن يأتي ،هلا درسنا معا في قاعة المراجعة ؟"
= لا اعلم (اجابتني بملامح باردة )
- سأنتظرك ( تقمصت شخصية صفاء و ابتسمت لها) .ثم غادرت في انتظارها هناك و لكنها لم تأت .
ايقنت حينها انني رفضت بالفعل مرتين ، في العالم الافتراضي و في العالم الحقيقي ، يا لها من قسوة شديدة ان يبدأ القدر في اجابتك عن تساؤلاتك الوجودية بهذا العنف و العدوانية .
ظللت صامتا متمنيا في قلبي ان تظهر هي في الافق ، حتى مر ثلث ساعة ؤ حملت حقيبتي و غادرت تاركا الكثير و الكثير في تلك القاعة الضخمة .حينها بدأ التحول .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romanceانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .