عندما يطلق احدهم العناء لأسوأ شروره ، يجب عليه كبحها في نفس اللحظة ..او فقط ليستمتع بما ستصنعه به .
و لأنني لم استطع كبح غضبي و شري و حقدي ، تمنيت لاول مرة في حياتي ان اقابل اثناء مسيري نحو المنزل شخصا ما يتجرأ حتى على استفزازي كي ابرحه ضربا ..كانت لدي رغبة شديدة في العنف لأن ما فعلته في ساحة المعهد لم يشفي غليلي ، و لأنني لم اتجرأ على خلق مشكلة من العدم و افتعال مشاجرة مع احدهم ، وقفت داخل ذلك السوق المخصص للمنتجات التقليدية الذي يعج بالزوار ، نظرت للسماء و بدأت في الصراخ بأعلى قوة و انتظرت احدهم ان يأتي و يكبح زمجرتي فينال مني ما اردته بشدة ..العراك ، تمنيت ان يلحظني احد ما حتى اقوم بلكمه بشدة و لكن كنت مثل الابرة في المحيط ، لا احد يسمع صوت ارتطامي بالقاع و لا احد يراني حتى.
لسوء الحظ ، لم استطع كبح الاحتقان داخلي في ذلك اليوم ..تمنيت لو تدخل احدهم و ابرحني ضربا حتى استيقظ من مستنقع ظلامي ..و لكن الاحتقان رافقني الى المنزل اين اغمضت عيناي ودخلت في سبات عميق .
كانت الايام الدراسية الموالية لذلك اليوم السيئ في حياتي ، كانت ايام صعبة جدا ، خصوصا عندما بدأ زملائي الجدد في الصف الدراسي الاخير في التعرف علي اكثر دون ان يطلبون مني فعل ذلك ..انا بالنسبة لهم شخص خطير يجب تفاديه ، و لهذا تفاداني الجميع و اصبحت قطعة جماد ملقاة في اخر القاعة مهما تغير رقمها و مكانها ..عدا انني لم ارد تصحيح ما يضمرونه لي و ما يعتقدونه عني ، بئس الامر ، ليصنعو ما يحلو لهم ، انا لا اهتم ..حتى من هيام ..سبب غضبي و ضحيته ، لم اعد اهتم بما تظنه او ستظنه عني ، لقد خيرت ان اتركها في سبيل حالها دون محاولات اخرى ، حتى مع حبي لها ..كنت قد تحولت بالفعل .
اتذكر في مرة من المرات ، تحديدا في حصة اللغة الانجليزية ، و كسائر وجودي في اخر القاعة اجلس وحيدا كما كان عليه الامر منذ اصبحت سيئ الصمعة ..اتت هي و جلست بجانبي .
لم تكن صفاء الفتاة العاثلة التي ستطلب اذن الجلوس حذوي ، قامت بذلك دون موافقتي و لم ارفض ذلك ،كنت دائم الاعتقاد ان تلك الفتاة لا تأبه بسير القطيع رغما عن شعبيتها الواسعة في ذلك الوسط ..جلست بجانبي و بدات الحصة حتى انتهت ثم غادرت دون كلام .
انتهى الدوام المسائي على الساعة السادسة مساء ، كان الليل قد خيم بالفعل و قلت الحركة في المعهد و في الرقعة المحيطة به ، كنت اتمشى نحو المنزل مع سيجارتي العاشرة و الاخيرة ..حتى سمعت صوتها تناديني : " مهلا "
- صفاء ؟ ماذا تريدين ؟
= الطريق مظلم و مخيف جدا ، هلا رافقتني ؟
- لقد وصلنا بالفعل لمفترق الطرق ، سأواصل الى الامام بينما ستنعطفين الى اليمين .
= وسام ، هلا رافقتني ؟ هذه المرة فقط. اعدك .(كانت تتحدث بنبرة يائسة )
وافقت بعد الحاحها الشديد و بعد ان رأيت في عيناها ذلك اليأس في الطلب و ذاك الخوف من الظلام .
لم تمر اكثر من دقيقة حتى بادرتني بالكلام ،و لكن هذه المرة لم تكن تبتسم ، لقد كانت هادئة و تمشي بترنح و رأسها مصوب الى الارض ، ثم قالت : " ما عهدتك هكذا؟" .
- ماذا تقولين ؟ (بنبرة غاضبة)
= اخبرتك بالفعل انها لا تحبك ، لماذا افسدت الامر .
- لم اعد اهتم ,.تجاوزت الامر بالفعل .(كنت أكذب )
سارعت صفاء بالتقدم امامي و التفتت نحوي ماشية الى الخلف ، ثم سألتني : " حقا ؟ لم تعد تحبها ؟"
- ما خطبك ؟ انت تعيقينني !
= هل اطلب منها منحك فرصة اخرى ؟
حينها عدت مجددا الى يأسي الطفولي و سالتها : " هل ستفعلين لك؟"
ابتسمت صفاء ، و من ثم سارعت في الضحك و قالت : " كشفتك ، انت لا تجيد الكذب ".
واصلنا المسير حتى اختارت هي ان تكمل بقية المشوار لوحدها و من ثم عدت ادراجي نحو الديار هائما في مستنقع افكاري .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romanceانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .