مذكرات العقد الاخير : التحول

45 7 1
                                    


بعد يوم دراسي طويل و شاق ، ها انا مجددا في المنزل ، المكان الوحيد الذي يرحب بي .طبعا ليس بالمجان ، يعلم الله وحده كم يعاني والداي من اجل توفير مصاريف الكراء و فواتير المتراكمة علينا من كل صوب . ذلك المنزل المتهالك هو كالبلاعة تماما في اول ايام كل شهر ، و ما ان دفعت له يعود لكونه اثني عشر جدار تشكل مطبخ و صالون صغير يبيت فيه والداي و غرلة اخرى تتسع لي و لاخوتي الثلاث .
و رغما من ان ذلك المكان الوضيع الذي نتجمع في نحن الست قابل للانهيار في اي وقت كان ، الا انه يشعرنا بدفئ العائلة و يذكرنا دائما اننا ما ان غادرناه في كل صبيحة يجب علينا الكفاح لبقية اليوم من اجل ان نغادره الى الابد و نحاول الوصول نحو مكان يرحب بنا و نرحب به ..لربما سيتحقق ذلك في المستقبل ، اما الان فلا ، الان يجب علينا العمل لتحقيق ذلك .
اخي الاكبر هو اعظم شخص قابلته في حياتي ، لقد كان و لا يزال شابا مكافحا و عصاميا . يدرس الهندسة الميكانيكية و في نفس الوقت يزاول عمله في صناعة الفخار و صقله ، و كان يملك تلك القوى الذهنية و النفسية للتوفيق بينهما . يا له من رجل يستحق ان يكون مثالا يحتذى به ، و لكن ليس هنا طبعا .
شقيقتاي يزاولن دراستهن الجامعية ، الكبرى ستصبح يوما ما احد اطارات الجيش الوطني ، اما الاخرى اتبعت حلمها في ان تكون مدربة "تايكواندو" و ان تحصل على شاهدة تدريب معترف بها وطنيا و اقليميا .
و لئن كان حوار الاشقاء الاربع قليلا دون ان نتمكن من الحصول على حوارات طويلة و معمقة اين نتعاضد على حل المشاكل او نحظى بذلك الدفئ الاسري الكافي ..الا اننا جميعا كنا نعي بأن احدنا لن يسقط و سيصارع اشقائه في مكانه و سنبقى كتلة واحدة لا تتجزأ مهما طال بنا الدهر و اننا حتما سندفع دين والدينا علينا و لن نجعلهم في وما ما يعيشون بهذه المهانة .
كنت قد وصلت للمنزل و وجدت اخي يتحضر للمغادرة متجها نحو المبيت الجامعي اين سبقه شقيقتاي بالفعل منذ ايام .
كنت اريد اخباره بما حدث لي في اول يوم دراسي لي و لكنني لم اود ان املأ رأسه بمثل هذه الترهات ..و لكنه سرعان ما شعر بأنني اريد التحدث فسألني : كيف كان يومك الاول؟
- يوم عادي كسائر الايام (اجبته بطريقة ساخرة)
- جميع الايام سواسية الا ايام هذه السنة .(قال لي)
- ماذا ؟
- وسام ، يجب عليك ان تجتاز اختبار الباكلوريا بنجاح .
- طبعا ، الا تثق بأخيك؟
- انت تعرف مقصدي ! يجب عليك ان تجتاز الاختبار بعلامات جيدة حتى تتمكن من ارتياد مدرسة المهندسين ، تذكر ذلك .
- نعم ، لك هذا .(اجبته ضاحكا)
- اريد منك ان تحافظ على هذه الابتسامة عندما يحل شهر يونيو القادم .انا ذاهب الان .
قالها ثم ودعني و لقد كانت من النوادر ان يحادثني اخي الاكبر بمثل تلك الصرامة و كأنه يخبرني بأن اضع صلب تركيزي على الدراسة فقط ، و كأنه يعرف كل ما حدث في هذا اليوم الطويل الذي لا ينتهي .

مذكرات العقد الاخير .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن